الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

42/02/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الإجتهاد والتقليد

كنّا في مقدمات الإجتهاد وقد ذكر الأعلام أنّ قول اللغوييين والمراجعة إلی علوم اللغة لابدّ منه وأيضاّ مرّ بنا أن الأصوليين في حجية قول اللغويين من جهة يقولون: أنّ قول اللغوي في مفردات اللغة أو في النحو و الصرف أو في أي علم من علوم اللغة ليس بحجة ومن جهة في باب الإجتهاد والتقليد أو حتّی في باب الحجج يقولون: لابدّ من مراجعة قول اللغويين.

هاتان المعادلتان عند الأصوليين ليستا متناقضتين ولا متدافعتين لما مرّ أنّ مرادهم من أنّه قول اللغوي ليس حجة يعني في نفسه كخبر حسي أو خبر حدسي وخبروي، لأنّ الأخبار إمّا أن يكون عن حس مسند مسلسل معنعن فيكون حجة أو يكون خبر حدسيا علی طبق الموازين علمية وملكة علمية مقررة، لأنهم عندهم أيضاً كبری أخری يعني إمّا الخبر الحسي حجة أو قول أهل الخبرة حجة.

هذه قاعدة عامّة كما يقولون مقررة عند الفقهاء وعند الأصوليين أنّ قول أهل الخبرة فيما هم خبرة فيه حجة لكن يحتاج إلی أن يكون إخبارهم عن الخبروية. هذه قاعدة عامّة قررها الفقهاء والأصوليون. قول أهل الخبرة حجة فيما هم خبرة فيه وسنتعرض إليه فيما بعد أيضاً لأنّه معنی أنّ قول أهل الخبرة حجة فيما هم خبرة فيه سيّما في الشبهات الموضوعية أو في تقرير الموضوع حسب تقرير الميرزا الناييني في كتابه تنزيه الملّة وتنبيه الأمة معناه أنّ هذا نوع من المشاركة الخبروية في الحكم. هذه قاعدة عامّة سواء في الفقه السياسي أو في الشبهات الموضوعية أو في عامّة أبواب الفقه. قولهم يعني إخبارهم وإخبارهم حدسيّ يعني ليس عن حس وإنما ممزوج عن الحس وموازين علمية خبروية، كما مرّ بنا نظير الفقيه.

الفقيه يخبر أنّ هذا الحكم لله عزوجل مع أنّ هذا الحكم بتفصيله لم يرد من الله بلفظه في النصوص ولكن يسنده الفقيه ويستحلّ اسناده إلی الله عزوجل ورسوله والأئمة باعتبار أنّ هذا الحكم موجود في بحر معاني الوحي لا أنّه المراد من كون شيء منصوصا ومشروعا كما قد يتخيّل عند الإخباريين لا كلّهم بل كثير منهم أو حتّی عند بعض الأصوليين يتخيّلون أن كون الشيء منصوص يعني أنّه بلفظه وإن كان يستعمل المنصوص بهذا المعنی لكن ليس المراد من أنّ هذا شرعي ويسند إلی الشارع أنّه موجود بلفظه في الوحي بل إنّما موجود بمعناه.

شبيه ما ذكره الشيخ الأنصاري عن إجماعات الشيخ الطوسي وإجماعات السيد المرتضی. الشيخ الطوسي في كتبه والسيد المرتضی في الإنتصار يقولان أنّ هذا الحكم بإجماع الطائفة وهذا عجيب، كيف يقرر اجماع الطائفة وربما المسئلة ليست معنونة عند كثير من علماء الطائفة في زمان الشيخ الطوسي؟ فكيف يدعي الإجماع؟ حاشاهما من الكذب.

