41/12/05
الموضوع: الاجتهاد والتقليد
كنا في مراحل ومقدمات الاجتهاد ووصلنا الى المرحلة الثالثة والرابعة.
المرحلة الثالثة تتبع الوجوه والأقوال والروايات، من ضمن الأمور الهامة جداً والتي يعني أقول يستهان أو أقول لا يولى لها أهمية بحجمها في الاستنباط أو لا يولى لها الأهمية التي تكون بقدر حجمها مسألة تتبع الروايات بتوسط علم الحديث طبعاً مر أن نفس تتبع الاقوال للقدماء في كتبهم مباشرة ،كيف نقف على كثير من المدارك والمستندات التي لا يقف عليها الباحث أو المجتهد أو الفقيه دون أن يقف بنفسه على عبائرهم ، فلا نعتمد على نقول المتأخرين كصاحب مفتاح الكرامة وإن كانت هذه النقول أكرم بها وأنعم ولكن المباشرة عن كثب مربنا كيف يستخرج منها الكثير والكثير من النكات والوجوه.
قبل الدخول في علم الحديث وأهميته في تتبع الروايات وتأثيرها البالغ جداً في مسير الاستنباط والاستنتاج باعتبار ان تتبع الأقوال وتتبع الروايات يصب في الوقوف على الوجوه والأدلة لاستنباط الحكم في المسألة، لا بد ان نلتفق الى فترة مدرسة الوحيد البهبهاني الى زمن الشيخ الأنصاري تقريبا هذه الفترة لإشتهار لمدرسة الانسداد عندهم رضوان الله تعالى عليهم يكتفون بمطلق الظن لذلك مر بنا حتى بالنسبة لتراث الحديث أن كل تراث الحديث عندهم معتبر وليس خصوص الكتب الأربعة فكل هذا التراث المروي عندهم معتبر فعلم الحديث عندهم أوسع بأضعاف من الإخباريين من جانب الصدور لكن يختلفون منهجاً عن الإخباريين في كيفية العمل بهذه الأخبار فهم يفرقون بين الأتم سنداً من الأقل سنداً، في حين أن كل الأحاديث عندهم معتبرة، فكل أصحاب المدرسة الأصولية الإنسدادية كثيرون هم من القرن الثالث عشر والرابع عشر بل حتى أواخر الثاني عشر قرنين وأكثر هم الغالبية من علماء الأصول يقولون أن كل التراث معتبر بإعتبار أن مطلق الظن عندهم معتبر إلا أن منهجهم عن الإخباريين يختلف من جهة أن المدار على المضمون كما هو عند القدماء وليس على الصدور بما هو صدور فاختلف المنهج من هذه الجهة.
على أية حال حيث أن الإنسداديين يبنون على اعتبار مطلق الظن فكل شهرة وكل إجماع حتى المنقول عندهم يصلح مدركاً للفتوى، ولذا أهتموا بالإجماعات المنقولة والشهرات المنقولة أو بتحصيل إجماع، فمن يلاحظ كتاب مفتاح الكرامة - الذي الفه السيد محمد جواد العاملي بأمر من أستاذه العلامة بحر العلوم الذي هو من الطبقة الأولى من تلاميذ الوحيد بينما صاحب مفتاح الكرامة فهو من الطبقة الثانية - وهلم جرا، لذلك ترى الكتب الكثيرة التي حاولت تستعرض أقوال القدماء كثرت عند الإنسداديين ، لماذا؟ لأن الشهرة سواء محصلة أو منقولة من الظنون والظن معتبر مطلقاً وتكون حجة من باب الانسداد ، وكذا الاجماع سواء محصل أو منقول، على كلٍ جملة من الظنون المحتفة مثل قول اللغوي ولو لم يفد إطمئناناً يكون حجة في الإستظهار والإستنباط، وهلم جرا.
