41/11/23
الموضوع: باب الإجتهاد والتقليد/مناهج الإجتهاد/_
القولان في لزوم الإجتهاد في مقدمات الإجتهاد
كان محطّ الكلام الذي وصلنا إليه هو ما عنونه الأعلام في مبحث الإجتهاد والتقليد الأصولي في كتاب الكفاية وغيرها، مبحث مقدّمات الإجتهاد ومرّ أنّ هذا المبحث يعنون ويسمّى بعناوين عديدة من العناوين التي لم نذكرها أمس نذكرها اليوم.
من العناوين هذا المبحث هو ما عنونه الأعلام بعنوان لطيف وهو «هل اللازم أن يكون المجتهد في كون المجتهد مجتهداً في علم الأصول وعلم الفقه وعلوم أخری وإلّا لايكون مجتهدا؟ يعني لابدّ أن يكون مجتهدا في علم الرجال وعلم الحديث؟ وسيأتي موقع ضرورة علم الحديث. هل يجب أن يكون مجتهداً إجمالاً في العلوم اللغوية الأدبية العربية؟ الآن لا كلّ العلوم اللغوية ولا كلّ علم النحو ولا كلّ علم الصرف ولا كل علم البلاغة، بل المفاصل المهمّة فيها، هل لازم أن يلمّ بها إجتهاداً ولو إجمالا؟ علي كلّ هذه جملة من الإثارات، هل لازم أن يكون مجتهداً في مثل علم التفسير وعلم غاية الأحكام وأصول التشريع؟ أم يكفي أن يكون لديه القدرة في الوقوف علی آراء خبراء علماء اللغة، الوقوف على الأخبر منهم فالأخبر؟
نفس الوصول إلی أهل الخبرة ليس شيئ سهل يعني ليس الكل يقدر علی الوصول إلی أهل الخبرة في أيّ فن أو أيّ علم. نفس الوصول إلی أهل الخبرة يحتاج إلی قدرة ومهارة ومراس. فليس من الضروري أن يكون مجتهداً في علم الرجال في قول الثاني بل لديه القدرة علی معرفة مدارس علم الرجال يعني الترجيح بينها والوصول إلی آرائهم أو علم الحديث مثلاً وهلم جرى. يستعين بعلم الخبرة سيما العلوم اللغوية وعلم الرجال وعلم التفسير وعلم الحديث، هذه العلوم قريبة التأثير جدّاً في الإستنباط.
فالقول الثاني يقول يلزم الإجتهاد في أصل علم الأصول وعلم الفقه، هنا لابدّ أن يكون مجتهداً.هذان العلمان لابدّ منهما في الإجتهاد طبعاً في فقه الفروع أمّا في فقه الكلام لابدّ أن يكون أيضاً مجتهد في علم الأصول وعلم الكلام مثلاً. إذا أراد يصير مجتهد في علم التفسير لابدّ أن يكون مجتهدا في علم الأصول وعلم التفسير. إذا أراد أن يصير مجتهداً في علم الرجال وليس مقلّد لابدّ أن يكون مجتهداً في علم الرجال وعلم الأصول.
لاحظ علم الأصول يغتنم بكلّ علمنا ، لماذا؟ لأنّ علم الأصول هو الذي يضبط الموازين والأدلة، فلابدّ أن يكون في علم الأصول مجتهد لكي يكون مجتهد في أي علم من العلوم الدينية. هذا هو القول الثاني. هذا القول الثاني يريد أن يقول أنه لايكفي الإجتهاد في علم معين من العلوم الدينية بل لابد أن يضمّ إليه الإجتهاد في علم الأصول، لماذا؟ لأنّ علم الأصول ميزان لكلّ العلوم الدينية وليس لخصوص فقه الفروع. عملية الإستنباط في علم الكلام، علم الرجال، علم السيرة، علم التفسير، علم الاخلاق، علم الرياضة الروحية الشرعية، أيّ علم من العلوم الدينية يريد الباحث الممارس أن يكون مجتهداً فيه يجب أن يضمّ إليه الإجتهاد في علم الأصول، لما؟ لأنّ علم الأصول منطق للعلوم الدينية، كأنّما ممنهج وموزّن وميزان للمعرفة الدينية في أي علم من العلوم الدينية. طبعاً هذا القول الثاني ربما أكثر المتأخري العصر مالوا إليه أنّه لازم... طبعاً لما يقولون لازم يعني الحدّ الأدنی لا الحدّ الأعلی. هؤلاء أصحاب القول الثاني ليس مرادهم السقف الأعلى ها! في سقف أدني وفي سقف أعلي. هاي قضية سقف أدنى وسقف أعلي لازم تصير واضحة لأنّها نقطة معترضه. باللاتيني يقولون مينيمام يعني أدنی شيء وأعلی شيء ماكسيمام. ما هو المراد من السقف الأعلى والسقف الأدنى؟ هذه نظرية مابحثها الأصوليون يعني هذه الماهية مثلاً تصدق أدنی درجاتها وأنزل درجاتها بالسقف الأدنی لكن أعلی درجاتها تصدق بلحدّ الأعلی أو درجات متوسطة لها. هي ماهية واحدة ولهذه الماهية الواحدة مراتب، نظير ما ذكره الأصوليون في الصحيح والأعمّ. الصحيح له مراتب في الماهيات الشرعية والحقائق الشرعية كيف لها مراتب؟ يعني مثل الصلوة، من صلوة الغريق خذها شيء إلی صلاة المستلقي ثمّ المطّجئ ثمّ الجالس ثمّ القائم ثمّ المسافر ثمّ الحاضر، لاحظ فذات مراتب. طبعاً هنا السقف الأدنی في مثال الصلوة التي ذكرها الأصولييون يحتاج إلی مرخّص، لكن هذا المثال أيضاً نفس الصلوة هي بلحاظ الأجزاء المستحبة فيها أيضاً لها مراتب، السقف أدنی وسقف أعلی.