معروف أنّ اجماعات الشيخ الطوسي والمرتضی رحمة الله عليهما قاعدية يعني يرون أنّ علماء الطائفة أجمعت علی قاعدة معينة وهذه القاعدة إذا طبقت علی مكان فتكون نتيجتها كذا، فيقول فالإجماع علی النتيجة أيضاً موجود مع أنّ الإجماع من الطائفة غير موجود علی النتيجة بلفظها بل الإجماع قائمة علی القاعدة لكن هذه القاعدة إذا طبّقت هنا فالنتيجة ستكون كذا فيكون الإجماع علی النتيجة. فإجماعات الشيخ الطوسي والسيد المرتضی رحمة الله عليهما إجماعات قاعدية من باب مقتضى القاعدة.

من باب القاعدة لابأس أن أذكر هذه الأمثلة المفيدة في باب الإجتهاد والتقليد: تری ربّما علمامن الأعلام بالتالي متصدي بالمرجعية زمن بعض الأعلام الماضين رحمة الله عليهم، فسيأتي استفتاء في الحجّ أو غيرالحج وهلم جرا، هولم يتعرّض إلی هذا الإستفتاء التفصيلي لكن مقتضى فتواه بقاعدة معينة وقاعدة معينة أخری وأنّ هذه صغری لكلتا القاعدتين أن تكون النتيجة كذا. بفعض أعضاء مجلس الاستفتاء قالوا: لمَ تحكمون بهذا الحكم وهو لم يفتي به؟هو بالخصوص لم يفتي ولكن يفتي بهذه القاعدة وهذه؟ لكن مقتضى فتواه بهذه القاعدة وتلك القاعدة أن يفتي بهذا المورد. في بعض الموارد كانوا يراجعون ذلك العلم ويثبت ذاك الحكم وفي بعض الموارد لايسلّم إّما لاجل تأمله في الإنطباق أو ما شابه ذلك.

نفس المبحث أيضاً الفتيا بالعموم أو بمقتضی القاعدة هي فتيا بلوازمه الشرعية ونتائجها وطبعاً قد تشتبك قواعد وضوابط وتصير بين بعضها البعض صعوبة التنسيق و كذا، فما من الضروري أن تكون النتيجة واضحة كوضوح القواعد العامة، هذا صحيح لكن اجمالاً سيقع كثيرا.

مثالاً آخر يقال أن هذا القانون دستوري وإنه نفس القانون قننه البرلمان وأيضا قننته وزارة فلان أو البلدية الفلانية، فكيف يقولون هذا القانون دستوري؟ يعني هو بنفسه هذا القانون ولو جزئي تفصيلي لكنّه موجود في الطبيعة العامة في القانون الدستوري فيقال دستوري، فأنت أيها الدستور حيث تكفلت بالعموم والطبيعة العامة السارية في الحقيقة تكفلت بكل لبموارد وتنتسب إليك كلً الموارد.

مثال آخر: في رواية، الراوي قال للإمام: ياسيدي هل لي أن أزور عن أهل بلدي وأقول لكل واحد منهم إني زرت عنك؟ قال: هذا صحيح. مع أنّه لم يزر عنه بخصوصه، لكن الطبيعة العامة يشملهم كلّهم. فإذاً وجود الفرد التفصيلي في العموم يصحّ نسبة الفرد إلی العموم وليس كذبا.

لكن هذه النسبة ليست سماع وخبر حسي بل خبر حدسي وخبروي ويلتفت إليه الفقيه، فمن ثمّ الآية الكريمة «لولا نفر» يعني سافروا ليروون «ليتفقهوا» أي ليتفهموا وهي مما تدلّ الآية علی أنّ الوصول إلی كل أحكام الشرع لايمكن فقط بالسماع والخبر الحسي وهو الرواية بل لابد من ضمّ شيء آخر وهي الدراية والفهم ويسمّی في بيان الائمة عليهم السلام الدراية أو الوعاية أو الفقاهة أو الفهم. فإذاً هكذا قول أهل الخبرة حجة عند الفقهاء فيما هم خبرة فيه. كذلك الخبرويون في الفقه حجة في الفقه أو في العلوم الدينية الأخرى.

