الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الوضع/ الدرس ( 22)/ الاخبار والانشاء الدرس (6)

كان الكلام في مراحل الانشاء والاخبار ، وأن الانشاء متضمن لأخبار واحد أو أكثر ، وكذا العكس أي ان الاخبار متضمن لأنشاء واحد أو أكثر ، وكيف يتضمن الاخبار إنشاءً وبالعكس فكيف يمكن إكتشاف هذا المطلب وأما تصويره فهو واقع ؟

مثلاً الانشاء لابد أن يكون صادراً عن داعي ، وصدوره عن داعي هذا ليس إنشاء بل اخبار فالمنشيء يخبر عن وجود الداعي لديه الذي صدر عنه الانشاء ، ذكر علماء البلاغة مثلا أو اللغة تسعة دواعي (تمني ، ترجي ، طلب ، زجر ، استفهام ) وهذا العدد نموذجيا لا حصريا وإلا فالدواعي تكون كثيرة جدا .

ومثلا موجود في الانشاء عند خصوص المقنن أنه يُنبئ عن ان هناك في المتعلق للحكم مصلحة اذا كان الحكم إيجابياً ، واذا كان الحكم زجرياً فمتعلق الحكم فيه مفسدة فنفس الانشاء يتضمن إخبار عن أنَّ المتعلق فيه مضار أو مفاسد ، سواء مضار أو مصالح دنيوية أو أخروية .

مثلاً البائع او المشتري او كل عقد معاوضي آخر كلٌ منهم يخبر أن لديه إرادة جدية حاضرة في الوفاء بالعقد ، وهذا إخبار ولو لم يكن لديه إرادة لما أقدم الطرف الاخر في التعاوض معه ، ولذا افتى الفقهاء طبقا للنصوص الواردة عن أهل البيت ^ في القرض انه حين الاقتراض واجب شرعاً ان يكون عند المقترض صدق إرادة بأن يفي بأداء القرض ، وإلاَّ يكون أخذاً المال سَرقة وغصباً ، فالإنشاء الصوري ان لم يكن عن إرادة خبرية ووجود واقعي يكون هذا إلانشاء صوري لا يترتب عليه أثر .

فالمقصود مثلا الوكيل في بحث المضاربة [[1] ] الوكيل عندما يجري العقد هل ينويه لنفسه او لصاحب

المال او لا هذا ولا ذاك ، وقد تعرضنا لصور عديدة ويترتب عليه آثار فالقصد المنوي في الباطن ليس إنشاء بل حكاية في حين انه استخدم الايجاب لإنشاء البيع او غيره من العقود لكنه عن قصد وهو مؤثر

والمعروف عند مشهور المتأخرين في بحث المضاربة انه قصد التعاوض بعين المال فمالك المال هو طرف المعاوضة كالثمن المعين الذي بيده وكان لزوجته أو لأخر ، ونوى ان طرف العوض هذا المال فهذا قصد لا انشاء ، فاذا قصد ان طرف التعاوض هذا المال فتلقائيا تكون المعاوضة لصاحب المال ، بقانون المعاوضة بأن كل منهما يدخل حيث خرج منه الاخر ، واذا قصد نفسه مباشرة وإنما سيسدد بالمال وهذا ما يعبرون عنه بأنه هل أوقع المعاملة على شخص المال أو أوقعها على مالٍ كليٍ في الذمة فهذا ليس انشاء بل اخبار ، والانشاء هو البيع وهو حلقة الوصل وأما قصده العوض أي شيء هو فهو قصد خبري والمعروف عن الاعلام مـتأخري كم عصر من الاعصار السابقة التفريق بين قصد التعاوض بعوض كلي في الذمة مثلا انسان مصدر كسبه من الحرام ـ كالمخدرات أو الغناء والملاهي أوالدعارة أو السحت أي حرام ودنيء ـ ولكن حين يذهب للتعاوض ـ كشراء بيت او طعام أو غيره ـ يقصد مال كلي في الذمة ثم يسدد من المال الحرام ، فهذا بحث قصدي خبري وليس انشاء والإنشاء هو خصوص البيع واما طرفي البيع فهو قصدي إخباري ، والمعروف عند متأخري الاعصار انه إن قصد المعاوضة (سواء مشتري أو بائع او إجارة) على ثمن كلي في الذمة ( ان كان مشترياً ) أو المبيع الكلي في الذمة ( ان كان بائعا ) فالعقد في نفسه صحيح ، ويتملك الثمن والمثمن ، وتبقى ذمته مشغولة بالدين لأن تسديده بمال حرام لا يعد سداداً ، ولكن نفس العقد صحيح وأكله وشربه صحيح لأنه أوقع المعاوضة على الكلي .

