الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/11/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الاجتهاد والتقليد/التجزي في الاجتهاد/_

تعدد الصلاحيات للفقهاء في زمان واحد

الأدلة علی صلاحية المجتهد المتجزئ للافتاء والقضاء

كان الكلام فيما بحث فيه الأصوليون والفقهاء من أنّ المجتهد المتجزّئ هل له صلاحية الإفتاء وصلاحية القضاء أم لا؟ ومرّ بنا أنّ التجزي هو صور ودرجات عديدة وعمدة الكلام في القسم الأول وهو من استنبط النتيجة بالقدرة علی جميع مقدّمات المسئلة سيّما في بعض المسائل كما يقولون الأعلام أنّها تحتاج إلی مقدمتين فقط والبقيات ضروريات أو بديهيات أو ربّما أكثر أقوال ففي تلك المسائل التي هو استنبط المقدّمات ، أو أن نفترض أنّه في تلك المقدمات كان يتفوّق علی المتصدّين أو أنّ الذي يرجع إليه لا يستطيع التوصل إلی غيره أو لأنّ رأيه وفاقي مع البقية، أكو فصور عديدة في كيفية الرجوع إلی المتجزّي، فهل يشمله أدلة الإفتاء وأدلة التقليد أم لا؟ وهل تشمله أدلة صلاحية القضاء أم لا؟

مرّ بنا أنّ صاحب الجواهر وجماعة من الأعلام منهم السيد الگلپايگاني وغيره بحثوا في أنّه لأجل ضرورة الحاجة في القضاء، القضاء كما يقال لا يمكن أن يسدّ الحاجة فيه بخصوص المجتهدين، بل يعم حتّی غير المجتهدين وما شابه ذلك، معالجات لسدّ الحاجة للقضاء. هذا البحث علی حدة وليس له ربط ببحثنا الآن بل كلامنا في جعل الصلاحية بالأصالة للمتجزّي، هل له أم لا؟

هناك من يقرّب أنّه نعم، لماذا؟ طبعاً عندما يبحث الأعلام والفقهاء أصل المبحث سواء النافي أو المثبت، حتی النافي لثبوت صلاحية الإفتاء أو صلاحية القضاء للمتجزي أو يثبتهما، كلاهما مستقر عنده أنّ جعل الصلاحيات في الإفتاء والقضاء غير منحصرة بالأعلم، لا أقل في الوفاقيات التي هي مساحة أكثر ولا أقل في ما لم يتصدّ له مباشرة نفس الأعلم أو مع اختلاف تشخيص الأعلم يعني ليس كل شخص أعلم الف أو باء أو جيم. أو لا أقل في المجتهد المطلق نفترض، عند الاعلام مسلّم أنّ صلاحيات الفقهاء مجعولة بنحو المتعدد العمومي وليس مجعولة بنحو العموم البدلي منحصرةً بمن شخّص من قبل الأكثرية أو الأقلية أو جماعة أنّه الأعلم. فبالتالي متسالم عند الأعلام أنّ الصلاحيات مجعولة بنحو العموم وليست انحصارية وتوهّم أنّها انحصارية لامجال له. نعم، يذكرون الفقها بأنّه عند التعارض أو عند التزاحم وعند بسط اليد والتزاحم في بسط اليد هذا بحث أخر أنّ الأعلم يقدّم أو كذا بحث آخر. طبعاً الأعلم في أيّ شيء يقدم؟ هذا محلّ كلام سيأتي.

