41/11/21
الموضوع:باب الاجتهاد والتقليد، التجزي والاطلاق في الاجتهاد
كلام صاحب الجواهر في جواز فعل القضاء من الفضلاء
كنا في المبحث الثاني من مباحث الاجتهاد، مبحث التجزي والاطلاق ووصل بنا الكلام الی كلام صاحب الجواهر.
طبعا هذا بحث قضائي مهم لكن مرتبط بهذا البحث الذي كنا فيه؛ يقول صاحب الجواهر: إن هناك فرقا بين منصب القضاء كصلاحية وبين جواز القضاء كفعل. يقول: منصب القضاء وصلاحية القضاء وسلطة القضاء هذه ثابتة للمجتهد والفقيه أو المتجزي المعتد به في الفقاهة. لطيف، هذا تفكيك بين منصب القضاء وسلطة القضاء وصلاحية القضاء وبين فعل القضاء وهذا التفكيك صناعي ولطيف من صاحب الجواهر. هو يريد أن يفكّك بين القضاء كفعل من الأفعال وبين القضاء كمنصب وصلاحية المنصب وهو ثابت للفقيه سواء المتجزي أو المطلق، -كما مر بنا أن الفقاهة أيضا كالاجتهاد تنقسم الی المتجزي والمطلق- وتارة يتكلم عن القضاء كفعل القضاء، أن يحكم بحكم القران وبحكم أهل البيت عليهم السلام ويحكم بالحق.
صاحب الجواهر يقول: إن هذا الفعل والحكم بالحق مع العلم به وجوازه يختلف عن المنصب. هذه الدعوی من صاحب الجواهر هكذا؛ يقول إذا لانوسّع منصب القضاء -ولو كجواز الفعل- الی الفضلاء فأمور القضاء عند عامة المؤمنين في المدن والبلدان ممتنعة لأن توفّر كوادر مجتهدة فقيهة ولو في الجملة والمتجزئة في كل المدن والبلدان ممتنع، ولو في بلد واحد. أصل مبحث صاحب الجواهر هذا وهذا مبحث مهم إنصافا.
هذا بعد فقهي في المبحث والاجتهاد والتقليد وإن كان مبحثنا في الاجتهاد والتقليد أصوليا، لكنه نظام لجهاز القضاء الشرعي وحري أن نتعرض الی كلامه، سيما أن المبحث حساس جدا. صاحب الجواهر ناظر الی هذا المبحث وكتاب القضاء منه جدا كتاب عظيم صناعي ومهم. يعني أنه معروف عند أعلام الكبار أن كتاب القضاء والشهادات عند صاحب الجواهر لازم مباحثته في هذين الجزئين ويعطي قوة في الفقاهة قوية جدا، ربما ألّفهما صاحب الجواهر في أواخر عمره الشريف. هذه فائدة رأيناها عند الكبار في القضاء من صاحب الجواهر.
علی اية حالة، يقول صاحب الجواهر: لو أردنا أن نقتصر علی المجتهدين والفقهاء في سلطة القضاء، أبداً لا يتم توفير الكوادر للقضاء ويصير القضاء معطلا، سواء في الأحوال الشخصية أو المعاملات أو البعد المدني أو أقل الأمور في حل النزاعات وإرشاد الناس.
ليس مراده أن الحاجة تبرر، بل يريد أن يقول واقع الأمر هكذا، فيقول: إذا لانوسّع جواز القضاء كفعل لا كمنصب الی كل الفضلاء لايغطي والسيد الكلبايكاني أيضا يوافقه.
بأي مجوّز تأتي للفضلاء؟ صاحب الجواهر يأسس قاعدة في باب القضاء بعد التفكيك. أولا التفكيك بأي معنی؟ هذه نكتة مهمة. أصل القضاء كفعل شيء ومنصب القضاء شيء آخر. ماذا يريد أن يقول صاحب الجواهر؟ يقول الفاضل وغير المجتهد ما عنده السلطة والصلاحية لمنصب القضاء إنما هو تبع من أيدي الفقهاء، فعندنا جناح كبير بين الجهاز الديني وهم الفضلاء. يقول هذا ليس فقط في القضاء بل حتی الإفتاء أيضا هكذا، يقول جهاز الإفتاء بيد الفقهاء وجهاز القضاء أيضا بيد الفقهاء سواء المتجزين أو المطلقين وهذا بحث آخر حسب الأدلة تثبت و تقرر السلطة التشريعية أو السلطة القضائية أو السلطة التنفيذية.
