41/10/18
الموضوع: باب الاجتهاد والتقليد، تعريف الاجتهاد
معنی القياس في الروايات
مر بنا في تعريف الاجتهاد تعريف الاجتهاد في مقابل مدرسة النص أو مدرسة الرأي في مقابل مدرسة النص ومن أهم معالم مدرسة الرأي كما هو المعروف القياس والأقيسة العقلية وهي تعتمد علی القياس في مقابل النص يعني في مقابل الوحي، بالقياس العقلي والأقيسة العقلية بالمعاني الثلاثة وأيضا المعنی الرابع.
أحد اشكالات مدرسة الرأي هو الإعتماد علی هذا المعنی الرابع عندما يرفع شعار حسبنا كتاب الله والاعتماد بالقرآن وهو قياس شكله وحياني لكن واقعه قياس عقلي. هذا معنی رابع من القياس ولعله هو الأكثر إرادة. فإذاً مدرسة الرأي مقابل مدرسة النص يعني مدرسة الرأي مقابل مدرسة الوحي فيها القياس أبرز شيء والقياس الذي أبرز شيء هو وحي مقابل وحي لكن في الحقيقة ليس الوحي مقابل الوحي بل المقصود منه هكذا أنه يرتئي العقل أن يعتمد علی الوحي النازل من دون أن يجعل للوحي الصاعد هيمنة، فيكون من العمل بالوحي النازل بارتئاء ورؤية العقل فيصير قياسا عقليا وإن كان المادة صورتها وظاهرتها وحيانية لكن واقعها ارتئاء ورؤية عقلية بحدود ادراك العقل البشري.
شبيه بما نحصر تفسير القرآن بالقرآن ونستعين بالقرائن القرآنية وهو حصر تفسير القرآن بالقدرة العقلية البشرية لإدراك القرآن ويسمی في اصطلاح الوحي قياسا لأنك اعتمدت علی القدرة البشرية المحدودة في الوصول الی النتيجة، في مقابل توفر وحي أعلی حجية وأعلی هيمنة يتركه الانسان ويكتفي بالمواد الأدنی، بالتالي يصير قياسا عقليا يعني يعتمد الانسان في استخراج النتائج في الهداية في معرفة هداية الله وحكم الله يعتمد علی قدرته العقلية ويستبد بها دون ما توفر له من الوحي الأعلی. اصل القياس هكذا.
تلك المعاني الثلاثة صحيحة وموجودة لكن بالدقة تلك المعاني تشبث بالوحي أيضا والمشكلة فيها أنها تشبث بالوحي في مقابل الوحي الأعلی فتلك المعاني أيضا ترجع الی هذا المعنی. فالمعنی الرابع أن يعتمد علی الوحي النازل بقدرته العقلية المحدودة ويترك ما يتوفر له من قناة وحيانية أعلی. الأزمة هنا.
طبعا من باب أن نخوض في بسط هذا المعنی، إذًا هذا المعنی أبرز شيء في مدرسة النص ومدرسة الوحي ونفس هذا المنهج منهج القياس يعني منهج الاعتماد علی القدرة العقلية والاستبداد علی العقل في الوصول الی النتائج ولو استند الی المواد الوحيانية فأبرز شيء في مدرسة النص هو هذا.
قبل ان نخوض في بسط هذا المعنی لابد من الإلتفات الی هذه الجهة يعني ما مر بنا من الأمثلة القرآنية وبيان روائي منهم عليهم السلام في هذه الايات فلايحسب الانسان أن النبي موسی اعتمد علی الأقيسة العقلية كاعتماد الفقهاء علی الأقيسة العقلية في مقابل الوحي. هل الفقهاء يساوون النبي موسی عليه السلام في العلم؟ هذا ليس مرادا مع أنه ورد في الروايات لكن ليس المراد.
أو اعتراض النبي إبراهيم علی الأمر الآتي من الله لإهلاك قوم لوط عندما جاءته البشري واعتمد علی القياس العقلي فهو نظير اعتراض ابليس علی النبي إبراهيم في ذبح إسماعيل واعتمد ابليس لكي يحقق إغواء النبي إبراهيم وما استطاع واعتمد علی المواد الوحيانية لكن مواد وحيانية أدنی رتبة من هذا الذي أمر به الله تعالی في ذبح إسماعيل. اعتراض إبليس ليس تشبيها أو اعتراض الملائكة في استخلاف آدم (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس) فالمقصود ليس الفقهاء والعلماء كالانبياء.
