الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

42/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

بسمه تعالى

أصول : الاثنين 8 شعبان 1442 هـ

الاجتهاد والتقليد الدرس ( 153)

كان الكلام في تقليد الميت والأدلة التي استدل بها على جواز تقليده مطلقا او بقاءً لا ابتداءً ، ووصل كلامنا الى أنه استدل له بإطلاق الأدلة كما تقدم في الدرس السابق ( افتى حكم خذ بقول ) فالقول والحكم والرأي وما ورد في لسان الأدلة بالنسبة لفتوى الفقيه هذه العناوين صادقة على الأموات والاحياء من دون فرق فالفقيه يَصدُق على فتاواه انه أفتى وحكم وقال ،وليست خاصة بمن قلده وهو حي ، بل تصدق لمن لم يقلده وابتداءً وهو حي كالراوي مثلا زرارة يصدق عليه انه ( روى زرارة ) مع انه مات قبل فترة طويلة فهذه العناوين صادقة ابتداء وبقاء.

السيد الخوئي : أشكل بأشكالين :

الأول :ـ ان هذه العناوين ظاهرة فيمن تلبس في الفعل لا من مضى ، فان تم هذا الاشكال فهو والا فهناك اشكال اخر : وهو ان اطلاق صلاحية الفقيه في الفتوى ان شملته ابتداء فسيحصل تعارض فيحصل قصور داخلي في العموم فالتعارض الذي ينشا بين مصداقين للعموم يؤدي للقصور في العموم وهذا الاشكال عين الاشكال السابق في السيرة العقلائية .

وللسيد الخوئي & وهو وجه عقلي غير مستقل لعدم جواز تقليد الميت ابتداء حاصله : انه بضرورة الدين والايمان ان الائمة اثنا عشر فلو بني على جواز التقليد للميت ابتداء لبني ان الائمة ثلاثة عشر وهذا الاستدلال ينطوي على أمور :

منها : ان لا نغلو في صلاحيات الفقيه بحيث تشمل صلاحيات الامام .

ومنها : ان الفقيه ليس له حصانة كالمعصوم بل يناقش علميا فحياة العلم بالبحث والنقد وهذه سيرة علمائنا والحوزة الحية الوحيدة اليوم هي حوزة مذهب أهل البيت ^ بسبب النقاش العلمي ، وحياة العلم أعظم من الجميع والمجموع ومن الأجيال كلها لأن بها حياة علم الوحي

فأي قاعدة فقهية يلزم منها المصادمة مع قاعدة عقائدية فهذه القاعدة الفقهية في إطلاقها خلل وهنا يلزم من الاخذ بالاستصحاب الايمان بالامام الثالث عشر وهو خلاف الضرورة العقائدية هذا من جهة الكبرى .

وأمامن جهة الصغرى أي كيف يستلزم تقليد الميت إبتداء القول بإمامة الثالث عشر فلأنه ان بنينا على وجوب تقليد الاعلم ، ولو كان ميتاً فالذي يقلَّد وهو الاعلم بحسب الواقع هو واحد من الاحياء والاموات فبالتالي ستضل فتواه نافذة لا تبدَّل فيجب على المؤمنين الرجوع اليه فيصير طابع ومسيرة اتباع أهل البيت الاتباع لشخص وله محورية بدرجة امامة الامام المعصوم ،فلا يضادد ولا يشارك ولا ينتقد فهذه درجة إمامة لا فقيه .

وهذا الارتكاز من السيد الخوئي دقيق جدا ، وهذا عين ما ذكرناه من أنَّ النظام المجعول للفقهاء نظام جمعي مَرِن لم يحدد بصياغة ـ فدرالي كونفدرالي وغير ذلك ـ فجَعْلُ مصيرِ الطائفة حتى في قرن وزمان واحد في مرجعية واحدة لا شريك لها هذا طابع إمامة وهو لم يجعل للفقيه .

وقد كانت سيرة السيد الخوئي العملية هي هكذا .

واجمالا كلامه صحيح ولكن قد يُؤآخَذ عليه صُغروياً ـ ولا نمنعها بشكل كامل لأننا لازلنا نشاهد ذلك صغروياً فنشاهد افراطات كثيرة ـ فإنه ليس كل تقليد ابتداءً بهذه المساحة التي يذكرها السيد الخوئي وذلك لان الاعلم قد يتبدل فقد يستجد من الاحياء من هو أعلم من الأموات والاحياء ، أو تتبدل التشخيصات في الاعلم من الاموات ، فدعوى ان تقليد الميت ابتداء يلزم منه وينتج عنه القول بإمامة الامام الثالث عشر ، ليس دائمية بل قد تتبدل اما في الاحراز او في الثبوت .

ومن هذا المطلب الاشكال الذي ذكره على السيرة أيضا محل نظر وهو لزوم التعارض في داخل السيرة لتعارض فتاوى الاموات فيما بينهم ولكن هذا الاشكال لو تم فيسري الى الاحياء فيحصل بينهم تعارض في الفتاوى فهل يعني هذا ان ادلة افتاء الفقيه للاحياء تنحر من رأس؟ كلا بل علاجه بالترجيح بالاعلم وغيره من المرجحات ومعه فلا يكون سقوط لأدلة التقليد والفتيا لا في الاحياء والا الأموات غاية الامر لابد من تقليد الاعلم .

واما اشكال البعض من ان الراي والقول لا يصدق في الأموات بل لابد من التلبس الفعلي فيرده : ان قوام الرأي والعلم والملكة بالروح وهي باقية ، او ان نقول بكفاية صدور الفتيا حدوثا حال الحياة ولا يشترط استمرار الحياة فيها .

اذن هذه الإشكالات في نظرنا غير تامة لدفع الاطلاقات والسيرة والأدلة اللفظية ولو كنا نحن وهذه الأدلة لقلنا بجواز تقليد الميت ابتداءً بشرط الاعلمية ولكن هناك نكتة صناعية تمنعنا من الالتزام بذلك وهو ان الفتيا كما مر بنا في بداية بحث الاجتهاد والتقليد سلطة وولاية ، وهي متشعبة من ولاية المعصوم ، وسلطة الفقيه ـ كما في الروايات ـ ليست مجعولة لما بعد الموت بل مجعولة بحدود ومن ثم منها فتياه وصلاحية قضاءه تنتهي بالموت ، واما تسويغ البقاء على تقليد الميت فليس بصلاحياته وولايته بل بولاية الحي عندما يأذن .