فهذه الظاهرة عند الانسداديين من اعتبار مطلق الظنون ما الذي سببت؟
سببت أن التفتيش عن الوجوه الأكثر صناعةً ومتانةً - على مباني الإنفتاحي - يقل عند المدرسة الانسدادية، ففي هذه الفترة قرنين او ثلاثة صار هناك نضوب يعني استراحة واستناد واعتماد الفقيه على الشهرات والأقوال، يعني واقعها ربما قد يقال تقليد، فالإعتماد على الشهرات والاجماعات كافي كمدرك للفتوى فلا يحتاج الفقيه بعد هذا أن يحملق في دلالة الرواية أو دلالة الاية، لا اقول انهم لم يمارسوا الاستدلال، وغيرها من الادلة التي هي حجة عند الانفتاحي دون الانسدادي، مارسوا هذه الامور لكن باعتبار ان الظن عندهم اقوى مقدم حجيةً على الظن الأضعف فمراتب الظن موجودة عند الانسدادي. لكن اجمالا كثر عند الانسدادي ماذا، الاعتماد على هذه الظنون التي هيعند الانفتاحي غير معتبرة ربما او انها من مراتب الظن الضعيفة او جزء الحجة كثر الاعتبار به.
هذه الاستراحة، أو هذه الظاهرة عند الانسداديين اوجبت نوع من تناسي او التغافل عن كثير من الوجوه الدلالية والصناعية الموجودة في كلمات المتقدمين.
أتى بعد الإنسداديين الإنفتاحيون في القرن الاخير وهؤلاء الإنفتاحيون الشهرة المنقولة والاجماع المنقول ليس حجة عندهم ولم يجدوا في كلمات من تقدمهم من الإنسدادين في المسائل دليل سوى الاجماع او الشهرة فمن ثَم قالوا بما أن الدليل هذا ليس بحجة أجروا أصالة البراءة، فكثر خلاف متأخري هذا العصر لمشهور طبقات الفقهاء نتيجة وجود تغافل عن كثير من المدارك والمستندات الموجودة.
عند متأخرين الأعصار التتبع في كلمات القرون السابقة لا مثل الإنسداديين ولا مثل من قبلهم، يعني تضاءلت ظاهرة وهوية ديدن التتبع في كلمات الفقهاء المتقدمين او الطبقات المتقدمة من القرن الرابع الى القرن العاشر والسابع، يعني الظاهرة الغالبة، فهذا سبَّب أن كثير من المسائل الإلزامية عند القدماء او عند الطبقات المتقدمة لا يبني على لزومها المتأخرون فإذا كان هناك تسالم وتطابق في المسألة قالوا بالإحتياط الوجوبي مثلاً .
ومن هذه المسائل الزنا بذات بعل او غيرها من المسائل، كثر ذلك، فلاحظ كيف أن المسيرة العلمية تتأثر لها تداعيات وأمواج.
وهذا مما يلزم لمن يكون باحثاً فقيهاً مجتهداً في هذا العاصر أن يتجاوز هذه الحجب من طباع الطبقات الاعلام الى ان يصل ويقف مباشرةً كما مر بنا يقف مباشرةً على كتب القدماء والطبقات التي تتلوها مباشرةً يعني الأقدمين والمتقدمين والمتأخرين ومتأخري المتأخرين اربع طبقات الاولى من الفقهاء الوقوف على كتبهم مباشرةً ضروري، والاقدم في الاقدم بعد اكثر ضرورة لما؟ لانها مطعّمة بوجوه استدلالية لم تبلوَر مثلا في القرن المعاصر لا اقول لم تبلور تماماً يعني كثير من المسائل التي خالف فيها أو الفروع بالذات هذه الفروع التي فيها شهورات واجماعات وخالف فيها - تلك المسائل التي فيها شهورات وإجماعات وخالف فيها متأخرو هذا العصر لأنه لا تنفع الشهرة ولا الاجماع فبالتالي أين الدليل؟ لا دليل لأن الاجماع المحصل غير حاصل والمنقول غير مقبول - هذه المساحة من المسائل أو غيرها حتى من مسائل الأم الخطيرة أو القواعد المهمة الحساسة من الضروري الرجوع فيها الى الطبقات الأربعة الأولى من الفقهاء سيما الاقدم فالأقدم والأسبق فالأسبقي لماذا? لان كلماتهم مطعّمة مضمّنة - ولو بغير وضوح - لاي شيء مضمنة لوجوه الاستدلال أو حتى كما مر بنا الفاظ الرواية وطوائف الرواية يعني نفس هذا التظمين لقواعد فقهية لا مسائل فقط متأخرين العصر رفضوها وقالوا بالإحتياط الوجوبي وقالوا بعدم وجود مدرك للقاعدة أو المسألة بينما اذا راجعنا كلمات القدماء نرى أنهم ينبهون أن أي طائفة من الروايات دالة على هذه القاعدة. بل طوائف من الروايات موجودة في الأبواب الروائية حصلت غفلة عن الاستدلال بها لأن دلالتها بشكل مطابقي غير واضح فيها فذلكة، وهي مدرك تلك القاعدة أو تلك المسألة، القدماء في نفس تلك المسألة وفي نفس تلك القاعدة ضمنوا لفظ تلك الطائفة من دون أن يصرحوا لها بل هي بحاجة لشيء من التدبر لشيء من الفذلكة الدلالية تجد أن لها دلالة على القاعدة نفسها بحيث الإنسان لو خلّي ونفسه لا يتنبه إلا يعني بنوع من التفكير والغور الكثير والتدقيق وكذا، بينما هم نبهوا عليها.
فلا نظن انهم عندما يقال ان كلمات المتقدمين متضمن لمتون روايات ومضمون روايات نظن أن تلك المتون دالة بالصراحة على القاعدة أو المسألة لا بل هي دالة عليها بفذلكة لكن لم يلتفت الانسان الى إيراد أو إعتماد المتقدمين على هذا المتن الروائي على هذه الطائفة الروائية على هذا القالب الدلالي نتيجةً لمناسبة فذلكية، صناعية مع المسألة أو القاعدة لأنها ليست بشكل سطحي بيّن يلتفت لها العامي لا بل هي تحليلية صناعية يلتفت لها الجتهد، فإذاً أهمية مراجعة كتب المتقدمين بهذا المقدار نكتفي.
في المسائل التي خالف فيها المتأخر وهذا في بحث الشهرة والاجماع المنقولة وغيره حتى المحصل غير التام أو غير المطبق عليه عند الأعلام أو الشهرة حتى المحصلة أو الشهرة المنقولة، مر بنا أنهما ليسا بحجة ان لم يكن إجماعاً مطبقاً وتسالم، لكن هذا الاجماع المنقول او المحصل غير التام دائرةً أو الشهرة سواء محصلة أو منقولة لها فائدة صناعية إلزامية، ما هي? أنها تلزم الفقيه التتبع في الأدلة زيادة على ما ينقحه بحسب مقتضى القاعدة أو بحسب دليل خاص خالفه مشهور الفقهاء، لا بد من دليل خاص آخر أقوى كذا كذا.
يعني الشهرة أو الإجماع وإن لم تكن حجة لكن مانعة من الإعتماد على الأدلة المتوفرة المخالفة للشهرة أو الإجماع من دون فحص فالفحص عند الكل وبالإتفاق شرط للإعتماد على أي دليل (خاص أو عام) فلا حجية للدليل إلا بعد الفحص التام وبمقدارأن لا يبقى أي إحتمال معتد به، فلا يعتمد على الدليل مع وجود إحتمال للمعارض المكافئ أو الأقوة فالفحص شرط فعلية حجية الحجج، وهذه الشهرات والإجماعات منشأ عقلائي معتد به لنشأت الإحتمال المعتد به الذي هو موضوع وجوب الفحص وكفى بهذه الثمرة الصناعية للشهرة والإجماع.
