43/03/12
الموضوع:الوضع
كان الكلام في نظريتي المحقق العراقي والاصفهاني ومر ان هناك جهات مشتركة بينهما لأن العراقي فصِّل وقال ان جُل المعاني الحرفية من الاعراض النسبية ، وبعضها نسب وروابط نسبية أي من القسم الرابع من تقسيمات الوجود فتبنى نظرية الاصفهاني في هيئات الجمل والهيئات الناقصة واما في بقية الحروف فالتزم بنظرية الاعراض النسبية .
ولتوضيح هذا المطلب في معاني الحروف مر بنا أن في تقسيمات الوجود الأربعة وجود القسم الثاني ( الجوهر ) والقسم الثالث ( العرض ) ان الحيثية الأولى التقسيم وهي ( في نفسه) متحدة مع الحيثية الثانية ( في نفسه او في غيره ) والحيثية الثالثة في القسمين الثاني والثالث ( بغيره ) ففي حيثيات الوجود في الأقسام نلاحظ اتحاد الجهة الحرفية ( بغيره ) مع الجهة الاسمية ( في نفسه ) في الجواهر والاعراض فهما متغايرتان ومتحدتان فالاعتراض الذي كان في كلام السيد الخوئي على نظريات الاعلام يندفع بهذا البيان ويتضح وجود المحاذاة والموازاة .
وشيء أعمق من هذا نخوض فيه الان :
انه مر ـ بالأمس ان مقولات الاعراض النسبية السبع أضعف من مقولتي الكيف والكم وجودا لأن طبيعة وجود النسب ضعيف فما ينتزع منها اضعف لأن الانتزاع من المنتزع منه فاذا كان المنتزَع منه هو نسب فكيف المنتزِع منه .
وندقق أكثر : هناك فرق بين النسب الوجودية في القسم الثالث وهي ( الاعراض ) والنسب في القسم الرابع وهي ( النسب والروابط الوجودية ) فانه في القسم الرابع لا يُنتزع منها شيء ، بينما النسب في القسم الثالث يُنتزَع منها الماهية فليست النسب كلها اذن على وتيرة واحدة .
اذن النسب الموجودة في الاعراض نِسب وجودية ، ولكنها أقوى من النسب في القسم الرابع ، ومحصل القسم الرابع الذي ذهب له الاصفهاني وذهب له اجمالا النائيني واتضح ان التفصيل الذي ذهب له العراقي اتم حيث ركز النائيني والاصفهاني على الجهة النسبية في الحروف وهو صحيح الا انه لابد ان يُفصَّل بين الحروف فهناك حروف من قبيل القسم الرابع التي هي من قبيل هيئة الجملة والهيئات التركيبية الناقصة كالمضاف والمضاف إليه او الهيئات المفردة فهذه نسب ولكنها ضعيفة فما هو معنى هذه النسب من القسم الرابع ؟
ان مفادها في الحقيقة هو وجود ( فزيد ضارب ) أي وجد له الضاربية لأنه في اللغات الأخرى ـ كالفارسية والإنكليزية ـ يظهرون معنى النسبة بمعنى الوجود وهو الصحيح لأنه في المعاني لغات البشر تختلف بلحاظ الأصوات ، واما بلحاظ المعاني فاللغة موحدة بين جميع البشر ، بل حتى مع الجن والملائكة بل حتى مع الحيوانات كالمشاعر والعواطف فهي مشتركة بين كل هذه المخلوقات الأربعة ( الانس والجن والملائكة والحيوانات) ومن ثم هي لغة تخاطب وتبادل المعاني بيننا وبين هذه الكائنات ، ومن ثم يُسجِّل القران نوع تخاطب بين الملائكة والبشر ( ليس من نوع تخاطب النبوة وما شاكلها ) بلحاظ المعاني او بين البشر والجن .
المقصود ان لغة المعنى لغة موحدة ففي اللغات الأخرى كالإنكليزية (is ) وفي الفارسية ( است ) التي هي بمعنى وجود فزيد ضارب هو زيد وجد له الضاربية فلا يثبتون لهيئة الجملة معنى ماهوي بل يثبتون لها وجود غير وجود زيد والضارب بل الوجود الرابط وبين الضارب ، سواء جملة اسمية او فعلية او هيئات .
اذن الصحيح ما ذكره الاصفهاني والنائيني والعراقي في قسم من الحروف وهو التي تكون من القسم الرابع فان معناه هو نسبة وجودية رابطة بين طرفين ـ كالمبتدأ والخبر والفعل والفاعل والمضاف والمضاف اليه ـ وليس ماهية .