أولا ما يوحی الی أي نبي مثل النبي موسی وعيسی اكتفاءهم بهذا الوحي دون الوحي الأعلی يسمی قياسا عقليا أو الاعتماد علی القدرة البشرية العقلية لكن مع ذلك لايساوون بالفقهاء والعلماء غير المعصومين لأن النبي موسی في ما أوحي اليه يعلم هذه المنظومة بتمامها بخلاف علماء بني إسرائيل الذين كانوا تابعي النبي موسی إنما كانوا يعلمون درجات من الوحي الإلهي للنبي موسی ولايعلمون منظومته وتفاصيله، ثم جملة منهم واقعيون وظاهريون وفوارق كثيرة ذكرناها في كتاب الإمامة الإلهية. ليس قياسا بين الفقهاء والعلماء مع الأنبياء وليس هناك قياس وتشبيه.
حتی في هذا المقدار لايساوی العلماء والفقهاء والعرفاء بالانبياء، حاشا، فوارق ست أو أكثر ذكرناها في الإمامة الإلهية. أين من لديه العلم اللدني لما أوحي اليه مثل النبي إبراهيم وموسی وعيسی وغيرهم وبين من يعتمد علی ظواهر مما أوحي الی الأنبياء. فاصل كبير إذاً التشابه في هذه الجهة أن هؤلاء العلماء أخذوا بشيء من المواد الوحيانية مثل ما يقول الامام الصادق فقهاء هذه الامة إذا اعتمدوا علی ما علموه من النبي والقرآن وتركوا العترة، يعتمدون علی القياس العقلي يعني حدود قدرتهم العقلية اعتمدوا عليه وتركوا ما هو الوحي الأعلی. فما لديهم وحي متنزل أو ظاهري أو أبعاضي ويترك ماهو أعلی من قناة الوحي اعتمادا علی القدرة العقلية.
التشابه في هذه الجهة لا التشابه في أن نقول أن الوحي النبوي عند النبي إبراهيم يساوي علماء عصره غير المعصومين أو نقول أن الوحي الذي عند النبي موسي يساويه ويشابههه علماء بني إسرائيل، لذلك القرآن الكريم يقول (أنزلنا التوراة فيها هدی ونور يحكم بها النبيون والربانيون والأحبار) الأحبار مرتبة لاحقة ومتأخرة. حتی في ما أوحي الی النبي موسی. لايحيطون بالتوراة كما يحيط بها النبي موسی.
إذاً التشابه في أن النبي موسی اعتمد علی التوراة ولم يستمد من القرآن أو لم يستمد من علم الخضر الموجود لديه كأنما تشابه بين النبي موسی والعلماء التابعين للنبي موسی في أنهم يعتمدون علی المقدار الذي يكتنفونه من الوحي ويتركون الوحي الأعلی بالقدرة العقلية لا أن الأنبياء يشابههم الفقهاء والعلماء. التشابه في الاعتماد علی ما لديهم من الوحي ويكتفون ويقتصرون به عن وحي سيد الأنبياء أو عن الوحي الموجود عند سيد الأوصياء فيكون اعتمادا علی القياس العقلي يعني قدرتهم العقلية فقط. إذاً لاقياس بين الأنبياء والعلماء التابعين لهم إلا في هذه الجهة.