مضافاً الى أنها – كما يقول مبنى الشيخ الأنصاري – نعتمده في حجية الإجماع والشهرة المنقولان أو المحصلان غير التامان ، فالشيخ الأنصاري وافق الشيخ أسد الله التستري (من تلاميذ الوحيد البهبهاني الطبقة الثانية) صاحب كتاب المقابيس (وصهر الشيخ جعفر كاشف الغطاء) فهو في كتابه كشف القناع عن حجية الإجماع – كتاب مليء بالفوائد الصناعية الكثيرة بغض النظر عن الإجماع – يتبنى أن الإجماع المنقول والمحصل غير التام وكذا الشهرة المحصلة أو المنقولة هي جزء الحجة بمعنى أن الظن الحاصل من الإجماع المنقول والمحصل غير التام وكذا الشهرة ليست هو المعتبر بمفرده ولكن الظن المعتد به عقلائياً إذا انظمت إليه ظنون أخرى ولو كانت غير معتبرة (تراكمت الظنون) تولد الإطمئنان فتكون حجة.
فتراكم الظنون كماً وكيفاً وإن لم تكن معتبرة في نفسها لكنها إن كانت عقلائية تكون حجة لحجية الإطمئنان المتولد من تراكمها وهذا مبنى الشيخ المفيد والمرتضى والقدماء جلهم والمتأخرون جلهم ومشهور الفقهاء طبعاً، الاطمئنان حجة من الحجج إن كان ناشئاً من تراكم كيف وكم لظنون غير معتبرة في نفسها لكنها معتدٌ بها عقلاء.
هذا المبحث للأسف لم يعنون في مباحث الحجج عند متأخري هذا العاصر إلا القليل النادر.
استاذنا السيد الروحاني عنون ربما واحد اثنين ثلاثة لكنهم مبحث حساس حجية الإطمئنان الناشئ من تراكم ظنون غير معتبرة ولكنها ذات منشأ إحتمالي عقلائي معتد به، ولو الإحتمال يعتد به كإحتمال لا كدليل، إذا إعتدّ بالإحتمال كإحتمال اذاً تداعيات هذا الإحتمال كالفحص ونحوه تترتب عليه.
هذا الظن الموجود في هذه الموارد إذا تراكمت ظنون أخرى موجودة في موارد على نفس الموضوع تتراكم يتصاعد الظن كماً وكيف الإطمئنان، هذا الباب من غير الإنسداد لأن الإنسداد يعتمد على مطلق الظن أما هذا (مسلك الإطمئنان) يعتمد على خصوص الظنون إذا تصاعدت وتراكمت كماً وكيفاً تراكمت وتاخمت اليقين أي قربت منه (من اليقين) ويعبر عنه بالظن الاطمئنان المتاخم لليقين.
هذا المبحث أيضاً مهم في الحجية الاطمئنان الذي كثير من الاصوليين الانفتاحيين في طبقات الفقهاء جلهم يعتمدون مسلك الإطمئنان لا مطلق الظن كالإنسدادي، هذا مسلك الاطمئنان سواء في اليوميات الفقهية أو في الاصول يحتاج الى جمع القارئن هذا يؤكد عليه الشيخ المفيد وكذلك المرتضى رحمة الله عليه والقدماء جلهم عندهم خبر الواحد ما دام الخبر واحد ليس حجة في نفسه إلا أن تنضم اليه ظنون تورث الإطمئنان أما الصدور لا يعبأون به بمفرده، العمدة عندهم المضمون. هذا فعلى مسلك الإطمئنان موارد الاحتمال العقلاء المعتد به ملزم بالفحص فالفحص مجمد حتى لما هو حجة مستقلة لماذا? بل لماذا الحجج مشروطة بالفحص شرطاً وظعياً تكليفياً فبالأساس الحجة المستقلة من دون فحص لن يتم نصاب حجيتها ولا تكون فعلية، لماذا؟ ما هو التفسير الصناعي؟ نعم إجمالاً قد يقال أن السبب هو علمنا الإجمالي بالتكاليف والادلة وكذا صحيح، ولكن التفسير الفني الصناعي الفحص ما هو؟ بالدقة ليس لدينا حجج مستقلة الحجية في باب الحجج عبارة عن حجج مجموعية نظام حجج لا يوجد عندنا حجة مستقلة (أنا ربكم الأعلى) (وحده لا شريك له) (وحده وحده وحده انجز وعده) اقصد يعني في نظام الحجج الحجج دائماً معيّة الثقلين (لن يفترقا) اي لن تفترق الحجج.