علی كل، فالمقصود هذا المطلب وهو أنّ أصل الجعل والصلاحيات هي عامّ وتعددية ولم يتوهّم أحد من الأعلام قديماً وحديثاً من الأدلة أنّ الجعل فيها انحصاري أو فردي أو ما شابه ذلك، طبعاً طبق نظام ناظوم هذا صحيح ولكن ذكروه في فروعات الإجتهاد والتقليد في البحث الفقهي، لاسيّما صاحب العروة ذكر فرع كثيرة عند تعارض الأنظار وتخالف الأنظار بين الفقهاء في الإفتاء والولايات والقضاء وصاحب الجواهر في بحث القضاء ذكرها مبسوطة وكل الاعلام قبل صاحب الجواهر ذكروا هذا البحث في بحث القضاء مبسوطا، لكن كون هناك نظام وميزان لتنسيق وعدم التصادم وعدم التنافي بين الأعلام، أمر وكون الصلاحيات في الأصل مجعولة في كلّ شيء وفي كلّ صغيرة وكبيرة للأعلم، هذا لم يذهب له ذاهب أبداً، بل مجعوله كما مرّ بنا ليس فقط تتّسع تتعدد أوسع من الآعلام بل حتی أوسع من المرجعيات العليا بل أوسع من كلّ من تصدی المرجعية بل تتسع حتّى للفقهاء وان لم يتصدوا المرجعية بل حتّی تتسع للمجتهدين وإن حصل من عندهم ممارسة فقهية في بعض الأبواب، فسعة جعل الصلاحيات في فقه الشيعة وعلماء الإمامية أمر وسيع ودعوی أنّها انحصارية فردية مركزية هذه لاصلة لها بنظام ومنهاج علماء الإمامية قديماً وحديثاً ولم يدّع أحد أنها بالانحصار ولا سيرة علماء الإمامية بنيت علی الإنحصار والفردية أبداً، حتّی في ما هو مسيري فضلاً عن غير المسيري. مرّ بنا مثل قضية ثورة العشرين وقضايا أخری مثل الحرب مع الروس في ايران وغيرها كان مجموع الفقهاء يتوازرون ويتعاونون ويتفاكرون ويتشاورون. فلذلك مرّ بنا أنّ السيد أباالحسن الإصفهاني رحمه الله (معروف عنه عاصرنا كثير من تلاميذ سيد أبوالحسن الإصفهاني والميرزا النائيني ينقل عنهم) أنّه كان من سياسته المرجعية أنّه كان يعاقب أيّ وكيل من وكلائه في أيّ مدن إذا تقدّم علی فقيه في مدينته وكان يحذّرهم عن التقدم علی ذلك الفقيه مع أنّه كان وكيل الأعلم، فكان يوصيهم الوكلاء والمعتمدين أن لايصطدموا الفقهاء ويرعوا حق الفقهاء. هذا معروف منه في تبريز وتهران واصفهان ومشهد وحتی في محافظات العراق. كما مرّ بنا أمس أنّ آية النفر «لولا نفر...» لنظام الفقهاء تلزم المعصوم أن يراعيه فضلاً عن غير المعصوم فكيف بغير المعصوم. المعصوم يجب أن يكون في جهاز الفقهاء، استغفر الله ليس من مشيئة يختار أو لايختار. الآن لا كل الفقهاء، نعم، أجهزة أخری مثل الأبدال والأوتاد صحيح لكن الفقهاء لابد منهم والعلماء لابد منهم يعني الصالحين وذوي الشرائط كل هذا صحيح لكن ملزم من قبل الله تعالی. نظام الدولة الإلهية هو هذا فكيف بغير المعصوم؟ كيف يؤخّر الفقهاء ويقدّم غير الفقهاء؟ لايمكن. هذا خلاف النظام المرسوم قرآنياً في المشروع الديني والروايات.

فعلی كلّ هذا أمر لا أتصوّر فيه اضطرابا وأنا سئمت من قبل بعض الأساتذه حفظهم الله وأتعجب كيف عندهم غفلة عن هذا المطلب الذي ليس فيه اضطراب وترديد. الأدلة أيضا ًهكذا عموم استغراقي وليس بدلي.

اجمالاً القائلون بثبوت الصلاحيات للمتجزّي فضلاً عن المطلق والفقيه أكثر الأعلام. المتجزي غير المطلق والمطلق غير الفقيه والفقيه غير المتصدي للمرجعية فطبقات. هذا هو الميزان الشرعي وإلّا إذا لاسمح الله ارتكبت غير هذا النظام أنت علی خلاف الميزان الشرعي قطعاً، إذا كان في حق المعصوم هكذا فكيف بغير المعصوم.

علی أي تقدير نرجع إلی ما كنّا فيه وهو أنّ ما هي الأدلة لجعل صلاحية الإفتاء أو صلاحية القضاء للمتجزّي في القسم الأول للمتجزّي وهو الذي استطاع أن يستنبط مقدمات الإستنتاج والإستنباط كلّها. ما هو الدليل ثمّ ما هو دليل المانعين؟

العموم الوارد في الآية الكريمة، مرّ بنا أن «لتفقهوا» فعل والفعل يصدق حتی علی بعض المسائل، هو مارس استنباطاً وسيّما بعض المقدمات إذا دقق فيها هو وتدقيقه أكثر من غيره حتّی من المتصدّين رسمياً، لما؟ لأنّه مثلا ركّز جهوده علی هذا الجانب والتفتإالی نكات سيّما إذا ترجع إلی موضوع التخصصي يعني ربما في هذه المقدمة يكون أعلم وليس ممتنعا أبدا وممكن وواقع. مثلاً الآن في التخصصات أخری فيزيائية أو كيميائية هو ليس الإجتهاد ولكنّه .

