الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

42/07/29

بسم الله الرحمن الرحيم

بسمه تعالى

أصول: السبت 29 رجب الاصب 1442هـ

الاجتهاد والتقليد الدرس ( 147 )

وصل بنا الكلام الى مبحث تقليد الميت فهل يجوز تقليد الميت ابتداءً بقاءً مطلقا على تفصيل ام لا ؟

أي هل يشترط الحياة في الفقيه المقلَّد ام لا؟

اختلفت اقوال الفقهاء طبعاً غالب الاخبارين ان لم يكن كلهم جلهم على جواز تقليد الميت ابتداءً من وسيأتي انه ربما خلافهم مع الاصوليين في هذا المطلب خلاف صغروي وليس كبروي يعني كبروياً لا يسوغ الرجوع الى الفقهاء الاموات.

طبعاً مر بنا ان من ذهب الى عدم جواز تقليد الميت من الأصوليين انما منعوا ذلك في تقليد الميت واما اذا كان الرجوع الى الاموات من باب استحصال الاحتياط من الاقوال ولو الاحتياط في التقليد او الاحتياط المطلق فهذا لم يمنعه احد ، لو افترض أنه ما اختار التقليد ولا الاجتهاد بل اختار الاحتياط، فلا ريب ان الاحتياط يتقوم بمراعاة كافة الاقوال للأحياء ولا اموات لا خصوصاً الاحياء في الاحتياط الذي هو في مقابل التقليد.

فالاحتياط الذي هو في مقابل التقليد لا تتحدد دائرته بالأحياء بل تتسع للأحياء والاموات وهذا لا ريب فيه. لا سيما مع كون الاموات هم اعلم من الاحياء مثلاً. هذا لا ريب في ذلك فيما اذا اختار الاحتياط في مقابل التقليد او مقابل الاجتهاد.

ففي هذه الصورة واضح ان الاحتياط يسع ويشمل الاموات لا كلام في ذلك وهذا المورد مر بنا.

الصورة الثالثة :

ومورد اخر مستثنى من هذا البحث : فيما اذا لم يرد الاحتياط في مقابل التقليد. اراد التقليد لكن الاحتياط في التقليد صيغة من صيغ التقليد الاحتياط في التقليد فله ان يجمع طبعاً بين الاموات والاحياء. احوط الاقوال. هذا ايضاً ليس الاحتياط الكبير المطلق. هذه الصورة الثانية ايضاً مستثناة من عدم الرجوع الى الاموات.

فبالدقة محل الكلام في المنع عن تقليد الاموات فيما اذا اراد ان يكتفي بتقليد الأموات فمحل المنع ومحل البحث والابرام والنقض هنا.

اذاً لا زالت كتب الفقهاء ـ من القرن الثالث الرابع الخامس العاشر عشرة الان أكثر كتب الفقهاء ـ حية ، حتى من جهة عمومها لعوام المؤمنين ، فضلاً عن العلماء. الرجوع الى الأموات هنا لا كلام فيه في الصورتين( صورة الاحتياط الكبير او صورة الاحتياط في التقليد ) .

اذاً بالدقة محل الكلام في المنع من تقليد الاموال اين؟ فيما اذا اراد ان يكتفي بقول فقيهٍ من الفقهاء والاكتفاء به هنا لا يسوغ الاكتفاء بقول فقيه من الأموات .

هناك تعبير ذكره الاعلام صناعياً في باب الاجتهاد التقليد لطيف يقول انما يشكل مثلاً تقليد غير الاعلم من الاحياء ـ مع كونه واجداً للشرائط ـ او تقليد الأموات إبتداءً او غير ذلك . هذا انما الكلام فيه. يسوغ او لا يسوغ عند الاختلاف انما الكلام فيه فيما اذا كان الرجوع اليه وقوله مخالف الاحتياط. اما اذا قوله مطابق الاحتياط في المسألة المعينة فلا كلام في جوازه. ولو لم يكن اعلم ولو لم يكن حياً.

لأنه بالدقة هذا احتياط هذا الرجوع لغير الاعلم من الاحياء او الرجوع الى الميت من الفقهاء. في هذه الصورة الثالثة هذه الصورة في نفسها احتياط ولو احتياط ليس كامل او تام بل احتياط يسير اوسع من فتوى الحي الاعلم.

هذي الصورة الثالثة ايضاً لا كلام في الرجوع الى الاموات ولو لم تكن احتياط كامل ولا احتياط في التقليد كامل بل احتياط بدائرة اوسع من التقليد.