وأما اذا كانت المعاوضة على جزئي فتكون حرام لأنها ملك لصاحب المال الجزئي ، أذن المعروف هو هذا التفصيل والنصوص موجوده لعله في الباب الرابع من أبواب ما يُكتسب به ولكن هناك نصوص مغايرة لذلك .

السيد اليزدي وجماعة ـ وهو الذي نتبناه ـ يفصلون انه اذا قصد الكلي ولكن في قرارة نفسه أن هذا الكلي ليس له سداد إلا من هذا مال حرام ، أو مال غيره كزوجته وهي لم تعطي المال إلا لتكون شريكة معه ولم تعطيه بعنوان القرض فلا يتملك الأرض بمفرده ، وان أوقع البيع على ثمن كلي ، لأنه كان يقصد بإرادة جدية ـ وهذا بحث خبري ـ ان يسدد الثمن من ماله ومالها فبالتالي تلقائيا هو قاصد عوض معين لا عوض كلي ، وهذا في الوكيل في المضاربة أيضا كذلك لأن هناك بعض الوكلاء في المضاربة لما يأخذ المال من المالك يقول صحيح أني قلت له أنه بعنوان المضاربة ولكني سأبني على أنه قرض والارباح كلها لي وأوقع البيع بنحو كلي وكذلك الاستثمارات لي وبعد ذلك أُرجع له قرضه ، وبعد ذلك لما يُجع المال لصاحبه يخبره أنه نوى المال قرضا .

وهنا يأتي الاعلام يفصلون بين الشخصي والكلي كما تقدم ولكن السيد اليزدي في كتاب المضاربة من العروة يفصل ـ وهذا التفصيل في محله ـ سيما اذا لم يكن للمضارب مال فلا إعتبار له إلا بمال صاحب المال .

اذن يحتف بالإنشاء جملة من المفادات الخبرية وهي تؤثر حتى على الانشاء وأنه يقع او لا يقع وكيف يقع وتحليل هذه المضامين الخبرية بالغ الأثر .

مثال الخبر يتضمن انشاء وأخبار أخرى : مثلا عندما يقول المخبر ( زيد مصارع لهواه ، ودائب المصارعة لنفسه ) فيعتمد المستمع على هذا التوثيق لكون هذاالخبر متضمن ان المتكلم عنده علم بهذه الصفة كما ذكر علماء البلاغة ، أنَّ كل متكلم لما يخبر بخبر فهو يخبر بخبرين :
الأول : اخباره بالصفة وهي أن زيد مخالف لهواه .

والثاني : انه لديه علم بإتصافه بتلك الصفة ولو كان المتكلم يقول أحتمل هذا فلا يرتب السامع على ذلك آثار كثيرة بخلاف مالو كان إخباره جزمياً ولما كان لديه علم بذلك إعتمد السامع على ذلك الخبر فإعتماد السامع على الكلام المطابقي للمتكلم بسبب المدلول الالتزامي وأنه على علم بذلك ولا يظن السامع أنه ذكر ذلك من باب الاحتمال

إذن خبر يعتمد على خبر فإن لم يكن ذاك الخبر موجوداً فهذا أيضا ليس بموجود .

أما كيف يكون في الانشاء إخبار ؟ هناك انشاء ان المتكلم يلتزم للسامع بصدق الخبر لا أنه يخبر فقط بكون زيد مصارع لهواه فقط ولكنه يلتزم ان هذا الخبر صادق ومطابق للواقع فلو لم يلتزم المتكلم بصدق خبره لما اعتمد السامع عليه مثلا في الشهادات لما يأتي الشهود بها ، فشهادتهم إخبار ولكنهم في الحقيقة ينشئون فلما يقولون أشهد يعني أُنشأ الالتزام على ذمتي أن الخبر صادق وأن تحصيل علمنا بذلك عن طريق الشهادة الحسية لا عن طريق الحدس الظني التخميني ، ولذلك ورد في الروايات في كيفية إثبات الزنا الرؤية كالميل في المكحلة فلا يكفي القول بأنه راه على بطنها فالقرائن الحسية لا تلازم حصول الفاحشة مئة بالمئة نعم هذا منكر ولكن خصوص الفاحشة التي يترتب عليها الحد وكذا كذا لا تثبت.

