42/08/20
الموضوع:فهرسة علم الأصول الدرس (7)
( هذا تنضيد للدرس وليس تقريرا )
كان الكلام في التقسيم الرباعي الذي ذكره الاصفهاني & وانه تقسيم ليس فذلكة علمية للترف وانما هو فهرسة لعلم الأصول وهي صناعة أصولية مهمة جداً تُعطي بصيرة عظيمة للبحث العلمي في علم الأصول ، وقد قسم علم الأصول الى ما ينتج اليقين بالحكم الشرعي وهي البحوث الثبوتية في علم الأصول ومر أنها لا تقتصر على المسائل التي ذكرها الاصفهاني وتلميذه الخوئي وان ما ذكراه من باب النموذج وغلا فما ينتج اليقين بالحكم الشرعي منتشرة في علم الأصول من أوله الى آخره .
والقسم الثاني ما ينتج الظن ، وما ينتج حكما شرعيا أو تنجيزاً في ضرف الشك وكان الحديث في القسم الثاني وهو ما ينتج الظن وقد ذكر كثير من الاعلام من مدرسة الاصفهاني ان كل مباحث الالفاظ التي ترتبط بالدلالة هي من القسم الثاني إلا أنّ البحث فيها بحث صغروي ، وبتعبير آخر أنّ هذه الأقسام الأربعة بعض مباحثها صغروية في القسم وبعض مباحثها كبروية في القسم ، واما بحوث الظنون في الحجج فهي كبروية في القسم الثاني .
ونبه الميرزا النائيني والسيد الخوئي ان خصوص حجية الظهور كبروياً ليست من القسم الثاني بل هي من القسم الأول نعم هي صغريا من القسم الثاني فالأخذ بحجية الظهور كبروياً من الأمور اليقينية في الدين ، فلا يُناقش في الاخذ بها ، واما صغرويا فلا اذ قد يناقش ان هذا من الظهور أو لا .
واذا كانت حجية الظهور من القسم الأول كيف يكون بعض زواياها ظنيا كما تقدم في المحاضرة السابقة كظهور القرآن ـ ولا يتوهم أنّ كل ظهورات القرآن ظنية بل هناك مساحة يقينية ومساحة ظنية ـ وهذا القسم الثاني أي ما يفيد الظنون ، سواء كبروياً او صغروياً انما هو ما يفيد الظن بلحاظ انفراد الظن أي اذا نظرت له نظرة فردية ولكن اجتماعاً ومنظماً الى غيره فيصل ويندرج في اليقين أي القسم الأول فما هو من القسم الثاني يكون مندرجا في القسم الأول مجموعا .
وهذا هو الذي يصر عليه القدماء ـ كالمفيد والمرتضى وابنا براج وحمزة وابن زهرة وابن ادريس ـ من ان حجية خبر الواحد الصحيح او غير الصحيح ليس بحجة ويقصدون انه بمفرده ـ ولو كان صحيحا أعلائياـ ليس بحجة ويدعون على ذلك الضرورة وانه من دين الامامية ـ وكلامهم صحيح ـ وحتى الذين يقولون بحجية خبر الواحد الصحيح فهم لا يقولون بحجيته منفرداً ولا يوجد لدينا حجية منفردة وقد تعرّض لذلك الشيخ الأعظم في الرسائل وان النزاع بين الشيخ المفيد والقائلين بعدم حجية الخبر الواحد من جهة والقائلين بحجيته من جهة أخرى هل هو صغروي أو كبروي ؟
وحتى المحقق الحلي غجمالا مبناه مبنى الشيخ المفيد وحتى تلامذة الشيخ الطوسي هم من اتباع مدرسة المفيد ولكن الطوسي والمحقق الحلي يكملّون هذا المبنى بمبنى آخر بديل .
واذا كانت الحجية في الظنون مجموعية فتدخل في القسم الأول وهذا هو دعوى المفيد والمرتضى من لابديّة اندراج الظنون كمجموع في القسم الأول كي يؤخذ به ولو بنحو العلم عرفي لا الدقيّ العقلي .
اذن اجمالا القسم الثاني الذي هو ما ينتج الظنون بمفرده ، بالدقة لا يعمل به بمفردة بل لا يمكن ذلك اذ هناك عدة جهات ينبغي ملاحظتها قبل العمل به كالعام والخاص وهناك جهة الصدور والدلالة وحتى هذا الخبر ـ مع ان هناك سبع جهات للحجية ـ لا يُعمَل به فهناك مخصص وحاكم ووارد فليس من دين الامامية ان يعمل بخبر من دون ان يفحص في الأدلة الأخرى أو من دون مراجعة القواعد الأولية في محكمات الكتاب والسنة ولو بلحاظ هذا الفصل من الباب الفقهي .
