الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

42/02/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الإجتهاد والتقليد

كنّا في باب مقدمات الإجتهاد وأنّه لابد من مراجعة قول اللغويين في علوم اللغة وأنّه قد ذكر الأصوليون من جهة أنّ قول اللغوي ليس بحجة في مبحث الحجج، يقول الناييني وصاحب الكفاية والسيد الخويي أنّ قولهم ليس بحجة ومن جهة أخری في نفس المبحث أو في مبحث الإجتهاد والتقليد أنّه لابدّ من المراجعة إلی قول اللغويين. هل هذه تناقض؟ لا، صناعيا كيف ليس بتناقض؟ وعملياً سيرة العلماء عن بكرة أبيه تصدير الكلام بقول اللغويين. فكيف تتناسب لاسّيما علی مبنی المتأخرين بعدم حجية قول اللغويين؟

إذاً أنت أيّها الباحث إذا رأيت من يقول هذا الخبر ضعيف لايعني أنّه يسوغ لك عدم مراجعة الخبر الضعيف ويسوغ لك طرح وترك الخبر الضعيف. لأنّه عندما يقولون أنّ هذا الخبر في نفسه ليس بحجة لايعني أنّه من وجه آخر ومن منهج آخر أيضاً ليس بحجة بل تلزم أنت أيها الباحث بالمراجعة والركون والرجوع إليه كما إذا تشكّل من هذا الخبر التواتر أو الإستفاضة أو الوثوق أو ما شابه ذلك، فلايغرنك التعبير بأنّ هذا الخبر الضعيف لايعتمد عليه فإنّه يعني لايعتمد عليه في نفسه لا أنّه لايعتمد عليه مع الضمائم ويسوغ لك طرحه. هذه الأمور صناعيا يجب أن تكون واضحة وبيّنة.

مضافاً إلی قولهم أنّه يحرم الرد، ما الفرق بين عدم حجية الخبر الضعيف وبين حرمة ردّه؟ ما معنی حرمة الردّ؟ لا أنت تردّه ولا أنت تعمل به بمفرده، اتفق علی هذا كلّ علماء الإمامية بلا استثناء. معنی حرمة الردّ أن تستفيد منه كمادة تصوّرية، اعتن به تصوّرا وعدم حجيته بمفرده يعني لاتعتمد عليه كحجة تصديقية بمفرده وطبعاً فرق بين التصوًر والتصديق.

أولیس كل عالم في كل العلوم الدينية يرجع إلی أقول العلماء؟ هل أقوال العلماء حجة؟ هل هو في صدد التقليد؟لا. فلمَ يلزم نفسه بمراجعة أقوال العلماء؟ هي ثروة تصوّرية وهل ملزم أن يراجع إلی الثروة التصورية؟ نعم وإلا ما كان استنباطه وفحصه تاما، فيصير الفقه ضيقا ونباهته دانية. من قال لك أنّها ليس فيها إلزام؟ هذا خطأ أن نقول إن كل شيء تصديقي نلزم به والتصور لانلزم به، من قال لك أنّ التصور لانلزم به في الإستنباط؟ التصور بدرجة الإحتمال بل أكثر إن التصور يعني في ما يعنيه أنّه أفق الفحص والفحص ملزم به الفقيه والمفسر والمتكلم و الرجالي وبدون الفحص العلمي كل ما يؤلّفه المستنبط يكون مبتورة الحجية، هذا ناموس في العلوم الدينية لزوم الفحص.

بعبارة أخری: الجاهل المركب لايمكنه أن يتنبه إلی الفحص لأنّ الفحص نوع من التنقيح ويوجد لديك التنقيح إذا كان عندك التصور، إذا لم يكن عندك التصور فمع الجهل المركب والغفلة لاتستطيع أن تقوم بالشرط الركني في كل الحجج وهو لزوم الفحص. فالثروة التصوّرية انظر كيف هي بنيوية وصناعية وقوامية في الإستنباط.

فإذاً أقوال العلماء ليست بحجة، صحيح لكن ليس معناه أن لاتراجع إليهم، عدم رجوع العالم لأقوال العلماء تصوراً مخلّ بالإجتهاد، وأصلاً لايجوز تقليد هذا الفقيه. الفقيه الذي لايرجع إلی جهود العلماء لايجوز تقليده. لأنّه قد يجد تصديقات وحججافي الأقوال وهو غافل عنها. فإذا نری أنّها ليست بحجة شعارا ونطرح هذه التراث هذا شعار لاعلمي. ليست بحجة في نفسه شيء آخر.