فاذاً انما يُتكلَّم في عدم جواز الرجوع الى الميت من الفقهاء او غير الاعلم في موارد الاختلاف فيما اذا كان قوله في تلك المسألة التي تريد ان تراجعه فيها أو ان تكتفي بقوله فيها وكان قوله خلاف الاحتياط. في المسألة هذا هو التقليد بعينه. وهذه دقة صناعية في معنى التقليد. معنى التقليد ان تتبع فتواه وقوله يعني تتعذَّر بقوله وتكتفي به وقوله خلاف الاحتياط. فالكلام في رخصة التقليد او جواز التقليد او اساغة وسوغ التقليد هذا يكون فيما اذا كان هو معذِّر. يعني قوله خلاف الاحتياطي وتكتفي به عن الرجوع الى غيره او عن ضم غيره اليه. وهذا صحيح. يعني فيما اذا كان معذراً ، وإلا اذا لم يكن معذر. وكلامه موافق للإحتياط فلا كلام في الرجوع اليه سواء كان غير اعلم من الاحياء ـ لكنه واجد للشرائط طبعاً ـ او كونه ميت من الاموات لأنه نوع احتياط.

اذاً هذي الصورة الثالثة نبهتنا ـ حسب كلام الاعلام ـ على ماهية التقليد من كونه تعذير تكتفي به عن الرجوع الى غيره وضم غيره اليه ، وكون قوله فتواه خلاف الاحتياط . والّا إذا كان مع الاحتياط هو من باب الاحتياط سائغ وان لم يكن من باب التقليد .

الصورة الرابعة المستثناة من الرجوع الى الميت:

وهي صورة المسائل الاعتقادية بل في المسائل الاعتقادية لا يسوغ لأحد ان يكتفي بالأحياء بل عليه ان يجمع بين الاحياء والاموات.

ففي المسائل الاعتقادية اولاً التقليد غير موجود عندنا ، لكن مر بنا مراراً في المسائل الاعتقادية أنه حيث لا يسوغ التقليد بأي معنى ؟انه بمعنى انه هو ان تركن تكتفي تتعذر بقوله من دون ان تفحص انت عن الادلة. او من دون ان تجمع مجموع محصل كلمات الاعلام من الاولين والاخرين والوجوه العلمية التي استندوا اليها.

هذا معنى عدم جواز التقليد في العقائد ، لا أن معناه انه يحرم عليك الاقتراب من العلماء. فان المجتهد اذا اراد ان يجتهد والفقيه اذا اراد ان يجتهد سواء في الفقه في الفروع أو في العقائد او في اي علم من العلوم الدينية لا يصح ولا يتم ولا يكمل اجتهاده الا بمراجعته العلماء الاولين والاخرين الاموات منهم والاحياء ، الكبار منهم وغير الكبار. اذا كان المجتهد لا يستغني عن العلماء.

الكل اتفقوا ـ قطعاً جزماً ـ على ان أعلم العلماء وانبغهم لو اكتفى برأيه من دون الرجوع الى بقية العلماء. ـ رجوعاً علمياً ـ هذا اجتهاده حتى لنفسه لا يبرأه الذمة ، فحرمة التقليد في العقائد يعني أن لا تكتفي بعالم وبقوله بل ارجع الى كل علماء الطائفة لاسيما في المسائل الهامة المعقدة الحساسة في فقه الفروع او فقه العقائد فكيف بك بغير المجتهد بغير الفقيه ؟! فمعنى حرمة التقليد في العقائد يعني عدم الاكتفاء. والركون الى قول عالمٍ واحد ومن دون التفتيش عن الدليل ، واما في العقائد فالازم فيها جمع الاقوال والوجوه والنكات بقدر الوسع يعني بقدر سعة المؤمن العادي .

اذن اذا منع التقليد في الاعتقادات فيتعين إمَّا الاحتياط او الاجتهاد ولو بقدر الوسع ، يعني في العقائد ـ بناءً على المشهور من حرمة التقليد ـ يجب على الكل ان يكونوا إما مجتهدين أو يحتاطون في العقائد وهو أيضا يلزم فيه ان تطلع على كلام العلماء اجمعين ، او تجتهد ولو بدايات الاجتهاد العادي، فوجوب الاجتهاد ـ على فتوى المشهور ـ في العقائد عيني ، بناء على حرمة التقليد.

 

الصورة الخامسة : التقليد في الضروريات

مسألة اخرى لطيفة غير العقائد وهي ان الضروريات ليست محل للتقليد فيجب ان تكون انت عالمٌ بها. وجوب عيني ولو درجة يسيرة من العلم .

وإلا لماذا أمر الدين بان كل المكلفين والمسلمين وكل المؤمنين يقرأون يومياً القرآن ؟ ان هذا من أجل أن لا ينحصر مصدر معرفته فقط من خلال التقليد ولا العلماء بل هو يرتبط مباشرةً بالضروريات. وكذلك أيضا ـ كما يقول النجاشي & في ترجمته للكليني ـ يقول دخلت ووجدت حلقتان حلقة لتلاوة القرآن وحلقة اخرى لتلاوة الحديث.

فهذه السُنة المفروض والواجب ان تُحيـى بعين الدليل الذي يذكر في استحباب قراءة القرآن يومياً ، بنفس الدليل بنفس البراهين بنفس الضروريات والادلة يستحب قراءة الحديث يومياً.

