41/11/05
الموضوع:باب الإجتهاد والتقليد/التجزي في الإجتهاد/_
القسم الثاني من إجتهاد المتجزئ
الاحتياط في الإجتهاد والتقليد
كان الكلام في المجتهد المتجزي القسم الثاني وهو الذي لم يتمكن من الإستنباط في كلّ المقدمات وإنّما في مقدمة أو مقدمتين وفي باقي المقدمات التي يحتاج إليها إستنباط في نفس المسئلة يأخذها من غيره، أمّا الإحتياط فواضح أنّه يحتاط ولن يصحّ أن يقلد غيره في تلك المقدمة أو مقدمتين التي تمكّن من الإستنباط فيها وكان الآخرون بنوا علی خلاف ما توصّل إليه، فمن الواضح أنّ الاحتياط لا كلام فيه.
أمّا ماذا لو قيل بخيار آخر، خيار التقليد والإجتهاد الممزوج. ممكن أو لا؟ نعم ممكن. ماذا لو قيل بمزج الإجتهاد والتقليد قابل للتصوير أم لا؟ الصحيح أنّه قابل للتصوير.كيف؟ يعني بعبارة أخری ما قرره الفقهاء والأصوليون الإنسان إمّا يجتهد أو يقلّد أو يحتاط، هذه ثلاثة الطرق ليس من الضروري إن تكون متباينة بل ممكن أن تكون متمازجة، كما يقال الإحتياط في التقليد، الإحتياط لكن ضمن دائرة التقليد.كثيراً ما لمّا يقال الاحتياط المقابل للتقليد، بالدقة هو احتياط ضمن دائرة التقليد. غاية الأمر بدل أن يكون التقليد من الواحد أو الاثنين أو الثلاثة يكون احتياطا ضمن دائرة الأعلمية أو ضمن دائرة الأعلمية وغير الأعلمية، وهو ليس احتياطا ًمطلق بلدقة ولا مانع له، بل هو احتياط في التقليد، يعني التقليد أمارة شرعية ويمكن للعامل بهذه الأمارة الشرعية أن يعمل بها بنحو احتياطي وهذه نكتة لطيفة.
كما أنّه يستنبط بنحو احتياطي يعني يعمل بهذه الامارة بنحو احتياطي، يعني يعمل بها وبالمحتملات خلافها، يجمع سيرة احتياطية بين عمل شبيه ما ذكره الشيخ الأنصاري في بداية الرسائل ويعبّر عنه بالاحتياط الأكبر. مقصود الشيخ الأنصاري بالإحتياط الأكبر ماهو؟ يعني تعمل بالأمارات الإجتهادية أو التقليدية وتضمّ معها بقية احتمالات الواقع، فيعبّر عنه الشيخ بالإحتياط الأكبر باعتبار أنّ الميرزا القمّي أو ميرزا النائيني أو غيرهم لايسوغون الإحتياط في عرض التقليد والإجتهاد وشخصياّ نتبنی هذا المبنی ولو بوجه ربما مغاير لوجه الأعلمين ولكن بالتالي الشيخ الأنصاري يقول منع الميرزا القمي للاحتياط مطلقاً في غير محله بل يمكن الجمع بين الإجتهاد كأمارة متعينة أو التقليد كأمارة متعينة وضمّ احتمالات الأخرى إلی الامارة الإجتهادية أو التقليدية، سواء ضمن احتمال الواحد، إحتمالين، ثلاثة أو أكثر حسب توسعة الاحتياط ممكن وهذا نوع من الجمع بين الاحتياط وبين أمارية التقليد أو أمارية الإجتهاد. وهذه نكتة أحد ضوابط الاحتياط في الإستنباط. الاحتياط في الإستنباط مرّ بنا عدّة مرات أنّه منهج القدماء مثل الشيخ الطوسي والمفيد أو السيد المرتضی يعني هو يعمل ويستنبط كمجتهد ولكن لأجل مراعاة الاحتمالات الأخری لأقوال الآخرين ليصيغ صياغة في النتيجة تجمع بين العمل بالأمارات الإجتهادية وبين الاحتمالات الأخرى لأقوال أخرى في المسئلة، بحيث أنّ الواقع لن يفوته. هذا جمع بين صناعة الإجتهاد والاحتياط سيّما هو الاحتياط في عمل المجتهد ولاالإحتياط في عمل العامي يعني لا في العمل الفقهي بل الاحتياط في العمل الاصولي وإن كان الحديث عنه طويل.