علی أي تقدير فالآية الكريمة شاملة له. (هل يستوي....)آية الرجوع إلی أهل العلم في القرآن أيضاً شاملة له لأن عنده العلم وهو عن العلم استنتج النتيجة، فادلة القرآنية شاملة له وليس فيها قصور.

ماذا عن الروايات؟ الروايات أيضاً هكذا قالوا. الآن قضية الإفتاء. هو الإفتاء كلّه مع القضاء. هذا في محلّه الأن ليس مكانه. نفس أدلة الإفتاء هي أدلة صلاحية القضاء، حرر ذلك الفقهاء في باب القضاء وهذا علاج في زاوية فقهية لسنا في صددها بل نحن في صدد زاوية أصولية.

أمّا الروايات فكذلك «أنظروا الی رجل منكم نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فاجعلوه حاكما فإني جعلته عليكم حاكما» شاملة للإفتاء والقضاء. مرّ بنا نظر أنّ النظر في الشيء يعني التدبر فيه والتفكر وغير -نظر إلی-. مثلا -نظر إلی كتاب- شيء و-نظر في الكتاب- نظر بالتعمق و التأمل والتدبر والغوص بالتالي عن علم. فنظر في حلالنا وحرامنا صادق عليه. فيه إشكالات ستأتي.

«وعرف أحكامنا» قالوا عرف أحكامنا لمجموع الأحكام فأذكر هذا الاستظهار وبعده أرجع إلی الإشكالات. قالوا إن «عرف أحكامنا» أيضاً هكذا يعني بالتالي المراد به في الجملة لا بالجملة، يعني في هذا الباب الخاصّ عرف أحكامنا. كثير من إرجاعات الإمام الصادق الی فقهاء تلاميذه يرجع إلى معاوية بن عمار في الحجّ ويرجع إلی محمد بن قيس في القضاء ويرجع إلی فلان آخر في الصلاة مثل الحريز. لأنّ تضلع الفقهاء والتلاميذ يختلف عن الباب دون الباب وفعلاً كثير من الفقهاء والرواة امتازوا بباب دون باب وليس شيئاً ممتنع. علی أي تقدير فإذاً «عرف أحكامنا» قالوا المراد منها جملة من الأحكام وليس المراد مجموع الأحكام، يعني هذا يعبّرون عنه المجموع البدلي وليس المجموع المجموعي وهذا تلفيق بين المجموعين. بالتالي كما يقول صاحب الجواهر هو عالم بالمسئلة. رواية أخرى معتبرة يعتمد فيها في هذا الباب «أنظروا إلي رجل ...»...

- في الردّ عن بعض الأسئلة: فرض المسئلة في المتجزّي أنّ الاستنباط في هذا الباب لاتتوقف علی الأبواب الأخرى وطبعاً هذه المقدمات مشتركات وبهذا اللحاظ تسع أبواب الأخرى لكن في تلك الأبواب أو تلك المسائل لايعرف بقية مقدماتها. وهل يصدق علی أنّ لا، الحكم الذي توصّل إليه من حكمهم أم لا؟ أنّه حكمهم صلوات الله عليهم أو لا؟ قطعاً يصدق أنّه من حكمهم. إذاً هو حكمهم فهو عالم بالحكم. هذه معرفة وإذا كانت معرفة إذاً لايصدق عليه إنّه لم يفتي بغير علم ويصدق عليه أنّه ملزم بأن يقضي بحكم الأئمة.

في رواية أخری في معتبرة أبي خديجة «انظروا الی رجل يعرف شيئا من قضايانا». هذا تعبير آخر أصرح. فالأعلام قالوا «شيئا من قضايانا» أكثر وضوحا في الإستغراق أو حتی في العموم البدلي، فلو في مورد بلجملة يصدق عليه وبالتالي هو عالم بالحكم وتشمله حتی أدلة إرشاد العالم للجاهل والفصل بالحق وعندنا عمومات أخری استدل به صاحب الجواهر وهو توسّع فيه بكثير في باب القضاء. فلازم عليه أن يقضي بالحق.

