الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/11/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المبحث الثالث مناهج الاجتهاد/باب الاجتهاد والتقليد،

تعدد العناوين لمسئلة واحدةمعرفة المدارس في العلوم الدينية

المبحث الثالث في الاجتهاد الذي ذكره الأعلام في علم الأصول هو البحث عن مقدمات الاجتهاد، يعني العلوم التي يتوقف عليها الاجتهاد، يعني المقدمات المأخوذة من علوم أخری، أيّ علم تأخذ منه المقدمات فيتمّ بتوسطه الاستنباط والاستنتاج والاجتهاد بالمعنی الإمامي لا بمعنی مدرسة الرأي. ما هي هذه المقدمات؟ أو ما هي هذه العلوم التي تأخذ منها المقدمات في الاستدلال؟ هذا عنوان البحث. هذا العنوان في الحقيقة يمكن أن يعبر عنه بعناوين وتسميات عديدة تشرح حقيقة هذا المبحث الثالث في الاجتهاد بلغة أصولية لا بلغة فقهية. البحث في الاجتهاد والتقليد الان بلغة أصولية بما هو في علم أصول الفقه وحيثيات أصولية وليس في حيثيات فقهية.

ما هي العناوين الأخرى لهذا البحث؟ لأنه إذا يتعدد العناوين يشتد التفات الباحث وهذه نكتة منهجية مهمة، أن الالتفات الی تعدد أسماء البحث يعطي الباحث فراسة وفطنة ونباهة عن حقيقة البحث وهذه نكتة مهمة جدّا في أيّ علم من العلوم وأي مسئلة من مسائل العلوم. إذا يلتفت الباحث لتعدد أسماء المسئلة أو القاعدة يعطي فراسة ونباهة وفطنة للباحث عن حقيقة البحث، لأن هذه الأسماء المختلفة والعناوين المختلفة تنبّه الانسان الی حقيقة البحث وهذه نكتة منهجية تجب مراعاتها في كل علم وكل مسئلة من مسائل العلوم وأكثر الباحثين نباهة وغوراً هو الذي يلتفت الی أقصی عدد من تسميات المسئلة وعناوين المسئلة مع أنها مسئة واحدة.

هذه تدل علی أنّا لسنا أسير اللفظ والتسمية أو التسميات بل أسير ما هو متمركز في المعنی، معنی حقيقة المسئلة أو القاعدة . هذه نكتة منهجية جدا مهمة ونحن لسنا في بسطها أكثر لكنها حقيقة جدا مهمة ومؤشرة علی نباهة وعمق وغور الباحث، سواء في مسئلة أصولية أو مسئلة كلامية أو تفسيرية أو رجالية أو فلسفية أو معرفية.

فالالتفات الی أن المسئلة ذات معني وماهية واحدة ذات أسماء وذات عناوين متعددة لكن هي هي نفسه، هذا الالتفات بلاشك يعطي نباهة غالية. هذه نكتة منهجية نبه عليه الأعلام والكبار. فإذا نلتفت الی العناوين العديدة والتسميات العديدة نلتفت الی حقيقة المبحث وتعطي الانسان سعة أفق علمية في البحث وزوايا البحث. هذا أمر حيوي في بحث العلم وجدا مسيري أن الانسان يلتفت الی تعدد عناوين هذا المبحث والمسئلة الواحدة، مسئلة بحثها المتكلمون بعنوان ونفس ذاك المبحث بحثها الفلاسفة بعنوان آخر ونفسها بحثها المفسرون بعنوان اخر وهكذا العرفا والمحدثون لكن هي هي. هذه فائدة منهجية كل ما نتكلم عنها قليل. لاحظ في العلوم المتعددة تشترك في نفس المسئلة بعناوين مختلفة وأسماء مختلفة وإذا مزجت العلوم العصرية سعة البحث تصير أكثر سعة وأفقا.