أصل الفكرة هي هذا وهو أن العمل بالأمارة سواء أمارة الإجتهادية أو أمارةتقليدية سيما الإجتهادية لايتنافي أن تضمها الاحتمالات، إمّا الاحتمالات علی صعيد العمل الأصولي أو احتمالات علي صعيد العمل الفقهي. مثلا رواية مبنی في حجية الخبر، أعمل بشكل عصير الروايت أو أستقصي الروايات بشكل علی كلا المباني هذه الرواية تكون محل اعتبار. ما المانع من ذاك؟ مافي أي مانع ونعم بها. طبعاً يوميات الإحتياط في العمل العلمي وهو الإستنباط طريق طويل لكن أصل الفكرة هي هذه يعني تعمل بالأمارة ومع ذلك ضمّ إليه الاحتمالات بحيث يكون رعاية لهذا المبنی الإمارة أو مبنی آخر وهلم جرا. مثلاً لعلّ في الدلالة خدشة موجودة وإذا انتفت الدلالة في الرواية أو الآية تصل النوبة إلی الأصل العملي أو تصل النوبة إلی قاعدة أخری فالمجتهد يصيغ صياغة نتيجة جامعة بين مفاد الرواية أو الآية والعموم الآخر أو الرواية الأخرى. الآن هذا طبعاً صعب وليس بسهل لكن يمكن وقابل للتصوير.
واللطيف أنّ الأعلام القدماء يفتون بلوجوب الجمع بين الأمارة والاحتياط لماذا؟ لأنّ الواجب إمّا الاحتياط أو التقليد أو الإجتهاد والإجتهاد لايتعين علی الإجتهاد المنفرد كما يقول الشيخ الانصاري ويمكن أن يضمّ الإجتهاد مع الاحتياط بتعبير الشيخ الانصاري وناقش الميرزا القمي في أول الرسائل نقاشا ممتازا يسمّيه الاحتياط الأكبر وكلّها نكات صناعية. فالمحصّل أنّه يمكن المزج بين الاحتياط والإجتهاد أو الاحتياط والتقليد وهذا بخيار المكلف بأن يضمّ كم إحتمال من الإحتياط وهلم جراز
- سوال الحضار:كيف واحد يحكم بالوجوب ويضم الاحتمالات؟
كما ذكروا أنّ المكلف إمّا يجتهد أو يقلد أو يحتاط، الشيخ الأنصاري يقول هذه الأو أو أو ليست مانعة الجمع بل هي مانعة الخلو لأنّ لاتضاد بين جمع بين الثلاثة أو بين الاثنين. لذا اشكال على الميرزا القمي أنّ الاحتياط لايسوغ، كيف لايسوغ؟ لماذا فسرت الاحتياط بنحو مقابل للإجتهاد فقط ومقابل للتقليد؟ يمكن تصويره أنّه ممزوج يعني هو إجتهاد وزيادة وتقليد وزيادة. هو إجتهاد وزياده هذا يسّونه إحتياط في الإجتهاد.
- في الردّ عن أسئلة: الكلام ليس في الذوق الشخصي الميزان النوعي موجود لكني تثبيتا للأمر أجمع بين الاحتمالين. مافي مانع بلعكس كما يقول الشيخ الأنصاري وهذا أثبت لبرائة الذمة لأنك لم تكتفي بطريق واحد من الطرق الثلاثة بل جمعت بينه وبين الطريق الثاني أو تجمع بين الطرق الثلاثة حتّى. لامانع في ذلك.
فالمقصود أن تصوير الشقوق الثلاثة والخيارات الثلاثة بأنّها متباينة وغير قابلة للجمع خطأ. فإذاً هذه النكتة التي ذكرها الشيخ الأنصاري في الرد علی الميرزا القمي في بداية القطع وتنبيهات القطع أنّه بحث الإحتياط هذه النكتة الصناعية جدّا متينة وليس بضروري أن يكون هناك إمّا احتياط مطلق أو تقليد مطلق أو إجتهاد مطلق بل يمكن أن أبعّض في حيثيات المسئلة الواحدة الإجتهاد مع الإحتياط. لأنّه بالتالي أنا عملت بالإجتهاد وعملت بشيء من الاحتياط ما المانع بذلك؟. في الحقيقة أنت زيادة علی الإجتهاد أو زيادة علی التقليد تضمّ إليه بعض الإحتمالات. بالتالي فإذاً يمكن مزج الأمور الثلاثة بين بعضها البعض.