اذن الهيئات ( القسم الرابع ) ليس معانها ماهوي بل معناها نسب وروابط وجودية لا ينتزع منها ماهية وصحيح ما ذكره الشيخ النائيني من انها ايجادية لأنه بين زيد وضارب قبل ان يركب بينها جملة كان كلٌ على حدة وأما اذا قرن بينهما في جملة واحدة بوجود واحد فهنا قام الانسان بإيجادية النسبة الرابطة الموحدة بين المبتدأ والخبر ـ مثلا ـ فتعبير الميرزا النائيني بـ ( الايجادية ) في محله .
ونكتة ثانية ذكرها الميرزا النائيني من أنه ليس للمعاني الحرفية ـ بعض الحروف ـ ان معانيها ليس اخطارياً أي ان المعنى الماهوي لم يكن متقرراً ، وهذا في القسم الثاني ( الجواهر ) والثالث دون الرابع ،فانه في القسم الرابع الوجود اما يوجد او لا يوجد ، اذن دعوى الميرزا النائيني من كونها أيجادية لا أخطارية متين ولكنه ليس في كل الحروف لأن قسم وافر من الحروف ـ كما ذكر العراقي ـ هي من القسم الثاني والثالث وهي اخطارية فالتفصيل من العراقي متين .
وهنا نقطة :
في القسم الرابع ليس هناك ذات متذوته بل هنا فقط ذات وجودها وجود ضعيف لا ينتزع منه ذات مستقلة ( محو الماهية ) أي تنمحي الذوات ويكون وجود محض .
يقولون ان القسم الثاني ( الجوهر ) والثالث ( الاعراض ) ماهيات موهومة فلما تنمحي يشرق نور الازل [[1] ] فحقيقة المخلوقات هي القسم الرابع فالقسم الثاني يعني أنا رجل والقسم الثالث لعله انا أمرءة ، والقسم الرابع لا أنا ولا أنانية فيه وهذا القسم ظاهراً ما فوق القيامة وليس هو القيامة بل عالم الأسماء او ما دونه ربما ، فالأسماء الإلهية لا تشير الى ذواتها بل هي محو في الذات الازلية ولا تشير الى ذاتها لأنه
ليس لها ذات مع انها أعظم المخلوقات فالفرق بين القسم الرابع والثاني والثالث هو هذا المطلب .
اذن القسم الرابع لا ذوات لها ، ولها وجود مندك بين الدكتين والانا و ( في نفسه ) غير موجود مع ان لها دور وتنبئ عن معنى في غيرها لا في نفسها ، والحرف ما أنبئ عن معنى غيره .
ومرَّ بنا ان الاسم في مباحث المعنى الحرفي يراد منه الاستقلال في نفسه ، وفي مباحث المعقول والمعارف الاسم مرادف عقلا للحرف ،و لا يختلف عن معنى الحرف فالاسم علامة ودال وحكاية وكذلك الحرف فالاسم مرادف ( عقلي ) للحرف لا انه مرادف له ( لغة ).
اذن الحروف في القسم الرابع لا ذوات لها لا ان لها ذوات ومباينة لذوات الاسم بينما الحروف في القسم الثالث ( الاعراض النسبية ) لها ذوات ولكن ضعيفة تباين ذات الاسم وهذا هو الذي فصّل على ضوءه المحقق العراقي ، فذات العرض اضعف من ذات الجوهر وكما مر ان الاعراض درجات في الشدة والوجود وفي الماهية وحتى الاعراض النسبية السبع أضعفها مثلا مقولة ( كذا ) فحتى النسبيات في العارض بينها شدة وضعف الى ان تتلاشى الذات وتفنى ، فتكون من القسم الرابع وهذا موجود في كلام العراقي من ان الحرفية فيها شدة وضعف وكذلك أشار اليه الاصفهاني .
يبقى تساؤل :
انه في بحوث المعقول ذكروا ان هناك عناوين أسمية تشير الى الحروف ليس بينها وحدة أي ليست من القسم الثالث بل هي من القسم الرابع مثلا كلمة ( النسب والروابط ) فهي كلمة إسمية فالكل عبر عن القسم الرابع بكلمات إسمية وهي ( بالنسب والروابط ) وهي معنى اسمي فما هي العلاقة بينه وبين الحروف في القسم الرابع ؟
هاهنا في البحوث العقلية يعبرون عن هذه العناوين الاسمية بـ ( العناوين المشيرة ) بينما العناوين الاسمية في القسم الثالث وهي الأسماء الموازية للحروف يعبرون عنها بين الابتداء ومن ، نحو اتحاد اونحو وحدة ، ففرق بين الإشارة بالابتداء أو الضرفية الى ( من ، وفي ) وبين كلمة النسب والروابط في القسم الرابع والفرق انه في القسم الرابع يعبرون عنه بـ ( العناوين المشيرة ) وهذا البحث والتساؤل مفيد كثيرا في أبواب أصولية ومباحث فقهية قانونية كثيرة .