الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/12/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع:لكل مرحلة من الاستنباط كتب متميزة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم والصلاة والسلام على سيد الأنام ونور الملك العلام البشير النذير والهادي الشفيع السراج المنير والطهر الطاهر والعلم الزاهر والنور الباهر محمد وعلى آله الأطهار المصطفين الأنوار، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين.

كنا في مبحث الإجتهاد الأصولي وهي مقدمات الاجتهاد أو علوم الإجتهاد، ومر بنا أن مراحل الاستنباط ثمانية، المرحلة الثانية والثالثة هي جمع الأقوال في المسألة وهذا الجمع مرّ بنا أنه في المسائل الحساسة فبدل أن يكتفي الباحث بتتبع عبارات جملة من الاعلام عموماً اذا طالع الباحث بنفسه الكلمات والكتب كثيرا ما ربما يجد فوائد لا تحصل له بما لو اعتمد على كتاب واحد مثل (مفتاح الكرامة) أو (كتاب الجواهر) أو (كتاب كاشف اللثام) أو (كتاب مسالك الافهام) أو (كتاب مستند الشيعة) واي كتاب من هذه الكتب المبسوطة للأعلام، والسبب أنه قالب الفتوى لكل فقيه حقيقةً هي عبارة عن شرح من ذلك الفقيه لطوائف الروايات ودلالاة هذه الروايات الواردة في تلك المسألة أو تلك القاعدة فكل عنوان وكل تركيب وكل قيد وكل لفظة يذكرها ذلك الفقيه تنم عن استنباط قام به منطلقاً من دلالة الالفاظ، ففي الحقيقة اذن الرجوع الى متون فتاوى الفقهاء له بالغ الثمرة يختلف عما لو اعتمد الانسان على نقولات الاعلام المتأخرين لا سيما أنه في نقل المتأخرين غالباً ما قد يكون النقل بالمعنى وتغيير في بعض الالفاظ، وربما يجد أنه الجهة التي هو يركز عليها زاوية معينة بينما يمكن للباحث أن يستخرج زواية اخرى في كلام القدماء فهذا أمر جدا مهم.

وقد مر بنا من باب المثال في من زنا بذات بعل، فهذه المرأة تحرم عليه مؤبدا، ابن براج(ره) في كتابه المهذب في حين ذكره للفتوى يذكر وجه الاستدلال فلو ان الباحث فرضاً يراجع (الجواهر) أو يراجع (مفتاح الكرامة) ربما لم ينقلوا وجه الاستدلال فقط ينقلون أنه مثلاً قال بالحرمة فلان وفلان وفلان من الأعلام .

والحال أنه نلاحظ أن الباحث لو تتبع مباشرةً أقوال الفقهاء سيجد اجمالاً فوائد علمية لا تحصل له لو إعتمد على مجرد النقل، هذه الفوائد فوائد استدلالية من قبيل القرائن ربما يعبر القدماء بقيد هذا القيد هو مفتاح فذلكة معينة مفتاح لكيفية الجمع بين طوائف الروايات. نعم (مفتاح الكرامة) أوسع من (الجواهر) أو غيرها لكن ربما لم يعتني المتأخر بذلك القيد لأن هو في همه جهة وزاوية أخرى غير التي يبحث عنها الباحث .

فالمقصود اجمالاً أن في التتبع المباشر للكتب - ولو ان هذا النهج خارج عن طاقة الانسان ولكن في المسائل الحساسة الأم في القواعد المهمة - كلما تتبع الانسان بنفسه مباشرة كان أفضل.

فمثلاً افترض أن (المحقق الحلي-ره) ينقل عن (الشيخ المفيد-ره)، فالباحث بنفسه يرجع الى الكتاب المنقول عنه شيء آخر، كلماته قيوده التي ذكرها يعني مهما يكن فكلام المحقق (ره) انطباعاته وايجاز لما فهمه بل حتى لو ينقل نفس الفاظ الشيخ الطوسي مثلا عن الخلاف أو المبسوط ، اذا راجعنا كلام الشيخ نفسه ربما ذكر الشيخ(ره) قرائن لم ينقلها المحقق(ره)، وكم لهذا من نظير تقريباً موردين أو ثلاث موارد المحقق الحلي(ره) جزم أن الشيخ الطوسي(ره) رأيه كذا وكذا في المبسوط - مع ان المحقق الحلي(ره) ابن بجدتها ومتمرس في كتاب المبسوط بحيث كتاب الشرائع كالزبدة الملخصة للمبسوط طبعا بآراء المجقق الحلي - فعلى كل حال في موردين ان لم يكن ثلاث على ما في البال المحقق الحلي(ره) نقل عن الشيخ الطوسي قولاً في المبسوط والحال ان هذا القول ليس قول الشيخ الطوسي(ره) بل هو قول بعض العامة وقول الشيخ(ره) يأتي بعد ذلك، وكل من أتى بعد المحقق الحلي(ره) بنى على أن قول الشيخ الطوسي(ره) هو هذا القول .

