الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/12/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناهج الاجتهاد / باب الاجتهاد والتقليد

مراحل الاستنباط، المرحلة الثانية والثالثةلكل مرحلة من الاستنباط كتب متميزة

كنا في المبحث الثالث من الاجتهاد الأصولي هو مقدمات الاجتهاد أو علوم الاجتهاد ومر أن مراحل الاستنباط ثمانية.

المرحلة الثانية هي جمع الأقوال في المسئلة ومر بنا سيما في المسائل الحساسة بدل أن يكتفي الباحث بتتبع جملة من الأعلام عموما، إذا طالس الكلمات والكتب بنفسه كثيرا ما يجد فوائد لاتحصل له بما اعتمد علی كتاب مفتاح الكرامة أو كتاب الجواهر أو كاشف اللثام أو مسالك الأفهام أو مستند الشيعة من الكتب المبسوطة من الأعلام والسبب هو أن قالب الفتوی لكل فقيه حقيقتا هي عبارة عن شرح من ذلك الفقيه لطوائف الروايات أو لدلالة الروايات الواردة في تلك المسئلة، فكل عنوان وكل تركيب وكل قيد وكل لفظة يذكره ذلك الفقيه تقام عن استنباط قام به منطلقا من دلالة الألفاظ، فإذا في الحقيقة الرجوع الی متون فتاوی الفقهاء له بالغ الثمرة ويختلف عما لو اعتمد الانسان علی نقل الأعلام المتأخرين، لاسيما أنه في نقل المتأخرين غالبا يعبّر عن الألفاظ أو ينقل بالمعنی أو يجد أن الجهة التي يركز عليها الناقل زاوية معينة بينما الباحث يمكن أن يجد زوايا أخری من كلام القدما والفقهاء، فهذا أمر جدّا مهم.

مرّ بنا مثال من زنی بذات بعل، يعني أن زانيا زنی بامرأة هي في عصمة زوجه فهذه المرأة تحرم عليه مؤبّدا .ابن برّاج في كتابه المهذب في حين يذكر الفتوی بالحرمة الأبدية يذكر وجه الاستدلال، فلو يراجع الانسان الجواهر أو مفتاح الكرامة يری أنهم لم ينقلوا وجه الاستدلال والحال أن إذا يلاحظ الانسان مباشرة تتبع الفقهاء والأقوال سيجد فوائد علمية لاتحصل له لو اعتمد علی النقل، من قبيل الاستدلال والقرائن.

ربما يعبّر بالقيد وهذا القيد هو مفتاح فذلكة معينة أو مفتاح كيفية الجمع بين الروايات وصاحب مفتاح الكرامة ربّما لم يعتني بذلك القيد، بينما هو في جهة أخری. المقصود في التتبع المباشر للكتب ولو أن هذا النهج أن الانسان يتتبّع مباشرة في كل المسائل خارج عن طاقة الانسان، لكن في المسائل الحساسة والأم والقواعد كلما تتبع الانسان مباشرة يكون أقرب بالفوائد. مثلا اذا ينقل المحقق الحلي عن المقنعة لايكتفي الانسان به ويراجع بنفسه، ربّما يكون نقل المحقق الحلي إيجاز، حتی لو ينقل نفس ألفاظ الشيخ الطوسي في الخلاف إذا راجع الانسان ربما يری أن المقطع الذي نقله فيه قرائن غفل عنها وكم لهذا من نظير.

تقريبا موردان بنحو الجزم أتذكر المحقق الحلي جزم بأن الشيخ الطوسي رأيه كذا في المبسوط وطبعا المحقق الحلي ابن بجدتها، أصلا هو متمرس في كتاب المبسوط بحيث أن كتاب الشرائع كالزبدة والملخص بآراء الشيخ الطوسي فهناك ممارسة من المحقق الحلي بكتب الشيخ الطوسي في المبسوط وغيره لاسيما المبسوط وقوة المحقق الحلي لاتنكر، لكن علی اية حال في موردين إن لم يكن ثلاثة ببالي المحقق الحلي نقل عن الشيخ الطوسي قولا والحال أن هذا القول ليس قول الشيخ الطوسي بل هو قول العامة وكل من أتی بعد المحقق الحلي بنی علی أن هذا القول قول الشيخ الطوسي، منها قضية اللعان بين الزوج والزوجة وفيها قاعدة معينة.

