41/11/27
الموضوع:باب الإجتهاد والتقليد. المبحث الثالث مناهج الإجتهاد
مراحل الإجتهاد
المرحلة الأولی: تحرير فرض المسئلة
كنّا في المبحث الثالث من الإجتهاد الأصولي وهو أنّه ما هي مقدمات الإجتهاد أو بعبارة أخری ما هي مراحل الإجتهاد أو بعبارة أخری ما هي العلوم التي لابدّ من توفّرها لدی المجتهد لكي يتمكّن من عملية الإجتهاد أو ماهي مناهج الإجتهاد؟ كما مرّ تعابير مختلفة.
لابأس نذكر هذه النقطة وهي أنّ مراحل الإجتهاد أومراحل الإستنباط مرّ بنا والمفروض الآن أقف على أسم رسالة الحقق كركي و رسالة ابن المطوّج البحراني قبل الكركي وزميل الشهيد الثاني رحمة الله عليهما، فإجمالاً ما ذكره هذان العلمان أوغيرهما في كلمات الأعلام طبعاً فيه اختلاف في تعداد مراحل الإستنباط، عند المشهور ثمانية أو أكثر في الكلمات أو مراحل أكثر أو أقلّ. على كلّ لا مشاحتة في هذا التحديد لأنّه إجمالاً متقارب. المرحلة الأولي في الإستنباط وهي مرحلة خطيرة جدّاً...
لماذا نعدّ مراحل الإستنباط؟ لأنّه الكلام في مبحثات مقدمات الإجتهاد كيف تتمّ عملية الإجتهاد وكيف تتمّ عملية الإستنباط وبالتالي ما هي العلوم التي تتطلبها هذه المراحل الثمان وبالتالي ماهي العلوم وبالتالي ما هي المناهج أيضاً في هذه المدارس وفي هذه المراحل الثمان. فهي ثمان مراحل تقريباً وإجمالاً أو قل ثمان خطوات أو ثمان عمليات.
المرحلة الأولی وهي مرحلة حساسة خطيرة ظاهرها هيّن وواقعها خطير جدّا. يعني بعض الأشياء وبعض الأمور ظاهره سهل وهيّن ليّن لكن واقعه جدّاً خطير وحسّاس. نظير بعض الكتّاب في العلوم بيانه سلس وإن كان المطلب معقّد وبعض الأحيان يعني الأكثر يميل إلى البيان السهل والسلس ولكن يقول في عالم التعليم والتعلّم: ليس من الضروري البيان السلس هو نافع، لماذا؟ لأنّ في البيان السلس قد يوصل المطلب بسهولة لكنّه بالدقّة لاينبّه القارئ إلی...يقول هذا المطلب معقّد يعني خطير وحسّاس ولاينبّه القارئ إلی خطورة المطلب أو أماكن العُقد والمفاصل الصعبة والخطرة فيه بخلاف إذا كان البيان معقّد.
السيد الخويي في تقرير الكثير من تلاميذه مع أنه كان دائماً يعتمد علی البيان السلس السهل لكنّه كتابتا ما كان بيانه سلس بل يأخذ جانب وسط لاسلس ولاكلّش معقّد، وسط. يعني أجود التقريرات بقلم السيد الخوئي رحمة الله عليه ليس بسلاسة الشيخ محمد علي الكاظمي زميله في درس الناييني بل متقدّم عليه زمن.
المعروف أنّ الناييني عنده دورتين أو أكثر في الأصول واحدها بقلم السيد محمد علي الكاظمي والأخری بقلم السيد الخويي رحمة الله عليهما. فوائد الأصول بقلم الكاظمي وأجود التقريرات بقلم السيد الخويي. في الحوزة النجفية من سابق قبل السبعة عقود اشتهر في الألفاظ أجود التقريرات وفي الحجج اشتهر الكاظمي أكثر. المقصود أنّ قلم السيد الخويي كان متوسط بين السلاسة والتعقيد. هو في تقريره لتلاميذه لايحبّذ البيان السلس جدّا ويقول لأنّه يفقد المضمون ووزن المضمون وماايخلّي القارئ ينتبه إلی وزن المضمون. هذا أيضاً نوع من النظرية والرأي عند السيد الخويي رحمة الله عليه. أقا ضياءالدين العراقي من باب المثال.... لماذا؟ لأنّ هذه المرحلة الأولى مرتبطة بهذا البحث وجدّاً مهمّة وهي المرحلة الأولى: تبيان الفرض المسئلة والفرض الفقهي ولو كان فقه الفروع. فرض المسئلة كلامية إذا كان علم الكلام. فرض المسئلة الرجالية. المهمّ فرض المسئلة أوّل مرحلة من مراحل الإستنباط. نرجع إلى البيان والتعقيد ظاهره سهل يعني فرض المسئلة الكل يستهين بي والحال أنّه جدّاً واقعه خطير. مصيري على الإستنباط.
