الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

42/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

بسمه تعالى ( هذا تنضيد وليس تقريرا )

أصول : الاحد 7 شعبان 1442 هـ

الاجتهاد والتقليد الدرس ( 152 )

كان الكلام في اجراء الاستصحاب في تقليد الميت ابتداء او بقاء ومر بنا انه ان قرب الحكم بنحو الحكم الكلي الانشائي لعم تقليد الميت ابتداء وبقاء واما اذا قرب بنحو الحكم الجزئي فلا يكون مؤدى الاستصحاب الا تقليد الميت بقاء لأنه لا يتم الا بمن تحقق تقليد منه للميت .

وبقي الكلام انه هل يجري الاستصحاب في الحكم الكلي أو لا ؟ وكيف يمكن تصوير الحالة السابقة فيه ؟

ولتوضيح الحال لابد ان نلتفت ان تقريب الاعلام للاستصحاب في الشبهات الحكمية في مقابل الاستصحاب في الشبهات الموضوعية ليس هو على كلية وجزئية الاستصحاب بل المناط في كونه حكمية او موضوعية هو على منشأ الشبهة ، فان كانت منشأها الأدلة فهي حكمية ، واذا كان المنشأ هو البيئية الخارجية فهي موضوعية .

وبعبارة أخرى : ان الاستصحاب المفروض المقرر في البحوث الأصولية دائماً فرض كلي حتى في الشبهات الموضوعية ، فكون الشبهة حكمية او موضوعية ليس على كليتها وجزئيتها بل على منشأها وذلك لأنه مثلا لو حصل الموضوع جزئياً في الخارج فهو وان كان صورة جزئي ولكنه واقعاً كلي اذ فرضت على نحو مقدّر الوجود ، مثلا الاعلام في الرسائل العملية يقولون اذا لاقت النجاسة ثوب المصلي وهو في الصلاة فما هي وضيفته فهذه الفروض صورةً جزئية لكون التحقق والوقوع جزئي ولكنه بالدقة هذا الفرض كلي ( أي مَن كان مصليا واصابت ثوبه نجاسة أي نجاسةٍ في أي مكان ) فهم يفرضوه جزئي حقيقي ولكن فرض الجزئي الحقيقي بالدقة هو كلي كما يقال انه ( بالحمل الاولي ) جزئي حقيقي ولكن (بالحمل الشائع) كلي ، فالكلية موجودة ويمكن ان نسميه (جزئي إضافي ) ، نعم مفروض انه جزئي حقيقي ولكنه ( بالحمل الاولي ) أي بلحاظ ذات المعنى والمفروض بلحاظ وجوده الخارجي ينظر به الى الخارج وكن نفس هذا الذي يُنظَر به هو كلي ، ولكن ينظر به الى جزئي حقيقي ، فما يُنظَر به كلي ، وما ينظر اليه هو جزئي .

فبالدقة التفرقة بين الشبهتين مرتبط بمنشأ الشبهة لا بكونها جزئية او كلية كما تقدم ، وحينئذ مشهور الاعلام الأصوليين الذين بنو على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية والحكم الكلي ليس مرادهم اجراءه في الحكم الانشائي بما هو هو ، لكونه ليس هو المدار في كون الشبهة حكمية بل مرادهم إجراءه في الحكم الذي تحقق في الخارج ومنشأ الشبهة في بقاءه هو الأدلة ، مثلا خيار المجلس هل تفرّق احد المتعاقدين ينهي الخيار او تفرقهما معا ؟ فنشك في ذلك حين شرعه الشارع ويترتب على ذلك انه ان كان ينتهي أمده بتفرق الطرفين معا فانه ان تفرق احدهما زال خياره وبقي الخيار للاخر ، فان تفرق احدهما فنستصحب بقاء الخيار للذي لم ينصرف وهذه شبهة حكمية ، وقد أجرينا الاستصحاب لأننا افترضنا وقوع العقد وحصول خيار المجلس فنستصحب بقاءه ، فنحن نفترض حصول عقد البيع وتحقق خيار المجلس ثم نبقيه ، وفرضنا لتحقق البيع وتحقق خيار المجلس كحالة سابقة ليس يعني شبهة موضوعية بل لازالت حكمية ، مع اننا في صدد فرض تحقق خارجي وذلك لكون الاستصحاب في مورد إبقاء ما كان ـ أي ما قد تحقق له كون سابق ـ وأما اذا لم يتحقق له كون سابق فهو ليس استصحاب فالشبهة الحكمية الذي يقول الاعلام بجريان الاستصحاب فيها لا يُتخيَّل ان المراد منها اجراء الاستصحاب في الحكم الانشائي الكلي بل هذه مغالطة فالاستصحاب في الشبهة الحكمية ابدا لا يجري في الحكم الانشائي الكلي بل الاستصحاب دائما يفرض بعد تحقق الحكم خارجاً فيجري لأبقاء ما تُيِقِن تحققه .