عندنا في الصلوة نجيء تعطي بالصلاة بلا أجزاء مستحبّة أستغفر الله، كأنّها صلاة قراء وهي أدنى الصلاة. أدني ليس تعني الأكمل بل تعني قراء، صلاء وهي أقل ما يجزئ، أمّا السقف الأعلی غيرها. فإذن عندنا سقف أدنی وعندنا سقف أعلی. الحدّ الأدنی يعني بشرط أن لاتنقص عن هذا المقدار، هذا المقدار بعد أقل شئ وليس يعني هذا أكمل بل يعني أنّه مجزئ لا أنّه أكمل، كما قال الله عزوجل: «أتستبدلون الذي هو أدنی بالذي هو خير» الأكمل خير.
إذاً هذه الماهية الواحدة سواء حقيقة شرعية أو حقيقة عرفية أو حقيقة تكوينية لما يقال لها سقف أدنی وسقف أعلی يجب أن نلتفت.
مثلاً في باب تشهد الصلوة في الوسائل عدّة روايات وردت: أنّ أدنی التشهد الشهادتين، لا أكمل ولا بشرط لا ولا بمعنی حدّ لايتغير، بل كلمة أدنی، التشهد في الصلوة وليست المراتب الأخرى ممنوعة بل المراتب الأخرى أكمل، مثل الشهادة الثالثة والشهادة بالجنّة والنار والمعاد.
ماذا لسان الروايات الواردة في تشهد الصلوة؟ إنّها لم تفصح عن بقية مراتب تشهد. كما يقول السيد محسن الحكيم عنده مبنى في بحث المركّبات: هي حوالة علی ما بيّنه الشارع من ماهية هذا التشهد في أبواب أخری فقهية وله مراتب، حقيقة شرعية واحدة في باب الصلوة وباب الأذان وباب الإقامة. وحدة الحقيقة الشرعية وتعدّد مراتبها.
نصّ اللفظ الوارد في عدة روايات واردة في أبواب تشهد الصلوة في الوسائل بطرق متعدّدة؛ أدنی التشهد لا أعلاه. هذه دلالة صريحة علی أنّ الشهادتين ليس أعلی التشهد بلعكس أدني وليس أعلى ليس أعلى ليس أعلى. عدّة نصوص واردة في باب التشهد الصلاة في الوسائل. بعضها يقول يجزيك يعني نفس أدنی ولا يعني أنّه يكملك ولايعنيك. هذا لسان ثاني. ما قال يعدّك أو حدّك بل قال يجزيك.
هو الأصل كما يقول السيد محسن الحكيم، حتّی الناييني أو كلّ الأعلام عندهم هذه المبنى: أنّ في الحقائق الشرعية والعناوين والإصطلاحات عند الشارع عندما ما يجيب في النوافل يجي يقول لك شنهو الركوع؟ لا، حوالة علی ماهية الركوع المعروفة في الصلوة أو في باب النوافل للصلوة يجي يقول لك شنهو السجود؟ لا، حوالة علی ما بيّنها، لما؟ لأن نفس السجود حقيقة شرعية مأخوذة في موارد عديدة وهي ماهية واحدة، سجدة السهو وسجدة الشكر والسجدة داخل الصلوة وهلم جرى. لو كانت حقائق شرعية بلعكس هو الشرع يبيّن.
لذلك كثير من الرواة يسئلون الإمام عليه السلام في نفس أبواب التشهد للصلوة: هل هذا التشهد فيه توقيت معيّن غير نفس الماهية الواحدة؟ يقولون: لا لا ولو كان لهلك الناس. هذا لسان ثالث بنصوص خاصّة واردة في أبواب تشهد الصلاة.
