الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الاجتهاد والتقليد، تعريف الاجتهاد

 

الفارق بين مدرسة النص ومدرسة الرأي

 

معنی الاستنباط في تعريف علم الأصول

 

الاستخراج والاستكشاف والتطبيق والمدارس الثلاث في الاستخراج

 

في ختام تعريف الاجتهاد علی وفق مدرسة النص في مقابل مدرسة الرأي هذا التعريف يذكر أن الاجتهاد في مدرسة النص بكل طبقات الوحي هو إدراك الوحي والوصول الی الوحي حسب مصادر الوحي المتوفرة الی عموم البشر.

في مدرسة النص الاجتهاد إدراك أو فهم النص والوصول الی الوحي بينما في مدرسة الرأي أو الاجتهاد في الطرف الآخر نوع تكوين للرأي والحكم لا أنه وصول الی الوحي. شبيه ما يقال في الفرق بين العقل النظري والعقل العملي، العقل النظري مرآة يدرك به الواقعيات، فهو إدراك لا أن يصطنع شيئا، بينما العقل العملي ينشأ حكما، مثل الحاكم الذي ينشأ الحكم.

إذاً في مدرسة الرأي تكوين الحكم وفق النزاعات الموجودة أما في مدرسة النص عبارة عن الإدراك وليس فيها تصرف. فالآية الكريمة «ليتفقهوا» يعني يتفهموا والتفهم. هكذا قرر الفرق بين الاجتهاد في مدرسة النص والاجتهاد في مدرسة الرأي بين التكوين والإدراك ففيهما فرق جوهري.

لكن لأجل التوسع الأكثر في هذا الفارق في تعريف الاجتهاد لا بأس أن نتطرق الی تعريف علم الأصول، لأن الاجتهاد في الحقيقة عملية مرتبطة بعلم الأصول ومرتبطة بعلم الفقه سواء فقه الفروع أو فقه العلوم الدينية عموما. الاستنباط والاجتهاد الذي يتم بحثه ليس في خصوص فقه الفروع بل عبارة عن مطلق الاستنباط في العلوم الدينية وتخصيصه بعلم الفروع ليس في محله، لما مر بنا في محله من أن الاستنباط أو المعرفة الدينية عامة لكل العلوم الدينية وفقه الفروع كشيء بارز لا أنه خاص بفقه الفروع.

فإذًا الاستنباط له جهة ترتبط بعلم أصول الفقه، فقه الدين ومن جهة أخری ترتبط بالعلوم الدينية أبرزها فقه الفروع، لما مر مرارا أن الاستنباط في المعرفة الدينية مرتبط بكل منظومة الدين، الآداب والأخلاق المرتبطة بعلم الروح أو فقه الفروع المرتبط بعلم البدن، كما هو المقرر أن معرفة الدين غير خاصة لخصوص الفروع وكما هو متواتر عن النبي صلی الله عليه وآله: «العلم كله فضل إلا ثلاث، آية محكمة -العقائد- وسنة قائمة -مرتبطة بعلم الروح والاداب- وفريضة قائمة -مرتبطة بفقه الفروع-».

فإذاً الاجتهاد والاستنباط المبحوث عنه في تعريف الاجتهاد مرتبط بكل المعرفة الدينية وليس خاصا بالفروع. فلأنه مرتبط من جهة بعلم أصول الفقه ومن جهة مرتبط بكل المعرفة الدينية إذاً يرتبط الاجتهاد كعمل علمي بتعريف علم الأصول. بعبارة أخری دخول تعريف علم الأصول في تعريف الاجتهاد دخول بنيوي ماهوي لا أن تعريف علم الأصول مختص بعلم الأصول بل مرتبط أيضا بنيويا بنفس الاستنباط. وكأنما وجهان لماهية واحدة.