قد تقول : هؤلاء ليسوا مجتهدين .

نقول : ان عموم المؤمنين أيضا ليسوا مجتهدين يستنبطون الاحكام من القران فهل تحرم عليهم قراءة القرآن لكي تحجب عنهم الوعي بالضروريات ؟! لا يمكن ابداً. أي يجب ان يستقوا الضروريات مباشرةً من الوحي. كما ان العقائد تستقى ادلتها العقلية مباشرةً من القرآن والعترة.

فقراءة القرآن وقراءة الحديث لعموم المؤمنين من اوجب الواجبات لكي يقف على الضروريات ،ولا يصغي لقول قائل في حجبه ومنعه عن القرآن او في حجبه ومنعه عن اي كتاب من كتب الحديث التي علماء الامامية بل لا بد ان يرجع اليها لكي يحصل قضية الضروريات.

فاذاً في الضروريات والمسائل الاعتقادية وهما مسألتان فقد تكون الضروريات لا ربط لها بالعقائد كـ الضروريات في القرآن. الضروريات في الاداب. الضروريات في الاخلاق. الضروريات في الفقه. الضروريات في فقه الشعائر الدينية. الضروريات في فقه الشعائر الحسينية. هذه ليست محل تقليد. وليست محل رجوع وليست محل صلاحية العلماء كما هم نصوا على ذلك هذه من صلاحية نفس ائمة الدين والرسول النور المبين وللباري تعالى. هذه امور مساحة ليست محل للمزايدة ابداً ولا من صلاحيات احد ، أي اصلها بمقدار الضرورة ليست محل مزايدة .

وهذه كيف يستقيها عوام المؤمنين ؟ يستقوها بقراءة الثقلين القرآن والعترة . والا اذا انحجب عن كتاب الكافي و الفقيه وتوحيد الصدوق وعيون اخبار الرضا × فمن اين تحصل له الضروريات ؟ فهل تنزل عليه وحي من السماء ؟! كيف والعلماء مصدر استقائهم من الثقلين. القرآن والعترة .

اذاً في الضرويات لا تقليد في البين. بل التصاقٌ بالعلم والعلماء ، لا بالعلماء فقط ولا بالعلم فقط علم وعلماء ، طبعاً يطلع على اقوال العلماء في العقائد اقوال العلماء في الضروريات ليستفيد منها ولايبتعد عنها العلماء كما مر بنا ان الفقيه والمجتهد لا يستطيع ان ينفرد برأيه عن العلماء. واقوالهم وجهودهم العلمية فكيف بغير المؤمنين.

اذاً في الضروريات باب التراث الحديثي ليس مغلق وليس حكرا ، بل يلزم فتح على مصراعيه ، نعم في المسائل غير الضرورية من القرآن يجب ان يستعين بالعلماء اما احتياطاً او استنباطاً ، إما يتأهل للاستنباط او يستعين بمن عنده علمٌ بملكة الاستنباط.

وبالتالي حتى بالضروريات هو ايضاً لا يبتعد عن العلماء ، لا العالم يبتعد عن العلماء ولا غير العالم يبتعد عن عن العلم والعلماء .

المسألة السادسة :

مسألة ادارة امور الطائفة في البعد السياسي ُبعد المعالم. نص غير واحد من الاعلام ان مسار ادارة الطائفة اللازم فيها ان تكون على وفق مشهور العلماء ـ أو مشهور طبقات وقرون العلماء مع وجود هذا المشهور والتوافق والاتفاق ـ القضاء في الطائفة مثلاً والامور السياسية الامور التي ترتبط بمعلم الطائفة معلم المذهب.

الكثير ذكروا ان قوله ( خذ بما اشتهر بين اصحابك فان المجمع لا ريب فيه ) غير قضية الشهرة العملية والروائية والفتوائية بل هي في ادارة او مسيرة الطائفة. جملة قربوا هذا الاستدلال والادلة التي ذكرت في الشهرة.

وهو في الحقيقة قولٌ المشهور يعني اذا كان هناك قول مشهور شهرة طاغية فلا يسوغ حينئذٍ ادارة امور الطائفة بغير رأي علماء الطائفة الجامع بين الاموات والاحياء.

فهذه ست مسائل ربما يقع يقف الباحث على مسائل اكثر يجب فيها اشراك العلماء الأموات والاحياء فيها .

اذن لا يسوغ تقليد الميت ابتداءً او بقاءا انما هي في صورة واحدة وهي : الفروع وغير الضروريات وعند إرادة الاكتفاء بقوله تعذراً وقوله مخالف للاحتياط .

وهنا اللغط العلمي هل يجوز تقليد الميت ابتداءً او لا فذهب جل الاخباريين للجواز ووافقهم بعض الأصوليين في ذلك وسيأتي الكلام في ذلك .