يقال أنّ المحقق العراقي بيانه الإلقاء في الدروس جذاب جدّا وقوي البيان. معروف منه رحمة الله. أمّا قلم المحقق العراقي ألله أكبر جدّا معقّد إلی غاية التعقيد.
المرحوم الاصفهاني قلمه متوسط والبعض يعتبره معقّد لأنّه فلسفي كثير ولكن بيانه انصافا ربما إذا جاوزنا العقبة الفلسفية في بيانه كان أديب وبيانه أيضاً متوسط. الميرزا الناييني بيانه جدّا جذاب وهذا أيضاً معروف لكن قلمه بحث آخر. قلمه في تنبيه الأمة وتنزيه الملة جدًا سلس لكن في اللباس المشكوك جدّا معقّد يعني عند غالب الأكثر، حتّی يقال لما صدر كتاب اللباس المشكوك من الميرزا الناييني يقال له أنّه كتبه بالإنكليزية مع أنّه كان باللغة العربية، كان هذا معروفاً في الوسط النجفية.
هذا باب عجيب وغريب الإلقاء والقلم هل الصحيح في الإلقاء أو في الكلام لأنّ تحسّس السامع أو القارئ بخطورة المطلب ووزن المطلب أيضاً مهم، أمّا إذا تعطيه ببيان جدّا جدّا سلس كأنّما أنت تخدّر السامع والقارئ مايشعر وين؟ كأنّما مثل جادة يمشي عليها باسترسال لايلتفت بخطراتها. هكذا يقولون الأعلام.
نرجع: المهمّ أنّ الفرض الفقهي كفقه الفروع في الإستنباط غالباً وكثيراً وجلّاً يعتبرون تحرير الفرض الموضوع وتحرير المسئلة موضوع ومحمولا وبعبارة أخری أصل تصور المسئلة يستهين بها الكثير من أهل الفضل والكبار والحال أنّ هي المسئلة ظاهرها هيّن ليّن خفيف، لكنّه واقعها خطير جدّاً، الآن لماذا خطير؟ مانريد ندخل فيه يعني تحديد أصل المسار.
ومن الذين وفّقوا في تحرير فرض المسئلة في الأبواب صاحب الحدائق مع أنّه ممشاه بين الأخباري والأصولي، لكنّه في بحث تحرير الفرض الفقهي انصافا عنده تروّي تثبّت جيّد جدّاً بل ممتاز مع أنّه نفس تحرير الفرض خطوة صناعية مهمّة. كاشف اللثام أيضاً في زوايا تحرير فرض المسئلة عنده دقّة أيضا. صاحب الجواهر اهتمامه بفرض المسئلة اجمالاً ولكن يستقصي تحرير فرض المسئلة.
كثيراً ما من الأعلام الكبار لايستقصي أو يبسط أو يدقق في البداية في تحرير فرض المسئلة، لكن عندما تعترك الأقوال والأدلة ومعمعة الإختلاف يضطرّ الرجوع إلی تحرير فرض المسئلة والحال من الأوّل لو حرّر لكانت القضية أسهل. هذه نكتة مهمّة في تحرير فرض المسئلة. الحديث طويل لكن أكتفي بهذا القلم.
نكتة أخری في هذه المرحلة الأولی وهو تحرير فرض المسئلة وهذه أشار إليه كاشف اللثام وصاحب الجواهر والسيد الكلبايكاني وغيرهم من الكبار أنّ المسئلة الواحدة غالباً تطرح في العلم الواحد وتطرح في أكثر من باب. لا تتوهّم أنّها تطرح في باب واحد ربما في اثنين أو ثلاثة أو خمسة وليس بتكرار. إذن لماذا؟ إذاً ليس تكرارا، كيف وهي مسئلة واحدة؟ هذه المسئلة لها زوايا عديدة وحيثيات عديدة وجهات عديدة. كثيرا ما علماء الكلام أو فقه الفروع أو علماء التفسير أو علماء الرجال أو أي علم من العلوم الدينية أو حتّى غير علوم الدينية – البشرية - غالباً العلماء مايستوفون كل زواياه في باب واحد. هذا المطلب إذا لم يلتفت إليه المجتهد أو الفقيه يترجّل في أصل تنقيح فرض المسئلة وبالتالي حتّی المراحل اللاحقة كلّها يصير فيها أخطاء واشتباهات والتباسات في مراحل الأخرى من الإستنباط.
