42/01/20
الموضوع: باب الاجتهاد والتقليد
مراحل عملية الاجتهاد، المرحلة الخامسة مقتضى القاعدة الأولية الأصولية اربع قواعد أولية في العمل بتراث الحديث والعمل بالادنی فالادنیكنا في مبحث مقدمات عملية الاجتهاد طبعا الاعلام بحثوا حول مراحل عملية الاجتهاد وعملية الاستنباط وأيضا في ضمنه بحثوا عن العلوم التي يتوقف عليها الاجتهاد وكان الحديث عدة أيام عن نفس مراحل عملية الاجتهاد لا عن العلوم التي يتوقف عليها الاجتهاد، طبعا هي تستثمر وتستعمل في مراحل عملية الاستنباط وكنا قد وصلنا الی المرحلة الخامسة وهي تأسيس القاعدة الأولية وهي والسادسة والسابعة والثامنة من المراحل الأصولية المحضة في الاستنباط أو الممتزجة مع المواد الفقهية.
مر بنا مثال حساس للمرحلة الخامسة من أن الأصل الأولي في تراث الحديث عند الأصوليين والأخباريين متفقين عليه قبل إقامة الأدلة الخاصة علی حجية خبر الواحد وشرائط حجية خبر الواحد، مقتضى القاعدة الأولية هل هو الحجية أو عدم الحجية؟
فمر بنا أن الأصوليين لهم في تقرير القاعدة كلامان، كلام في أول مبحث حجية الظنون بعد مبحث القطع: أن الأصل عدم الحجية ثم لهم كلام ثاني أن الأصل في الأخبار الظنية والظنون الشرعية يعني الظنون التي تتعلق بالشرع لا الظنون التي تعتبرها الشرع (لاصطلاح الظنون الشرعية عدة معان عند الاصوليين وفي باب الانسداد يصطلح علی الظن الذي يتعلق بالأمر الشرعي سواء معتبرا شرعا أو غير معتبر هذا معنی ثاني للظنون الشرعية) علی هذا الاصطلاح لديهم هناك في باب الانسداد، الأصل هو الحجية الإجمالية، بينما في أول مبحث الظنون الأصل عدم الحجية، هل هو تناقض أم لا؟ لا، ليس تناقضا.
لهم كلام ثالث في مقتضى القاعدة الأولية في الظنون بل حتی ما دون الظن من الاحتمالات، ذكروه في أول مبحث العلم الإجمالي وهو منجزية العلم الإجمالي يعني أول مبحث أصالة الاشتغال بعد ما بحثوا البرائة. فكما أن الأصل الأولي هو البرائة وقبح العقاب بلابيان وعدم المنجزية، كذلك في باب الاشتغال أو منجزية العلم الاجمالي قالوا أن الأصل الاولي هو المنجزية، هل هما مناقضان؟
في باب البرائة الأصل الاولي قبح العقاب بلابيان نظير ما قالوه في أول الظنون أن الأصل الأولي هو عدم الحجية يعني عدم المنجزية. في أول مبحث الاحتياط أو قل أصالة الاشتعال أو قل منجزية العلم الاجمالي -ثلاثة أسماء لمبحث واحد- في ذاك الباب لاحظوا كلام السيد الخويي وغيره من الأعلام قبله، يقول هناك السيد الخويي إن تنجيز العلم الإجمالي لا مؤونة فيه لأن في ما دون العلم الإجمالي من الاحتمالات أصل الاحتمال منجز إلا أن يقوم مؤمّن عن العقوبة في قباله.
فلهم أربع بيانات في تصوير مقتضی القاعدة الأولية. في أول الظنون قالوا الأصل عدم الحجية وفي الانسداد قالوا الأصل الأولي هو الحجية الاجمالية سواء تبنی الأصولي مسلك الانسداد أو تبنی مسلك الانفتاح وفي مبحث البرائة عدم المنجزية وقبح العقاب بلابيان وفي مبحث الاشتغال قالوا الأصل هو أن الاحتمال منجز والمؤمّن يحتاج الی الدليل. هل هذا من التناقض؟ لا، ليس تناقضا.
