الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب الإجتهاد والتقليد/تعريف الإجتهاد/_

شمول الإجتهاد لكل العلوم الدينية في المسائل النظرية القطعية والظنية

الرجوع إلی المجتهدين والفقهاء لايقتصر في التقليد عنهم

مرّ بنا أنّ تعريف علم الأصول ماهية تتطابق مع ماهية عملية الإجتهاد نظراً لما أنّ علم الأصول منهجة لكيفية استنباط المعرفة في كل العلوم الدينية وليس في خصوص فقه الفروع أو الأحكام الشرعية الفرعية، كما قد يقيّد بذلك جملة من الأعلام. لكن الصحيح أنّ علم الأصول هو منهج أو نظام منطقي ديني لمنهجة وتوزين كل عملية معرفية في العلوم الدينية، لذلك يصحّ التعبير عن علم الأصول بأنّه نظام المعرفة الدينية أو منطق المعرفة الدينية أو منهج المعرفة الدينية وكلّه سديد وتام.

كما مرّ أنّ الإجتهاد أيضاً غير خاصّ بفقه الفروع بل يشمل كل العلوم الدينية وأيضاً نبّه الأصوليين...يعني هذه نكات مهمّة في بحث تعريف الإجتهاد يعني محاور والحال أنّه جدّاً مهمّة في تعريف الإجتهاد، كما أنّ الإجتهاد بعين الأصوليين ليس خاصّ بالظنيات بل بالأمور النظرية سواء كانت قطعية يقينية أو ظنّية، فالإجتهاد دائما في الجانب النظري أو لا، قل ليس نظري عند حتّى المجتهد بل نظري قد يكون عند عموم المسلمين لكن بالنسبة إلی المجتهد قد يكون مبدّه بسبب ممارسة عملية الإجتهاد وعملية تصفّح الأدلّة ومسائل العلوم الدينية.

فهذه نكتة أيضاً مهمّة أخرى أنّ الإجتهاد لايقتصر علی الأدلة الظنّية كما قد يتخيّل أو النتائج الظنية كما قد يتخيل بل الإجتهاد يعمّ المساحة اليقينية أيضاً لكنّها نظرية وليس من الضروري أن تكون نظرية عند المجتهد أو المجتهدين والفقهاء بل هي نظرية عند عموم المؤمنين يعني لايتوصلون إليها بسهولة وباليسر أو بالقدرة العلمية العادية التي تتوفر لديهم بل لابدّ من حصول ملكة الإجتهاد لديهم. فإذاً هذه نكتة أخرى مهمّة جدّاً أنّ مساحة عملية الإجتهاد من جهة عموم العلوم الدينية ومن جهة أخری في درجة الإدراك لاتقتصر علی النتائج الظنّية أو ظنّية الدليل أو الظنية النتيجة بل تعمّ المسائل اليقينية شرط أن تكون نظرية أو ليس ضروري أن تكون نظرية عند المجتهد من الفقهاء بل هي نظرية لازم أن تكون نظرية عند عموم المؤمنين وقد تكون هي مبدّهة عند العلماء أو عند الفقهاء أو قل إجتهاد يقينية نظرية عندهم فإذاً مساحة الإجتهاد مساحة كبيرة وليست مساحة قليلة. إذاً هذه نكات مهمّة يجب الإلتفات إليها.