يعني مثلا الأحبار التابعين للنبي موسی عندهم قطرة من التوراة لكن إذا اكتفی النبي موسی بهذا البحر من التوراة ولم يغص في بحر القران لسيد الأنبياء، الكلام الكلام شبيه بالأحبار الذين اكتفوا بقطرة من التوراة وتركوا التوراة عند النبي موسی. كأنما يقولون حسبنا التوراة وأي توراة عندكم في قبال التوراة التي عند النبي موسی مثل إناء صغير وبحر. هذه العملية من التفرد بالقدرة العقلية من الوحي بمقدار ما أخذ عما هو أعلی من مراتب الوحي التشابه هنا لذلك هنا فرق آخر بين الأنبياء والعلماء التابعين لهم ان الأنبياء ليس عندهم غي وإصرار علی هذا الجانب بل ربما ترك أولی عندهم وعندما يسددهم الوحي يرجعون، مثل النبي موسی والخضر ومثل النبي إبراهيم (يا إبراهيم أعرض عن هذا قد جاء أمر ربك) يا نوح إني أعظك أن تكون كذا كذا. فرق الأنبياء عن العلماء هذا. لكن العلماء لايتبعون ما توفر عندهم من الوحي ولايتبعون العترة بما أنهم معاندون وجاهدون. ست فوارق ذكرنها في الامامة الإلهية ظاهري وواقعي وغيره قضايا كثيرة. أيضا الإصرار وعدم الإصرار والتسديد وعدم التسديد كما أشار اليه الامام الصادق عليه السلام لكن علاوة علی ذلك أصلا ليس قياسا في أصل المادة الوحيانية الموجودة عند الأنبياء والعلماء التابعين لهم وليس تشابها وتساويا. إنما التساوي في ما ارتكبه الأنبياء والملائكة في ترك أولی وما ارتكبه ابليس وما ارتكبه العلماء الجاهدين في شبه واحد أن الانسان يعتمد علی ما لديه من الوحي ويترك الوحي الأعلی. هذا نهج الاعتماد علی العجز العقل البشري ولو بالمواد الوحيانية. هذا جانب لتوضيح أن لايوجد ايهام للتساوي بين الأنبياء والعلماء التابعين لهم.
الان مثلا يقال الشرك الخفي والشرك الجلي ربما غير المعصومين من الأنبياء يتركون الشرك الجلي أو الوسطي وإنما يرتكبون نوعا من الخفي الخفي الخفي الخفي الأخفی وترك اولی. صحيح كلها من مراتب هذا المطلب لكن ليس هو عينه. مثل الاعتراض علی الله وهو شرك خفي جدا. إني أعلم ما لاتعلمون، إن الملائكة لايكفرون بهذا لكن يغفلون عنه وفي الروايات أن الاعتراض ليس من كل الملائكة بل الملائكة النازلين فالمقصود أن الخلاف خلاف لكن ليس الخلاف الذي يرتكبه المعصومون كالخلاف الذي يرتكبه غيرهم. الخلاف الذي يرتكبه المعصومون ترك أولی. هذا مبحث عقائدي طويل وعريض ولسنا في صدده في هذا المجال في القياس في الجهة الأصولية لكن في بعض الالتباسات الكلامية لابد منها.
مثلا الحسد موجود في الروايات الكثيرة آخر شيء يخرج من قلوب الأنبياء الحسد والطيرة، أي حسد؟ الحسد الذي هو ترك أولی في قلوب الأنبياء غير الحسد عند ابليس وليس تشابها بينها. بل النبي آدم هو نبي التوبة أصلا توبته نبوية. يعني نبي يعلم البشرية كيف يتوبون الی الله حتی التوبة من النبوة ولها القيادة ومدرسة قيادية اصطفائية. لذلك أهل البيت يذكرون في وصف آدم أنه كان من البكائين يعني القدوة في البكاء. نفس توبة أدم توبة اصطفائية وقدوة لذريته فلايقايس وضع الأنبياء ولايشابه بغيرهم من العلماء أو الفقهاء العياذ بالله، إنما اصل الماهية بدرجاتها اللامتناهية هذه الماهية تسمی الحسد أو القياس العقلي لكن الدرجات التي يرتكبها الأنبياء درجات خفية جدا وترك أولی وليست معصية بخلاف الدرجات التي يرتكبها العلماء غير المعصومين.
إذاً القياس العقلي الذي يبينه الائمة أهل البيت في مواطن عديدة من القرآن ليس المراد به المعاني الثلاث بل حتی المعاني الثلاث سيتبين ترجع الی المعني الرابع وهو الاعتماد علی المواد الوحيانية المعينة وترك المواد الوحيانية الأعلی رتبة والحجة الأعلی كيف تترك وتأخذ بالحجة الأدنی، شبيه ما ينادي به القرآن الكريم (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله). ليس عندهم قدرة علی تأويله بينما القرآن يصف الذين اوتوا العلم من المطهرين من أهل البيت الذين ورثوا الكتاب بعد النبي يصفهم بان القرآن كله بيّن في صدورهم وليس بعضه بينا وبعضه متشابها. كل مراتبه بيّن لأن عندهم قناة وحيانية من الله فمايكون عندهم شيء متشابه.