نرجع الی ما كنا فيه؛ المبحث الثالث في الاجتهاد عبروا عنه بمقدمات الاجتهاد والتعبير الثاني العلوم التي يتوقف عليه الاجتهاد. الاجتهاد والتقليد كما يبحث في الأصول من زاوية أصولية كذلك يبحث في الفقه من زاوية فقهية، بالتالي تقارن هذه المباحث من العلمين جيد واحد لو يقارن بينهما.

قديما في الفقه ما كانوا يبحثون عن الاجتهاد والتقليد كباب مستقل في أول الدورة الفقهية بل كانوا يبحثون عنه في نهايات كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذه المصادر لازم أن نلتفت اليها. لكن الان في القرنين أو القرن الأخير جعل في أول أبواب الفقه.

أيا ما كان هذا المبحث الثالث في الاجتهاد يعبر عنه بمقدمات الاجتهاد وأيضا يعبر عنه بالعلوم التي يتوقف عليها الاجتهاد وأيضا يعبر عنه بمناهج الاجتهاد في الكتب المطولة الأصولية. مدارس الاجتهاد غير مدرسة الرأي ومدرسة النص التين مرتا بنا في أول مبحث الاجتهاد والتقليد. بل داخل مدرسة النص فيها مدارس اجتهادية.

البعض يعبر عنه بكيفيات الاجتهاد وبعضهم عبروا عنه مراحل الاجتهاد. الكركي صاحب جمع المقاصد رحمه الله عنده كتاب صغير يذكر مراحل الاجتهاد. اسم الرسالة راح علی بالي . كتاب صغير ربما أوراق قليلة وقديما اشتغلنا به ورسالة وجيزة لكن مركّزة جدا فيه مراحل الاجتهاد يعني نفس المبحث.

طبعا قبل هذه الرسالة وجدت أنها بلور كتاب أحد المحققين من علماء البحرين من تلاميذ فخر المحققين. فخر المحققين عنده تلاميذ أحدهم ابن المطوج البحراني وسبحان الله فخر المحققين تلاميذه كلهم من المحققين يعني أصحاب دقة. الشهيد الأول وابن المطوج البحراني وغيرهما وهو قبل الكركي عنده رسالة في كيفية الاجتهاد وهو أيضا مطبوعة وأيضا أوراق. ابن المطوج من عائلة كانوا من الفقهاء وقبورهم موجودة. المقصود هذا المبحث مناهج الاجتهاد ومدارس الاجتهاد حساس جدا يعني أن هناك مدارس داخل المذهب الامامية وهذه نكتة مهمة نبه عليه الاصوليون.

إثارة هذا البحث من الأصولي إثارة جدا صناعية علمية مثمرة عظيمة جدا وهذا في الحقيقة يصير سنة علمية للباحث لا فقط في علم الأصول أو علم الفقه بل في كل العلوم الدينية مدارس. الان من أهل الفضيلة يظنون أن علم الرجال مدرسة واحدة وهي مدرسة السيد الخويي رحمه الله أو مدرسة سيد أحمد بن طاوس. لا، علم الرجال مدارس داخل علماء الامامية. ابجديات الخوض في علم الرجال معرفة أن هناك مدارس متعددة في علم الرجال في الامامية وإذا لاتعرفها كيف تدعي أن عندك اطلاعا علی علم الرجال؟

معرفة المدارس والمناهج داخل المذهب الواحد أمر ضروري. مدرسة السيد الخويي مدرسة من المدارس وتكون هناك مدارس مثل مدرسة الوحيد البهبهاني. مدرسته مدرسة أخری. أصلا مدرسة النجاشي تغاير مدرسة السيد الخويي والكثير لايدرون. مدرسة القدما في الرجال تختلف تماما عن مدرسة السيد الخويي باعتراف السيد الخويي في بداية معجم رجال الحديث، رحمة الله علی السيد الخويي واعظم به.