هذا الذي قرره الاصوليون في الحقيقة هو المراتب في مقتضی القاعدة الأولية يعني بحسب المرتبة الاولی الأصل عدم الحجية وعدم المنجزية، بعد ذاك تأتي المرتبة الثانية حجية العلم الاجمالي الكبير في الانسداد ومقتضاه الحجية الإجمالية للظنون الشرعية، لكل الروايات حتی للشهرات.
هنا الشهرة لها قيمة في الفقه سيما شهرات القدماء المتصلين بعصر النص، التي يكتشف منها النص سواء الشهرة الفتوائية أو الشهرة الروائية أو العملية، الشهرة لها قيمة عند القدماء أو الأقدمين. -قبل الصدوق أقدمون والصدوق الی ابن ادريس يقال لهم المتقدمين أو القدماء. والقدماء يشمل المتقدمين والأقدمين- الشهرة عندهم لها قيمة والشهرة لديهم بمثابة التتبع عن رواية. انظر كيف الان في عصرنا هذا البحث عن الاقوال لاسيما القدما منسي ومتروك وله آفة عظيمة في البحث الفقهي. لا أقول الكل لكن الكثير هكذا. هذه الشهرة تمثل بمثابة المدرك الشرعي إما تكشف عن السيرة إما تكشف عن الرواية أو غيرها وليست بأمر سهل. علی كل من لايستطيع أن يفحص مباشرة لا عن نقل صاحب مفتاح الكرامة أو غيره عن كلمات القدماء مشكل عليه أن تكون عملية الاستنباط عنده يعني مشكل أن تكون عملية الاستنباط مجزيا عنده سيما في المسائل الخطيرة المهمة.
فإذاً في مبحث الانسداد قالوا: العلم الإجمالي الكبير يقتضي الحجية الاجمالية لا الحجية التفصيلية. هذه هي المرتبة الثانية. العلم الإجمالي الكبير بالأدلة العقائدية من لزوم الدين ولزوم تشريعات الله عزوجل وهو المشرع والحاكم، هذه الادلة العقائدية هي بنفسها تقتضي أن لله تشريعات ومراضي وسخطات. طبعا المصادر للعلم الإجمالي الكبير تصدي النبي صلی الله عليه وآله وأوصياءه بالبلاغ عن الله عزوجل، الأوصياء عن النبي والنبي عن الله.
فبحسب الأدلة الاجتهادية إذاً مرتبتان وبحسب الأصول العملية كيف نمزج؟ الأصل هو البرائة وقبح العقاب بلابيان أو الأصل هو منجزية الاحتمال؟ في باب العلم الإجمالي ذكروا أن الأصل منجزية الاحتمال، لاحظوا كلام السيد الخويي في المصباح وغيره من المشايخ والكبار وأساتذة السيد الخويي. لاتناقض بين ما قالوه في البرائة مع ما قالوه في الاحتياط.
ما قالوه في الاحتياط الاحتمال بنفسه منجز، احتمال التكليف يعني احتمال المخالفة واحتمال المخالفة يوجب احتمال العقوبة وهو بنفسه منجز، فالقاعدة الأولية هي أن الاحتمال منجز لا أن القاعدة الأولية هي أصالة عدم المنجز. إذاً مقتضى القاعدة الأولية الفوقية الفوق علی الكل منجزية الاحتمال.
بلحاظ الأدلة الاجتهادية مر بنا تقرير أن أصالة عدم الحجية عموم أول والعلم الإجمالي والاعتبار الإجمالي للظنون عموم ثاني وقاعدة ثانية أدنی لكن إذا أردنا أن نمزجه مع ما قالوا في الأصول العملية يتقدم احتمال المنجّز ويكون فوق أصالة عدم الحجية لأن أصالة عدم الحجية تمسك بالاستصحاب وكذا وهلم جرا. فالاحتمال قبل التمسك بأي دليل، بنفسه منجز.
آغا ضياء الدين العراقي في تصويره لهذه القاعدة ذكر ذلك في العم الاجمالي وقبله السيد محمد الفشاركي تلميذ المجدد: أن الاحتمال في نفسه كاشف ولو كاشف ضعيف وكل كاشف منجز. الان يواجهه ويقاومه ويمانعه مؤمّن عن العقاب هذا بحث آخر، لكن هو في نفسه عنده اقتضاء كاشفية وتنجيز. أ ليس قالوا إن العلم إما تصور أو تصديق؟ هذا بحث تكويني يعني نفس الاحتمال هو في نفسه علم ودرجة من العلم وليس العلم مخصوصا بالتصديق. أول العلم هو التصور.