اذن المدار في كون الشبهة حكمية او موضوعية في الاستصحاب ليس هو فرض التحقق وعدمه ـ فان افترضنا التحقق فهو شبهة موضوعية واذا لم نفترضه فهو شبهة حكمية ـ بل دائما الاستصحاب فيه فرض التحقق لكونه إبقاء لما كان أي لما تحقق غاية الامر ان الشك في البقاء والإبقاء ان كان هو الأدلة الشرعية فهي شبهة حكمية وان كان منشأه البيئة الخارجية فهو شبهة موضوعية .

فلذا هذا التقريب الذي مرَّ في الاستصحاب بنحو القضية الحقيقية الكلية من دون فرض التحقق لكي يشمل التقليد ابتداءً ، هذا التقريب في نفسه مخدوش تماما لكونه لم يفترض فيه التحقق ، والاستصحاب المعهود في الشبهة الحكمية لابد ان يُفرض فيه التحقق واذا لم تفرض فيه التحقق بل مجرد فرض بما هو هو فهو ليس استصحاب بل اما (قاعدة اليقين ) او المقتضي والمانع او الشك الساري .

اذن تقرير الاستصحاب في الحكم الانشائي بما هو غير تام وبالتالي فلا يمكن للاستصحاب ان يقرر جواز تقليد الميت ابتداءً واذا تم فهو يتم في جواز تقليده بقاءً ، وهذا هو السر في ذهاب أكثر متأخري هذا العصر الى جواز البقاء على تقليد الميت لا استصحاب جواز تقليده ابتداءً.

 

الدليل الثاني : الذي استدل به على جواز تقليد الميت إبتداءً وبقاءً

دعوى وجود السيرة العقلائية والمتشرعية بتقريب :

ان العقلاء لا يفرقون في الرجوع الى علماء العلوم والفنون بين كونه حياً او ميتاً بل تمام المدار هو علميته عندما أصدر هذه النظرية او القول العلمي .

و الشيخ الانصاري & قبل سيرة المتشرعة ـ لا العقلائية ـ في البقاء على تقليد الميت ، فلم نعهد ولم يؤثر من المتشرعة والمؤمنين اذا كانوا يقلدون احد الفقهاء ثم مات يعدلون الى غيره ولم تتعرض لذلك الروايات ، واما مَن قرَّب السيرة العقلائية فقال إنها أعم من البقاء والابتداء .

وأشكل على هذه السيرة عند السيد الخوئي & :

بأن هذه السيرة لا يمكن الاخذ بها في تقليد الميت إبتداءً لأنه يلزم فيها التعارض الداخلي ، لأنه أي ميت ابتداءً تقلده هل الذي مات قبل كم سنة او الذي مات بوقت بعيد ؟ فالفقهاء الذين ماتوا من الغيبة الصغرى الى الان كثر فيحصل تعارض داخلي وعند التعارض يكون التساقط ، فالسيرة العقلائية والمتشرعية في الابتداء ليست حجة ، نعم هي في البقاء حجة لكونه لا يوجد فيها تعارض بل يبقى على تقليد من كان يقلده قبل موته وهو واحد لا متعدد .

ولا نعلق على هذا الدليل حتى نستوفي كل الأدلة وذلك لوجود نكتة جامعة تعالج كل الأدلة .

الدليل الثالث : وهو يشمل الابتداء والبقاء .

وهو الاطلاقات في الأدلة اللفظية لأنه يَصدق على الفقيه الميت ولو إبتداءً أنه أنذر فتشمله آية الإنذار والنفر { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [[1] ] والانذار يتقوم بالحياة حدوثا ولا يتقوم ببقائهم احياء كما في الرسل والاوصياء فهم منذرون في حياتهم وان كانوا الان أموات ، ولذلك في سيرة العقلاء والمتشرعة هذا الاسناد موجود يقولون هذا رأي صاحب الجواهر فالاسناد يتقوم في الحياة حدوثا لا بقاءاً ولذا نحن نسند الآراء الى أصحابها الأموات كرأي صاحب الشرائع وكاشف اللثام .

أجاب الاخوند :

ان الأدلة الواردة في صلاحيات الفقيه في الفتيا أو ما شابه ذلك هي واردة في أصل التشريع وليس في مفاد الأدلة عموم ازماني او احوالي والبقاء على تقليد الميت من قبيل العموم الازماني أو الاحوالي لفتوى الفقيه لكونه قد اندرج في مصاديق ( اذا حكم ....فقلدوه ) ولكنه انتقل من حال الحياة الى حال الموت او من زمان الحياة الى الوفاة فنحتاج الى عموم احوالي لأثبات جواز تقليده بقاء وهو لا تتضمنه الأدلة كما ذكر صاحب الكفاية .

وللسيد الخوئي إعتراضان نؤجل الحديث عنهما الى الدرس القادم بحوله تعالى .


[1] التوبة : 122.