لذا هذه المرحلة الأولی جدّا ظاهرها سهل وواقعها جدًا عصيب ومن ظرائف هذه المرحلة الأولي أنّ ربما مراجع يراجع كلمات الأعلام في باب يقولون مثلاً بوجوب هذه المسئلة وفي باب آخر يقولون بحرمة وفي باب آخر يقولون بحكم ثالث. عجيب! كيف يعني تناقض بين الأعلام؟ لا، أنت لم تلتفت. هذه المسئلة لها زوايا وجهات مختلفة إلی ما شاء الله لذلك من فراسة الفقيه وحذاقته أن يلتفت إلی موارد استعراض المسئلة في الأبواب ويقارن بينها. المهمّ حديث طويل في فرض المسئلة وليس سهلا.
أذكر نقطة أخری. هذه المرحلة الأولی ليست سهلة تستدعي منا بعد نذكر مقدمات أخرى ذكروها في هذه المرحلة الأولی. كثير من الفقهاء المراجع الذين كانوا يتصدّون الإفتاء كمرجعية العليا والطبقة الأولی جملة منهم عندهم فراسة وفطنة مهمّة فيال أجوبة الإستفتاءات. معروف عن السيد ابوالحسن الاصفهاني رحمة الله عليه أنّه كانت عنده فراسة نادرة متميّز بها في أجوبة الإستفتاءات. ماهي هذه الفراسة؟ مرتبطة بالمرحلة الأولی من الإستنباط. يقال إذا عرض عليه استفتاء ماينغر بظاهر الإستفتاء أو كلام السائل. بل يتحرّی ما وراء السطور ويقول ذلك هو المسئول عنه الأصلي.
غالبا أسئلة السائلين لسبب أو لآخر لأجل أن يجد لنفسه طريق حلال أو رخصة أو ما شابه ذلك فيصيغ السؤال...معروف الآن في باب القضاء – ماادري تلتفتون لهذا المطلب أو لا؟ - طريقة طرح المدّعي لشكاية أو دعواه تؤثّر في نجاحه بكسب الحكم القضائي أو خسارته وهذا مبحث ذكروه في القضاء لذلك المهارة في المحاماة أو الوكيل في التقاضي والإستدعاء كل ما كانت مهارته أكثر طريقة صياغة الدعوی أو الشكوی مؤثّرة جدّا في النجاح وكسب القضية أو عدمه. حتّی في الروايات كثير إشارة إلی أنّ كيفية صياغة الدعوی من المدّعي في قبال المنكر أو حتّی المنكر في كيفية إنكاره مؤثّر جدّا في نجاح كل منهما بالقضية.
مثلاً من باب المثال المدّعي يقول أنا داينتك كذا. إذا المنكر يقول سدّدت الدين فصار منكر مدّعي وتنقلب الدعوی وإذا صار مدذعي تلزم البيّنة عليه. أمّا إذا قال أصلاً لادين له علي، يبقی منكر ولايحتاج إلی البيّنة، فطريقة الإنكار أيضاً مهمّة في باب الدعوی.
النزاعات القضائية كثيرة منها معقّدة. أصلاً أحد علوم القضاء المهمّة جدّاً جدّاً جدّاً ...لاحظ هذا فرض المسئلة القضائية من قبل المدّعي أو من قبل المنكر وأحد البحوث المهمّة المعقّدة في باب القضاء كيفية طرح أو صياغة تصوير القضية من المدّعي أو من المنكر ومؤثّرة جدّا. علی كلّ هذا باب واسع. هذا في باب القضاء.
باب الفتاوی والإستفتاء أيضاً هكذا، من الأمور التي تميّز بها السيد ابوالحسن الإصفهاني رحمة الله عليه هذا هو، فكان في أجوبة الاستفتاءات كيّسة وفطنة يعني في زمانه كان واحد دهره بين الفقهاء من المراجع. هي ليست فقط قضية الإلمام بعلم الفقه وعلم الأصول وعلوم الإجتهاد، لا بل هذا بعد آخر في الأعلمية، الفطنة بحقيقة الإستفتاء والسؤال وقرائة ما وراء السطور من السؤال وقرائة الدواعي الذي انطلق منها السائل ليس لأجل أن نحكم على نواياها بل لأنّ هذه الدواعي هي حقيقة سؤاله وحقيقة ما يريد أن يصل إليه فالحكم الشرعي المطلوب والسؤال عنه هو ذاك.
عموم الناس أيضاً عندهم كياسة وفطنة بل أصل الداعي ماله ايخشخشه سيّما تجار أو غير أو أي واحد أو حتّی المسئلة العادية الواحدة بل حتّى الفضلاء أو الخطباء وكلنّا علينا مسئولية الإرشاد والوعظ وتبيان المسائل. لما يسئل السائل لازم أن تلتفت ولاتتسرع في الجواب.