هذا الارتباط بين تعريف علم الأصول وتعريف عملية الاجتهاد أمر يغفل عنه، يعني أن الإرتباط عبارة عن حقيقة واحدة لكن من جهتين، تارة تتكلم عن العلم وتارة تتكلم عن عمل علمي في ذلك العلم مثل الايجاد والوجود أو من قبيل المصدر والفعل أو المصدر واسم المصدر، فالاختلاف بين تعريف الاجتهاد وتعريف علم الأصول من هذا القبيل. لذا هي ماهية واحدة.

تعريف علم الأصول

عدة تعاريف لعلم الأصول معروفة مشهورة وعند المتأخري الاعصار هذا التعريف رائج أكثر وهو العلم بالأدلة لاستنباط الحكم الشرعي أو الأدلة المقررة لاستنباط الحكم الشرعي أو البحث عن دليلية الأدلة لاستنباط الحكم الشرعي، يعني الألفاظ المتقاربة لتعريف واحد فهنا ربط بين عنوان الاستنباط وعنوان دلالة الأدلة ودليلية الأدلة وبالتالي يكون الاستنباط بمعنی الاستكشاف والاستطراق. إذاً يكون معنی علم الأصول فيه دائما حالة كاشفية والاستطراق وبالتالي حيثية علم الأصول حيثية كاشفية والاستنباط يكون إثباتيا.

هذا هو المعروف في تعريف علم الاصول. مباحث الالفاظ كاشفية تصورية مثلا ومباحث الحجج كاشفية تصديقية. لكن كما مر بنا مرارا هذا أحد الحيثيتين في علم الأصول. هو كما فيه الاستكشاف والاستطراق والإثبات كذلك فيه حيثية أخری موازية من أول مباحث الألفاظ الی آخر الحجج حيثية أخری لاصلة لها بالاستكشاف والاستطراق وانما هي نوع من التوليد والولادة الثبوتية لماهيات وأحكام من طبقة أحكام فوقية.

المعنی الثاني للاستنباط يكون بمعنی الاستخراج الثبوتي وهو يناسب المعنی اللغوي للاستنباط، استنبط يعني أخرج النبت الذي يكون في قعر البئر، استنبط البئر يعني اخرج نبتها أي نباتها ليكون صافيا، هذا الاستخراج يعبر عنه الاستنباط. فالاستنباط عملية ثبوتية وعملية تكوينية وليست عملية الاستكشاف والاستطراق. فالاستنباط يعني الاستخراج وهذا موجود في علم القانون نظير القوانين الدستورية يستخرج منها ثبوتا القوانين البرلمانية واستخراج القوانين البرلمانية من القوانين الدستورية ليس استكشافا أو استطراقا، يعني أنه ليس من قبيل دلالة الظهور ومفاد الظهور أو من قبيل الانباء والطريق والمنبأ أو العموم ومفاد العموم، هذه حيثية استكشافية واستطراقية أما الموارد الأخرى مثل مباحث الأحكام العقلية غير المستقلة الخمس إجتماع الأمر والنهي هذه ليست بحثا اثباتيا أو بحث الضد التضاد أو المقدمية وأنواع وأقسام المقدمات وأقسام الحكم الواجب وماشابه ذلك، الواجب المعلق والواجب المشروط وأقسام الوجوب هذه كلها بحوث ثبوتية ويتولد منها أحكام أخری وليس هي بحوثا إثباتية. ومن هذا القبيل كثير وهو الذي يطلق عليه في علم الأصول في موارد عديدة باسم وعنوان المبادئ الأحكامية، يعني كل مسألة في علم الأصول لها مبادئ وهذه المبادئ لاداعي ولايصح أن تجعل خارج علم الأصول وإلا يخرج أكثر من نصف علم الأصول بحثه الأصوليون ببحث مبسوط ومعمق ومنتشر، فكيف تكون خارج العلم؟

فإذاً الاستنباط في علم الأصول والاجتهاد نمطان أو سنخان من العمل، عمل استكشافي وعمل استخراجي. كيف تستخرج القوانين البرلمانية من القوانين الدستورية أو القوانين الوزارية من القوانين البرلمانية أو القوانين البلدية من القوانين الوزارية حسب طبقات القوانين، كل طبقة من القانون الفوقي يتوالد منها تكوينا قوانين أخری. طبيعة علم القانون والمعادلات القانونية طبيعة وماهية مترابطة بنيويا ذاتيا ورتبيا وترابطيا وتعاقبيا وهذا يسمی التوالد وهذا في صميم علم القانون وليس خارجا من علم القانون سواء في القوانين السماوية أو الشرعية. فهذه الخاصية في علم القانون أيضا من شئون الفقيه والمجتهد والمستنبط يمارسها. هذه الحيثية من استخراج الاحكام يعبر عنها بمدارس ثلاث.

