الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/11/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب الإجتهاد والتقليد/المبحث الثالث مناهج الإجتهاد/_

المشتركات بين مبنی الإنسداد ومبنی القدماء

الأصل الاولي اننا ملزمون بالتراث كلّه

كنا في المبحث الثالث من مباحث الإجتهاد الأصولي وهو ما يعرف بعدّة تسميات؛ مقدمات الإجتهاد أو علوم الإجتهاد أو مناهج الإجتهاد أو آليات الإجتهاد، تعابير عديدة في كتب الأصول عن هذا المبحث وكلّها تشير إلی جهة سنذكرها إن شاء الله.

ومن معالم الأخيرة في علم الأصول لمناهج الأصول المدرسة الإنسدادية كما مرّ والمدرسة الإنفتاحية في علماء الأصول يعني الأصوليين إنقسموا إلی الإنسداديون والانفتاحييون والمراد من هذا المبحث في علم الأصول أنّ هناك جماعة كثيرة من متأخري الأعصار حتّى من بدءا من صاحب المعالم موجود يعني دليل الإنسداد طبعاً كدليل علی الظنون المعتبرة ومذكور في كتب الأصولية متغانمة حتی في المعالم وغيرها، لكن مذكور كدليل من الأدلة.

يعني أنّ الظنون من قبيل الظهور والشهرة وقول اللغوي وصدور الخبر الواحد وحجية صدوره هذهال مجموعة من الظنون، الكلام هل أقام عليها دليل خاص فيعبّر عن هذا المسلك بأنّه انفتاحي والأصولي الذي يلتزم بهذا المسلك يقال له انفتاحي، يعني يتبنّی علی أن الظنون عليها أدلة خاصة من الكتاب وسنة المعصومين، أمّا الأصولي الذي لايتبنّی وجود دليل خاص علی هذه الظنون فيتبنّی وجود دليل عامّ عقلي نقلي مركّب يعني دليل إنسداد بدقّة من الأدلة العقلية غير المستقلة وليس من أدلة العقلية المستقلّة. هو الإنسداد دليل عقلي غيرمستقلّ يعني فيه مقدمات وحيانية ونقلية وفيه مقدمات عقلية وإن كانت النتيجة هي نتيجة عقلية صحيح، لكنّه بالتالي مركبّبة فهو بلأحری من الأدلة العقلية غير المستقلة وليس من الأدلة العقلية غير المستقلة المعروفة من مبحث الضد ومقدمة الواجب والنهي عن الشيء يقتضي الفساد واجتماع الامر والنهي، هذه مسئلة سادسة مسئلة الإنسداد مسئلة عقلية غير مستقلة في قبال العقل المستقل حسن العدل وقبح الظلم وكلّما حكم به العقل حكم به الشرع. علی أي حال مسائل العقلية غير المستقلة مرّ بنا أنّها كثيرة.

فخلاصة مبنی الإنسدادييون أنّهم قائلون بأنّ حجية مثلاً خبر الواحد وحجية الظنون يجب أن تكون عقلية غير مستقلة يعني مركّبة بالنقلية والعقلية. هذا المبنی الذي يلتزمه الإنسداديون من الوحيد البهبهاني أو قبله أو بعده إلی يومنا هذا، هذه النتيجة بالدقّة هي مبنی القدماء وان اختلفت صياغة الدليل.

الشيخ المفيد والصدوق حتّی الطوسي بمعنى لأنّ الطوسي يمزج بلمبنيين: مبنى المفيد ومبني غيره. والقدماء كالحلبيين وابن زهرة وابن ادريس وابن حمزة وغيرهم من الكبار إلی المحقق الحلّي أيضاً حتّى مبناه نفس مبنى المفيد. مبناهم في الظنون ومنها حجية خبر الواحد صدوراً ودلالة، مبناهم أنّ هذه الحجية ليست نقلية يعني ليست دليل خاصّ بل هي مركّبة من دليل عقلي ونقلي. لكن القدماء مبناهم في حجية خبر الواحد من باب المثال أو حتّی الظهورات أنّها حجية عقلية غيرلمستقلة -غيرمستقلّة يعني بضميمة مقدمات النقلية وليست مقدمات نقلية محضة ولا عقلية محضة بل هي الدليل مركّب، غاية الأمر صياغة هذا الدليل العقلي غير المستقل عند القدما تختلف عن صياغة الدليل العقلي غير المستقل عند الإنسداديين لكن النتيجة واحدة أمّا الصياغة تختلف. الإنسداديون لأجل الإنسداد ومقدمات الإنسداد وهذه متأخرة أمّا القدماء فهم يبنون علی أنّ بدون ضميمة حكم العقل الغير المستقل أو القرينة العقلية بدراسة المضمون لايمكننا التأويل علی الصدور أو علی الظهور بمفرده أو علی أيّ ظنّ بمفرده بل لابدّ من تحكيم قرائة العقل بمطابقة مضمون الظنّ لثوابت الدين والمذهب وأصول الدين والمذهب. فهذه نكتة عقلية أخری عند القدما هي حجية عقلية غير المستقلة لكنّها تختلف عن الإنسداد.