طبعاً قضية الرجوع إلی المجتهد سيأتي البحث فيها أنّها أين وكيف؟ أياً ما كان سيتبيّن حتّی في مباحث الضروريات واليقينيات غير النظرية بل اليقينيات المبدّهة حتی عند عموم عامة المؤمنين للمجتهدين والفقهاء دور وإن لم يكن دور تقليد الآخرين لهم لكن دورهم دور تعليمي إرشادي علمي وإذا عممنا الدور الوظيفي للإجتهاد إلی ما يشمل أكبر من مساحة التقليد بل مساحة التوعية العلمية والإرشاد العلمي سيكون في الحقيقة مساحة الإجتهاد أو المجتهد أو الفقيه والفقهاء في العلوم الدينية تعم ّكل مساحة الدين بلااستثناء لأنّه في مساحة الضروريات وإن لم يكن دور المجتهد دور التقليد عنه لكن له دور تعليمي تنبيهي ارشادي من العلماء والفقهاء موجود كما سيأتي في الإعتقادات فإنّ الإعتقادات لاتقليد فيها وأيضاً في الضروريات. صحيح ليس تقليد في البين لكن لا أنّه دور العلماء ودور العلم ينعدم بل لهم دور وهو عبارة عن توفير المواد العلمية لعموم المؤمنين بل المجتهد أيضاً لاينفرد ولايستغني عن بقية المتجهدين والفقيه في العلوم الدينية لايستغني عن بقية الفقهاء. أليس يحرم علی الفقيه أن يقلّد فقيهاً آخر؟أليس يحرم على البقية أن يقلّد فقيه أخر؟ ماأنّ الفقيه لايسوغ له تقليد فقيه آخر ولا الفقها إلّا أنّه لايسوغ له الإستبداد برأيه ولا يجوز له الإستغناء عنهم كمختبر علمي. سبحان الله! فإذاً الإجتهاد له دور وان لم يكن دور للتقليد. حتّی للفقيه أو العالم أو العالم أو العيلم من أي درجة من درجات الإجتهاد يبقی للآخرين دور. ليس دور ما في التقليد بل دورها في توفير الأفق والمساحة العلمية وهذا ملزم به للفقيه فضلاً عن غير الفقيه. فإلأحرى في تعريف الإجتهاد عدم إقتصار به عن نتائج الظنية التي هي ظنّية عند عموم المؤمنين. لا بل يشمل سواء كان التقليد أو كونه لأجل حتّى الإرشاد والتوعية العلمية. اتّفاقاً هذه المساحة أهمّ وأكبر دوراً من مساحة التقليد والرجوع في الموارد الظنّية من عموم المؤمنين للفقيه أو للمجتهد.

دور الفقيه والفقهاء مجموعاً واستغراقاً في إبقاء الدرجة العلمية للأدلة لدلالات الدين لعموم المؤمنين بما فيهم حتّى الفقهاء والمجتهدين، هذا الدور أعظم للفقهاء للعلماء من دور التقليد لأنّه دائماً هي المساحة العلم أخطر من مساحة الظنّ ومساحة الإرشاد العلمي والتوعية العلمية والإبقاء المستوی بدرجة العلم أهمّ بكثير من المساحة الظنّية، لأنّ المساحة الظنية في ظلّ وتبع المساحة العلمية ومساحة الضروريات. الضروريات أو المساحات العلمية دائما ملاكها للشرع والشارع والدين أهم بكثير، فالحري في بحث تعريف الإجتهاد وبما تبين لنا أنّه في كل العلوم الدينية درجة نتائج الإجتهاد ماتخصّ الظنيات بل تعم اليقينيات ماتخصّ حتّى العموم وعامة المؤمنين بل تعم حتّى العلماء، لأنّ دور الفقيه أيّ فقيه من الفقهاء، أي مجتهد من المجتهدين دورهم عبارة عن الإرشاد العلمي وهو كما سيأتي غير الحجية. سيأتي ماهو دور الإرشاد في الحجية.

- في الردّ عن بعض الأسئلة: الإرشاد في نفسه ليس حجة لكنه دور أخطر من الحجية.

فالمقصود أنّ ما قيل من أنّ الإجتهاد ثمرته التقليد هذا فمسامحة. ليس فقط ثمرته التقليد، دور المجتهدين ولذلك حتّى المجتهدين والفقها الذين لا يتصفون بالأعلمية لهم أدوار أخرى. لما أدوار أخرى؟ لأنّه دور الفقهاء والمجتهدين توفير الحالة العلمية التي مايمكن للأعلم أن يوفّرها بمفرده بل طاقة مجموع المجتهدين. بل لايمكن لطاقة مجموع المجتهدين والفقهاء أن يوفروها في عصر واحد. مجموع طبقات الفقهاء في القرون المختلفة، فمن ثمّ كان الفقهاء يؤكّدون علی الحفاظ علی رأي المشهور. الحافظ على رأي المشهور يعني الحفاظ عليه علمياً وكان المركوز عند الذهن العلمي في المسير العلمي للطائفة في البحوث الأجواء العلمية لماذا؟ لأنّه تكاتف الجهود العملية للمجتهدين والفقهاء. بل حتی الفضلا لهم دورهم الفضلاء الذين ليسوا مجتهدين لهم دور علمي. كيف لهم دور علمي؟ الآن هذا توسعة أكثر وصاحب الجواهر عنده هذه التوسعة في باب القضاء وكثير من الكبار. حتّى الفضلاء لهم دور، لماذا؟ لأنّ الفضلاء بإثارتهم المواد العلمية من هنا وهناك يسببون نوع من الضخم في عملية مسيرة إحياء المواد العلمية و الإرشاد العلمي وماشابه ذلك.