إذاً كما مرّ بنا هناك نظامان في الحجية نظام الخبر الحسي ونظام الخبر الحدسي وهذا الحدس ليس من طيران الغراب كما مرّ بنا وليس عبط وهلوسة وإنما ضمن الموازين العلمية وليس مثل علم السحر. ذكر الفقهاء الإخبار من علم السحر باطل «من تكهّن وتُكهّن له فقد برئ من دين محمد» لأنّ الكاهن يخبر عن الشياطين وعن معادلات علم السحر وما شابه ذلك وهذا لاحجية فيه. فهذا العلم الخبروي ليس بحجة وليس بمعيار، السحر والكهانة والشعبدة ومن هذا القبيل.

حتّی علم الرمل(هو علم الأنبياء) مع أنّه ليس بحرام لكن ليس بحجة أو علم الجفر مع أنّهما علمان نبويان وصحيحان لكنّهما لايجوز الإخبار بهما لأنّ غير المعصوم لايلمّ به. علم الرمل وعلم الجفر وبعض العلوم المحللة الغريبة مثل علوم النجوم لايصحّ الإخبار به. علم النجوم إن لم يعتقد بأزلية وأبدية ألوهية الكواكب علم صحيح لكن لايسوغ الإخبار به لعدم إلمام البشر به. فبعض العلوم سواء المحللة أو المحرمة لايسوغ الإخبار علی طبقها، أمّا عموم العلوم الأخرى قول أهل الخبرة حجة فيها يعني الأصل الأولي عند الفقهاء وعند الأصوليين حجية قول أهل الخبرة إلّا أن يأتي نهي خاص من الشارع عن عدم حجيته، إمّا بسبب أن هذا العلم محرّم أو بسبب أنّ هذا العلم لايلمّ به البشر وإلّا فالعموم قول أهل الخبرة فيما هم خبرة فيه حجة. ومن جهة أخری هذا الإخبار الحدسي بموازين لكن بضوابط لا أنّه اخبار هلوسي وليس حسي. هذان نمطان من نظام الحجية.

طبعاً الأصوليون بحثوا هل قول اللغوي يندرج في الخبر الحسي؟ ليست هناك طرق مسندة عند اللغويين إلی بيئة العرب وهل هو خبروي الناييني السيد الخويي والعراقي وصاحب كفاية نفوا الخبروية عندهم ولو أنا لاأسلّم لديهم خبروية وأقول أنّ لديهم الخبروية. بغضّ النظر عن هذا المطلب فقالوا ليس من باب الحس ولا من باب الحدس والخبروي. من أيّ باب إذاً حجيته؟ قالوا من باب تراكم القرائن أو تراكم الإحتمالات وهو نظام الثالث في الحجية.

ثلاث أنظمة من الحجية عند الأصوليين. النظام الثالث تراكم القرائن والشواهد وتصاعد الإحتمال كمّاً وكيفا. أصل فكرة التواتر والإستفاضة التي هي دون التواتر هو هذا وأصل فكرة الوثوق هو هذا. عندنا التواتر والإستفاضة والوثوق. هذه الأنظمة الثلاثة آتية من تراكم الإحتمالات كمّا وكيفا من الشواهد والقرائن وإن لايسمحها الشارع في بعض الموارد في القضاء.

المقصود أنّ الأصل الأولي ما لم يأت نهي خاص من الشارع فهو حجة إمّا خبر حسي أو خبر حدسي خبروي أو تراكم الإحتمالات والشواهد والظنون.

هذا البحث الذي أجراه الأصوليون في قول اللغوي أيضاً أجروه في قول الرجالي. قول أهل الرجال هل هو من الإخبار الحسي كما ادّعاه السيد الخويي ويا لها من دعوى لا يمكن إثباتها، وإن كنّا نسلّم السيد الخويي أنّ عندنا كتبا كثيرة في الرجال عند علماء الإمامية لكن هو السيد الخويي ما سلّم بهذا التواتر بالمصادر في كتب الحديث وهي أضعاف كتب الرجال فكيف يسلّم بها في كتب الرجال؟ فهذا تدافع. هذه الأنظمة الثلاثة في الحجية بحثه الأصوليون في قول الرجالي وقول اللغوي. أصل خارطة هندسة صناعة علم الرجال تتركّب على هذا البحث . هل هو خبر حسي أو هو خبروي أو تراكم الإحتمالات والأشهر عند الرجاليين هو القول الثالث الذي لم يعتمده السيد الخويي في الرجال والحال أنّ مشهور علماء الإمامية طرّاً وجلّاً اعتمدوا المنهج الثالث وهو تراكم الإحتمالات.