لكن هذا كطابع عن مدارس الإجتهاد عن علماء الإمامية حبّينا نذكرها إلّا أنّ هناك مشتركات كثيرة بين مبنی القدماء ومبنی الإنسداد مثلاً القدماء الصدور ليس عندهم كلّ شيء بل هو أحد الأجزاء الحجية وليس حتّى جزءا عمودي. من أعمدة الحجية المضمون والكتاب الموجود فيه الرواية وهو عندهم أهم من نفس سند الرواية ومنهم حتّى النجاشي وحتّي الشيخ في الفهرست وهلم جرى. المقصود هناك تقارب رجالي بين القدماء وبين مبنی الإنسداد تقارب كثير في جهات عديدة وهذا إجمالاً.

إذاً عند متأخري الأعصار هناك مدرسة انفتاحية وهي التي تتبنّی أنّ الظنون المعتبرة كحجية خبر الواحد صدوراً أو ظهور الألفاظ أو الشهرة أو اجماع المنقول أو قول اللغوي أو غيرها من الظنون هذه قام عليها الدليل خاص فمن يتبنّى هذا المبنى يقال له أنّه انفتاحي.

مبحث الإنسداد فيه فوائد علمية صناعية عظيمة أعظم من نفس الإنسداد وجدّاً مهمّة. من فوائد بحث الإنسداد بغضّ النظر عن أنّ الإنسان يصير إنسدادي أو انفتاحي حتّی خوض الإنفتاحي في مباحث الإنسداد ضرورة لما؟ لأنّ هناك مقدمات وبحوث مطويّة في الإنسداد أهمّ من نفس الإنسداد، منها ماذا؟ منها هذه النكتة العجيبة العظيمة التي اتفق عليها الإنفتاحي و الإنسدادي وللأسف أنّ مبحث الإنسداد سواء في السطوح أو السطوح العاليه أوالخارج ربما يعرض عنه والحال أنّه من أثمن المباحث في علم الأصول حتّی لو كان الباحث هو انفتاحي وليس انسدادي.

مباحث الإنسداد جدّا جدّاً مهمّة. لسنا في صدد تقييم مدرسة الإنسداد بقدر ما نحن في صدد تقييم السجال العلمي الذي أقيم في مبحث الإنسداد. السجال العلمي فصول مبحث الإنسداد لايجدها الباحث في أبواب علم الأصول وغيره، هناك مباحث حتّى لا هي كلامية محضة ولا هي أصولية محضة ونقّحها الأصوليون أكثر من علماء الكلام في نهاية الإنسداد وتنبيهات الإنسداد، يعني منظومة العقائد كيف يمكن قالب الإستدلال والميزان والدليل فيها وغيرها، هذا المبحث لم يتوسّع فيها الأصوليون في غير باب الإنسداد ومثل ما في الرسائل ممّا يتعرّض فيه مناهج علم الكلام ومناهج علم الأصول كيف تمتزج هذه وكيف المسلك والمنهج في علم العقائد والمعارك ورطة بالتراث الروائي، مبحث حساس، حتّی الآخوند خاض فيه بدقّة في الكفاية والكمباني كذلك والناييني والآغاضياء العراقي والسيد الخويي وغيرهم من الأعلام الكبار.

هذا المبحث بهذا التوسّع أنّه ما هو نظام الإستدلال في علم الكلام وعلم المعارف مما يرتبط بتراث الحديث أو بظواهر الآيات يعني كيف التوليف بين اليقين وبين الظنّ في مباحث علم الكلام. أصلاً هذا مجرد اطلال علی المناهج. في هذا المبحث وهو مبحث الإنسداد توسّع الأصوليون بشكل رائع وبديع وموزون ومهمّ. حتی علماء الكلام هذا التوسّع بهذه المداقّة لاتجدها عندهم. موجودة لكن لا بهذا التوسّع. لذلك هذا مبحث مهمّ.

