الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

42/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:فهرسة علم الأصول الدرس (9)

( هذا تنضيد للدرس وليس تقريرا )

كان الكلام في التقسيم الرباعي للشيخ الاصفهاني وهو إشارة الى ان الاستنباط على أنواع أربعة :

1ـ ( توليد وتوالد ) نظير توالد القوانين البرلمانية من القوانين الدستورية ، وشبيه توالد الأنواع من الاجناس .

2 ـ ( دليلية الدليل والاثبات والاستكشاف وطريقية )

3ـ ( تنجيز وتعذير في الأصول العملية ) فليس هناك حكاية عن الحكم الواقعي بل هي الوظيفة تجاهه ومعه فنمطه ليس من نمط الحكاية لذا قال صاحب الكفاية & أنه لابد من ترميم تعريف علم الأصول ( العلم بالقواعد الممهدة لأستنباط الحكم الشرعي ) بإضافة ( او التي ينتهي اليها المجتهد عند الاستنباط ) أي اذا لم يرَ كاشف وحاكي فينتهي الى المنجز او المعذر .

وقال الشيخ الأصفهاني & انه يمكن الجمع في الاستنباط بان نقول إثبات حكاية إما حكاية عن الحكم الواقعي او حكاية عن الحكم الظاهري وهو التنجيز والتعذير ، والتنجييز والتعذير هو حكم شرعي اصولي لا فقهي أي هو في المرتبة الطولية للحكم الواقعي الاولي الفقهي فالحكاية ليس بالضرورة ان تكون عن حكم واقعي الاولي بل يمكن ان تكون عن الحكم الظاهري الاصولي ، أو يقال بالتالي هذا سنخ آخر من الاستنباط غير السنخ المعروف بالطريقية والدليلة وهو ممضى من قبل الشارع .

4 ـ النوع الرابع وهو وان لن يقرره الشيخ الاصفهاني ولا السيد الخوئي وهو: التطبيق الموجود في القواعد الفقهية واذا كان من القواعد الفقهية فلماذا اُقحِمَ في علم الأصول ؟

وهناك استفسار آخر ينظم الى الاستفسار الأول ويؤثر فيه وهو : ان الاستنباط يقوم به الفقيه بتوسط القواعد الأصولية ولكن الاستنباط هل هو عملية أصولية او فقهية ؟ هو عملية أصولية لا فقهية وذلك لكون خاصية المسألة الأصولية انها تقوم بالاستنباط فهو عمل أصولي لا فقهي ، فكثير من الأفعال والممارسات العلمية لعلوم معينة لا تمارس في نفس العلم بل تمارس في علوم أخرى مثلا مراعات ضوابط علم المنطق في الفلسفة فهي مراعاة عمل منطقي يُقحم في علم الفلسفة او المحاسبات علم رياضي يمارس في الفيزياء أو الكمياء لتخادم العلوم مع بعضها البعض ، لذلك هو عمل مشترك من اعمال علوم مختلفة كما في تنقيح أحوال الرجال في طريق معين فهو عمل رجالي ولكنه يمارس في علم الفقه او التفسير .

اذن التطبيق هل هو نوع من الاستنباط ؟

اذا كان المراد من التطبيق هو التطبيق في الشبهة الموضوعية فهو ليس استنباطا ولو بمعنىً رابع ، لكون المفروض في الاستنباط ان البحث فيه هو في التنظير الكلي ، والتطبيق في الشبهة الحكمية يمكن ان يقرر أنه استنباط ، وفي الشبهة الموضوعية يقرر الفقهاء انه في جملة من الموارد ـ في مساحة معينة منها ـ فيها عملية استنباط ، لأن الموضوع ليس موضوع مجرد ، بل هو استنباطي أي نفس تنقيح الموضوع كشبهة موضوعية يحتاج الى عملية اجتهادية من المجتهد مع انه موضوع خارجي وشبهة موضوعية ، وتسمى الموضوعات المستنبطة لا المجردة .

اذن عملية الاستنباط التي هي فعل أصولي يمارسها الفقيه او الاصولي يمارسها في الشبهات الموضوعية أحياناً وفي الشبهات الحكمية غالباً لا دائماً.