الشيخ المفيد والسيد المرتضی ادّعيا أن ّمن ضرورة المذهب عدم حجية الخبر الصحيح الواحد. ماذا يقصدون؟ يقصدون إذا تريد أن تعمل به بمفرده لأنّه بوثاقة الرجال هذا ليس بحجة. ليس هو دور الرجال والرواة، بل أعرضه علی موازين الوحي، محكمات القرآن ومحكمات السنة النبوية. هكذا عندهم: لانحكّم الرواة والرجال في دين الله بل يجب أن يجعل الوحي هو الأول والأخر وهو الميزان وهو نقطة التفتيش المحكمة. نقاط التفتيش ليست هي الرواة بلغوا ما بلغوا من الوثوق والعلم، هذا كلام السيد المرتضی والشيخ المفيد وابن ادريس وكلام ابن حمزة وابن براج وكل القدماء هذا مبناهم فعندما يقولون ليس بحجة لا يعني طرحها، هم لايفرق عندهم بين الخبر الصحيح والخبر الضعيف لأنّ الرواة ليست لديهم القيمة العليا بل جزء القرينة يكترسون بالرواة بجزء القرينة، ويرون أنّ المضمون موزون أم لا؟ المضمون دستوري أم ليس بدستوري، الدستوري يعني يعرضونه علی الأصول التشريعية الأولية الثابتة، مثلاً في باب الصلوة يعرض علی الأصول التشريعية في باب الصلوة وكل باب له أصول تشريعية ثابتة قطعية.

إذاً هذا الشعار العلمي بأنّه ليس بحجة لايعني أن تطرحه، هو ليس بحجة مفرداً لكن بالضمائم. الشيخ المفيد في الكمات التي نقلت عنه في كتب كثيرة ونقل عنه الشيخ الأنصاري في الرسائل أنّه مع الضميمة ومع الشواهد يكون حجة. فعندما يقولون أنّ خبر الواحد ليس بحجة لايعني أنّهم لايهتمون ولايعتنون بتراث الحديث. ليس الميزان إخبار الرواة بل هذا قرينة من القرائن، إنّما المدار علی صحة المضمون.

أصلاً الصحة في كتاب رجال النجاشي والشيخ الطوسي وتهذيب الطوسي واستبصار الشيخ وفقيه الصدوق وكافي الكليني والغضائري وكل كتب الرجال وكل كتب الحديث يطلقون الصحة علی المضمون ولايطلقون الصحة علی الطريق. إذا يقولون أن هذا الحديث صحيح يعني مضمونه مطابق للأصول التشريعية. عمدة الحجية بلحاظ المضمون.

مثل ما يقال أنّ هذا القانون دستوري، بالله عليك هل سمعت أنّ القانون وزاري أو برلماني، دستوري؟ يعني أنّ الناطق الرسمي باسم الوزارة الفلانية نطق به؟ هل هذا دليل علی دستورية القانون؟ إذا تقول أنّ هذا القانون دستوري لأنّ الناطق الرسمي باسم البرلمان أو الناطق الرسمي باسم الوزارة أو باسم البلديات نطق به؟ هذا لايدلّ علی أنّه دستوري، بل يجب أن يكون مضمونه مطابقا لمضمون الدستور، هذا بحث ثبوتي وليس اثباتي. الناطق الرسمي اثباتي وليس ثبوتي.

الصدق ثبوتاً لا يرتبط بوثاقة الرواة وبضعف الرواة و لابالرواة أصلا. الصدق ثبوتا يعني تطابق التكويني بين مضمون الخبر والأصول التشريعية. هذا هو الصدق الخبري. أمر تكويني وليس له ربط بالرواة. الصدق الإثباتي يرتبط بالرواة والإحراز.