الكمباني وما أدراك من الكمباني وابن بجدتها من جانب الفلسفي والعقلي وخاض في هذا المبحث بتوسّع جيّد. وأيضاً آغا ضياء العراقي المعروف عنده التضلّع في علم الكلام وقبل أن يدرّس الخارج كان المدرس البارع الأوّل في كتاب شرح التجريد في حوزة النجف الأشرف في قبال الإصفهاني الذي كان مدرّس الفلسفة، طبعاً بعد ذلك فقه والأصول ولكن العلمين القبله تصديين التدريس بدراسة الخارج كانا هكذا. العراقي متميّز بعلم الكلام جدّاً ويعتبر الأوّل والاصفهاني يعتبر بمدرس الأوّل في الفلسفة والناييني كان متميز وربما يعدّ المدرس الأوّل في المنطق، حسب ما سمعنا من تلاميذهم واستطعنا أن ندرك جيلا من تلاميذهم.

فالذي أثاره الأصوليون في الإنسداد وتنبيهات الإنسداد عن منظومة العقائد لاتجدها مرتّبة في مكان لا في أبواب الفقه ولا في التفسير ولا في علم الكلام بهذا التوسّع والرتابة، توسّع في ذلك الأصولييون. لاحظ مباحث الإنسداد المباحث المطوية فيه أهمّ من نفس الإنسداد.

نكتة لطيفة أخری في مباحث الإنسداد والكثير غافل عنه وهذه النكتة موجودة حتّی في مبحث تنجيز العلم الإجمالي لكن تركيز الأكثر في الإنسداد وهي أنّ الأصل الأولي العقلي الإجمالي والنقلي الإجمالي هو أننا ملزمون بكلّ تراث الحديث لاأنّه الأصل كما يقول الإنفتاحي. الإنفتاحي أيضاً يقبل هذه المقدمة وهي أنّ الأصل الأولي يقتضي ويلزمنا بالعمل بكلّ التراث إلّا ما خرج، لا العكس.

هذه مقدمة بغضّ النظر عن أن دليل الإنسداد يتمّ أو لايتمّ، بغضّ النظر عن أن دليل الإنفتاح يتمّ أو لايتمّ. هذه المقدمة سابقة لدليل الإنفتاحي وسابقة لدليل الإنسدادي، وهذا الدليل بحثها الأصوليون في تنبيهات الإنسداد، أنّ الأصل الأولي والفوق الفوق الذي ليس فوقه فوق وليس يسبقه سابق سابقون الأوّلون أننا ملزمون بكلّ تراث الحديث إلّا ما خرج بالدليل لا العكس أنّ الأصل الأولي عدم حجية التراث.

الأصل عقلي نقلي مركّب وليس نقلي محض ولا عقلي محض وهذه نكتة ثمينة أنّ الأصل الأوّل حتّى برائة لاتجي البرائة – لاالعقلية ولا النقلية ولا ولا ولا – الأصل الأوّلي الفوقي القاعدة الأولية التي مافوقها فوق وهي متفقة عليها بين الإنسدادي والإنفتاحي، أنّنا ملزمون بكلّ التراث. رفع اليد عن التراث يحتاج إلی المسوّغ.

مبحث الإنسداد صراحتاً لا نتيجة الإنسداد السجّال العلمي الذي أثاره الأصوليون في فصول الإنسداد سواء إنفتاحي أو إنسدادي هذه الإثارات العلمية عبارة عن إجتهاد متطوّر في علم الأصول جدّاً يعني نوع من ابتكار نظام لأنظمة علم الأصول. ليس قولنا في الإنسداد في قبال الإنفتاح بل الأمور التي أثارها كلا المدرستين الإنفتاح والإنسداد في طيات مباحث الإنسداد ابتكارات نفيسة جدّاً يعني نوع من اكتشاف أنظمة وعلاقات استدلالية بين أبواب الأصول أثيرت في مبحث الإنسداد. هذه النقطة متفق عليها بين الإنسدادي والانفتاحي أنّ الأصل الأولي أننا ملزمون بكلّ التراث.

إذاً ما هو دور الأدلة الخاصة؟ الأدلة الخاصة من قبيل قيام الدليل والبيّنة المفرّغة المرخّصة في أطراف العلم الإجمالي. كيف العلم الإجمالي؟ لأنّ العلم الإجمالي منجّس بيّنة تقول مثلاً هذا الطرف طاهر. دور الدليل الخاصّ أنّه يوجب انحلال العلم الإجمالي. لاحظ كيف؟ الأدلة الخاصّة التي يأتي بها الانفتاحي دورها أنّها دليل يوجب انحلال ذاك العلم الإجمالي لا أنّ التراث منجّزيته بالأدلة الخاصّة وبأدلة حجية خبر الواحد عن الخبر الصحيح. هذه الادلة ليست هي الأصل في حجية خبر الصحيح بل هذه الأدلة مطابقة للعلم الإجمالي أو القاعدة الأولية المنجّزة لكلّ التراث إلّا أنّ هذه الأدلة تقول هذا العلم الإجمالي منجّز أنا أضيّقه في الخبر الصحيح والحسن والقوي فقط والبقية خارجة عن منجّزية العلم الإجمالي.