ومنها أيضاً في قضية اللعان بين الزوج والزوجة مسألة بل في خصوص قاعدة لا مسألة قد يقع ذلك، على أية حال بينما لو راجع الانسان مباشرة يكون افضل .

قد يكون السبب أن من خصوصيات كتاب المبسوط أن الشيخ(ره) عندما يذكر قول من أقوال بعض العامة يسهب في الكلام فيه بحيث يتصور القارئ أنها للشيخ ربما بعد صفحة أو صفحتان يتبين أنها ليست للشيخ الطوسي(ره)، فهذه الخصوصية تكون موجبة للايهام فيجب الالتفات اليها.

فالتتبع المباشر فيه فوائد كثيرة ، ولا سيما أن الكتب القديمة - كــ(المقنعة للمفيد) و(المقنعة للصدوق) و(النهاية للشيخ الطوسي) و(الفقه الرضوي لوالد الصدوق) وأمثال هذه الكتب على اية حال كالمهذب لابن البراج يعني النصف الاول من القدماء والثاني بالتبع - كما يقول الكثير أنها متون روايات، طبعاً الذي يصرح بهذا الشيء هو نفس الشيخ الطوسي(ره) في ديباجة كتابه المبسوط.

فكتب القدماء متون روايات والمتن الروائي هو غير الرواية التي يراها الباحث في الوسائل مثلاً او في الكتب الأربعة فهذا الذي يجده في كتب القدماء هو متن وفذلكة وجمع بين طوائف الروايات أو مصدر رواية لم يصل الينا ووصل اليهم كل هذا محتمل، لذلك - وبهذا اللحاظ - ملاحظة كتب القدماء - لا سيما النصف الأول من الصدوق الى الشيخ الطوسي أما النصف الثاني مثل ابن براج وابن حمزة وابن زهرة والحلبيون سلار وابن ادريس، أيضا هكذا ولكن مع شيء من التعابير الفتوائية – أمر مهم جداً.

فالمقصود أن مراجعة كتب القدماء - من الصدوق(ره) الى ابن ادريس(ره) أما من المحقق الحلي(ره) فيبدأ عصر المتأخريين الى الشهيد الثاني(ره) ثم متأخروا المتأخرين – مهم وكذا مراجعة كتب الأقدمين كفتاوى ابن ابي عقيل العماني(ره) وابن جنيد(ره) أو الكاتب الفقيه(ره) أو ابن شاذان(ره) وكثير من فتاوى الرواة التي تذكر في المجاميع الحديثية فيها فوائد الزامية في تتبع مسالك ومستندات المسألة الشيء الكثير جدا .

فعلى كل نقتصر على هذا المقدار، واما مراجعة كتب المتأخرين ، يعني من المحقق الحلي(ره) الى الشهيد الثاني(ره)، وما بعده من المجلسيين وما بعد يقال لهم متأخري المتأخرين الى الوحيد البهبهاني(ره)، ومنه الى الأنصاري(ره) يعبر عنهم بمتأخري الأعصار ثم من الأنصاري(ره) الى يومنا هذا بالمعاصرين هذا اصطلاح كثير من الأعلام في طبقات الفقهاء.

فعلى اية حال نعم طبقة المتاخرين من المحقق الحلي الى الشهيد الثاني تتميز كتبهم الفقهية أن فيها فذلكات صناعية أكثر، تحليل للوجوه أكثر فاكثر، فعلى اية حال هذه نكتة مهمة أما نفس المواد الخام والنكات حتى الأصول التشريعية وأصل أيات الاحكام او مفاد الفاظ الروايات تجدها في كتب المتقدمين أما طبقة المتاخرين ففيها كثيراً ما فذلكات صناعية وعلاجات وموازنات وهلم جرا .

