الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

42/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:فهرسة علم الأصول الدرس (10)

( هذا تنضيد للدرس وليس تقريرا )

كان الكلام في التقسيم الرباعي للشيخ الاصفهاني وهو إشارة الى ان الاستنباط على أنواع أربعة :

1ـ ماينتج اليقين وهو المباحث الثبوتية.

2ـ وما ينتج الظن وهو المباحث الحجج أو صغريات الظهور في الالفاظ .

3ـ أو ما ينتج وينتهي الى حكم الشك من التنجيز او التعذير ـ سواء من الأصول العملية الشرعية أو العقلية ـ وهو نوع من الاستنباط يُستنـَتج منه التنجيز أوالتعذير وليس كاشفا .

4ـ التطبيق في القواعد الأصولية أو حتى القواعد الأصولية ولكنه ليس بيد المقلِّد بل بيد المجتهد، فليس كل تطبيق في القواعد الفقهية يكون بيد المقلِّد ، فاذا كان التطبيق المختص بالمجتهد او الفقيه ـ سواء في الشبهة الحكمية او الموضوعية ـ يحتاج الى المجتهد ومعه قد يثار اشكال فلماذا لا تكون القاعدة أصولية ؟ ففي الشبهات الموضوعية في الموضوعات المستنبطة ( وهو اصطلاح عند الفقهاء للموضوعات التي لا يمن ان تحرر او تنقح مع كونها شبهة موضوعية الا انه لا يمكن ايكالها الى المقلد بل لابد من إيكالها للمجتهد لأن تنقيح الموضوع فيها يحتاج الى زوايا استنباطية ، وقد تطلق ـ الموضوعات المستنبطة ـ على الموضوعات الكلية في الشبهة الحكمية التي تقرَرَ ماهيتها او تعريفها بالاستنباط وهو صحيح ولكن درج الاصطلاح على تسمية حتى الموضوعات في الشبهات الموضوعية التي تحتاج الى إستنباط في تنقيحها بالموضوعات المستنبطة أيضا ) فالموضوعات المستنبطة سواء كان تنقيحها بالقواعد الأصولية او الفقهية لا توعز وتوكل الى المقلِّد نعم تنقيح الشبهات الموضوعية سواء بالقواعد الفقهية او الأصولية ان كان تطبيق ساذج ليس فيه تعقيد استنباط توعز الى المقلِّد ومن ثم عرِف بينهم ان الأصول العملية مثلا في الشبهات الموضوعية هي من شاكلة التطبيق مع كونها قواعد أصولية ، ومن هنا قال الكثير من الاعلام ان هذه القواعد تكون في الشبهات الموضوعية التي ليس فيها تعقيد وفيها جنبة تطبيق قواعد أصولية ، مثلا فالبراءة الشرعية في الشبهات الموضوعية قاعدة أصولية ، واما البراءة الشرعية في الشبهات الموضوعية ان لم يتوقف تطبيقها على استنباط في التطبيق قاعدة فقهية ، وكذا الاشتغال فيقسم الى قسمين الى الشبهات الموضوعية والحكمية ، وقال بعضهم الاستصحاب او التخيير او اصالة التخيير .

اذن جملة من الاعلام فصلوا في القواعد الأصولية بين الشبهات الموضوعية والحكمية ففي الحكمية هي قاعدة أصولية وفي الموضوعية فقهية بشرط ان يكون اعمالها في الشبهات الموضوعية لا يشتمل على تعقيد استنباطي وإلا تكون أصولية .

والنتيجة ان التطبيق استنباط من نمط رابع اذا اختص بالمجتهد . هذا في القواعد الأصولية .

واما في القواعد الفقهية : ان كانت تجري في الشبهات الحكمية وهي تطبيق فهي ليست بيد المكلف العامي بل بيد الفقيه وأما القواعد الفقهية في الشبهات الموضوعية فهي تطبيق اذا لم تشتمل على تعقيد تُوكل الى المكلف وإلا فهي بيد المجتهد .

فأصر السيد الخوئي & ـ ولعل النائيني ارتكازاً كذلك ولكن في بلورته ادعى ان القواعد الفقهية التي هي تطبيقية توكل الى المكلف والحال انه ليس كذلك فليس كل القواعد الفقهية توكل الى المكلف العامي ـ ان جملة من القواعد الفقهية مع انها تطبيقية ولكن العامي لا يتمكن من استعمالها حتى اذا كانت الشبهة موضوعية فضلا عما اذا كانت حكمية وهو صحيح وموافق لأرتكاز المشهور .

ومبدئيا ذكر السيد الخوئي &ان القواعد الفقهية مع كونها تطبيقية ممكن ان تجري في الشبهات الحكمية لأستنتاج حكم كلي ـ وهذه نكتة نفيسة جدا ـ مع ان التطبيق ينسبق الى الذهن انه انسب الى الشبهة الموضوعية ولكن لا يتنافى مع القواعد الفقهية ان تجري في الشبهات الحكمية ، فما يجري من القواعد في الشبهات الحكمية لا ينحصر بالقواعد الأصولية بل يمكن ان تجري القواعد الفقهية فيها .وهذا ذكره كأمكان ولكنه رفض ذلك وقوعا ـ بحسب مبناه لا على كل مباني الفقهاء ـ فقاعدة لا حرج ولا ضرر فالصحيح ان موضوعها هو الحرج الشخصي ـ على مبناه ـ ولو كان هو الحرج او الضرر النوعي

لبُني على جريانها في الشبهات الحكمية .