أحد خصوصيات كتاب المبسوط هو أنه يسحب في نقل أقوال العامة بحيث أن الانسان لايميز بينها وأقوال الشيخ. ربما صفحة أو صفحتين ينقل أقوال العامة وفي الصفحة الثالثة يكتب رأي نفسه، فهذه خصوصية موجودة في كتاب المبسوط يجب أن يلتفت عليها الانسان.

فالتتبع في الكتب مباشرة فيه فوائد كثيرة لاسيما أن كتب القدماء كالمقنعة للمفيد والمقنعة للصدوق والنهاية للشيخ الطوسي والفقه الرضوي لوالد الصدوق وأمثالها من الكتب حتی المهذب لابن براج يعني النصف الأول من القدماء والنصف الثاني بالتبع، خصوصية كتب القدماء كما يقول الكثير أنها متون الروايات، طبعا الذي يصرح بهذا هو نفس الشيخ الطوسي في ديباجة كتاب المبسوط، فكتب القدماء متون الروايات وغير الروايات التي يراها الباحث في كتاب الوسائل وهذا المتن عبارة عن فذلكة الجمع بين طوائف الروايات أو ربما مصدر روائي وصل إليهم ولم يصل الينا، لذلك بهذا اللحاظ ملاحظة كتب القدماء سيّما النصف الأول يعني الصدوق الی الشيخ الطوسي والنصف الثاني ابن براج وابن حمزة وابن زهرة والحلبيون والسلار. النصف الأول أكثر محوضة في متون الروايات والنصف الثاني أيضا هكذا، لكن مع شيء من التغيير الفتوائي.

النصف الثاني الی ابن ادريس أما المحقق الحلي من المتأخرين الی الشهيد الثاني ثم المتأخري المتأخرين وهلم جرا وقبل المتقدمين كانوا أقدمين فمراجعة كتب الأقدمين يعني فتاوی ابي عقيل النعماني أو فتاوی ابن جنيد أو الكاتب الفقيه أو ابن شاذان أو كثير من الفقهاء والرواة التي تذكر في المجاميع الحديثية ومراجعة كتب المتقدمين من الصدوق الی ابن ادريس مراجعتها فيها فوائد إلزامية في التتبع لمدارك ومستندات المسئلة الشيء الكثير جدا. فعلی كل نقتصر بهذا المقدار.

أما مراجعة كتب المتأخرين يعني من المحقق الحلي الی الشهيد الثاني. بعد الشهيد الثاني من المجلسيين الی الوحيد البهبهاني يقال لهم المتأخري المتأخرين ومن الوحيد البهبهاني الی الشيخ الأنصاري يقال لهم متأخري الأعصار ومن الشيخ الأنصاري الی يومنا هذا يقال لهم معاصرين تقريبا من قرن. هذا الاصطلاح من كثير من الأعلام في طبقات الفقهاء.

طبقة المتأخرين من المحقق الحلي الی الشهيد الثاني ميزة كتبهم الفقهية أن فيها فذلكات صناعية أكثر وتحليلات للوجوه أكثر فأكثر، أما نفس المواد الخام والنكات حتی في الأصول التشريعية وأصل آيات الأحكام ومفاد الروايات تجدها في كتب المتقدمين وفيها فذلكات صناعية أيضا لكن إجمالا، أما كتب المتأخرين كثيرا ما الفذلكات الصناعية والعلاجات والموازنات.