إذاً ليس هناك تدافع في كلمات الأصوليين عندما يقولون أنّ قول اللغوي ليس بحجة مع ذلك يعتمد عليه. يعتمد عليه من باب تراكم الإحتمالات. هذا المفروض يلتفت إليه السيد الخويي وكثير من تلاميذ السيد الخويي عندما المشهور والمشهور حتّى الأصوليين لمّا يقولون أنّ الخبر الضعيف ليس بحجة مع ذلك يعتمدون عليه .كيف يعتمدون عليه وهو ليس بحجة؟ من باب تراكم القرائن. كما أنّ السيد الخويي اعتمد علی ذلك في قول اللغوي.

فلاحظ أنّ عندنا حجية الصدور وهو الخبر الحسي وحجية قول أهل الخبرة وهو صحّة المضمون أو الحدسي ومرّ أن نقلت لكم عن النجاشي والغضائري والقدماء طرّاً في علم الحديث وعلم الرجال يعني خمسة وتسعين بالمأة وسبعة وتسعين بالمأة من تعابيرهم الحديث صحيح لايريدون منه صحة الصدور بل يعني أنّ مضمونه حجة. أنّ مضمونه مطابق لأصول التشريع. تتبعنا كلمة كلمة في كتاب النجاشي بدراسة خاصة في كتاب النجاشي وأردنا موضع واحد بصراحة يعبّر في صحة الحديث إلی الصدور ابداً ما يعبّر النجاشي.

كلمة صحة الحديث وصحة الكتاب كلها بلحاظ حجية المضمون. لذلك مصطلح الصحيح والضعيف بلحاظ الصدور استحدث في القرن السابع عند الإمامية وعند العامّة مع بعض موازاته. مرّ بنا أنّه لم نكتشف سبب هذا الحدث العلمي. عند القدماء في الإمامية وعند العامة اصطلاح الصحة كان بلحاظ المضمون في الحجية وهو النظام الثاني في الحجية، أن يلاحظ المضمون الفقيه أو المتكلم أو المفسر أو العالم في الأخلاق والروح ويربطه بالأصول الثابتة في ذلك العلم، فيقول ذلك المضمون صحيح أو أحاديثه صحيحة وهذا تعبير دارج عند الرجاليين، أصلاً لايريدون بالصحة صحة الأسانيد بل يعنون مضمون الأحاديث أنّها مطابقة لما عرف من الأحاديث المعروفة عندنا. بعض الأحيان يقولون هذا الشخص ثقة لكن أحاديثه مظلم أو منكرة يعني مضمون أحاديثه. إذاً حجية الصدور خبر حسي وهي حجية الإخبارية ويعبأ به، لكنّه أنزل درجة، أما حجية المضمون هي ترتبط بالخبروية والفقاهة.

أمّا النظام الثالث تراكم الظنون بقرائن حسية أو قرائن حدسية معاً وتتظافر معاً وهذا التظافر إمّا يوصله إلی التواتر والتواتر طبقات ودرجات وليست درجة واحدة، تواتر لفظي وتواتر معنوي وتواتر إجمالي علی دوائر ضيّقة ووسيعة وللأسف تحصل غفلة عن أنواع التواتر.

مثلاً يتساؤل: إذا كانت أسماء المعصومين متواترة إثني عشر متواترة فكيف بعض الرواة يجهل الأسماء؟طبعاً لأنّ ما عرف التواتر. التواتر ليس ضروريا أن تكون بدائرة واحدة بل دوائر مع أنّها متواترة كلّها. البعض يظنون أنّ التواتر لابدّ أن يعرفونه الكل مع أنّ هذه دائرة وسيعة من التواتر والتواتر دوائر وليست دائرة واحدة وهذه نكتة تخفی عن الكثيرين. المهم أنّ التواتر أنواع ودوائر وليس علی وتيرة واحدة.

