41/10/15
الموضوع: تعريف الاجتهاد، الاجتهاد مقابل النص، معنی مدرسة النص
كان الكلام في تعريف مدرسة النص أو مدرسة الاجتهاد في مقابل مدرسة النص يعني أن أحد الاستعمالات الشائعة عند الطوائف الإسلامية أو المذاهب الإسلامية عند الفقها والاصوليين والمتكلمين منهم أن هناك معنی من الاجتهاد يقابل النص فمر بأن المراد من النص الذي يقابل الاجتهاد عند العامة المراد به مطلق الوحي وليس خصوص استعمال آخر من النص بمعنی المتوفر في سطح الألفاظ وكما مر أنه للأسف يشتبه كثير في معنی مدرسة النص في هذا المعنی سواء من المخالفين أو من الخاصة أيضا في ترسيم المنهج، فما أن يبتعد دلالة الألفاظ عن سطح الدلالة يسجل علی ذلك أنه ليس من النص وأنه نوع من الاستدلال غير التام.
هذا البحث جار حتي في الظهور أنه ما المراد من الظهور، كأنما البعض تجذر في ذهنهم بأن المراد من النص أو حجية الظهور هو المعنی المتوفر في سطح دلالة اللفظ بحيث يكون بيّناً ولا يحتمل غيرها بتاتا، هذا نوع من الحشوية والقشرية في الاستدلال باسم أنه منهج اصولي وصناعي والحال أنه ابعد ما يكون عن الصناعة الأصولية، بينما نلاحظ كما مر بنا المثال أمس في كلام السيد المرتضی في كتاب الشافي يقول: إن شيئا مثل أصول الدين وهو الإمامة يأخذ من دلالات ظاهرية لا النصية بالمعنی المقابل للظاهر إلا أن هذه الدلالات تتراكم تواترا في آيات القرآن وتكشف لنا عن بنيان عظيم يكون من أصول الدين، لأن أصول الدين يتطلب أن تكون مبدّها لا أن يكون قطعي الدلالة فقط بل يكون مبدها وليس فقط مبدها بل المدلول له خصوصية معينة، فكم شرط لازم في أن يكون شيء من أصول الدين لا أن يكون ضروريا من ضروريات الدين ولا قطعيا من قطعيات الدين. إنما هو خصوص أصول الدين وهي مرتبة جدا خطيرة.
كيف يسلم سيد المرتضی من دلالات آيات القرآن أنه يستفاد منها أصل من أصول الدين كالإمامة والولاية رغم أنه يعترف في جملة من الآيات أن الظهور خفي وليس جليا فكيف يصير مبدها وكيف يكون قطعيا، فضلا عن الاحاديث النبوية المتواترة.
هنا نكتة جدا مهمة؛ لاحظ أنا إذا أنكرنا ضرورة وبداهة الأدلة علی أصل من أصول الدين يعني أنه ليس من أصول الدين لأن أصلا من اصول الدين لابد أن يصل الی درجة من البداهة وإلا إذا تحتمل الخطأ والصواب لايمكن أن يكون من أصول الدين، فكون شيء من أصول الدين لابد أن يصل الی درجة من البداهة فضلا عن أن يكون قطعيا أو ضرورة. هذه شرائط في أصول الدين مسلمة.
السيد المرتضي تطرح علی نفسه اشكالا ويقول إذا تدعون أن الامامة من أصول الدين بهذه المثابة وبهذه الدرجة كيف تثبتونها من خلال الأدلة الموجودة في القرآن أو الأحاديث النبوية المتواترة؟ السوال في محله متين وأيضا إثارة السيد في محله متين.