إذاً الإجتهاد في كل العلوم الدينية لايقتصر علی المساحة الظنّية عند العوام بل كما نبّه عليه الأصوليون يشمل المقدار القطعي ولو النظري بالنسبة إلی العوام وقد يكون حتّی نظري بالنسبة إلی المجتهدين ليس المجتهد أو الفقيه يسعه أو يقتدر بمفرده علی جمع كثير من المواد وهذا نوع من التعامل العلمي كما هو شأن في كل العلوم البشرية أو غيرالبشرية. دائماً هذه عملية التعاون أو عملية التكافل أو عملية المشاركة هذه لاريب فيها لأنّ العلم شيء مجموعي ودور المجموعي والجميع له دور غير الدور البدلي.

فائدة معترضة لتوضيح المطلب في البين: ما الفرق بين العموم الإستغراقي والبدلي؟ البدلي يعني بفردٍ ما يتحقق الملاك وتسدّ الحاجة والحال أنّ في الاستغراقي لا ليس هكذا، مع أنّه استغراقي لكن له شبه بالمجموعي. هذه نكات لطيفة في بحوث الإستنباط. في البدلي تسدّ الحاجة بفرد وكان الله غفورا رحيما، لكن في الإستغراقي لاتسدّ الحاجة إلّا بوجود الجميع. ولو هم في نحو الإستغراق لكن فيه جنبة الهيئة المجموعة ويتحقق بها تمام الملاك. مو مجموعي بشكل مجموعي، هذا مجموعي رياضي مترقّص في المعاناة الرياضية. فليس يغني ملاك عن ملاك في الإستغراقي بخلاف البدلي. فهو له مجموعي لكن مجموعي إستغراقي. في المجموفي ارتباط لكن في الإستغراقي وإن لم يكن ارتباط لكن إرتباطاُ بمعنی آخر موجود، بخلاف البدلي.

ومن المسلّم أنّ الصلاحيات التي تعطى للفقهاء والمجتهدين من قبل الائمة عليهم السلام في المسئوليات جلّها عموم استغراقي وليس بدلي. قضية الأعلمية إن فرض أنّها بدلية في كل الأبواب مع ذلك هذه لاتسدّ بقية المسئوليات الملقاة علی عاتق الفقهاء والمجتهدين في القضاء أو في التنفيذ أو ما شابه ذلك، لذلك تسالم الفقهاء علی أنّه عموم استغراقي وليس بدلي. «من كان من الفقهاء كذا كذا فللعوام أن يقلّدوه» أو التعبير «بمن نظر في حلالنا وحرامنا وكذا فاجعلوه حاكما فإنّي قد جعلته حاكما» مسلّم أنّه بنحو الإستغراق، بعض الصور بدلي أو بعض الحالات في بعض الشئون بدلي، لكنّه يقيناً هو استغراقي في أكثر الشئون وهذا تسالم عند الكل أنّه استغراقي. هذا استغراقي يعني جلّة مسئولية لا هي فردية ولاهي مجموعية بل بين بين. بل في بعض الموارد القليلة هو مجموعي وليس استغراقي فضلاً أن يكون بدلي. هذا البحث الصناعي ليس بحث صناعي هندسي طرفي ذهني بل هذا له آثار في صعيد الواقع الخارجي. لذلك تلاحظ سيرة العلماء الإمامية في كل قرونهم لا هو بدلي محض إلّا في بعض صوره القليلة ولا هو استغراقي في كل شئونه وفي بعض الشئون قد يكون مجموعي. متی يكون مجموعي؟ إذا الشيء لاينهض به الّا بمجموع الفقهاء. كما في فتوی ثورة العشرين وغيرها من مواقف العماء الإمامية.