أتذكر في محضر أستاذنا السيد محمد الروحاني رحمة الله عليه أتی أحد التجار وسئل سؤال معقّد في التجارة ونفس السؤال علّمنا إياه السيد الروحاني. سرعت في الجواب قال اسكت وقال لي التفت أنّ هذا التاجر هل هذا سؤاله عن هذا المطلب أو شئ آخر؟ الآن غير قضية التسريع في الجواب، من باب حتّى رعاية الأدب والإحترام وكنيابة عن السيد ولكن قال لي: أسكت! طبعاً كلامه صحيح لأنّه داعي هذا السائل ما هو؟ قد يجيب لك صورة معيّنة لكن حقيقة ما هو يتشاغل به من موضوع والذي يتساءل عنه غير ويريد يأخذ رخصة من الفقيه وواقع موضوعه بيئة شيء آخر. هذا الشئ جدّاً جدّاً مهمّ سيّما إذا كانت نزاعات فتكون القضية أعقد وأعقد.
رحمة الله علی السيد الكلبايكاني في قضائه وشهاداته كان ينبّه علی هذا المطلب كثيرا سيّما في النزاعات. يقول لأنّهم في موارد النزاعات يريدون حلحلة المسئلة القضائية بالفتوی وليس بالقضاء فيستفتون فيقول: أبدا في النزاعات لازم أن لاينخدع الفقيه في الجواب ويقرأ ما وراء السطور وأصل القضية ويتروّى.
هذه عبارة أخری عن تحرير فرض المسئلة بالتروّي وليس بإسترسال والخداع بل بكياسة وحذاقة وتفحّص. كيف هكذا في الإستفتاءات؟ لا، في نفس بحث الفقه أيضاً هكذا. اليوم أتی بمبحث الفقهي وكتبت ونقّحت قبل 1417 أن 1419 وسبرت في طبقات الأقوال وأعدت البحث. هو شرح العروة الذي طبع. أعدت فيه البحث واختلاف الأقوال. اليوم سبحان الله وأنا أبحث وعدّة مرّات كررناه في بحث النكاح وبحث الحج واليوم هذه المسئلة وحتّى أن المتأخرين لم يتعرض لكثير من أقوالهم المتأخرين. اليوم كنت أحضر وأكتب وهذه المسئلة نفسها تكرر. يعني قلنا من قبل أن المسئلت تتكرر في أبواب عديده. وفي هذا الباب تروّيت أكثر ورأيت أنّ هذا الإختلاف المعروف بين الأقوال هو بالدقّة. معروف أنّه اختلاف لفظي وبالدقة هم متّفقين. كيف وهو مبحث حسّاس في ربما عشرة أبواب يعتمد عليه هذا المبحث واصلاً قاعدة وليست فقط مسئلة. قلت: سبحان الله. ولكن هي تسميات لشيء واحد ولمبدأ واحد. أو قل اختلاف اصطلاحات بين متقدمين و متأخرين وبين المتأخري المتأخرين، حتّی أحد الاعلام الكبار المعاصرين بنی علی مبنی، أناذكرت لتلميذه وقلت له كيف يبنی علی هذا المبنی كذا كذا ووقف.
ولكن أقصد الإلمام بهذه النكات وفرض الفقهي خطير. وإلي الآن المعروف أنّه لا، هذا قول مباين وذلك قول مباين. اليوم وقفت على رأس خيط بحمدالله أنّه في عشرين سنة وكررناها في النكاح والحجّ اليوم وطبعاً تمرّ من شئ تضحك أكثر. اليوم سبحان الله رأيت أنّه بالدقة اختلاف الاصطلاحات والمعنى واحد وإن ادّعوا الأعلام وكذا أنّه تباين، لا لا لا بالدقّه اتشوفه مو تباين. بالشاهد الأول والثاني والثالث والرابع افتضحت الصورة وهذا مهمّ. الفرض الفقهي سهل ليّن وهو أخطر شئ في مسير الإستنباط. أجوبة الاستفتائات مثال آخر وتحرير النزاعات مثال آخر لذلك يقولون أنّ القاضي كل القاضي الذو التضلّع القضائي هو الذي يفطن إلی تحرير النزاع بين المنكر والمدعي. أصلاً أخطر شيء في القضاء هو هذا وكثير من موارد تخطئة أميرالمؤمنين عليه الصلوة والسلام للأول والثاني والثالث إلي الآن في المجموع أنّهم أصل الفرض القضائي لايلتفت إليه فيجعل المنكر مدعي والمدعي منكرا وهذا خطأ. نعم فتحرير المسئلة والنزاع و و و في غاية الخطورة. هذه المرحلة الأولی في الإستنباط وهي مرحلة خطيرة.