لابأس أن اذكر هذه الفائدة المرتبطة صميما من هذا البحث وسبقت في أبحاث الاجتهاد أو أبحاث الفقه قبل قليل من الجلسات وهذه قاعدة مهمة؛ ذكر هذه الفائدة الشيخ الأنصاري في بحث ولاية الفقيه في البيع أن الفقهاء أجمعون يقولون: أن الولاية التنفيذية والسلطة التنفيذية للفقهاء نيابة عن المعصوم أو أصالة، بعد ذلك طبقات وتأتي نوبة الفضلاء، أفرض في مدينة معينة أو بلدة معينة يد الفقهاء مغلقة وفي بيئة المعينة ليس للفقهاء بسط اليد والقدرة، فتصل النوبة الی عدول المؤمنين. طبعا المراد منهم الفضلاء وأهل الفضيلة. هذه طبقات السلطة التنفيذية لأن الأمور الحسبية لايمكن أن تعطل. فتصل النوبة في الأمور الحسبية من الفقهاء الی الفضلاء طبعا بالموازين وتبعية الفضلاء تقليدا للفقهاء لا أنهم جهاز مستقل، كما أن الفقهاء تبع للائمة عليهم السلام. إذا لايمكن للفضلاء تصل النوبة الی عدول المؤمنين من يعرف المسئلة. يسمونه طبقات الولاية في الفقه في الأمور العامة من البعد السياسي والاجتماعي.
إذا كان مانع عن تصدي الفقهاء تصل النوبة الی الفضلاء لأن هذه الأمور حسبية ولايمكن أن تعطل، سواء الجهادية أو السياسية أو القتالية أو المالية ولايمكن أن تعطل. هذا الفاضل يعرف الميزان الشرعي ولو تقليدا من الفقهاء، أمور لايرض الشارع بتعطيلها والمفروض أن الفقهاء لايمكن لهم أن يتصدون المنصب. فتصل النوبة للفضلاء تبعا وتقليدا واسترشادا من ضوابط الفقهاء.
إذا لايمكن للفضلاء تصل النوبة الی عدول المؤمنين وإذا لايمكن للفضلاء ولا لعدول المؤمنين تصل النوبة الی فسّاق المؤمنين. يكون موارد من أمور العامة وفيه مانع من تصدي الطبقات العالية يمكن للمؤمن ولو كان فاسقا أن يتصداها فاسق يلتفت الميزان ولايجوز أن يترك هذا الأمر من الحسبيات معطلا. هذا في تاريخ المؤمنين عبر القرون له قصص وشواهد كثيرة.
فمحصل ما في باب السلطة التنفيذية ما ذكر الشيخ الانصاري وغيره من الفقهاء أن الأصل ولاية الائمة عليهم السلام ثم نيابة الفقهاء ثم الفضلاء ثم عدول المؤمنين ثم تصل النوبة الی فساق المؤمنين. من باب المثال بلاتشبيه كما في الأمور الفردية الأسرية الولد الأكبر يكون وليا للميت ولو لم يكن الولد الأكبر تصل النوبة الی الطبقات الاخرين وهلم جرا. هذا يقولون كالولاية الأسرية كذلك في باب الأمور العامة الحسبية التي لايرضی الشارع بتعطيلها، هنا تصل الأمور الی الدرجات والطبقات السلطة التنفيذية في الولايات.
صاحب الجواهر يقول: هذا الذي ذكر مع أنه بالدقة ليس للفاسق ولاية، المؤمن العادل غير العالم ليس له الولاية، حتی الفاضل ليس له ولاية بل لهم جواز الفعل وجواز الفعل غير الولاية. للفقهاء نيابة ولاية والبقية جواز الفعل، كيف؟ ذكروا هذا الامر في بحث الولايات في بحث السلطة التنفيذية، كذلك يجري الكلام في السلطة القضائية والسلطة التشريعية.