لذلك المتكلمون قالوا: إن نفس احتمال ألوهية الإله ووجود الباري عزوجل، نفس هذا الاحتمال منجّز حتی لو لم يحصل لديه العلم. افترض في البداية والوهلة الاولی عند التحقيق عن الدين -لنفترض ولو هذا ليس في محله- يحتمل الانسان وجوه الاله، هذا الاحتمال في نفسه علم وللعلم درجات في الكاشفية ودرجات في المنجزية أيضا، يعني كلّما قويت كاشفيته قويت منجزيته. فأصل التصور وأصل الاحتمال وحتی أصل الشك بنفسه منجز. عدم العلم هو الجهل المركب أو الجهل المطلق أما مع وجود العلم بدرجة الاحتمال والتصور ولو ضعيف يقال له الملتفت وله درجة من الالتفات ودرجة من الاستشعار ودرجة من التنبه وليس له عذر مثل الجاهل المركب.
فأول العلم التصور وليس أول العلم التصديق. أول الدين ببيان اميرالمؤمنين سلام الله عليه معرفته وما قال التصديق بالله بل كمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده. أول الدين معرفته لا تصديقه، أصل الاحتمال مداينة من الله لعباده فلذلك يقول آغا ضياء تقريرا من استاذه المحمد الفشاركي تلميذ المجدد هذه السلسلة من علماء الأصول متفقون علی هذا المطلب حتی فيما بينهم وبين الاخباريين أن اصل الاحتمال هو المنجز. نعم، درجة تنجيز الاحتمال دون درجة تنجيز الظن وللظنون وللاحتمال درجات، يتصاعد ويشتد الی أن يصل الی الاطمئنان وما فوق الاطمئنان اليقين وما فوق اليقين علم اليقين وعين اليقين وما فوقه حق اليقين وكل هذه الأقسام في نفسه فيه درجات.
﴿قال رب أرني كيف تحي الموتی قال أ ولم تؤمن قال بلی ولكن ليطمئن قلبي﴾[1] وهو أراد زيادة في الايمان. «يا أيها الذين آمنوا آمنوا» زيادة في الايمان «وادع الی ربك ينزل الينا مائدة من السماء» الی أن تقول الايات اني منزل عليكم لكن الحجية عليكم أشد، لأن كلما تشتد الحجية يشتد التنجيز وإذا يشتد التنجيز يشتد العقاب. «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء» لا في الثواب ولا في العقاب، الحجية إذا تشتد يشتد الثواب إن كان طاعة ويشتد العقاب إن كان المخالفة.
علی أي حال المبحث استفاد منه الأصوليون في مبحث تنجيز العلم الإجمالي. الاحتمال هو علم وأي علم منجز، سواء العلم التصديقي أو العلم التصوري ما لم يكن مانع في قباله وهو البرائة. لذلك ما ذكروه في مبحث أصالة الاحتياط أو أصالة الاشتغال أو منجزية العلم الإجمالي ليس ضروريا أن يكون العلم تصديقيا بل حتی التصوري الذي ذكروه هو مقتضى القاعدة الأولية الفوقية.
ما ذكروه في مرتبة البرائة في الحقيقة هذا هو المرتبة الثانية. قبح العقاب بلابيان ما المراد منه؟ لانريد أن ندخل في التفاصيل، المتكلمون من علماء الامامية مبناهم أن قبح العقاب بلابيان قاعدة عقلائية وليست عقلية. الأصل العقلي في البرائة فقط في الجهل المركب يعني قبح العقاب في الجهل المركب يعني بلا علم تصوري ولا علم تصديقي، هناك عقلا يقبح العقاب بلابيان. طبعا كمباني وأستاذنا تلميذ الكمباني يلتزمان بهذا المبنی وهذا مبنی المتكلمين من علماء الامامية. إن قبح العقاب بلابيان عقلائية في مورد الاحتمال التصوري وعقلية في مورد الجهل المركب إذا لم يكن علم في البين لا علم تصديقي ولا علم تصوري، هناك يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان. بلا أي علم بالمعنی الأعم. أما مع وجود العلم التصوري لايحكم العقل بقبح العقاب. أما العقلاء يحكمون فبحث آخر أو الشارع يحكم بحث آخر فجعلي وليس عقليا. هذا هو الصحيح خلافا لمشهور المتأخرين من الأصوليين وفاقا مع المتقدمين من الأصوليين. الشيخ الطوسي يتبنی نفس هذا المبنی المتمكلمون من الامامية يتبنون هذا المبنی.