الان بيّنا اجمالا جواب السيد والجواب جدا قويم لكن قبل البسط في الجواب لابد أن نلتفت الی نكتة مهمة وهي ان الذي يقول بان إمامة أهل البيت أو إمامة اميرالمؤمنين دليل ظني معتبر لايؤدي به الی أن الإمامة من أصول الدين. طبعا الكلام في مجموع الأدلة أو الذي يذهب الی أن الأدلة علی إمامة أهل البيت قطعية لكنها نظرية لايمكن أن يذهب الی أن الإمامة من أصول الدين غاية الامر يكون من قطعيات الدين. إما أن يقول أن أدلة إمامة أهل البيت ظنية معتبرة فلابد أن يعذّر كل من خالف إمامة أهل البيت وهناك من الخاصة من ذهب الی هذا التنظير وهو من حيث لايشعر رفع اليد عن كون الإمامة من أصول الدين وإما أن يقول أن أدلة إمامة أهل البيت قطعية نظرية. ليس الكلام في دليل واحد وكل دليل علی حدة بل مجموع الأدلة. من يذهب الی قطعية الأدلة ونظريتها لايؤول به المطاف الی تثبيت أن إمامة أهل البيت عليهم السلام من أصول الدين بل تكون ضرورة نظرية. يمكن أن تكون الضروريات نظرية لكن يعبر عنه ضرورة دائرتها ضيقة. فبالتالي لايمكن القول بأنها من أصول الدين. فيه من يذهب الی هذا الشيء، أيضا من يذهب الی انها قطعية وليست قطعية نظرية لكن ولكن يعني ليس مبدّها ولا كذا فبالتالي غاية الامر يلزم بأنها من ضروريات الدين كبقية الضرورات. أما إذا انتهی المطاف الی أنها مبدهة فحينئذ يتم أنها من أصول الدين.
هذه الاثارت التي ذكرها السيد المرتضی إثارة متينة فانظر كيف يتجاوزها السيد المرتضی. هذه نكتة مهمة انصافا كبحث منهجي استنباطي يوضح أن مبحث الاستنباط والاجتهاد لايختص بعلم الفروع بل يدخل في علم الكلام يعني علم الأصول طبيعته هكذا هو منطق العلوم الدينية يشمل علم الكلام وقواعد علم التفسير لا أنه يختص بفقه الفروع وهذه نكتة مهمة. فهنا نكتة مهمة ربما الكثير يغفل عنها ويثيرها السيد المرتضی.
طبعا هو يثير بعد الاثارة السابقة أنكم إذا ادعيتم بأن الامامة مبدهة فيلزم أن تكفروا كل المذاهب الإسلامية ولاتقولون باسلامهم. فأنتم الامامية بين المحذورين إما أن ترفع اليد عن البداهة فإذاً كيف يدعون أنها من أصول الدين؟ غاية الأمر تكون ثابتة من ثوابت الدين أو تدعون بكفر باقي المذاهب الإسلامية.
الطرف الاخر هكذا يريد، التفتازاني عنده كتاب شرح المقاصد ويقول أن الأدلة في الإمامة متوفرة والأدلة في إمامة أبي بكر حسب مدعاه متوفرة فبالتالي اجتهاد يخطئ ويصيب. هذا غاية ما يقرره التفتازاني في شرح المقاصد. فيقول كلا الطرفين عندهم دلائل، من قال بإمامة اميرالمؤمنين عنده دلائل قرآنية وروائية متواترة ومن يقول بكذا كذا فهذا نوع من الاجتهاد. لذلك السيد المرتضی يثير هذه الإثارة إذا ادعيتم البداهة فإما أن تكفروا المسلمين أو ترفعون اليد عن البداهة. فكيف تجمعون بين الحكم بإسلام سائر مذاهب المسلمين عدا النواصب وبين أن تلتزمون بأنها من أصول الدين. فهنا يصيغ السيد المرتضی رحمه الله صياغة قويمة بحيث لايرفع اليد عن البداهة ولاالحكم بالإسلام الظاهري لبقية المسلمين. صراحتا الذي لم يدخل في هذه المباحث أن الاجتهاد ماهو ومن جهة موازين أصول الدين وغيره علی كل هذا المبحث أثاره الفقها في مبحث مطهرية الإسلام ومن يشتغل بهذا الباب ويجمع أقوال الفقها فيه؟ ومن يجمع أقوال الفقها من الأولين والاخرين؟ لأن المسئلة حساسة وصعبة جدا. فالمسئلة خطيرة ينبني علیها مذهبية المذهب وليس قصة الأخباريين والاصوليين بل قصة الإمامية وغير الامامية فالخوض في هذه المباحث وبصراحة جملة من مباحث المتأخرين لم يتطرقوا لكلمات المتقدمين يعني من الشيخ المفيد والطوسي والسيد المرتضی وابن براج وفيهم نسيان عن التطرق لكلماتهم. المقصود أهم موضع ذاك الموضع في مسئلة مطهرية الإسلام وفي مواضع أخری أيضا يتذكرون، في بحث الذباحة والنكاح والمرتد لكن أكثر باب يلجون فيه هو الباب وعند القدما لعل في كتاب الجهاد بحث البغاة هناك بحثوا عنها مبسوطا لكن الكلام في جملة من الدورات الفقهية عند متأخري الاعصار أصل قول القدماء منسي عندهم. هذه المسئلة حساسة لأنها ليست قاعدة فقهية ومسئلة فقهية بل هذه المسئلة مسئلة في اصل مذهبية المذهب. واقعا الانسان يری غفلات خطيرة جدا موجودة. بسبب عدم التضلع والاطلاع علی هذه المباحث لأن هذه المباحث مجمع العلوم الدينية فقهية وكلامية وتفسيرية وأيضا أصولية مرتبطة بمبحث الدلالة فمبحث شائك. نعم السيد المرتضی يأتيك ابن بجدتها. مسئلة حساسة تحتاج الی خلفية أصولية وخلفية كلامية خلفية حديثية وهلم جرا فحينئذ تلتفت الی أنه كيف هو وكم غفل في هذه العقود الأخيرة.