هذا الاستخراج يختلف عن تطبيق القاعدة الفقهية ويختلف عن الاستكشاف مثل حجية الظهور. يعني الاستنباط بمعنی الاستكشاف سنخ وتطبيق القواعد الفقهية سنخ ثاني. السنخ الأول حيثية أصولية إثباتية والسنخ الثاني حيثية فقهية أو ما يقال مسئلة أصولية أو مسئلة فقهية أو ما يقال قاعدة أصولية وقاعدة فقهية. عبارات لشيء واحد. مثلا التعبير بالحكم الظاهري في علم الأصول يعني الاستكشاف الظاهري يكشف عن الحكم الواقعي والتطبيق في القاعدة الفقهية مثل لاضرر ولاتعاد تطبيق ساذج محض.

هناك حيثية ثالثة من علم الأصول تختلف عن الحيثيتين عن الاستكشاف وعن التطبيق في القواعد الفقهية، هذه الحيثية حيثية استخراج الأحكام من بعضها البعض ثبوتا وماهويا وبنيويا. هذه الحيثية الثالثة ظاهرة ربما التدقيق فيها مستجد.

مثلا نلاحظ في حيثية استكشاف الحكم الواقعي عن الحكم الظاهري يشير الی الاستنباط بمعنی الاستكشاف والميرزا المجدد شدد كثيرا في بلورة وقولبة حيثية الحكم الظاهري والواقعي وأن وظيفة علم الأصول وظيفة ظاهرية وهلم جرا وانصافا تنقيحات رائعة في كلمات تلاميذ الميرزا المجدد وصحيحة، لكن هذا يشير الی الاستنباط بمعنی الاستكشاف ولا يشير الی الاستنباط بمعنی الاستخراج. هذا المعنی غير التطبيق الساذج في القواعد الفقهية. طبعا الصحيح كما سنبين أن الاستخراج حيثية ثانية موجودة في الفقه أيضا. الفقه فيه حيثيتان حيثية قواعد فقهية تطبيق ساذج وحيثية الاستخراج الموجودة في علم الفقه. هذه القضية للاستخراج موجودة في علم الفقه وعلم الاخلاق والعلوم الدينية طرا. العلوم الدينية لها نمطان من الحيثيات. نمط قواعد فقهية تطبيقات ساذجة، الكلي والمصداق ونمط آخر هو الاستخراج. في علم الكلام استخراج وكل العلوم الدينية وفي علم الأصول أيضا حيثيتان. حيثية الاستكشاف وحيثية الاستخراج.

هذه الحيثية المنتشرة في العلوم ماهو؟ مر بنا أنه حيثية ثبوتية وليست خاصة بعلم الأصول. في علم التفسير وقواعد علم التفسير حيثيتان حيثية قاعدة ساذجة مثل القواعد الفقهية وقاعدة بمعنی الاستخراج. ما هو الاستخراج؟ في هذه الحيثية الثالثة الاستخراج ثلاث مدارس اعتنت باستكشاف هذه الحيثية الثالثة. مدرسة مشهورة عند علماء الإمامية تسمی مدرسة روح الفقه أو روح الشريعة. منهج ومدرسة لاستكشاف هذا الاستخراج تسمی بمذاق الفقه في تعبير صاحب الجواهر. يقول الضابطة مذاق الفقه. الفقه له مذاق ويدرك بالذوق ولايدرك بالفهم والفكر فقط. كل نفس ذائقة الموت. الذوق شيء آخر. هذه مدرسة لاعتناء حيثية الاستخراج.