عند مشهور علماء الدراية من الجمهور يحصل التواتر كيفا وكمّا بخمس طرق أو عشر، هذه أدنی درجات التواتر. وتعريفه رواية رواة أو مخبرين يمتنع تواطئهم علی الكذب، هذا يحصل حتّی في خمسة ليس عندهم الإرتباط. المقصود أنّ الباحث في العلوم الدينية إذا لم يكن فطن ويغظ خطير.

لاحظ، أصل الإمامة شيء وأسماء الائمة شيء آخر ثم أصل الاثناعشرية شيء آخر، كما يقولون علماء الكلام أنّ اصل النبوة شيء أمّا نبوة النبي عيسی وموسی علی نبينا وآله وعليهما السلام إلی أن ينتهي إلی سيد الأنبياء صلی الله عليه وآله شيء آخر.

ربما قائل يقول أنا لايعنيني النبوة العامة ولايعنيني الإمامة العامة. يعنيك أو لا يعنيك هي قضية نظام علمي وواقعي ومنظومي. أنت كيف تعرف شخصية سيد الأنبياء بدون أن تعرف النبوة العامة؟ كيف تعرف صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشريف ولاتعرف عموم الإمامة؟ لذلك إذا عرفت ماهية عموم الإمامة تعرف أنّ من أنكر أحدهم أنكر كلّهم، لأنّك إن عرفت الطبيعة السارية لابدّ من الوجود السارية في كل زمان وإن أنكرت الوجود الساري في الزمان أنت ما عرفت الطبيعة العامة في الإمامة، حتی إمامة اميرالمؤمنين سلام الله عليه ما عرفتها، كما في الأنبياء من أنكر أحدهم أنكر كلّهم وسببه أنّه من الطبيعي معرفة النبوة العامة وإذا عرفتها لايمكن أن تنكر واحدا من الأنبياء. ففي الحقيقة النبوة الخاصة هي نبوة عامة وزيادة لا أنّها خصوصية من دون النبوة العامة والإمامة الخاصة لهم صلوات الله عليهم هي الإمامة العامة وخصوصية وزيادة. لذلك تبدّه النبوة شيء وتبدّه خصوص بعض الأنبياء شيء آخر ودرجة أخری. طبيعة النظام العلمي للمعلومات ومنظومة المعلومات هكذا.

نرجع. إذن فالنظام الثالث للحجية عند الأصوليين هو تراكم الإحتمالات. وهذه عملية معادلة رياضية شرحها الشهيد الصدر في الأسس المنطقية والإستقراء وهذا الذي شرحه السيد الصدر مسلك موجود في البشر من القرون وبلوره الشهيد أكثر فأكثر بلغة رياضية ونعم البلورة.

هذا التعبير حتّى كان موجودا عند الميرزا الناييني. أصلاً نفس التواتر كان موجودا عند مناطق اليونان. تصاعد العامل الكمّي والكيفي. الكمّي يعني العدد والكيفي يعني كيفية الناقل. البعض يقول أنّ إذا لم تكن أخبار صحاح لايشكل التواتر، من أين أتيت بهذا الكلام ولم يقل به أحد من الأولين والآخرين؟ قول اللغويين حجة وهو من باب تراكم الإحتمالات، هل هم العدول والثقات؟ مع ذلك تتراكم الإحتمالات إلی أن تصل إلی الإستفاضة أو التواتر عند اللغويين، لأنّ العامل الكمّي إذا ازداد لايحتاج إلی العامل الكيفي والعدالة، فإذاً هناك عاملان في تراكم الإحتمال وهما الكمّ أوالكيف وأحدهما يسد مسدّ الآخر أو يتضافران. هذا هو النظام الثالث.