لأنّ القضاء إذا سلّم أنّ أدلة القضاء تشمل أدلة الإفتاء بطريق إولی لماذا؟، لأنّه مرّ بنا في بحث التعارض إن القضاء منطوي على الإفتاء فأدلة القضاء شاملة له بلاريب بل ملزمة له أن يفصل النزاعات بحكم الأئمة فكيف بك بالإفتاء؟ لاكلام في ذلك. هذا مجمل استدلال الأعلام. معتبرة أبي خديجة استخرجت يعرف شيئا من قضايانا. فعلی أيّ حال غيرها أدلة كثيرة ذكرها صاحب الجواهر مثل الإلزام بإحقاق الحق والفصل بالحق في النزاعات وإرشاد الجاهل وإرشاد الضال ّ وغيرها وغيرها كلّها شاملة.

هذا إجمال من استدلّ بالروايات غير الآيات علی ثبوت الصلاحيات بالإفتاء والقضاء للمتجزّي. الآن واحد يقول إذاتخالفت فتواه مع الأعلم كيف؟ هذا بحث آخر قد يكون هذا هو أعلم في المسئلة أو قد يكون وفاقي مع الأعلم.

- في الردّ عن بعض الأسئلة: الأعلم إنّما هو في الخلافيات. في غير الخلافيات لايتعيّن في الأعلم. في الوفاقيات حسب ما تبنيناه يتعيّن المجموع. في الخلافيات يتعين الأعلم وقد يشخص أن هذا المتجزي في هذه المسئلة أعلم وهذه موجودة لأنّه يرتبط بموضوع بنكي سياسي أمني وهذا عنده تضلّع في هذا الجانب كما حصل أمامنا في حياتنا حتّى. مراجع كبار وثقل ثقيل، صحيح لكن في الجانب المعيّن وحقل معيّن هذا المتجزّي أكفأ من الكبار لأنّ المقدمة هنا خطيرة. ولكن في هذا المجال السياسي أو الأمني أو النفطي عنده مراس ففي هذه المسئلة هو المقدم لأنّ الأعلم ليس فقط أعلم فقط في التنظير. الإستنباط له طبقات لإدارة لتدبير لكذا. سيّما صلاحيات التنفيذ. صلاحيات التنفيذ لاترتبط فقط بالتنظير. ولذلك في ملأ من الكبار عيّن متجزّئ في جانب معيّن لخطورة الأمر. الأن مانريد نذكر الأمثلة. هذا في تاريخ الإمامية حتّی المعاصر هكذا حصل وهذا ليس مستغرب. أعلم؟ أعلم في أيّ مجال؟ لأنّ هذا أمر تنفيذي كما يحتاج لأعلم في التنظير، لأعلم في التطبيق، الأعلم في الآليات حيث يصل إلي الغلط فبالتالي الأعلمية لها درجات وفيه زوايا كثيرة وهذا حصل في مرئی كبار الأعلام الذين توفّوا رحمة الله عليهم. متجزئ؟ قطعاً متجزّئ ليس مطلق فضلاً أن يكون فقيه أو يكون كذا تصدّی والكبار قبلوه لأنّه في المقدمات التنفيذية عنده تضلّع أكثر وأعلم في هذا الجانب.

ولذلك الفقهاء رحمة الله علی الماضين وحفظ الأحياء، سيرة الفقهاء في طبقات الولاية أنّ الفقهاء إذا مونعوا عن بسط اليد لسبب أو آخر تصل النوبة إلی الفضلاء وإذا مونع الفضلاء تصل النوبة إلی عدول المؤمنين وإذا مونعوا تصل النوبة لفسقة المؤمنين في الأمور الواضحة. الأمور الحسبية كما يقولون التي لايمكن أن تعطّل ليس معناه جعل أنّ الباب مفتوح بشكل هوجائي غوغائي لكن المقصود أنّ قضية مراتب الصلاحيات لها نظام مفصّل ذكره...

-في الردّ عن بعض الأسئلة: «لابدّ للناس من أمير...»هذه ضرورة. إذا العادل متكاسل وذاك الفاسق ذو غيرة كما حصل في حياة التشيّع أنّ الفاسق ذو غيرة والمقدّس متقاعد.