مثلاً بيّناه في مباحث المعارف أنّ النبي مصدّقاً للأنبياء، المصدّق لايعني أنّه يشهد للأنبياء، هذا ليس المعنی الأصلي، بل يعني هم متطابقون وغير متناقضين وهذا دليل الوحدة ووحدة المرسل، كذلك الائمة عليهم السلام يصدق بعضهم بعضا، صحيح أنّهم يشهد بعضهم علی بعض، هذا المعنی مراد لكن ليس المعنی الأصلي، المعنی الأصلي هو أنّ علم أهل البيت يطابق بعضه بعضا وغير متناقض. كلّ اثني عشر كأنّهم نور واحد يعني بنيان علمي ومنظومي واحد وهذا هو برهان مجازي. كيف يتطابقون هؤلاء صلوات الله عليهم في كلّ صغيرة وكبيرة؟ مصدّق لما معكم يعني متطابق وهذا يسمّونه الصدق الثبوتي ولا له ربط بالرواة ولا له ربط بالمنبأ والمخبر عادل أو فاسق، بل له ربط بالتطابق. هذا يعبّرون عنه الصدق الخبري وغير الصدق المخبري والصدق المخبري إثباتي وكاشف ومحرز والصدق الواقعي وهو صدق متن الخبري مرتبط بالتطابق التكويني.

لذلك يصرّ القدماء أنّ الصحّة بمعنی الحجية تطابق المضمون مع أصول التشريع القطعية. هذا كأنّما خارطة صارت منسيّة في هذا الزمان في الحال أنّها سائدة عند مشهور علماء الإمامية.

فإذاً عندما يقال أنّ قول اللغوي ليس بحجة ومن جهة يقولون لابدّ من مراجعة اللغويين كذلك عندما يقولون أنّ الخبر ضعيف صدورا ًمع ذلك لابد ّلك أن تراجعه وليس تناقضا. لأنّه ليس بحجة من هذه الجهة الاولی في جهة الصدور لأنّه مرّ بنا أنّ الحجية ثلاثي الجهات.

ما ادّعاه السيد أحمد ابن طاووس مع أنّه لايدعيه، راجعنا إلی كتاب التحرير الطاووسي حتّی السيد احمد بن طاووس لايحصر الحجية بالخبر الحسي، نفس السيد الخويي لايقدر أن يحصر الحجية بالخبر الحسي والأخبار الحسي. هو في بحث قول اللغوي وبحث الشهرة عنده منهج ثلاثي، لكنّه رحمة الله على السيد الخوئي لم يراعي هذه الثلاثية وغفل عنها ومن بعده أكثر تلاميذه تبعوه.

الخبر الحسي والخبر الحدسي يعني علمي خبروي ما يسند إلي حدس الهلوسي بل الحدس المستند إلی موازين حسية مثل إخبار وإفتاء الفقهاء بالأحكام الشرعية مع أنّها والله بالله ليست ملفوظة في الروايات والآيات فكيف يسندوها؟يسندونها لأنّ المعنی صحيح والمعنی موجود وهذا باب واسع في الإخبار. قد تخبر عن فلان وتسند إليه لكنّه لم يتلفّظ بكذا، لكن المعنی يصحّ الإسناد إليه. أو قد يكون بالضمائم وتراكم الإحتمالات فثلاث موارد.

قبل أن ننتقل إلی مبحث آخر في مقدمات عملية الإستنباط والإجتهاد هذا المنهج الثالث جيّد أن نركّز عليه صناعيا.

لاحظوا في المنهج الثالث الذي يعبّر عنه الشيخ الأنصاري رئيس زمانه في علم الأصول رحمة الله يعبّر عنه بجزء الحجة. بجزء الحجة يعني التفت أيّها الباحث أنّ فيها أجزاء أخری يجب أن تضمّها.

هذا التركيب الإنضمامي يعني ماذا؟ يعني كل مفردة هي ليست بحجة ولكنّها تدرسها كمّا وكيفا، واحد منها عشرة بالمأة أو خمسة بالمأة أو قرينة أخری عشرين وقرينة أخری عشرة ويجتمع إلي أن تصل إلی ثمانين أو مأة بالمأة وتصبح الإطمئنان و الإستفاضة أو اليقين والقطع.

