43/03/16
الموضوع:الوضع
كان الكلام في نظريات الاعلام في المعنى الحرفي وتقسيمات الوجود والموجود فمر بنا ان المعاني ـ في البحث العقلي تقسم ـ الى قسيمن : الماهيات ، المفاهيم الوجودية الكمالية فالمعنى الذي ليس بماهوي يكون لا محالة مفهوم لكمالات وجودية ومر أن الماهية ـ كما حققوا ـ مركب من مفهوم وجودي وحدود عدمية محدودة متناهية فبالتالي فما يذكره سواء الفلاسفة او المتكلمين او الأصوليين من وجود عناوين مشيرة هي في الحقيقة عناوين لمفاهيم كمالية وجودية غايته في القسم الأول فوق الماهية والحدود وفي القسم الرابع من درجات الضعف الشديدة ولكنها أيضا مفهوم كمالي وجودي .
بقي ان نذكر من خواص نظريات الاعلام بعض الشيء ثم نذهب لكلام السيد الخوئي :
ما قيل من ان مفهوم المعنى الحرفي ومفهوم المعنى الاسمي متباين صحيح كما مر لأن الحيثية الأولى من في تقسيمات الوجود وهي القسم الأول والثالث فالحيثية الأولى تباين الحيثية الثانية أو الثالثة ففي الحيثية الأولى المعنى الماهوي موجود وفي الحيثية الثانية او الثالثة المعنى الماهوي غير موجود فبهذا اللحاظ يمكن التعبير بالتباين الذاتي ماهوي ، وغير ماهوي ومن جهة يمكن أيضا صحيح باعتبار ان الحيثية الثانية عين الحيثية الأولى ـ وهذا يقرِّب كلام صاحب الكفاية وإن لم يكن الثانية عين الأولى ذاتا ولكنها عينها بمعنى من المعاني ـ إذن هناك علاقة بنين حيثية ( في نفسه ) في الجواهر أو الاعراض مع حيثية ( لغيره ) في القسم الثالث ـ الاعراض النسبية ـ فنوع من الوحدة والنسبة ، واتضح ان هذه النسبة في الاعراض النسبية على وزان النسبة في القسم الرابع فالنسب الوجودية في القسم الثالث ليست على وزان النسب في القسم الرابع باعتبار ان النائيني والاصفهاني بنيا على ان الحروف طراً من القسم الرابع واتضح ان اكثرها من القسم الثالث ، او نقول جملة منها من القسم الثالث وجملة منها من القسم الرابع .
إذن النسب تختلف فقسم منها لا يمكن انتزاع وأخذ معنى ماهوي منها وهو القسم الرابع ، واما القسم الثالث فهي نسب يمكن انتزاع المعنى الماهوي منها ، فالنسب اذن ليست على وتيرة واحدة ، وهذا نقح في بحث المعقول .
هذا مجمل الخواص ما ذكره الاعلام في المعنى الحرفي ، ويصح التعبير انه ما انبأ عن معنى في غيره بإعتبار ان لغيره ناعت لغيره .
واما نظرية السيد الخوئي & فهي ليست متكاملة من زوايا عديدة فهي تبيان لخاصية معينة في المعاني الحرفية من زاوية معينة ، وفيها غفلة أو سكوت عن بقية زاويا المعنى .
والحاصل ان الذي يقول في نظرية السيد الخوئي ليست لها معاني متقررة في ذواتها لأنه يبني على تباين ذات المعنى الحرفي مع المعنى الاسمي وان دور الحروف هو الكشف عن تخصيصات ، تقييدات ، وتضيقات في المعاني الاسمية فالمعنى الاسمي عادة هو كلي شمولي ، ولكن كثيرا ما الغرض في تبادل الحوار والمعلومات بين البشر لا يرتبط بالمعنى العام الشمولي على ما هو عليه بل على حصة منه مثلا وبيان هذه الحصة يكون من خلال الحروف فدورها هو التبيان او التضييق او حكاية أو التحصيص الموجود في المعاني الاسمية ، فالحروف ليست لها في ذاتها معنى ، وانما هي تحكي التضييقات والتخصصات الموجودة في المعاني الاسمية ، فما تحكي عنه ليس هو معاناها ، شبيه ما قاله النحات من انها ما أنبأ عن معنى غيره وليس في نفسه .
وهذا البيان لا بأس به إجمالا فدور الحروف هكذا ولها نتاج من هذا القبيل كما ذكره السيد الخوئي & ولكن ما هو كنه المعنى الحرفي في قبال الاسمي ، ومن أي نوع من اقسام الوجود ؟ فهذا مغفول عنه في كلام السيد الخوئي & ولو هو يرع حوالة لما سبق ولكن كخلاصة ما ذكره لم يبين ذلك بشكل صريح فهذه الخاصية التي ذكرها للمعنى الحرفي جيدة ولكنها ليس نظرية كاملة بل يجب الاستعانة بالنظريات الأخرى ، فما ذكره الاصوليون من أقوال ونظريات في المعنى الحرفي كل نظرية متينة الى حدٍ ما وفيها ابراز طابع معين للمعنى الحرفي ولكن ـ الصحيح ـ هي قابلة للجمع في نظرية جامعة وبنحو يؤدي الى التفصيل في خواص الحروف ، فالمعاني الحرفية في الهيئات التركيبية غالبا من القسم الرابع ، أما المعاني الحرفية فحتى لفظ المعنى الحرفي في الهيئات هو خفي ومندكٌ في غيره (فزيد قائم ) فنفس الجملة لا تلاحظها فالهيئة التركيبة سواء كانت تامة أو ناقصة لفظاً مندكة فضلا عن المعنى فهي مندكة ، واما المعاني الحرفية التي هي تلفظ كـ ( في ، على ، من ) فعلى الأقل لها حظ من الالتفات أوالتركيز فهي من القسم الثالث لا الرابع .