اما كتب متاخري المتاخرين من المجلسيين(ره) الى الوحيد البهبهاني(ره) هذه الفترة امتزجت بنمطين:

الأول: نمط شرح الحديث يعني المجلسي الاب والمجلسي الابن لديهم ثلاث او اربعة شروح على الكتب الاربعة وغيرهم آخرون وهذه الشروح زاخرة بقرائن في دلالة الروايات لا يستغني عنها الباحث يعني قصدنا في المسائل الاقل حساسية من المسائل الام والقواعد ، فالمجلسي الابن عنده مراة العقول شرح على الكافي وعنده شرح ملاذ الاخيار، وأما الأب فعنده شرح روضة المتقين على من لا يحضره الفقيه وحفيد الشهيد الثاني عنده استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، على اية حال هذه الشروح زاخرة بالقرائن وتتبعها في الرويات الدقيق في الفاظ الروايات وتركيبها احتمالات التركيب والبعد الأدبي والنحوي والصرفي من الاشتقاقات ونحوها مقارنة فتاوى من تقدم من الفقهاء مع الروايات نوع من الموازنة ، على كل ففي مراجعة هذه الشروح فوائد كثيرة ، طبعا هذا الذي نذكره عن كتب الفقهاء في المرحلة الثانية من الاستنباط التي هي قريبة الافق للمرحلة الثالثة (استخراج وجوه الاستدلال من اقوال الاعلام واستقصاء الروايات وأدلة المسألة عند الأنظار المختلفة) بحيث نبحث ان هذا الفقيه استند الى اي وجه وذاك استند الى اي وجه وهكذا .

ففي المرحلة الثالثة مع استقصاء الوجوه لابد من تتبع الروايات واستقصاءها ، استقصاء الروايات الواردة هذا وان كنت لم اكمل بعد بحث الاقوال ولكن في موازات بحث الاقوال لابد من ذكر هذا المطلب .

قضية استقصاء الروايات هذا ايضا لا يعتمد فيه الانسان على النقل حتى على صاحب الوسائل طبعا وان كان مثل صاحب الوسائل ممن يشكر جهده وسعيه أنعم به واكرم لكن هذا لا يكفي على كل فللبحث في هذه الجهة تتمة .

فقط اردنا الاشارة لأهمية التتبع المباشر للرواية بل هذا لا يقل أهمية عن مورد كلامنا وسيأتي تفصيل الكلام عنه.

النمط الثاني: من كتب متاخري المتاخرين ، هذا النمط كأمثال (كاشف اللثام) ونحوها من الكتب انصافاً فيها عمق تحليلي واستدلالي صناعة فقهية قوية جدا وفذلكات وان كان كتاب كاشف اللثام ليست دورة فقهية كاملة ولكن جل الابواب او قل ثلثي ابواب الفقه تعرض لها في كاشف اللثام فهذا المقدار مليء ومشحون بالصناعة والفذلكات الفقهية يعني نوع من توليف الوجوه وهيمكلة الوجوه وانصافا كاشف اللثام في الصناعة الفقهية جزل جدا وقوي ومتين، على كل حال، فهناك نمطين من كتب متأخري المتاخرين.

وأما متاخري الاعصار المرحلة التي تبدا بالوحيد البهبهاني (ره) وبحر العلوم(ره) والميرزا القمي(ره) والشيخ جعفر كاشف الغطاء(ره) والعراقي(ره) وصاحب الرياض(ره) وغيرهم الغالب على كتبهم مراعات الصناعة الاصولية والفذلكات الاصولية، نحن كلامنا في المرحلة الثانية والثالثة.

ولكن من باب الكلام يجر الكلام، مثل (كاشف اللثام) من متاخري المتاخرين يراعون المرحلة الرابعة كثيراً من المراحل الفقهية المحضة وهي: 1- الفرض الفقهي 2- جمع الاقوال 3- جمع الوجوه والروايات 4- الصناعة الفقهية والفذلكة .

هذه هي المراحل الأربعة في متاخري المتاخرين يركزون كثيرا على المراحل الفقيه وبالذات على المرحلة الرابعة.

أما متأخري الاعصار فهم يركزون على المراحل الاربعة الاصولية وهي: 1- مقتضى القاعدة ما هو؟ 2- الأصول العملية الجارية؟ 3- إعمال الموازين الاصولية في هذا المطلب. 4- ملاحظة اصول التشريع .

هذه المرحلة الأخيرة يراعيها أكثر من غيره كلاً من الشيخ الطوسي في المبسوط والخلاف والسيد المرتضى في الانتصار والمفيد في المقنعة والصدوق في المقنعة أيضا فالقدماء ينطلقون بدأً من اصول التشريع ، أما المحقق الحلي يراعيه ولكن بدون أن يفصح فقط يشير اشارات له في الشرائع.