ماذا عن كتب المتأخري المتأخرين يعني من المجلسيين الی الوحيد البهبهاني؟ هذه الفترة امتزجت بنمطين، نمط شرح الحديث يعني المجلسي الأب والإبن لديهما ثلاثة أو أربعة شروح علی الكتب الأربعة وفيه أعلام آخرون وهذه الشروح ذاخرة بقرائن كثيرة في دلالة الروايات لايستغني عنها الباحث يعني لاأقل في المسائل الأم والحساسة. المجلسي الاب عنده شرح علی الكافي مرآت العقول وعنده أيضا شرح علی التهذيب ملاذ الأخيار ومطبوع حروفيا والمجلسي الأب عنده شرح علی من لايحضره الفقيه يسمی روضة المتقين وحفيد الشهيد الثاني عنده كتاب استقصاء الاعتبار شرح علی الاستبصار. هذه الشروح ذاخرة بالقرائن وبتتبع القرائن في الروايات والتدقيق في ألفاظ الروايات وتركيبها واحتمالات التركيب من البعد الأدبي النحو الصرف والاشتقال ومقارنة فتاوی من تقدم من الفقهاء مع الروايات والموازنة بينها. علی كل فوائد كثيرة في هذه الشروح.

طبعا هذا الذي نذكره الان عن كتب الفقهاء ومراجعتها في المرحلة الثانية في الاستنباط وهي قريبة الأفق في المرحلة الثالثة وهي استخراج الوجوه واستقصاء الروايات واستخراج وجوه أقوال الأعلام. يعني هذا العَلَم استند الی أي وجه وذاك استند الی أي وجه؟ وجوه الاستدلال ومدارك المسئلة وأدلة المسئلة عند الأنظار المختلفة. استخراج الوجوه مع التتبع في الروايات.

استقصاء الروايات الواردة وقضية التتبع فيها هذا أيضا لايعتمد الانسان علی صاحب الوسائل وإن كان أَنعم بجهد صاحب الوسائل لكنه لايكفي. علی كل قضية الروايات سندخل فيها والان نكمل الاقوال، أردت التأشير الی أن هذا الكلام والتتبع المباشر لايختص بالأقوال بل يجري في الروايات بل بضرورة أكثر.

نكمل قضية التتبع في الأقوال: النمط الثاني من المتأخري المتأخرين ككاشف اللثام وأمثاله من الفقهاء إنصافا عمق تحليلي استدلالي وصناعة فقهية قوية جدا وفذلكات وإن كان كتاب كاشف اللثام ليس دورة فقهية كاملة لكن جل الأبواب أو ثلثي أبواب الفقه تعرض لها كاشف اللثام، فهذا المقدار الذي تعرّض له كاشف اللثام مليء مشحون بالصناعة الفقهية والفذلكات الفقهية يعني نوع من تأليف الوجوه وإنشاء الوجوه وهيكلة الوجوه للاستدلال وإنصافا كاشف اللثام في الصناعة الفقهية والتتبع جزل جدا وقوي. علی أي تقدير فإذاً نمطان في المتأخري المتأخري.

أما متأخري الأعصار الذي يبدأ من الوحيد البهبهاني المدرسة الانسدادية وتلاميذه كبحر العلوم والميرزا القمي والشيخ جعفر كاشف الغطاء والنراقيين وصاحب الرياض وغيرهم من الطبقة الأولی والثانية والثالثة زمنا، فالغالب علی كتب متأخري الاعصار مراعاة الصناعة الأصولية والفذلكات الأصولية كتبهم غالبا يراعی فيها الفذلكات الأصولية. في الحقيقة نحن في المرحلة الثانية والثالثة لكن انجر الحديث.

بالتالي كاشف اللثام في متأخري المتأخرين يراعون المراحل الأربعة الأولی كثيرا المراحل الفقهية المحضة، فرض المسئلة الفقهية وجمع الاقوال وجمع الوجوه والروايات والصناعة الفقهية، هذه أربع مراحل فقهية ومتأخروا المتأخرين يركزون كثيرا علیها وبالذات طبعا علی المرحلة الرابعة.

متأخروا الأعصار يركزون علی المراحل الأربعة الأصولية، مقتضى القاعدة وإعمال الأصول العملية الجارية وإعمال الموازين الأصولية وملاحظة أصول التشريع. طبعا أصول التشريع أو أصول القانون يراعيها أكثر الشيخ الطوسي في المبسوط والخلاف والسيد المرتضی في الانتصار والمفيد في المقنعة إجمالا والصدوق في المقنعة أيضا لأن الأقدمين والقدماء ينطلقون بدءا من أصول التشريع. المحقق الحلي يراعيها لكن بدون أن يبسط فقط يشير الی الأصول التشريعية التفصيلية والأصول التشريعية الفوقية قليلا ما يصرح لها لكن يشير إليها اجمالا.