يعني الأدلة الخاصّة الدالّة علی حجية خبر الواحد ليست هي أدلة أساساً من رأس ابتداءاً دليل لحجية خبر الواحد، لا بل خبر الواحد عنده دليل الحجية العامّ والشامل لكلّ أقسام خبر الواحد إلّا أنّ هذه الأدلة الخاصّة توجب انحلال العلم الإجمالي. لاحظ هذه نظرة عميقة لحقيقة الأدلة الخاصّة على حجية خبر واحد أو الظنون الخاصّة. مثل أنّ عندك علم إجمالي بأنّ الصلاة هي أربع جهات خمس جهات إلي القبلة وتجيك بيّنة تقول لك أن القبلة بهذا الإتجاه الخاص. هل هنا البينة هي أوجبت لك التنجيز؟ لا! الإجمالي الذي عندك قبله والبّينة توجب انحلال العلم الإجمالي. بناءاً على هذا المبحث في الإنسداد أصل التراث منجّزيته ليس بأدلّة حجّية خبر واحد، أدلة حجية خبر الواحد توجب لك تقول لك لاتعمل بالعلم الإجمالي الكبير أنّ كلّ التراث الحديث في رقبتك منجّز بل أن تعمل بالخبر الصحيح الحسن القويّ. هذا لمن يعتمد الأدلة الخاصّة في حجية الظنون وإلّا فالظنون الناشئة من التراث دلالة وصدوراً الأصل الأولي أنّها منجّزة بالذي ذكروه في مبحث الإنسداد واتّفق عليه سواء الإنسدادي والإنفتاحي. الإنسدادي يقول لا، الأدلة الخاصّة ماتمّت عندي فيبقى دائرة الظنون المنجّزة كلّ أقسام الحديث ليس فقط الخبر الصحيح والحسن حتّی المرسل حتّی المرفوع. نعم بينها مراتب، ظنون أقوی وقوي وراعي أنا درجات القوة عند التعارض عند الدلالة، لأنّها دلالة القوية يقدّم علی الدلالة الضعيفة حتّی في الدلالة حتّى في موارد غير التعارض. هذا نظام في الجمع بين الأدلّة، نعم هو راعي هذه الأمور لأنهو أصولي صناعي الإنسدادي لكن لا أنّ الحجية مقتصرة علی الخبر الصحيح أوالحسن أوالقوي، لا.

والقدماء أيضاً هكذا. الشيخ المفيد والمرتضی حتّی الطوسي وابن حمزة وابن زهرة وابن ادريس والحلبيون عندهم كلّ الاخبار يعمل بها بنظام طبعاً أمّا يختصر على خصوص الخبر الصحيح لا، لأن مرّ بنا أنّ الإنسدادييون مع القدماء عندهم تماثل تشاكل في النتائج. المقصود الآن أن النموذجين الذكرتمهما عن مباحث الإنسداد. الإنسداد نموذج من ابتكارات المناهج وعلم الأصول وبحقّ هي دراسته مهمّة. لاأقصد نظرية الإنسداد. أعيد وأكرر ليس كلامي في نظرية الإنسداد في قبال الإنفتاح وأنا شخصياً لا أكون إنسداديا أبداً لأنّ الإنسداد له عدّة مناشئ وكلّ المناشئ ليست تامّة لديّ لكن الكلام ليس في نتيجة الإنسداد بل الكلام في السجالات العلمية التي أثارها الأصوليون في مبحث الإنسداد بصائر صناعية لاتجدها في مكان غيره. هذا المبحث الثالث مقدمات الإجتهاد من عناوينه بصائر الإجتهاد.

طبعا ًحديث عن الإنسداد طويل ولا أريد أن أخوض فيه كثيرا. لكن إجمالاً هذه إطلالة.

ان شاء الله نواصل الكلام حول أيّ العلوم الضرورية في الإجتهاد ومشهور الأصوليين كانوا يقولون يعدون سبعة علوم ومتأخري الأعصار قالوا علمين فقط والبقية ليست لازمة. لاأنّهم يقولون ليست لازمة في الإستدلال بل يريدون أن يقولون ليس لازم أن يكون الفقيه والمجتهد مجتهد فيها، بينما القدما أو مشهور الأصوليين كانوا يقولون يجب أن يكون عندة قدرة إجتهادية في سبعة علوم مثلاً. بينما متأخّري الأعصار كالناييني والسيد الخويي وغيرهما يعدّون علمين الفقه وأصول هذا إذا كان في فقه الفروع. أصول الفقه والفقه إذا كان في علم الفقه وعلم الكلام وعلم الأصول إذا كان في علم الكلام. أي نظريتين صحيحة سنتناوله في الجلسة القادمة .