وإنما كان هذا ـ أي التطبيق ـ إستنباط لكونه يحتاج الى موازيين اجتهادية لا يستطيع ان يمارسه العامي وللتوضيح اكثر نقول : انه ذكر الاصوليون والفقهاء ان الفرق بين القاعدة الفقهية والاصولية ان الفقهية تطبيق لا استنباط وعلى عكسها القاعدة الأصولية ، فالعمل وتنشيط واستثمار القاعدة الأصولية يسمى استنباط ، واما في القاعدة الفقهية يسمى ذلك فيها تطبيق ، واذا كان كذلك فكيف جعلوا التطبيق نوع رابع من الاستنباط بل لابد من حصر الاستنباط بثلاث انواع ؟

مطلب ذكره النائيني & واعترض عليه السيد الخوئي واعتراضه في محله في الجملة :

ان النائيني & وكثير من الاعلام أراد التمييز بين التطبيق والاستنباط بأن التطبيق يُعطى بيد المكلف العامي ، بخلاف الاستنباط فهو مختص بالمجتهد .

واعترض السيد الخوئي : ان التطبيق في الشبهات الحكمية هو خاص بالمجتهد لا بيد العامي ، بل حتى التطبيق في بعض الشبهات الموضوعية وهو الموضوعات المستنبطة خاص بالمجتهد أيضاً .

وهذا الكلام متين وهو يعني ان التطبيق عملية استنباطية وان لم يتبنى السيد الخوئي ذلك الا ان اعتراضه مؤداه ارتكازاً ذلك لاسيما التطبيق في الشبهات الحكمية ، فثبت ان هناك نمط رابع من الاستنباط مختص بالفقيه لا يقوم به غيره وهو التطبيق في القواعد الفقهية .

وببيان ذكره السيد الخوئي & : ان فروع العلم الإجمالي ـ في الشبهات الموضوعية في العبادات والمعاملات ـ لا يمكن تنقيحها بتطبيق قواعد العلم الإجمالي إلا للمجتهد ، بل يضيف آغا ضياء الدين العراقي ان مراعاة العلم الإجمالي في خلل الصلاة وعموماً في أبواب الفقه يحتاج الى حذاقة اجتهادية عالية جداً ، بل قال بعضهم تمتحن الاعلمية في ذلك ، اذن التطبيق في الشبهات الموضوعية في الموضوعات المستنبطة يحتاج الى قوة اجتهاد .

والان كثير من الوكلاء لا يلتفتون الى كثير من قضايا الاخماس بسبب التداخل والتشابك فيها لكونها معادلات رياضية معقدَّة تتداخل فيما بينها فتحتاج الى تدقيق لا يستطيع الاستنتاج منها والوصول الى الحكم الشرعي الا حذّاق المجتهدين ، فكيف لا يكون التطبيق من الاستنباط .

اذن التطبيق نوع رابع من الاستنباط .

وللسيد الخوئي إثارة في النوع الرابع ( التطبيق ) ونحن نبلورها : وهي ان القواعد الفقهية تجري في الشبهات الموضوعية بلا شك سواء الموضوعات المجردة او المستنبطة ، فالمعروف في أذهان الاعلام ان القواعد الفقهية اهتمامها الأول والأكثر هو الشبهات الموضوعية ، وغير الأكثر في الشبهات الحكمية ، واما القواعد الأصولية فاهتمامها الأول والأكثر هو الشبهات الحكمية ، واما غير الأكثر فهو الشبهات الموضوعية .

وهذه الظاهرة موجودة ـ وقد اثاروا ذلك في تنبيهات الأصول العملية ولم يثيروها في بداية علم الأصول كما هو المناسب ـ فما هو العلاج ، فهل من خواص القواعد الأصولية الشبهة الحكمية بحيث يكون اجراء القواعد الأصولية في الشبهات الموضوعية يغير سنخ القاعدة الأصولية الى قاعدة فقهية ؟ التزم جماعة كثيرين من الأصوليين بهذا المبنى .