النظام الأول الخبر الحسي والنظام الثاني الخبر الحدسي الخبروي والنظام الثالث تراكم الإحتمالات .هذا النظام الثالث الشيخ الأنصاري يعبّر عنه بجزء الحجة وكذلك الشيخ أسد الله التستري.

إذاً الخبر الضعيف في حين يقولون أنّه ضعيف صدوراً هذا لايعني أنّه لايحتجّون به، لأنّهم يندرجونه في تراكم الأخبار، مثلاً خبران الضعيفان مع الخبر الصحيح ان المجموع أقوی من الخبر الصحيح بمفرده لأّن الخبر الضعيف لمّا ينضمّ يزيد العامل الكمّي والكيفي. لأنّ التراكم مهما يكون يزيد في القوة. مثلاً فقيه من الفقهاء يستدل بأربع أخبار صحاح. لماذا يستدل؟ ولماذا لايستدل بواحد؟ شيء طبيعي أربع روايات صحيحة غير رواية صحيحة. لماذا لايستغني بواحد من البقية؟ التظافر المجموعي تلقائيا أمتن وعمدة في الحجية ومتعيّن علی المستدل أن يستند إلی المجموع كما يعتمد على الجميع إستغراقاً يعتمد على المجموع. عندنا حجية مجموعية فإذاً هذا النظام الثالث حجيته مجموعية.

حتّی هذين النظامين وإن كان صورة حجيتهما فردية لكنّهما مجموعية لماذا الخبر الحسي حجيته مجموعية؟ هل الفقيه أو العالم في أيّ علم من العلوم الدينية يعمل بخبر واحد صحيح بمفرده أو يلاحظ الأخبار الأخرى؟ إذاً الحجية مجموعية وما عندنا في الشريعة حجية فردية. الثقلين حجيتهما مجموعية أو انفرادية؟ حجيتهما انفرادية ومجموعية لن يفترقا. الائمة حجيتهم جميع ومجوعي وملزمون نحن أن نأخذ بالكل. هل نأخذ بالنبي ولانأخذ عن الائمة؟ لا، ملزمون أن نأخذ بالكل. حجية الجميع والمجموع. عموم استغراقي ومجموعي. هل الأنبياء حجيتهم إستغراقية فقط؟ جميعي فقط؟ لا، مجموعية فقط؟ لا، استغراقية ومجموعية معا. هذا كيف هندسته بحث آخر. فطبيعة الحجج في الدين دائما مجموعية وجميعية. حتّی في الحجج التي صورة انفرادية في الحقيقة مجموعية.

أذكر هذا المثال المرتبط مسيريا في بحث الإجتهاد والتقليد. التزمت في باب الإجتهاد والتقليد أنّ موارد عدم اختلاف الفقهاء في الفتياء التقليد يكون لجميعهم ومجموعهم، ليس مسوغا أن يقلّد الأعلم فقط، في موارد الوفاق حسب الموازين الشرعية لايجوز أن ترجع إلی الأعلم فقط، بل ترجع إلی الأعلم وغيره، جميعاً ومجموعا. كما في باب القضاء وذكروا هذا المطلب في باب القضاء. لذلك في الموارد الوفاقية خلافاً لمشهور المتأخرين ابني وهو وفاق المتقدمين وهم يقولون أنّ المشهور يعوّل عليه والمشهور يعني المجموع. في المسائل الوفاقية يتعيّن الجميع والمجموع وفي المسائل الخلافية يتعيّن الأعلم. مثل ما مرّ بنا أنّ عدّة أخبار معتبرة لايمكن أن يعتمد الفقيه علی خبر واحد لأنّ كلا منها حجة جميعا ومجموعا. وهذا ليس من باب التفنن واستعراض العضلة العلمية الصناعية بل هو حقيقة واقعية في باب الحجج. لذلك خالفنا مشهور المتأخرين ووافقنا المتقدمين أنّ في المسائل الوفاقية التقليد عن الجميع والمجموع ولاينحصر في الأعلم. وهذا البحث يؤثّر حتّی في الفقه السياسي و القضائي.