علی كل نستطيع أن نقول كل دورة فقهية من كل قرن وكل طبقات له امتيازات. إمتيازات متأخري الأعصار وأكثرهم من مدرسة الانسداد هو المراحل الأصولية كما مر وتحليل جانب المراحل الأصولية. صاحب الرياض الثوب الأصولي في الفقه ركز عليه أكثر يعني واحد لو أراد في المواد كيف يترتب بحسب الموازين الأصولية لاحظ كتاب الرياض.

كاشف اللثام في الصناعة الفقهية وصاحب الجواهر رغم أنه من متأخري الأعصار من الطبقة الثالثة زمانا من تلاميذ الوحيد البهبهاني. الطبقة الثانية هي مفتاح الكرامة وابنه صاحب الرياض والسيد المجاهد والنراقي الإبن. وأبناء الشيخ جعفر كاشف الغطاء من الطبقة الثانية وصاحب الجواهر ومن كان في زمانه مثل الدربندي وغيره من الكبار هؤلاء من الطبقة الثالثة زمنا من تلاميذ الوحيد البهبهاني. صاحب الجواهر رغم أنه من متأخري الأعصار إلا أنه يداق في الصناعة الفقهية والفذلكة الفقهية وإن كان يتعرض للصناعة الأصولية لكن تعرّضه للصناعة الفقهية أكثر.

فمن فراسة المجتهد والفقيه أن يلتفت الی أن الدورات الفقهية كل دورة من أي طبقة وأي قرن وبماذا تمتاز. كل مرحلة لها فرسانها وله روادها. في استقصاء الروايات كتاب الحدائق مفيد جدا وشروح المجلسيين مفيدة جدا، من الوجوه والأدلة حتی الاحتمالات التي يبديها المجلسي الابن في مرآة العقول أو ملاذ الأخيار في موارد كثيرة أكثر مما يبديها صاحب الجواهر في الرواية ومر بنا أن صاحب الجواهر يمتاز في المرحلة الرابعة يعني الصناعة الفقهية والفذلكة الفقهية، كيفية التوليف الصناعي بين القواعد الفقهية والمسائل الفقهية وهذه مرحلة مهمة، لكن في المرحلة الثالثة تجد هناك فرسانا آخرين أقوی من صاحب الجواهر في استقصاء الاحتمالات واستقصاء القرائن.

صاحب مفتاح الكرامة في المرحلة الثانية والثالثة جدا متميز في استقصاء الأقوال والروايات. فلاحظ كل كتاب له امتياز. كل علم تميز وتمهر وتمرس في مرحلة من المراحل. إجمالا هذه هي مراحل الاستنباط ومقدمات الاستنباط

من هذه المراحل ومهارة وتمرس الأعلام فيها نشأت مناهج فقهية ومدارس فقهية، حتی في مدارس العلماء الامامية وطبعا هذا ليس مختصا بالفقه ومر بنا في بداية هذا المبحث أن هذا في كل علم من العلوم الدينية يعني في الرجال هناك مدارس ومناهج داخل مسار العلماء الامامية والذي لايلتفت الی وجود المدارس والمناهج غافل، كذلك في علم الكلام مناهج وفي كل علم من العلوم الدينية حتی داخل المذهب الواحد. الإطلاع والمقارنة بين المناهج أمر بالغ الأهمية جدا لأنه يحفظ عملية المقارنة والتدقيق والنقد والإبرام في المسئلة لا في المسئلة بل في المناهج، تلك الكلية تكون كقناعات مسبقة عند الباحث يبني عليها. المناهج مثل المباني الاستباقية يعني تنقح علی ضوءها يوميات الاستنباط والاستدلال في القواعد فمسئلة اكتشاف والوقوف علی المناهج والمدارس في كل علم ديني أمر بالغ الأهمية في مقدمات الاجتهاد ومراحل الاجتهاد. هي تسبق مراحل الاجتهاد.

إن شاء الله تتمة موجزة وبعد ذلك نخوض في المرحلة الرابعة من الاجتهاد الاصولي.