ومن ثم في علم الرجال لا نطالب فيه ونقول ان هذه القرينة لوحدها ليست حجة ككونه من شيوخ الاجازة وكونه من أصحاب الاجماع او كثير الرواية وغير ذلك بل مسلك المشهور هو مجموع القرائن مجتمعة تنتج لك الاطمئنان او اليقين .
فلا توجد حجية مفرده بل ان القران بمفرده لا يمكن التمسك به بمفرده بضرورة المسلمين بل لابد من التمسك بالثقلين معاً حتى في مدرسة السقيفة وان مقولة ( حسبنا كتاب الله ) باطلة فنظام حجج الدين كلها معية فلا يمكن الايمان ببعض الأنبياء وتكفر ببعض وكذا في الائمة وكذا الدين لا يكفي فيه الاتيان بالشهادة الأولى من دون الاتيان الثانية مع كون الشهادة الثانية مخلوق .
اذن طبيعة الحجج في الدين هي منظومة أي جزء الحجة لا انها مستقلة وانما يبحثون ذلك في مقابل القياس حيث نبذه الشارع حتى عن جزء الحجة .
مر بنا في الجلسة السابقة ثلاث أسئلة :
1ـ انه كيف تكون أصل حجية الظهور ـ كبروياً ـ يقين وتكون صغرياتها ظنون ؟ انه لا مانع من ذلك فمعنى كونها يقينية ان اعتبار الشارع للظهور حجة هو بنحو اليقين ن واما ان الظهور يكشف لي وجوب السورة في الصلاة فهو ظني وهو صغروي فهنا بُعدين لا بعد واحد بعد حجية اصل الظهور وبعد أن هذا ظهور أي من حيث الصغرى فهو ظني .
واما مقولة ( ان النتيجة تتبع أخس المقدمتين ) فهو مسامحة بل النتيجة تبقى مركبة من حيثيتين يقينة وهي اعتبار الظهور وظنية وهي وجوب السورة ، فالنتيجة تتبع نفس حيثيات الاستدلال لا أخس ولا اقوى .
2ـ كيف تكون حجية الظهور اصلها يقيني وزواياها ظنية ؟ وهذه الشبهة موجودة عند السوفسطائين القدامى والحداثويون وأصحاب فلسفات الالسنيات وما يعبر عنها بتعدد قراءة النص الديني فيقولون كيف يكون الدين يقيني وفيه زوايا ظنية إذن هو ليس دين ؟
وجوابها : عدة أجوبة عن حقيقة واحدة وهي ان هذا ليس خاص بالدين بل عام لكل العلوم فليست مساحة العلوم كلها بديهية ومبنية على اليقين بل فيها مساحة يقينية مبنية على اليقين ثم عندما تبتعد عن المركز شيئا فشيئا تضعف فتضعف الى ان تصل الى الظن ثم الشك كالمصباح القوي ينير مساحة معينة ثم تقل اضاءته كلما ابتعدنا عن المركز . ان الدين كعلم من العلم العظيمة لا يختلف عن بقية العلوم فيها مساحة يقينة ومساحة ظنية وشك .
كما ورد عن الإمام الصادق × لأبي بصير : إن الإيمان أفضل من الإسلام، وإن اليقين أفضل من الإيمان، وما من شئ أعز من اليقين .
وعنه × : ما اوتي الناس أقل من اليقين .
الإمام الباقر (عليه السلام): لم يقسم بين الناس شئ أقل من اليقين [[1] ]
ان شؤون عالم الدنيا وعلومها حتى العلوم البرهانية الواضحة كالرياضيات ليست كل مساحتها مبنية على اليقين بل فيها دائرة مركزية ثم تصل الى الظن ، لذلك العلوم فيها يقين وحقائق ، ثم نظريات ، ثم فرضيات ، ثم خيال علمي او وهم علمي ، فكل العلوم هكذا وسبب ذلك ان قدرة مدارك الانسان هكذا ، اذن تشابك الظن مع اليقين ليس بدعة في الدين بل في كل العلوم هكذا .
اذن لا مانع من وجود محاور وأعمدة يقين وفي بقية المساحة شكية أو ظنية ولا يخل هذا بالدين ، نعم عند سيد الأنبياء وأوصيائه { بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [[2] ] وأما عند بقية البشر { مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }[[3] ]
اذن لاحظنا بحسب التقسيم الذي ذكره الاصفهاني العلاقة بين القسم الأول والثاني وان القسم الثاني يؤدي مآلا الى الأول إجمالاً أو تفصيلاً .
يبقى التساؤل حول القسم الثالث أو الرابع وهو كيف يكون في الشك استنباط وإراءة ، وقد مر بنا أن الاستنباط ربما يجعل أربعة أنماط وأسناخ ثبوتي ، واثباتي ، ثم التنجيز والتعذير ، ثم التطبيق في القواعد الفقهية ، وفي الحقيقة يكون التساؤل عن الاستنباط الذي يكون من سنخ التنجيز فكيف يكون هذا استنباط ثم التطبيق كيف يكون استنباطاً ؟!