إذا نلتفت شيئاً ما نلاحظ أنّ القدماء من علماء الإمامية حتّی إلی ما قبل قرنين أو أربع قرون حتّی الأخبار الضعاف يحددونها وتوزن درجة الضعف فيها. لماذا توزن درجة الضعف؟ سواء الضعف في الصدور أو الدلالة أو جهة الصدور. تارة درجة الضعف تسعة وأربعين. ما الفرق بين درجة تسعة وأربعين ودرجة خمسة بالمأة، يفرّقون بين درجة خمسة بالمأة ودرجة تسعة وأربعين بالمأة لماذا؟

واضح، إذا كان شيء كالعدم فما الثمرة في أن تحدده، نفس النجاشي والطوسي في الرجال والصدوق في الفقيه والغضائري في كتابه المنسوب إليه والعقيقي والبرقي وغيرهم من الأعلام في الحديث والرجال يقولون أنّ إرسال فلان شديد وتارة يقولون أن الإرسال خفيف. لماذا يفرقون بين الشديد والخفيف؟ إرساله مقطوع بالقوة أو مقطوع شيئاً ما، ما الفرق بينهما؟ لماذا تجعلون الضعف درجات؟ ما السرّ في ذلك؟ ما الحكمة وما الفائدة؟ شديد الضعف مع الضعيف ماذا الفرق بينهما؟ سرّه واضح لأنّهم يؤلّفون من الضعيف تراكم. لكن التراكم ليس عشوائي بل التراكم رياضي وصناعي. يرون كم هو درجة الضعف. مقدار اللازم من الجبر كم هو لازم.

مثلاً الآن أنتم قلتم أنّ قول اللغوي ليس بحجة. لكن لماذا يقولون أنّ الجوهري قوي والخليل ابن أحمد قوي، الكسائي قوله قوي وسيبويه جهة قوة فيه، إذا كان قولهم ليس بحجة ما الفارق بين القوي منهم والضعيف؟ لم تميّزون بين أقوال اللغويين؟ لم تميزون بين الأقوی والأضعف؟ مع أنّ كلهم ليس بحجة، ما المائز؟

لأنّ تراكم القرائن يزنونها بدقة كيفاً وكمّا، عندما يقولون أنّ الإطمئنان حصل، ليس إطمئنان عشوائيهلوسي بل موزون ومدروس خطوة خطوة، تراكم لكن موزون منظوم مرتّب كيفاً وكمّا. هذا واضح أنّ الإعتماد ليس علی جانب مفردة. هذه نكتة جدّاً نفيسة.

لذلك قالوا أنّ القياس والإستحسان والمصالح المرسلة وغيرها من الظنون التي نهي عنها يعني لايعتمد عليها لامفرداً ولا انضماماً أصلاً ممنوع. ذكر صاحب الكفاية في معنی النهي عن القياس آخر مبحث الحجج حتّی الشيخ الأنصاري: أنّ النهي عن القياس يعني لا فقط ليس بحجة، بعضهم يقولون أنّ القياس منهي الإعتماد عليه يعني بمفرده، هذا خطأ. كثير من الحجج بمفرده ليس بحجة. هذا التشدد الكثير من الشارع علی القياس يعني ماذا؟ يعني لاتعتن عليه لابمفرده ولابإنضمامه.

معناها أنّ هناك منهجين ولاتعتمد عليه في المناهج في الحجية لا الخبر الحسي ولاالخبر الحدسي ولا تراكم الإحتمالات. القيمة الإحتمالية للقياس الشارع أسقطها. لاتشكّل القياس والإستحسان قيمة احتمالية، لأنّ دين الله لايصاب بالعقول. حتّی درجة الإحتمال لايعبأ به حتی بالإنضمام. إذا شكّلت إطمئنانك ناشئ من بعض عناصر القياس لست معذوراً في حجية الإطمئنان ولا في حجية القطع.

هذه نكتة مهمّة أنّ المنهج الثالث وهو الإطمئنان وتراكم الإحتمالات لايبنون علماء الأعلام عليه عبطاً وعشوائيا ًبل يجب أن يكون مستنداً إلی القرائن بمعيار موزون دقيق. فإذا تكون قرينة من القرائن اعتبرها الشارع كالعدم لايمكن أن تعتمد عليه، لذلك نبذ علماء الإمامية نكات وفتاوی ابن جنيد، لأنّه يعتمد عليه انضماماً مع ذلك لم يعبأ بفتاواه أبدا، إلا إذا ذكر نصّ خاصّ بسب أنّ القياس لايعتمد عليه حتّی انضماما.