لاحظ هذا البحث الحدّ الأعلی والحدّ الأدنی اشگد يختم في البحث في أبواب فقهية كثيرة. إصطلاح صناعية أصولية ولكن موثّرة جدّاً في أبواب عديدة. ثلاث ألسن بنصوص خاصّة عديدة واردة في باب تشهد الصلوة. إنّ بالشهادتين ليس حدّ محدود، هذا أدنى وليس حدّ الأعلی. الحد الأعلی خذها من أبواب أخرى ذكرناها لكم في أبواب الدعا والزيارة وأبواب تلقين الميت وتلقين المحتضر وابواب الوصية وأبواب الخطبة لصلوة الجمعة ورد فيها التشهد بإسم الأئمة الميامين، أبواب كثيرة ورد فيها حقيقة التشهد، مآت وألوف الروايات. هذا لسان الثالث في روايات في باب تشهد الصلاة.
فهنا يسأل الراوي عن الإمام عليه السلام: أ في تشهد الصلوة شيء موقّت قال: لو كان موقّتا لهلك الناس. يعني نفس الحدث ما له توقيت خاصّ التشهد كحقيقة شرعية في باب الصلوة. التوقيت يعني حقيقة شرعية، وقّت رسول الله مواقيت يعني جعل حقيقة شرعية للإحرام مثلاً في باب الحجّ. التوقيت يعني حقيقة شرعية ويساوي التوقيف. هذا لسان ثالث. يقول لا، ليس فيها توقيت وحقيقة شرعية مغايرة للحقيقة الشرعية العامّة للتشهد في الأبواب. هي حقيقة واحدة لها مراتب دنيا ومراتب عليا. هاي الشهادتين مرتبة الإقتصار علی الشهادتين مرتبة دنيا والمرتبة العليا أن نجيء بالشهادة الثالثة.
لكم أيها المتشرّعة في أبواب عديدة من الشارع فلفظ أدنی متكرر في الروايات الخاصّة في أبواب تشهد الصلوة ولفظ يجزيك هو نفس أدنى. لفظ ليس شيء موقت يعني ليس لها حقيقة شرعية كثلاث ألسن مجموعها مستفيض في روايات تشهد الصلاة ولاينازع هذا الشيء.
هذا تحليل صناعي كي نستثمر هذه الثمرة العظيمة أنّ المجموع الشهادات الثلاث أعلى نماذج التشهد وليس أدنى. علي أيّة حال هذه فائدة معترضة في قضية السقف الأدنى والسقف الأعلى. هذا بحث صناعي يا أخوة وميزان صناعي. والموازين الصناعية ضروري للباحث يدقق فيها.هي ليست قصّة موادّ فقء بل قصّة كيفية تحليل المواد وأصلاً الإجتهاد هو هذا. تحليل صناعي للمواد وليست عبارة عن ركام للمواد بلا تحليلة. وهو أيضاً معنی التفهّم والتفقّه.
نرجع. فالأعلام في باب المبحث الثالث في الإجتهاد الأصولي قالوا أنّ ليس من اللازم أن يكون المجتهد مجتهدا في كل علوم الدينية أو غير الدينية المرتبطة بالإستنباط والإجتهاد بل يكفيه السقف الادنی. يكفيه يعني ماذا؟ يجزيه. يجزيه يعني سقف أدنى ولايمنع السقف الأعلى. عجيب إذا صار مجتهد في علم اللغة وعلم الرجال وعلم الفقه وعلم الأصول، هذا يضرّ بالإجتهاد؟ بالعكس يقوي إجتهاده. لا أحد يقول مو سقف أعلى. لما يقول له يجزيك ويكفيك ليس معناه بشرط لا ولا أحد ينفي شيئ آخر. نفس هذا اللسان ورد في باب روايات الخاصّة في التشهد للصلوة. «يجزيك الشهادتين» يجزيك ليس يحدّك. لاحظ هذه صناعة أصولية يا أخي. يقولون أصحاب هذا القول يجزيه الإجتهاد أن يكون مجتهداً في علم الأصول وعلم الفقه وليس معناه يضرّه إذا ضمّ الإجتهاد آخر. مايضرّه طبعاً لأنّ هذا هو سقف الأدنی. أدنى ليس معناه ليس سقف أعلى.بلاشكّ إذا كان مجتهد في علم الرجال ومجتهد في علوم اللغوية الأساسية المهمّة ولو المفاصل مجتهد في علم الحديث ماينخدع بنقل متن الحديث بل ينقّب. أمس ذلك الشاعر نقّبنا عن حديث حساس في قاعدة فقهية. سبحان الله! هذا الحديث وجدناها في أربعة مصادر أصلية قديمة يعني مستفيضة، بينما كثير من البحث الموجود غافل عن مقدار مصادر هذا الحديث المؤثّر هذه القاعدة الفقهية.