وأما التقليد فهل ينحصر في المسائل الفقهية أو يمكن في المسائل الأصولية؟ بطريق أولی إذا كان النتيجة الفقهية يجري فيها التقليد المسئلة الأصولية أيضاً يجري فيها التقليد. ما فيه مانع، يقلّد في هذه المسئلة، أمّا في تطبيق هذه المسئلة الأصولية عنده قدرة، ما فيه مانع.
لقيت جملة من تلاميذ الناييني وآغاضياء والكمباني. بعضهم تتلمّذ على الثلاثة وكان من المبرزين وعنده عبارة لطيفة يقول: الإجتهاد بالدقة اسمه إجتهاد ولكن هو في اللاشعور تقليد في الأدلة والجو العام يعني أنّه إذا لايتعب نفسه ولاينقّب عن الأدلة والاستدلال ويكفي بالاستدلال الموجود كما يقال ويتأثر به ويستسلم له فهذا اسمه إجتهاد لكن واقعه في اللاشعور تقليد. الأعلام الثلاثة يقولون الإجتهاد نادر وكأنما يقال أنّه إذا لم ينقّب شي جديد ليس إجتهادا، صورته إجتهاد لكنّه ليس إجتهادا. يعني تقليد مرتّب يعني يفهم الأدلة مو امطنّش ولا امطفّي.هذا جدل موجود بين الأعلام أنه واقعه تقليد أو لا؟ فالكلام هذا أنّ المزج بين الإجتهاد والتقليد كما يقول هؤلاء الأعلام الثلاثة إلی ماشاء الله، لذلك عادةً الكبار الذين يحققون النكات هم يصيرون الرواد مثل ما قيل في أتباع الشيخ الطوسي مع أنّهم مجتهدون لكنهم يعبّر عنهم مقلّدة مع أنّهم يفهمون الأدلة لكن مقلّد فطين سمّوهم مقلّدة ولم يقولوا عنهم بأنّهم مجتهدين. علی أية حال، هذا واقعه تقليد أو إجتهاد؟ هل الإجتهاد لابدّ أن يلازم ابتكار؟ ابتكار ليس بمعنی الشذوذ بل بالضوابط.
اجمالاّ مزج الإجتهاد بالتقليد قابل للتصوير والتقليد كما يصحّ في النتيجة الفقهية يصحّ في النتيجة الأصولية ثمّ يجمع معهم الإجتهاد من المتجزئ في مقدمات أخری أيضاً قابلة للتصوير.
فعلی أيّ تقدير هذا إذاً القسم الثاني من المجتهد المتجزي وهو الذي لايجتهد في كل المقدمات في بعضها يمكنه أن يحتاط ويمكنه أن يمزج بين الإجتهاد والتقليد ويمكنه أن يمزج بين الإجتهاد والتقليد والإحتياط لما مرّ بنا أنّ هذه الخيارات الثلاثة ليست متباينة بل هذه الخيارات الثلاثة قابله للتصوير أنّها مانعة القلوب وليست مانعة الجمع بينها. هذا بالنسبة إلی أصل عمله برأيه في القسم الثاني.
ماذا بالنسبة إلی عمل الغير برأيه؟ عمل الغير برأيه مشكل إلّا أن يقال هكذا أنّه يفتي للغير بالإحتياط، يعني يجمع بين الإحتياط والإجتهاد والتقليد بحيث يعلم أنّ الواقع غير خارج عن هذه الخيارات الثلاثة. إذا علم بأنّه الواقع غير خارج عن هذه الخيارات الثلاثة بلاشكّ...يعني مثلاً هذا ما قرروه أنّ المكلف إمّا مجتهد أو يحتاط أو يقلّد فإذا سئل أحد من المؤمنين فاضل من الفضلا عن مسئلة موضروري أن يفتي له أو يبيّن له فتوی الفقهاء بل يمكن له أن يبين له سبيل الاحتياط وما فيه مانع. مثلا يقول الأفضل و الأحوط هكذا وليس فيه التجاوز عن الموازين لماذا؟ لأنّه ليس بضروري أن يعمل المكلّف من عموم المؤمنين أن يعمل بالإجتهاد أو يعمل بالتقليد بل يمكنه أن يعمل بالإحتياط أو الجمع بين الإحتياط والتقليد أو الجمع بين الإحتياط والإجتهاد، المهمّ إذا كانت صيغة احتياطية ولو ممزوجة لامانع من ذلك وليس فيها تخطي الموازين.