وهذا المبنى الذي ذكره في قاعدتي لا حرج ولا ضرر عدل عنه في مبحث الحج فقال ان موضوعهما هو الحرج والضرر النوعي وأفتى بذلك كما في الوقوف في عرفات مع العامة لأن تركه يستلزم الحرج النوعي للمؤمنين .

وبالتالي لدينا قواعد فقهية تجري في الشبهات الحكمية .

والمشهور شهرة عظيمة ـ كما ذكرنا ذلك في كتابنا ملكية الدولة ـ بلحاظ طبقات الفقهاء ان قاعدة لا حرج ولاضرر قاعدتان احدهما تجري في الشبهات الموضوعية والحرج والضرر الشخصي وتطبيق في الشبهات الموضوعية ، وهناك قاعدتان أخريتان تجري في الضرر النوعي في الشبهة الحكمية ، وقاعدة لا حرج أيضا قاعدتان احدهما حرج شخصي تجري في الشبهات الموضوعية ولا حرج نوعي تجري في الشبهات الحكمية كما التزم السيد الخوئي في الحج المشهور إلتزم في كل الأبواب .

اذن كلٌ من قاعدة لا حرج ولا ضرر قاعدتان ، وهذا المبنى الذي التزم به المشهور لم يقتصر فيه على تلك القاعدتين بل التزم به في كل القواعد الست المذكورة في حديث الرفع ( النسيان والبراءة وما لا يطيقون والخطأ ..) فان لهذه القواعد الست لها أدلة خاصة غير حديث الرفع ، وقد التزم المشهور ان هذه القواعد تجري في الشبهات الموضوعية وتجري في الشبهات الحكمية من باب التطبيق .كما ان الاستصحاب يجري في الشبهات الحكمية عند المشهور ـ خلافا للنراقي والخوئي والاخباريين ـ والشبهات الموضوعية ، وكثير من القواعد الفقهية عند المشهور تجري في الشبهات الحكمية والموضوعية معا .

وهذه الظاهرة الموجودة في القواعد الفقهية انها تجري في الشبهات الحكمية استنبط المشهور منها احكام مختلفة متنوعة وليس حكماً واحدا مثلا لا ضرر تجري في الشبهات الحكمية في ألابواب مختلفة ينتج منها أبواب تكليفية وضعية متنوعة وليست دائما قالب واحد ، فصارت القاعدة الفقهية شبيهة بالقواعد الأصولية ، لأن المائز الذي ذكره كثيرون بين القواعد الأصولية والفقهية ان القواعد الفقهية ذات حكم واحد تطبيقي ، هذا المائز المرتكز في ذهن الاعلام ومعه فكيف صار التطبيق في القواعد الفقهية في الشبهات الحكمية ذات احكام مختلفة متنوعة ، فصارت كأنها قاعدة أصولية فحجية خبر الواحد مثلا قاعدة أصولية وكذا الظهور ولذا تارة يستنبط منها حكم وضعي وأخرى تكليفي وثالثة حرمة وأخرى وجوب أو استحباب لأن طبيعة القاعدة الأصولية ليست تطبيق ، فما بال القاعدة الفقهية التي هي تطبيق تنتج تنوع بالأحكام في الشبهات الحكمية .

فالقاعدة الفقهية مع كونها تطبيق الا ان هذا التطبيق في الشبهات الحكمية يختلف عن التطبيق في الشبهة الموضوعية التي هي ذات حكم واحد ، واما التطبيق للقاعدة الفقهية في الشبهات الحكمية ينتج احكاما مختلفة متنوعة ، ومنه يستفاد ان التطبيق في الشبهات الحكمية متلون وليس تطبيق ساذج بل نوعُ استنباط ، فبحقٍ اذن التطبيق في الشبهات الحكمية للقواعد نوع من الاستنباط لأنه يَنتج منه احكام مختلفة ومن ثم يختص بالمجتهد ولا يعطى للعامي .

وفي الحقيقة اجراء القواعد الفقهية في الشبهات الحكمية ـ التطبيق ـ مما ينتج احكام فقهية متنوعة هذا الاستعمال نوع من أصول القانون أو ما يرجع الى القسم الأول فهو نوع من تطبيق لطبقات القانون على بعضها البعض لينتج احكام متنوعة مختلفة لأن خاصية النوع الأول ـ اليقين ـ هو توليد وتوالد طبقات القانون من بعضها البعض مما يعرف بأصول القانون .

اذن الاستنباط ماهيةً أربعة أنواع ـ حسب جمع ولملمة كلمات الاعلام ونقصد من كلماتهم ليس متبنياتهم بل إعترافهم بوجود هذه الظواهر ـ فتعريف علم الأصول بكونه ( القواعد الدالة على استنباط دليلية الدليل ) هذا قسم واحد من علم الأصول والمشكلة حبس الكثير منهم بهذا النوع وهو القسم الأول ثم القسم الرابع ـ التطبيق ـ امتن من القسم الثاني لكونه ينتسب ماهية الى القسم الأول .