مدرسة أخری عند العامة مشهورة وهي مدرسة فقه المقاصد مثل الأصول الدستورية وهذه لانستطيع أن نقصرها علی العامة لأن قبل القرطبي والاندلسي المحقق الحلي في القرن السابع والشيخ الطوسي في المبسوط عندهما هذا المنهج. المحقق الحلي في باب وباب ومسئلة مسئلة يقول: هذا أوفق بأصول المذهب وقواعده. أي وفاق هذا؟ ليس وفاقا كقاعدة فقهية. نستطيع أن نقول أن علماء الإمامية بارعون في منهج فقه المقاصد. ممشی المحقق الحلي والطوسي وغيرهما من الاعلام في هذه الحيثية أو المدرسة الثالثة. المهم ليس خصوص مدرسة ذوق الشريعة أو مذاق الفقه كما ان الكثير يصر عليه من صاحب الجواهر أو كاشف الغطاء أو غيرهما من الاعلام.

إذاً المدرسة الأولی في الحيثية الثالثة مدرسة ذوق الشريعة ومذاقها والمدرسة الثانية مدرسة فقه المقاصد وليس خاصا بالعامة وإن كتب كثير منهم فيها لكن استعمل ضوابطهم قبلهم جملة من العلماء الاعلام وكتاب الشرائع مملو بهذه النكات أو الشيخ الطوسي في المبسوط أيضا.

المدرسة الثالثة والتي نتبناها وهي أمتن وأقوی من المدرستين هي مدرسة أصول القانون. الان في علم القانون الحديث الحديث عنها بشكل ولادة جديدة عندهم وإن كان وجودها في البحث الحوزوي أقدم من البحث الاكاديمي. يعني نفس تعابير المحقق الحلي ينطبق مع مدرسة أصول القانون أيضا أو المبسوط أو غيرهما من الأعلام. هذا التعبير بأصول المذهب وقواعده كثير عندهم. وهذا ليس من قبيل التطبيق الساذج للقواعد ولا هو الاستكشاف. وإنما نظام آخر وهو الإستخراج.

أصول القانون نفس هذا التعبير والاصطلاح الأصل فيه يعني المبدأ والقانون يعني الحكم وهذا موجودة طيلة عشرة قرون عند علماء الامامية، المبادئ الأحكامية، المبدأ يعني الأصل والحكم يعني القانون. فمدرسة أصول القانون موجودة عند قرون في كلمات علماء الامامية وبدون تعصب علماء الامامية في علم الأصول لهم سبق فيها بحمد الله وليست ظاهرة صدفوية بل لها مناشئ مرتبطة بالحقيقة والواقعية وهي التي تميزت مدرسة الامامية بتوفق في علم أصول الفقه. إذاً هذه الكلمة المبادئ الاحكامية نفس أصول القانون أو أسس الحكم تسمية ثالثة أو أصول الأحكام ربما سبعة أو ثمانية تسميات يعبر عن هذه المدرسة .

إذًا هناك ثلاث مدارس تعتني بحيثية الاستخراج وهناك ثلاث حيثيات تختلف عن بعضها البعض، حيثية الاستخراج وحيثية الاستكشاف وحيثية ثالثة وهي القواعد الفقهية وطبيعة القواعد الفقهية تختلف عن حيثية الاستخراج والاستكشاف. هذا الاستخراج موجود في علم الفقه. يعني المبادئ الأحكامية موجودة في علم التفسير وعلم الفقه وعلم الكلام وعلم الاخلاق والنفس والاداب وكل العلوم الدينية. إذاً بالتالي المجمل المحصل ثلاث حيثيات وهذه لحيثية الثالثة تعتني بها ثلاث مدارس.

فقط كلمة ونختم، هذا التعريف في علم الأصول أنه باحث عن دليلية الأدلة يمكن أيضا أن يشمل كلا الحيثيتين. حيثية الاستخراج وحيثية الاستكشاف. كيف؟ لغد ان شاء الله.