يقول: هذه المباني في الرجال خالفت المشهور. يعترف بأن المشهور في علم الرجال عند الامامية يخالف مبناه في القواعد العامة. السيد الخويي ينبّهك وهذه من أمانة السيد الخويي رحمه الله. نبه أنه في أغلب قواعد الرجال خالف المشهور. وهذا من الانصاف والأمانة العلمية العظيمة التي قام بها السيد الخويي رحمه الله. المشهور مبناهم شيء آخر بحر العلوم وكاشف الغطاء مبناهم شيء آخر، علم الرجال مثال. كم مدرسة في علم الرجال؟ أمس مر بنا أو قبل أمس مدرسة الانسداديين قبل أربع قرون ولازالت موجودة ومبناهم في علم الرجال غير مبنی السيد الخويي والسيد أحمد بن طاووس، كل التراث عندهم معتبرة من حيث الصدور. هذا مبنی رجالي. أصلا المدرسة الانسدادية طابعها الرجالي يختلف تماما عن مدرسة السيد الخويي. رؤساء المذهب عبر أربعة قرون هم الانسداديون وهم يراعون التراث أشد من الاخباريين لكن بنهج القشريين منهم. إذا لاتلتفت الی المدارس في علم الرجال كيف تخوض في علم الرجال؟

كذلك علم التفسير الاطلاع في مناهج التفسير ومدارس التفسير عند الامامية مهم جدا. علم الكلام كذلك. فالاطلاع علی المناهج والمدارس في مذهب واحد والامامية أمر بالغ الأهمية.

المبحث الثالث مناهج الاجتهاد ومشارب الاجتهاد ومسالك الاجتهاد وتعدد مسارات شواكل الاجتهاد وهذا امر حساس وجدا مهم. ربما تشاهد أحد الأجلة بحر في معلومات علم الرجال لكن هندسة علم الرجال ما عنده شيء. بحر طمطام من مواد علم الرجال أما هندسة استثمار مواد علم الرجال أبدا ما عنده. المواد مهمة في كل علم لكن جناح آخر هندسة المواد مهمة أيضا. لابد من كليهما. تشاهد كثيرا عندهم تضلع في المواد لكن استثمار تلك المواد ليست القدرة عنده. تشاهد نتائج شاذة منهم.

صناعة علم التاريخ غير علم التاريخ والمهم البصيرة في علم التاريخ. علم السيرة سواء السيرة النبوية أو الأئمة، يمكن شخص بحر طمطام من المواد لكن إذا لم تكن عنده هندسة المواد يستنتج بنتائج شاذة ويخالف تسالمات المذهب. البصيرة ما موجودة. لازم أن نلتفت الی مناهج علم السيرة وعلم التاريخ. رحمة الله علی الشيخ المفيد في كتاب الارشاد لاحظوا بصيرته الفكرية في حل المسئلة التاريخية واقعة الجمل كتاب كله بصيرة وكله تحليل. من جملة المواد المتسالمة عليه يأتي ببصيرة. الالتفات الی المناهج في علم السيرة أمر جدا مهم وبدونها نستنتج بنتائج شاذة.

ليس عبطا أن علماء الأصول بحثوا عن المبحث الثالث في الاجتهاد أنه ما هي المقدمات ومنهجية الاجتهاد والعلوم في الاجتهاد؟ أيضا في الفلسفة لازم أن تعرف المدارس في الفلسفة. لازم أن يدري كم مدرسة فلسفية شيعية أو إسلامية. نفس العرفان والرياضة الروحية الشرعية لازم أن تدري كم مدرسة فيها. العلم ثم العمل والعلم إمام العمل. إذاً هذه الخطوة ليست عبطا أثارها الاصوليون وليست خاصة بعلم الأصول ولا بعلم الفقه بل في كل العلوم الدينية. في كل علم لازم ان تعرف المدارس.

ان شاء الله تتمة البحث في الجلسة القادمة