المقصود أياً ما كان نرجع أنّ علم الحديث من أحد العلوم المسيسة بالإستنباط. الآن إذا نحن ليس لدينا سعة وطول نفس، نقول هذه الرواية ضعيفة. ياأخي راجعت المصادر؟ لا! إذا يكون مجتهد في علم الحديث يلتفت كيف من مصدر إلي مصدر ولا ينقر بلمصادر المتآخرة بل يذهب للمصادر القديمة الأصلية. عنده الفراسة وعنده التضلع والتفرس والتبحر.
كم من حديث كذا لاسمح الله لقلّة التتبع واقلّة الفطنة بكيفية الممارسة واستخراج الحديث يضعّف. في بداية البحث ما كنّا نأمن نحصّل مصدر واحد قويّ...اشوي اشوي الحمدالله لقينا مصدر بعد نص ساعة....نعم طبعاً هذه المصادر تحتاج إلی التتبع، بحوش إصعد إنزل. ماشاء الله الآن الموسوعات إلكترونية تخدم يعني تفيد في التتبع في المصادر لأن هذه أدلة ومداركها. بعض أحيان يسجّل هدف في الوقت الضائع وفي هذا الوقت طلع مصدر مصدرين مهمّين يعني لاتيأس. هذه المصادر ينرادلها تتبع. الأزمة الموجوده في المنهج العلمي الآن، ماكو طول نفس في التتبع في المصادر بل ضعيف. هل أنت راجعت المصادر؟ كم مصدر راجعت؟ تعريف كيف تتنقّل من مصدر إلي مصدر قديم؟ لاتنقر المصادر. أكرم بها وأنعم كتاب الوسائل و كتاب البحار أكرم به وأنعم ولكن هذا لايمكن أن تكفي بها بل لازم أن ترجع المصادر القديمة من كتب الصدوق وكتب الطوسي وكتب المفيد وكتب الراوندي وكتب الطبري وهلم جرى.
أتذكّر الزيارة الناحية المقدسة في خلال قبل سنين من شهر محرّم الحرام وجدت لها سبعة مصادر، خلافاً لتوهم حتّی صاحب البحار أنّ مصدرها كذا. طبعاً جلسات لا بالجلسة الواحدة. عندك طول نفس؟ الآن لا أريد أن ادخل في علم الحديث وإن كان علم الحديث خطير في نتائج الإستنباط.
أصحاب هذا القول يقولون ليس لازم أن يكون مجتهدا في علم الحديث بل يمكن أن يعتمد علی المتبحّرين في هذا العلم. علم الحديث التبحّر فيه والتضلّع فيه والممارسة فيه عظيم. غفلات عند حتّى الأعلام كثيرة في الرجوع إلی المصادر. طبعاً إصولي يجب أن تكون وفقهي يجب أن تكون ولكن يجب أن تكون متبحّر أيضاً.
الجد الأمّي لصاحب الجواهر ملا ابوالحسن الشريف الفتوني ويقال هو أيضاً أبو زوجة الشيخ جعفر كاشف الغطاء كان فقيه متبحّر ومحدّث متبحّر ومفسّر متبحّر أيضاً.
أصحاب هذا القول في المبحث الثالث يقولون: اللازم في الإجتهاد أن يكون مجتهد في علم الأصول والعلم الآخر الذي يريد أن يصير مجتهدا فيه، كفقه الفروع أو الكلام أو التفسير، أمّا في فقه الفروع يكفيه الإجتهاد في علم الأصول وعلم الفقه. يكفيه يعني يجزيه الحدّ الأدنی وليس معناه المنع عن ضمّ الإجتهاد في العلوم الدينية الأخرى بالعكس إذا ضمّ الإجتهاد في العلوم الأخرى نور علی نور بل سيأتي في بحث الأعلمية يكون أعلى نوراً. فإذن أصحاب هذا القول يقولون مقدمات الإجتهاد هذا تعبير آخر وتسمية أخری لهذا المبحث يعني أيّ العلوم التي يجب أن يكون مجتهد فيها. أمس ذكرنا تعابير وأسماء أخری لهذا المبحث. لاحظ مبحث واحد يطرح عند الأعلام بصياغات مختلفة وفيه نكات صناعية ويجب أن لايغفل الإنسان عنها.
يجزيه ويكفيه ليس يعني يمنع. نفس لفظة يجزيه ويكفيه في كل مورد هكذا. حتّى في الشهادة الثالثة في الصلاة يجزيك الشهادتين وليس يعني يحدّك ويحبسك.
على كلّ فهذا إذن عنوان آخر لهذا المبحث. هذه الإثارات لذيذة وممتعة إن شاء الله نواصلها أكثر وأكثر في هذا المبحث الثالث وهو مقدمات علم الإجتهاد.