التشريعية يصورها صاحب الجواهر هكذا: الان أ ليس الفضلاء موصلين لآراء الفقهاء الی عموم المؤمنين؟ هم الجهاز الفضلاء لايفتون لكنهم يطبقون الكليات علی الجزئيات وهذا نوع من عملية الاجتهاد الخفيف. لطيف يقول: كما في السلطة التنفيذية طبقات كذلك في السلطة التشريعية والفاضل تحت ظل الفقيه. أذكر مثالا منطقة معينة دعينا للمحاضرات فيها. وعندهم اتصال مباشر لعلم من الاعلام وقالوا أنت تعال. قلت لماذا؟ قالوا لنعرف كيف نعكس الموضوع. قرائة الموضوع لا نعرف زواياه وإذا عرّفناهم الوجه حلت لهم مسائل كثيرة. المقصود أن الأعلام حفظهم الله يبين الكليات لكن الفضلاء يمارسون دور التطبيق، تطبيق الكليات. كما يقول صاحب الجواهر هذه سيرة قائمة أهل الفضيلة ولو لم يكن مجتهدين يمارسون تبعا للفقها يمارسون تطبيق الفتاوی يقول هذه ميزة بين فعل الاجتهاد وصلاحية الاجتهاد. ليست للفضلاء صلاحية الإفتاء والتشريع لكن له صلاحية الفعل. حتی المومنين إذا يراجعون الی المقلد والمرجع لايحل لهم الموضوع، أما الفاضل إذا يبين الموضوع والفتاوی تحل المشكلة طبق فتاوی الفقيه. دور هذا الفاضل هكذا. شئنا أو ابينا.
يقول صاحب الجواهر: كيف للفتياء طبقات ومراتب يمارسون الفعل بدرجة خفيفة وهذه سيرة قائمة، كذلك في القضاء. هذا الفاضل عنده فتاوی نفس الفقهاء ويطبق البينة علی المدعي واليمين علی المنكر، الضابطة في المنكر خلاف الأصل وخلاف القاعدة أما في المدعي تطابق الأصل العملي أو القاعدة. فهو في تلك المنطقة التي ليس فقيها فيها ولا مجتهدا يمارس التطبيق والفعل ولايتصدی المنصب، لأنه واضح أنه تبع للجهاز القضائي للفقيه أو الجهاز الفتوايي للفقيه، لكن هو يمارس الفعل بحدود قدرته وعلمه.
صاحب الجواهر يريد أن يفكك بين فعل القضاء الموزون للفاضل أو المرشد للأحكام الشرعية وبين أن يتصدی المنصب وصلاحية القضاء. هذا الفاضل لايتصدی ولايركب كرسي القضاء وكرسي الإفتاء أو كرسي السلطة التنفيذية بمفرده وإنما هو تحت ظل جهاز الفقهاء.
حينئذ صاحب الجواهر يغير الأدلة ويجمع الأدلة في باب القضاء والإفتاء والتنفيذ من تسالمات الفقهاء وغيرها في أن فعل القضاء أو الإفتاء بالموازين كفعل ثابتة للفضلاء تبعا وتحت ظل وبارتباط مع جهاز الفقهاء. إذا عجزت يد الفقهاء تصل النوبة الی الفضلاء فيؤسس أصلا عاما ويفكّك بين جواز الفعل بتبع جهاز الفقهاء في الفتوا والقضاء وبين صلاحية القضاء والإفتاء. الأصل جواز الفعل.
هناك فرق بين هذين اللسانين؛ «إني جعلت بينكم حاكما» هذا منصب القضاء للفقهاء ومنصب الفتيا سواء المطلقين أو المتجزين. أما للفضلاء لسان «حكم بالحق» ما المانع من ذلك؟ بالتالي هو تبع وليس مستقلا. لكن التطبيق الجزئي هو قام به كفعل لكن تحت ظل الفقيه. حكم بالعلم وبتقليد من الفقيه. أن التقليد علم والفاضل لما يقلد الفقيه يحصل له العلم علم تعبدي فحكم بالعلم. ليس فتوی مستقلا بل فتوی تبعي. تطبيق الفتوی للفقها علی هذا المورد. فيقول هذه السيرة قائمة.
أريد تنقيح أصل الموضوع وهذه خلاصة كلام صاحب الجواهر وأطال السيد الكلبايكاني بطول ومهم ورجّعه الی خمسة وجوه.
ان شاء الله المبحث القادم ندخل في المبحث الثالث وهو مقدمات الاجتهاد أو عنوانه كيفية ممارسة الاجتهاد أو عنوانه مناهج الاجتهاد ومناهج الاستنباط أو مدارس الفقهية بعبارة أخری بحث المدارس والمناهج وبحث حساس.