علی هذا المبنی المرتبة الأولی هي أن الاحتمال منجز ثم يأتي قبح العقاب بلابيان، القاعدة الجعلية من الشارع وأصالة عدم الحجية في نفس المرتبة، بعد ذلك منجزية العلم الإجمالي الكبير. عندنا ثلاث مراتب تقريبا.
فرق بين منجزية العلم بدرجة الاحتمال عن العلم الإجمالي التصديقي بدرجة التصديق ماذا؟ العلم الإجمالي أو العلم بدرجة التصديق لايتعبد الشارع بخلافه ولايرفع عن منجزيته. حجية القطع كما ذكر الاصوليون ذاتية ولاترفع، هذا في التصديق. العلم بدرجة التصديق منجزيته ذاتية أما يرفع موضوعه فبحث آخر. أما الظن أو الشك يمانع الشارع عن منجزيته بدليل البرائة أو بدليل اجتهادي مرخص. هذه هيكلة الحجج عند الأصوليين. إذاً الاحتمال بنفسه منجز مهما كانت تأتي البرائة أو أصالة عدم الحجية تقول الاحتمال ليس منجزا والمرتبة الثالثة يأتي العلم الإجمالي الكبير يقول أن الروايات طرا وكلا كما قرره الاصوليون هي منجزة للعلم الإجمالي يعني لها اعتبار اجمالي .هذا هو أدنی المراتب للعمومات وهذا هو الذي يتمسك به. هذا هو الترتيب الصناعي لأصل مبحث الحجية وتجمع بين ما قالوه في الظنون وتجمع بين ما قالوه في الانسداد وبين ما قالوه في البرائة وما قالوه في أول الاحتياط. تكون مراتب ثلاث علی أقل تقدير أو أربع. أدناهم وأقربهم لمبحث التراث هو العلم الإجمالي الكبير وهو الذي يتمسك به ولايمكن أن تتمسك بالعموم الأعلی ولديك العموم الأدنی والأقرب لأن العموم الأدني بمثابة المخصص لما فوقه وما فوقه بمثابة المخصص لما فوقه. هذه المراتب صناعية ولابد من مراعاتها.
إذاً وصل الحديث الی أن التراث حسب تقرير الاصولييين والاخباريين متفقا الأصل الاولي في التراث الحجية، إذًا لماذا بيبحثون عن دليل تفصيلي لحجية خبر الواحد لأنه اعتبار تفصيلي بخلاف العلم الإجمالي الكبير وهو اعتبار اجمالي وهنا يأتي سوال انتهينا به امس واليوم ننتهي به، ما الفرق بين الاعتبار الإجمالي للرواية وبين الاعتبار التفصيلي للرواية؟ فالأصولي أو غير الأصولي عندما يبحث عن حجية خبر الواحد آية النبأ أو آية النفر أو آية الذكر آيات عديدة وروايات متواترة عديدة لايعني أنها ليست عنده حجة بل لها حجية اجمالية مقتضى القاعدة الأدنی التي قررها الاصوليون والاخباريون هو الحجية الاجمالية والأدلة التفصيلية لإعطاء الحجية التفصيلية. الحجية الاجمالية تكترس بها فما الفرق؟ هنا هذا السؤال طرح في نهاية المطاف أمس ونعاود طرحه اليوم.
أيها الباحث في المرتبة الخامسة من مراحل الاستنباط حذار حذار وانتبه الی أن القاعدة الأولية في المسئلة عدة قواعد. التفت كم مقتضى القاعدة موجود ويجب أن تتمسك بالأدنی فالأدنی لا الأعلی فالأعلی، هذه النكتة جدا هامة في المرحلة الخامسة من مراحل الاستنباط.
إذاً غدا نواصل الی أنه ما الفرق بين الاعتبار الإجمالي والاعتبار التفصيلي؟