ومر بنا ان المعنى الحرفية لها دور كبير في مباحث التوحيد بل في أعوصها واعقدها ، وبحوث أخرى حتى في الاخلاق فيُشبه الخلوص والتنكر للذات بالمعنى الحرفي فضلاً عن مباحث الأصول كما سنرى في مباحث كثيرة .
نظرية أخرى في المعنى الحرفي:
وهي نظرية قديمة في علم المنطق وجدا هامة وهي ليست فقط في المعنى الحرفي بقدر ما هي مدرسة منطقية وعنوانها : ( ان المعنى الحرفي معنى اندماجي مطوي ، واما المعنى الاسمي فهو معنى مُفَتَّق ومُفصَّل ومُنَبسِط وهو عكس الاندماج )
ولتوضيح ذلك : مثلا لما نقول ان هذا الاندماج او البسط والتفصيل ، يعبر عنه في علم المنطق القديم بصناعة التحليل والتركيب ، و( التركيب ) هو الدمج أي تركب المعاني بعضها مع البعض و( التحليل ) يعني بسطها ونثرها ، وهذه قدرة من قدرات الفكر الإنساني او لكل كائن ذي روح فلما يقال انسان فمعنى الانسان أنه ( جوهر ، جسم ، ذو ابعاد ثلاثة ، ناطق ، متحرك بالإرادة ، نامي ... ) وهذه المعاني يمكن فتقها وبسطها والتنقيب فيها الى تتناثر لنا معاني كالعين التي تنبع منها معاني الى روافد وغير ذلك وهذه المعاني كيف إنطوت في معنى واحد وهو ( الانسان ) ؟ فهذه قدرة للعقل على أن يطوي ويبسط
ويعبر عن الدمج ، في القرآن بالإحكام ويعبر عن التحليل بالتفصيل { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [[1] ]
الاحكام والتفصيل عبارة وحيانية عن هذا الفعل الذي يقوم به عقل الانسان ، فصناعة التحليل والتركيب يمكن دعوى أنها من أقوى الصناعات المنطقية في المنهج المنطقي فهي أقوى من القياس والاستقراء وغيرهما .
وسابقا في الكتب المنطقية او العقلية أو الكلامية فيها بسط أكثر والان أخيراً صار نضوب شديد ومصادر هذا البحث في بحث البرهان في المنطق فهناك إشارة الى ارتباط باب البرهان بباب الكليات الخمسة ، وفي الحقيقة الاستقراء والقياس الاقتراني في المنطق وغيرها من المناهج المنطقية تستمد العون من صناعة التحليل والتركيب وهذا مذكور في باب البرهان ـ من منطق المظفر او الشفاء لأبن سينا ـ فان الوسط الذي يستعين به العقل لتشكيل صغرى وكبرى ونتيجة انما يتمكن العقل الوصول اليه من الأصغر والاكبر فبتوسط الكليات الخمس جنس ونوع وفصل وجنس الجنس وفصل الفصل ) وهو عبارة عن بسط الماهية ، ودمجها هو تركيب ذلك .
اذن للعقل قدرة على الدمج وهو على درجات ، شبيه الحاسوب يضغط الملفات والمعلومات فتحتاج الى مساحة أقل ، وبسطها يحتاج الى مساحة أكثر ومن ثم يسمى العلم الارتكازي او المركوز أو الاجمال ، وفي الاجمال كل التفاصيل .
وهذا المنهج المنطقي ـ التحليل والتركيب ـ أيضا منهج استنباطي عند الفقهاء وأكثر الفقهاء يمارسوه وتميز به المحقق الحلي والكركي ويسمى تدبر الايات والروايات ( حديث تدريه خير من أف حديث ترويه ) فكأنما المعنى كالعين التي ينبع منها الماء ، والاستنباط هو هكذا وهو استخراج الزرع من قعر البئر .
فلاحظ نكت النهاية للمحقق الحلي ستجدها تعتمد على هذا المنهج كلياً وهذا ليس تظنِّي ومزاجيات وهلوسة ، وللأسف الان صناعة التحليل في الآونة الأخيرة ـ سيما على منهج السيد الخوئي ـ جدا ضعفت ، عكس منهج السيد محسن الحكيم او صاحب الجواهر و المحقق الحلي ، والتحليل ليس هلوسة بل بشواهد وموازين وقرائن ، وأما الجمود على سطح لفظة الانسان من دون أن تنقب منها الناطق والنامي حساس متحرك بالإرادة وذلك يتم بالتدبر والتحليل .
فمنج المحقق الحلي كما في كتابيه نكت النهاية والمعتبر والمحقق الكركي في جامع المقاصد ، وكاشف اللثام فهو يحلل المعنى اللغوي ومعنى المعنى اللغوي وهكذا ، فيتوفر على طرق في الاستدلال وتخريجات لا حد لها ولا حصر وتتوفر على أدلة في الاستدلال عجيبة وغريبة ، مثلا معنى الشعائر والشعيرة ما هو معناها وما هو ربطها بالمشعر والشعور ؟ فتستفيد منها أنها إعلام ، ومن جهة هي رمز ، ومن جهة هي معلم يعلن عنه ثم ممارسة تربوية . فتلاحظ ان معنى الشعيرة والشعائر عدة معاني وهي تحصِّل على عدة أدلة .
وللكلام تتمة.