لاحظ هذا ينبه على أنه حتى الأدلة الواردة في حجية مثلاً خبر الواحد التامة عند المتأخرين الغير تامة عند المتقدمين. الشيخ المفيد والسيد المرتضى ابن ادريس معالم من علماء الإمامية يقولون بأن خبر الواحد ولو كان صحيحاً بمفرده ليس بحجة انما يقولون ليس بحجة لا بمعنى أن نضربه عرض الجدار ولا أن خبر الواحد حتى الصحيح ما دام خبر واحد ليس بحجة ولا تكترث به، ليس هذا مرادهم، بل مرادهم لا تعتمد عليه منفرداً بل استثمره ضمن مجموعة قرائن. يصرح بذلك الشيخ المفيد والسيد المرتضى أن الخبر الواحد ولو كان صحيحا ما دام خبر واحد بمفرده لا يعتمد عليه الا أن ينضم إليه شاهد على مضمونه من الكتاب والسنة القطعية للمعصومين يعني هو بمفرده ليس بحجة لكن نكترث به كجزء الحجة كتراكم ظهور الى ان يصل الى الإطمئنان.
اقصد أن هذا المسلك (مسلك الإطمئنان) نستطيع أن نقول بعبارة أخرى ككل نظام منظومة الحجج يبدأ من أول ظن معتبر حجية الظهور وآخذ الى حجية الصدور ثم حجية الشهرة وكذا أو قول اللغوي أو الإجماع ... منظومة الحجج في الظنون بالدقة هي منظومة مجموعية غير منفردة حتى ليست استغراقية ففي العموم الإستغراقي يوجد إستقلال، أجلّكم الله ففي مثل حرمة الخمر حرمة هذا الخمر مستقلة عن حرمة هذا الخمر مستقلة سواء وجدت وجد موضوع الحرمة في الفرض الثاني، الثالث، الرابع، أو لم توجد هذا الفرض الاول أو اي فرض آخر حرمته مستقلة، يعني فيه استقلال وإن كان فيه جنبة إشتراك.
والآن لسنا في صدده، لكن بالتالي العموم الاستغراقي فيه إستقلال، غير العموم المجموعي فإنه لا إستقلال لحجة عن حجة، ومنظومة الحجج بالدقة كل الحجج التي يقام عليها الاستدلال حجية الظهور، حجية الصدور، حجية الظنون المعتبرة بالدقة حجيتها مجموعية وليست استغراقية بأي دليل ؟
فقول أن إطار فذلكتها وصناعتها وحجيتها أنها مجموعية ليست استغرابية بدليل ماذا?
بدليل أنه لزوم الفحص. يعني هذه الحجة لا تعمل بها مستقلاً إلا أن تضم إليها بقية أعضاء مجلس الحجية، يمكن أن تقول ماذا لو إنفردت بمعنى أنه فحص ولن يجد ما يمنع من الحجية؟
نقول هذا يدل مثلاً أن أعضاء مجلس الحجج لم يخالفوه لا أنه في أصل البنيان البنية المنظومية للحجج هذه الحجة مستقلة منفردة بلغ ما بلغ (وحده لا شريك له) لذا لو وجد دليل ولو موافق يجب أن تكون النتيجة مكيّفة بمجموعة الدليلين المتوافقين لا بأحدهما، مع أنهما متوافقين فمع ذلك يؤخذ خصوصية كليهما وخصوصية كل منهما في الإستنباط والإستنتاج وتكون النتيجة مؤلفة ومصاغة ومكيفة بمجموع الدليلين المتوافقين في الرحم هكذا.
إذن الحجج بالأصل ليست إستغراقية بقول مطلق. فلا محالة ستكون فيها بُعد مجموعي.