وكثير من الشهود يتساهل في مثل هذه الأمور ، فالشاهد لأنه يلتزم بانه يخبر عن حس واني أنشيء الاخبار بما هو علم عندي فلذلك يعتمد السامع على شهادته ، ولذلك نفس الشهادة وإيقاع الشهادة، انشاء ومضمون الشهادة اخبار ، فلما يقول ( اشهد الا إله الا الله ) يعني التزم بتوحيد الالوهية كدين وممارسة عملية وهذا انشاء ، ولما يقول ( وأشهد أن محمداً رسول الله ) أي التزم بنبوة سيد الرسل وأنه واسطة بين الله وخلقة ( واشهد ان عليا ولي الله ) أي اشهد بإمامته وأنقاد وأسلم له

فالتشهد التزام وإنشاء ومتضمن للإخبار، لذلك الإقرار لا يعد إقرار مالم يتكلم به فاذا تكلم به عُدَّ إقراراً ولو كان المقَّر به خبر ففرق بين الإقرار والمقر به ، فالمقَر به خبر ، والاقرار إنشاء فلاحظ التلفيق بين الاخبار والانشاء ، فأشهد أي التزم أقر وأُذعن وأتحمل على ذمتي كذا وكذا بمضمون خبري وهو توحيد الله عز وجل وهلم جرا .

ففي الحقيقة الاخبار متضمن للإنشاء ولانُقصِره على إنشاء واحد او .. ثلاثة بل ربما كثير ، وكمثال في موارد عديدة يخبر الامام احد الرواة بشيء ويقول انما أخبرك أنت لا غيرك ، فيذهب الراوي ويخبر ثاني وثالث ورابع فيأتي أحدهم ويسأل الامام عن ذلك وأنه هل قال كذا لفلان ؟ فيقول الامام كذب عليَّ وتفسير ذلك أنّ الاخبار فيه إنشاء والتزام ، والامام لم يلتزم لهم بصدق الخبر بل التزم لهذا ، والبقية يدعون أن الامام إلتزم لنا بأن هذا الخبر صادق وأنه يعلم به وأنه يخبرهم به ، وهذا كذب فالإمام لم يلتزم لهم بصدق الخبر بل التزم لواحد فقط ، والالتزام قابل للتبعيض .

فهنا الكذب بأي معنى اذن نلاحظ أن الإنشاء بلحاظ مضامينه الخبرية يمكن ان يكون فيه صدق وكذب فينشئ عقد البيع ولكنه يقصد عدم الالتزام به جداً فلا يأخذ المبيع ولا يسلم الثمن أصلا فهذا تحايل وهو ليس إنشاء حقيقي لأن المفاد الخبري غير موجود في الواقع فلا إرادة جدية عنده في الالتزام بالمعاوضة .

فالمقصود أن نفس الانشاء يتصف بالصدق والكذب بلحاظ أخباره ، أو نفس الخبر يتصف بأن الانشاء فيه غير جدي أو استهزاء أو ماشابه ذلك هذه نكات جداً مهمة ولست بصدد تفسير أو تبيان الأمثلة أو تبيانها بحسب الأبواب الفقهية أو العقائدية .

والحاصل : ان الكلام الواحد سواء كان مطابقة أساسا إنشاء أو أخبار يتضمن إما إخبارات عديدة أو إإنشاءات أخرى عديدة ، والخبر أيضا يتضمن إما إخبارات أخرى عديدة أو انشاءات أخرى عديدة وليس إنشاء او خبر واحد ، فلا يحصر الانسان الكلام في المدلول المطابقي فالمدلول الالتزامي قد يكون مصيري لترتيب الأثر على المفاد المطابقي .

نكتفي بهذا المقدار في بحث الانشاء والاخبار .

أسماء الإشارة :

أسماء الإشارة أو الضمائر كضمير المخاطب او متكلم وكذا الأسماء الموصولة لماذا عدوها من باب الحروف مع أنها معاني أسمية ؟


[1] استعرضنا ذلك في الفقه قبل سنتين تقريبا.