فنرجع إلى هذا المطلب وهو أنّه خطأ في تعريف الإجتهاد أن نقتصر علی أن تكون النتائج الظنية أو الأدلة الظنية. لا، المهم أن تكون نظرية بالنسبة إلى عامة المؤمنين بل حتی لو لم تكن نظرية عند عامة المؤمنين أيضاً للفقهاء والمجتهدين دور لأنّه لاينحصر دورهم في الإفتاء بمعنى التقليد بل دورهم في الإجتهاد العلمي قائم على قلم وساق حتی في الضروريات والأمور المسلّمة لأنّ الأمور المسلّمة والبديهية إذا لم تتراكم لها جهود علمية يؤول أفقها إلى الجهالة والتشكيك والإندراس لاسمح الله وما شابه ذلك. فإذاً عملية الإجتهاد في الحقيقة عملية علمية واسعة عملية الفقهاء في كلّ العلوم الدينية من جانب و من جانب أخر هي تشمل مساحات كثيرة جدّا. هذه نقطة في تعريف الإجتهاد لابد من الإلتفات إليها.

نكمل الحيثية التي كنّا فيها أمس.

إذاً ما يتخيل من أنّ الإجتهاد والفقاهة عملية ظنّية فقط هذا غير صحيح بل هي عامّة. عملية ظنّية وعملية يقينية،نظرية أو بديهية. كثير من روّاد العلم في جملة من المسائل عندهم مبدّهة لكن بالنسبة إلى الفقهاء الآخرين نظرية، مو بس نظرية قد تكون مغفولة مجهولة لكن بالنسبة إلى الرواد بديهية. ليس مسلك التصويب بل على مسلك التخطئة. هذا ليس معناه أنّ الواقعيات أنّه الواقعي لاتتبدّل بحسب أنظار المجتهدين لكن هذه أمور تقع أنّه من كثر إشتغاله في باب تتوفر لديهم مواد علمية أكثر من غيرهم ممن لم يتضّلع أو يتبحّر في هذا الباب أو هذه المسئلة. هذا أمر مشهود لأنّ نفس التركيز والتكريز يوصل إلى نتائج خاصّة عجيبة. على كلّ بجانب الدقة والصناعة والتحقيق والعلمية له دور في ذلك لا ننفي ذلك ولأنّ زوايا عديدة تؤثّر في التضلع في باب واحد أو مسئلة واحدة. المهمّ أنّه إذاً الإجتهاد عبارة عن عملية إستنباط علمي أعم من أن تكون ظنّي أو يقيني أو بديهي أو نظري بل تشمل كل هذه المساحات وفي كل العلوم الدينية. مساحاته عامّة في كل العلوم الدينية.

نرجع إلى ما كنّا فيها أمس وهو أنّ الإستنباط في علم الأصول علی نمطين، حتّی حيثيات العلوم الدينية علی نمطين، سواء في علم التفسير أو الكلام أو الاخلاق كلّها علی حيثيتين. في علم الأصول المعروف أنّ الإستنباط استكشاف سيّما عند متأخري الأعصار كثير منهم ركّز علی أنّ الإستنباط هو إستكشاف واستطراق. هذا هم صحيح وجانب مهمّ في علم الأصول وفي العلوم الدينية هو الإستكشاف أو الإستنباط أو الإستطراق ولكن كما مرّ هناك مسائل كثيرة معنونة لها أبواب أو فصول في علم الأصول لكنّها ليس لها صلة بالإستكشاف والإستطراق أصلاً، مثل المسائل العقلية غير المستقلّة الخمس. فلذلك جملة من الأصوليون حاولوا أن يقولوا هذه ليست من علم الأصول. يعني كيف يصير اجتماع الأمر والنهي ليس من علم الأصول؟ مبحث الضدّ ليس من علم الأصول؟ مقدمة الواجب ليس من علم الأصول؟ النهي يقتضي الفساد ليس من علم الأصول؟ كيف يصير؟ بحث مقدمة الواجب من البحوث الخطيرة جدّاً مما يشتمل من بحوث وتقسيمات وماشاءالله حتّی اجتماع الأمر والنهي، حتّى مبحث الضد وهلم جرّى. هذه المسائل هي عمدة مبحث الألفاظ. كيف هي ليست من مباحث علم الأصول؟ كيف هي مقدّمة؟ إذا صارت المقدمة تصير أطول من ذي المقدمة فما يمكن قبول هذا التصنيف والحال أنّها هذه ليس فيها إستكشاف واستطراق ظنّي وحكم ظاهري يكشف عن حكم واقعي بل هذه عبارة عن توالد الأحكام أو خواصّ الأحكام من بعضها البعض. حتّی مبحث المشتق أو مبحث الصحيح أو الأعم. هل الماهيات في العبادات أو المعاملات موضوعة للصحيح؟ كيف طبيعة ماهيات العبادات؟ ماهيات المركّبات؟ هذا المبحث الصحيح والعام في العبادات وفي المعاملات. هذا المبحث هنا ارتئى كثير من الأصوليين أنّه خارج عن علم الأصول وأنّه مقدمة وأنّه حتّى لافائدة فيه، لكنّها مسامحة وغفلة كبيرة. هذا المبحث من المباحث المصيرية في مباحث خلل العبادات وبدون قدرة الفقيه والمجتهد علی مباحث الصحيح والأعم وزواياها المعقّدة مايستطيع علی حلحلة مباحث خلل العبادات، خلل الصلوة وخلل الطواف وخلل السعي والعمرة وخلل الصوم . يعني كلّها تعتمد علی قضية التركيب والتركب في الماهيات. كذلك في مبحث المعاملات أصلاً نقطة قطبية مركزية فيها أنّها كيف ماهية المعاملات؟ أنّها طبقات أو طبقة واحدة؟ مرتبة؟ كيف؟ بسيطة أو مركبة؟ اصعد انزل. هذا بحث صميمي جدًاً في الإستنباط وصناعة جدّاً خطيرة مهمّة. علی كلّ الآن هذا المبحث ليس استكشاف بل استخراج يعني بحث ثبوتي. بحث المشتقّ هم هكذا وكثير من بحوث الأصول ليست إستكشاف ودلالة والظاهر وظنّ وحكم ظاهري وحكم واقعي بل هي بحوث ثبوتية مترابطة بين بعضها البعض.