فكل دورة فقهية من كل طبقة لها امتيازات عن غيرها.

امتيازات متأخري الاعصار المدرسة الانسدادية اكثرهم يغلبون جانب المراحل الاصولية صاحب الرياض فالثوب الاصولي في الفقه ركز عليه اكثر، يعني اذا اريد معرفة كيفية الترتيب بين المراحل الأربعة الأصولية وبحسب الموازين الاصولية يلاحظ كتاب الرياض فهذا الكتاب هندسة للموازين الاصولية .

كاشف اللثام مر بنا أنه ركز على الصناعة الفقهية والفذلكة الفقهية ، أما صاحب الجواهر رغم أنه من متاخري الاعصار يعني من الطبقة الثالثة من تلاميذ الوحيد البهبهاني الطبقة الثانية الذي هو صاحب مفتاح الكرامة وصاحب الرياض النراقي الابن وابناء الشيخ جعفر كاشف الغطاء الطبقة الثالثة هم صاحب الجواهر ومن كان في زمانه كالدربندي وغيره من الكبار، فصاحب الجواهر رغم أنه من متاخري الاعصار ال انه طغى عليه ايضا الصناعة الفقهية والفذلكة الفقهية فهو يراعي هذا الجانب وان كان يتعرض للصناعة الاصولية ولكن تعرضه للصناعة الفقهية هي الغالب .

يعني المرحلة الرابعة يمتاز بامتياز فيها صاحب الجواهر رحمه الله تعالى فمن الضروري على الفقيه ان يلتفت الى ان الدورة الفقهية كل دورة من دوراتها في اي طبقة ومن اي قرن بماذا تمتاز على اساس ان يعرف ان في هذه المرحلة يجب ان يراجع هذا الكتاب بعينه وهكذا كل مرحلة لها فرسانها وروادها .

في استقصاء الروايات في المرحلة الثالثة كتاب الحدائق مفيد جداً وكذا شروح المجلسيين لاحتوائها زخم من القرائن والشواهد من الوجوه والأدلة حتى الاحتمالات التي يبديها المجلسي الابن في مرآة العقول أو ملاذ الاخيار في موارد كثيرة اكثر مما يبديه صاحب الجواهر ، مر بنا صاحب الجواهر يمتاز بالمرحلة الرابعة (الصناعة الفقهية والفذلكة الفقهية) وكيفية التوليف الصناعي بين القواعد الفقهية والمسائل الفقهية وهذه المرحلة طبعا مرحلة مهمة لكن المرحلة الثالثة تجد أن هناك فرسان آخرين أكثر من صاحب الجواهر في استقصاء الاحتمالات والقرائن والروايات كصاحب مفتاح الكرامة فهو في هذه المرحلة جدا متميز وكذا في مرحلة استقصاء الاقوال، فلا بد أن نلاحظ كل كتاب ومعرفة امتيازه في أي مرحلة؟

فإجمالا هذه هي مراحل الاستنباط ومقدمات الاستنباط وجملة من توصيات الاعلام فيها

من هذه المراحل نشأت مناهج فقهية ومدارس حتى في ضمن المدارس الإمامية، وطبعا هذه الحالة ليست مختصة بعلم الفقه فقد مر بنا في بداية الحديث من هذه المرحلة في بحث مقدمات الاجتهاد ان هذا في كل علم من العلوم الدينية ففي الرجال توجد هذه المناهج والمدارس داخل مسار علماء الامامية ومذهب الامامية والذي لايلتفت لوجود هذه المناهج كالذي يمشي حشرا مع الناس حتى لو كان باحث متخصص كذلك الحال في علم الكلام وفي كل العلوم الدينية، والاطلاع والمقارنة بين المناهج أمر بالغ الأهمية جدا ، لأنه يحفز عملية التدقيق والنقض والابرام عند الانسان لا في المسألة أو القاعدة أو في الاستدلال بل في المناهج التي تكون كقناعات مسبقة عند الباحث الذي يبني عليها ، فالمناهج كما سيتبين مباني استباقية سابقة يتنقح على ضوئها يوميات الاستدلال والاستنباط في المسائل والقواعدن فمسألة اكتشاف ووقوف الانسان على المدارس والمناهج في كل علم ديني أمر بالغ الأهمية في مقدمات الاجتهاد ومراحله فهي تسبق مراحل الاجتهاد فالباحث يجب اولا ان يتعرف على المناهج ثم يخوض المراحل .