المقصود أيا كان إذاً في القياس العقلي يرجع في معناه يعني أنت تعتمد علی مواد وحيانية بحدود قدرتك العقلية وتترك ما هو أعلی من الوحي هذا معنی القياس وهذا عمل بالاجتهاد يعني جهدك الجهيد المحدود في مقابل الوحي الأعلی مدرسة الرأي والقياس في مقابل مدرسة النص. لانظن أن مدرسة القياس قضايا ظنية عقلية بحطة ليس هكذا.
إذاً هذا مما يدل علی أن مراتب الحجية في الوحي امر مهم وخطير. وهذا سبحان الله سر أن القرآن الكريم في حين أنه يقول لانفرق بين احد من رسله مع ذلك يقول وتلك الرسل فضلنا يعني صحيح كله وحي لكن الوحي مراتب في حين أن القرآن يقول هو الذي أنزل الكتاب منه آيات محكمات وأخر متشابهات يعني من الوحي لكن يقول فرق بين المحكمات هي أم ومركز ومهيمنة وبين المتشابهات. إذًا لايغرنك وحيانية المتشابهات، هذا تعبير صاحب الجواهر يقول الدليل الذي فيه عموم لايغرك، كيف يغرك؟ يقول اذا اكتفيت به دون الدلائل والأدلة فيصير غرورا حتی التعبير الموجود في زيارة الغدير من الامام الهادي هكذا أن هذا نوع من الفتنة والشبهة أن الانسان يفتتن بوحي نازل ويترك الوحي الصاعد فهي نوع من الفتنة وسماه القرآن فتنة. إذا توفر لك الوحي الصاعد كيف تكتفي بالوحي النازل هذا اعتماد بالدقة علی القدرات العقلية في مقابل الوحي فيصير قياسا عقليا. انت حكّمت العقل وما حكّمت الوحي. دور العقل متعلم ومخاطب وله دور الفهم والتلقي والادراك هذا دور خطير لكن الملقي هو الوحي علاقة المعلم والمتعلم. التعليم لايحصل بالمعلم فقط ولا بالمتعلم فقط بل بهما. هذا ليس فقط علی صعيد العقل بل علی صعيد الوجدان أيضا.
المقصود أيا ما كان إذاً القياس العقلي تجلی له معنی آخر. إذا أحصر تفسير القرآن بالاعتماد علی القرائن العقلية والجهد العقلي البشري هذا قياس عقلي هذا بالدقة ليس تفسيرا بالقرآن بل تفسير بالعقل البشري لذلك. ما يعلم تأويله الا الله ولايمسه الا المطهرون. إذاً يحتاج البشر الی معلم الهي.
طبعا هذا البيان غير البيان حشوية الأخباريين حيث يقولون إن ظواهر القرآن ليست بحجة،َ علماء الأصول الذين يقولون بحجية ظواهر القرآن لايقولون بها إذا استبد بها الفقيه أو المفسر أو المتكلم عن العترة وعن السنة. طبعا في موارد المتناول الی اليد يجب أن تضم اليها.
القياس العقلي يكون إذا توفر لديك ولو بالفحص والتتبع ولو بالجهد الجهيد في التتبع في المصادر هنا إذا استبددت أنت سيكون منك بالتالي نوع من القياس العقلي والاستبداد العقلي أما إذا لم تتوفر هذا المقدار الموجود يطلب به المسير فإذاً في تلك الموارد التي يمكن ولو بالفحص أن تقف علی الموارد الوحيانية هنا حتی علماء الأصول يقولون ظواهر القرآن ليست حجية إلا أن تضم اليها التتبع في النصوص كما أن في القرآن الظاهر في سورة ليس حجة من دون التتبع في ظواهر الآيات في سور أخری. إذا لم تتوفر في الأدلة هذا المقدار الموجود حجة وهي ظاهرية وأنت معذور في العمل بها.
علی كل البحث فيه ضوابط عديدة يجب الالتفات اليها ونكملها ان شاء الله.