أما إذا أراد أن يمزج فقط بين الإجتهاد والتقليد ففيها اشكال. شمول أدلة «عرف بعض من قضايانا» إلی هذا المورد مشكل في الإفتاء. إذا يبينه بصيغة الإحتياط لامانع لكن بصيغة الإجتهاد فقط أو صيغة التقليد الممزوج بالإجتهاد لايخلو من الإشكال.
- في الردّ عن بعض الأسئلة: إذا كان عنده القدرة علی التلفيق فيصير متجزيا. ما عنده القدرة علی إعمال الرأي في خصوص هذه المسئلة لكنّه عنده القدرة علی المزج هذا نوع من التجزي. هذا بحث أخر. نحن كلامنا ليس في المتجزي أو لامتجزي.
المقصود هذه نكتة لازم أن نلتفت إليها وهي أنّ المزج بين الخيارات الثلاثة قابل للتصوير ولكن في الإفتاء بمحض الإجتهاد فيه اشكال أو ثبوت القضاء فيه اشكال يعني أصالة أن يثبت له صلاحية القضاء أيضا مشكل. نعم له صلاحية القضاء بالوجوه العلاجية التي ذكرها صاحب الجواهر والسيد الكلبايكاني وغيرهما من الأعلام وسنتعرض إليها. وهذه ليست صلاحية له بالأصالة وسيأتي لأنّ صاحب الجواهر تعرض لغير المجتهدين ولاباس أن نتعرض إليه الآن لمعالجة أزمة شحّة القضاة.
قبل أن نختم هذا المبحث نذكر أنّ هذا التساؤل جار في قضية الانسداد أيضاً، هل الانسدادي يجوز له العمل برأيه ويجوز له الإفتاء ويتقلّد القضاء أم لا؟ كثير من الأعلام استشكلوا أنّ الإنسداد لايسوغ وكذا وكذا وكذا لكن اشكالاتهم غير واردة. قالوا بأنّ الانسدادي لايسوغ له الإفتاء والقضاء وسنبيّن أنّ هذا ليس بصحيح. سنذكرها ولو بدقيقة أو دقيقتين وبعدها نرجع إلی العلاجات القضائية التي ذكرها صاحب الجواهر التي تثبت صلاحية القضاء لافي الإصالة. طبعاً صناعة فقهية عظيمة أبدعها صاحب الجواهر سنآتي بها في أول بحث القضاء.
في الإنسدادي استشكل الأعلام بأنّ هذا الانسدادي اعترف نفسه أنّه ليس ذا العلم فإذا كان ليس لديه علم، فكيف يفتي للناس بغير العلم وكيف يتقلّد القضاء؟ بل عمله برأيه أيضاً محل كلام ولازم أن يحتاط. محصّل إشكالات الأعلام علی الإنسدادي مع أنّه طبعاُ جلّ مدرسة الوحيد البهبهاني بطبقاتها الثلاثة هم إنسداديون حتّی الشيخ الأنصاري انسدادي والسيد محسن الحكيم أيضاً انسدادي واستادنا السيد الروحاني أيضاً انسدادي والإنسداديون بمعنی هم أكثر توسّعاّ بالإخباريين في العمل بالروايات كلّ التراث عندهم حجة لكن حجة ليس كالاخباري، حجة يعني لابد أن توزن المضمون يعني يقرر نظام المضمون. الإنسداديون كلّهم على هذا المبنى. نعم بين الروايات واحتمالاتها درجات فالانسداديون طرّاً كالشيخ الأنصاري والعلامة بحر العلوم وكاشف الغطاء والشيخ جعفر والنراقيان والميرزا القمّي وصاحب الجواهر كل هؤلاء يبنون علی حجية كلّ التراث لكن لا حجيته بشكل عمياوي كما قد يتخيّل، لا بل تدرس وتزن المضمون بعضلة علمية في الفقاهة في أي علم من العلوم الدينية والميزان فقه المضمون. هذه الإشكالات إن شاء الله سنتعرض اليها.