لاحظ قبل أن نستدل على هذا واذكر هذه النتيجة، لاحظ الآن إستدلال كل سيرة إرتكاز علمي لكل الفقهاء من الأولين والآخرين إذا روايات متوافقة أو متغايرة شيئاً ما، يورد الروايات ، وبعبارة أوضح هل يعتمد على واحدة بالدقة أو يعتمد على المجموع؟ ولماذا؟ حتى لو كانت الأدلة متوافقة فالإعتماد على المجموع أم على الواحدة؟ كــــسيرة في العلوم الدينية حتى في العلوم البشرية أيضاً نفس الكلام. فطبيعة الوجوه مجموعية، بل أكثر من ذلك لا فقط في الظنون، لأن هذه النكتة في منظومة الحجج مغفول عنها للأسف وجداً حساسة ولها ثمرات صناعية كثيرة.
حتى في اليقين والقطع ألا يقولون بأن القطع حجيته ذاتية، أنت لاحظ حتى ديدن كل العلوم العقلية البشرية أو غيرها أو الفلسفة، أي علوم أخرى هل يعتمدون على قطع واحد او مجموع اليقين مجموع أفراد وأنواع اليقين؟ فإذا كانت عنده أدلة يقينية متعددة يعتمد على دليل واحد يقيني أو مجموعها؟
واضح أنه يعتمد على مجموع الأدلة، كـــمثال نذكر ما هي أدلة بطلان التسلسل؟ الاول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس. فنرى أنهم يوردون مجموعة الأدلة، مع أن كل دليل منها مستقل، لماذا إذاً إعتمدوا على المجموع؟ نعم المجموع أكثر شدةً في اليقين طبعاً وطبيعي من يترك الأعلى رتبةً ويتنزل الى الأقل رتبةَ؟ أيٌ حصيف من العلماء يعتمد هذا؟ إذن من الملاحظة أن في اليقين وهو حجيته تكوينية ذاتية هذا الإعتماد على المجموع فكيف بالظنون.
من ثَم في باب الاجتهاد والتقليد بنينا على هذا المطلب أن حجية فتوى الفقهاء وإن كانت صورة استغراقية لكن بالدقة المجموع أيضاً حجة.
فإذا قلد في موارد التوافقات (إتفاق المجتهدين) فهو وضعاً وفذلكةً يقلد مجموع الفقهاء في المسائل الوفاقية التوافقية لا في الخلافيات، فهو يعتمد على مجموع فتاوى الأحياء الواجدين للشواهد ليس هذا خيار يتخير فيه المكلف لا هذا الزام صناعي وضعي علمي كلٌ منها حجة والمفروض ليس البناء تعارض واختلاف، نعم في مسائل الإختلاف في الأعلمية يختلف الكلام، حتى في المسألة الخلافية قسم منها وفاقي توافقي وقسم آخر اختلافي وخلافي، في هذا القسم التوافقي يجب الإعتماد على المجموع، المسألة ليست بالإختيار.
مثلاً الآن فقيه يأتي ويقول أنا أعتمد فقط على الخبر الصحيح ولا أريد أن أعتمد على الخبر الموثق في نفس المسألة، لا ليس الأمر راجع الى خيار الكيف أو كيف الإختيار، هي كلها حجج مجموعها يعتمد عليه وإن كان كل منها يصلح أن أن يكون محل إعتماد، لكن عملاً فعلاً يجب الإعتماد على المجموع بالإلزام لما؟ لأن المجموع أقوى حجية من فتوى الأعلام أو فتوى أو الرواية الصحيحة الواحدة، أنت عندك عشر روايات البقية موثقات كذا قويات حسان أقوى من الرواية الواحدة الصحيحة بمفردها أقوى صناعياً علمياً إلزامياً.
هذه ثمرات كثيرة تظهر في الأبواب الأصولية أو الفقية، من الإلتفات الى هذه القواعدة أن منظومة الحجج مجموعية بالمعنى الذي مر. استغراق ممزوج بمجموع، يعني فيها حيثيتين حقيقيتين لا تخييريتين .