كما مرّ بنا مراراً لما حاولنا نبسط الكلام فيه باعتبار مر مراراً علينا في هذه الدورة والدورة السابقة أنّ مثل طبقات القانون، القانون البرلماني مع القانون الدستوري، القانون البرلماني كيف تمّ الوصول إليه وتقنينه والحال أنّ القانون الدستوري ليس كاشف عن القانون البرلماني ولا هو قاعدة فقهية وتطبيق قاعدة فقهية كلّية علی نفس القاعدة الجزئية، بحيث أنّه المحمول الموجود القانوني في القانون البرلماني هو نفسه. ماهيتهما مختلفتان صورة وعنواناً وقالبا. كيف يستخرج؟ مثل الآن مولود بين إنسيين الذكر والأنثى، هذا ماهيته تختلف عن ... يعني هو زيد بن أرقم، أبوه أرقم... توليد يعني. فالقوانين البرلماني تستخرج(إستخراج هذا ليس كاشف حكم ظاهري عن موقعي) من القوانين الدستوري. كذلك في الفقه وعلم الكلام وعلم التفسير أيضاً هذا الإستخراج موجود. لا هي قاعدة فقهية تطبيقية ولاهي قاعدة كلامية تطبيقية.نعم فيها القواعد التطبيقية موجودة ولا هو حكم ظاهري عن الواقعي وإن يكون موجودا في العلوم الدينية وفيه حيثية ثالثة وهي الإستخراج. تعبير الفقهاء بمذاق الشريعة وروح الشريعة ليس فقط في فقه الفروع حتّی في علم الكلام موجود. المقاصد في علم الكلام وعلم التفسير وعلم الاخلاق. فانتشار هذا الإستنباط في العلوم الدينية سواء في الفقه أو الأصول...شوف الاستخراج الثبوتي في علم الأصول غير الاستخراج الثبوتي في فقه الفروع، مسائل عقلية خمس أصولية وليست فقهية وليست من العلوم الدينية بل من نفس علم الأصول.

هذه المسائل ليست حكم ظاهري عن الواقعي ولا هي تطبيق محض ساذج كالقواعد الفقهية بل هي استخراج. إذاً عملية الإستخراج عملية منطقية يمارسها المجتهد والفقيه في علم الأصول وعلم التفسير والفقه والكلام والأخلاق والآداب والسيرة وغيرها من العلوم وهي عملية ثبوتية في منهج منطقي.

لعلمكم حتّی في المنطق البشري عندهم هذه الصناعة وقد يعبّر عنها بصناعة التحليل والتركيب، غير الأقيسة التي هي تطبيق قواعدي فقهي ساذج وغير القياس الاقتراني وهذه المدرسة مندرسة في المنطق البشري. هذه المدرسة تسمّى صناعة التحليل والتركيب والحال أنّها هي أعظم الصناعات المنطقية يعني إستخراج.