إذا من الواضح أنّ عدم الحجية لها عدّة مقامات. الحجية أو اللاحجية. عندما يقولون أنّ الشيء ليس حجّة من باب الإخبار الحسي وليكن. فالفقيه لمّا يقول هذا حكم الله آلاف الأحكام يفتي بها الفقيه مع أنّها ليست ملفوظة بها في النصوص، ولايدّعي أّنها إخبار حسّي ولو يدّعي أنّها إخبار حسي كذب بل هي إخبار حدسي يعني بالفهم ولايدلّسون، حاشاهم، هذه الفتاوی أنت أيها الفقيه تفتي بها، هل أنت نائب خاص عن الإمام وعندك أخبار حسي؟ يقول لا، ولا أكذب ولا أزعم أنّي نائب خاص. هذا ليس إخبار حسّي. إذن أخبارك ماذا؟ يقول إخبار حدسي. إذا إخباري إخبار حدسي يعني مبتني علی الإستنتاجات والقواعد والضوابط التي حدّدها لنا أئمة اهل البيت عليهم السلام، «نحن نلقي اليكم الأصول وعليكم التفريع» لايدّعي الفقيه بالسفارة والنيابة الخاصة. العمل بالأحكام الموجودة في هذه الرسالة العملية مجزئ ومبرئ للذمة مع أنّه لايدعي السفارة والنيابة الخاصة وادعاء السفارة والنيابة الخاصة في الغيبة الكبری باطل. لكن هو إخبار حدسي ليتفقهوا يعني ليتفهموا. يقول أنّي أخبر بفهمي لابسمعي فقط.

الرواة أخباريون والفقهاء أصوليون يعني يعتمدون علی الأصول والقواعد ويفتون بها ويستنتجون منها. الذي يركّز علی جهة الصدور هو إخباري والذي يركز علی الأصول واصول التشريع هو أصولي. حقيقة الإخبارية والأصولية هي هذه. أصحاب الكتب الأربعة عندما قالوا رواياتنا صحيحة مثل الطوسي والكليني والصدوق لايقصدون ما فهمه الإخباريون أنّ السند والصدور صحيح. ماذا يقصدونه إذن؟ مضمونها صحيح وليس فيها ما يناقض أصول المذهب، هذا هو المراد منها. بل كثير من كتبنا الحديثية صحاح، تفسير القمي وتفسير العياشي وديباجة لزميل الصدوق محمد بن حسن الخزاز القمي الأشعري في كتابه كفاية الأثر يقول كلّ هذه الروايات صحيحة، وكذا ابن قولويه في كامل الزيارات، ماذا مرادهم من الصحيحة مع أنّهم نقلوا المراسيل؟ كما ذكر البخاري والمسلم والترمزي والنسائي بلاقياس أنّ أحاديثنا صحيحة، ليس المراد منها صحة الصدور. هذا اصطلاح قدمائنا وقدمائهم. الذهبي والحاكم النيسابوري اشتبهوا وركّزوا علی السند و الصدور. المراد من الصحاح أنّ هذه الروايات مطابقة للأصول و قواعد المذهب مضمونا. لأنّ المهمّ عندهم المضمون ولايعتقدون بعصمة الرواة عن الإشتباه ولا عن تعمد الكذب أو اشتباه الكذب.

صحّة المضمون أعظم من صحّة الصدور. كليني يقول الروايات التي نقلتها في الكافي ليس فيها شيء خلاف الضوابط وضروريات المذهب. الطبرسي في الإحتجاج في القرن الخامس أو السادس يقول هذه الروايات الموجودة كلّها روايات صحاح مع أنّ أسانيدها ما ذكرها، المقصود من الصحاح أنّ مضامينها ثابتة ومطابقة مع ضوابط المذهب وقواعد المذهب. هذه الصحة أين وصحة الصدور أين وغيّر مركز الكلام إلی بحث الصدور سواء من جملة من الأصوليين أو من الإخباريين.

الكلام ليس في الصدور، هم لايعبئون بالصدور. المهمّ البحث في المضمون. هذه المباحث ما وراء المباحث ومخفيّة للأسف. ما معنی الإخبارية وما معنی الأصولية؟ الإخبارية تجعل المدار علی الرواة والصدور والأصولية تجعل المدار علی أصول المذهب. الأصولية يعني عندك قدرة الفهم والفقاهة. لا قدرة السماع.