مر بنا مرارا كتاب الشهيد الثاني زين الدين العاملي باسم حقائق الايمان وكتاب عظيم والمجلسي في البحار شرح هذا الكتاب وهذا الكتاب حول الملل والنحل والتذهب. ما هو مدار الايمان وماهو مدار الإسلام الظاهري؟ المجلسي في البحار وزع شرح هذا الكتاب في موارد عديدة بحيث إذا يجمع يصير شرحا كاملا لأن المجلسي مستأسد في علم الكلام.
هذا المثال نقحناه لتعريف علم الأصول أن مدرسة النص ماهي؟ والاجتهاد في مقابل النص ما هو؟ والنص بمعنی مطلق الوحي. أولا ألخص الجواب ثم أبسط الجواب.
أولا ملخص الجواب كما مر بنا أمس أن الدلالة في الدين بلحاظ مجموع دلالات الدين وأبدا في الدين حتی في أصول الدين ولا حتی في التوحيد ليس الدلالة قائمة علی دلالة واحدة. في مقابل منهج الحشويين والوهابيين أن كل دليل يوزن بنفسه وبمفرده. لكنه وإن يوزن الدليل بمفرده لكن يوزن أيضا بلحاظ المجموع. مثل أن التواتر في الطرق محال أن يكون من طريق واحد. التواتر الكمي كيف يصير من طريق واحد؟ هذه نقطة أولی. هذا المنهج أن يوزن كل دليل بمفرده منهج أصولي في الوهابية وفيه فرق بين المنهج العقائدي والمنهج الاصولي في الاستنباط. مذهبهم في أصول الفقه ماهو؟ الان حالة التغفيل في المسائل العلمية، ماهو المنهج الاصولي كأن المنهج الاصولي مدرسة واحدة هذه الغفلة خطيرة في الجو العلمي. فالنقطة الاولی التي يذكرها السيد المرتضی مجموعية الأدلة حتی في التوحيد والنبوة ولايمكن أن تلتفت الی اصل النبوة من دليل واحد.
النقطة الثانية أن المنكشف بهذه الأدلة ومجموع هذه الأدلة ليس مثل اللبنة في الدين ومقطع من جدار في الدين بل المنكشف بهذه الأدلة بنيان بنيوي محيط بكل الدين ولايتناسب مع الأمر الفرعي ولايتناسب مع الأمر العقائدي الضروري فقط، هذا يتناسب مع أمر قويم وقوام كل الدين. هذه النكتة مهمة. أن المنكشف بهذه الأدلة أمر يحيط بكل بناء الدين، إذا يقع فأصل المبنی يقع. هذا البنيان والبينوية إذا سلب عن المبنی ينهار. هذا لايناسب مع أنه عقيدة من عقائد الدين بل يناسب مع أنه من أصول الدين. بعبارة أخری من أسس الدين.
طبعا هذه اللغطة يشرحها الكاشف الغطاء. أنا لاأنفي وجودها عند غيره لكن بلورتها بشكل جدا رائع عند الشيخ محمد حسين الكاشف الغطاء في أصل الشيعة وأصولها. بلور هذا المطلب أن الشيء تارة من أصول الدين وتارة من أسس الدين، أسس الدين مرتبته أعلی من أصول الدين. أصول الدين أعلی من أركان الدين وركن الدين أعلی من ضروري الدين هذه طبقات.
فالمنكشف بهذه الأدلة لايتناسب مع كونه ضروري الدين أو ركن الدين أو أصل من أصول الدين بل هو من أسس الدين. كثير من الفقها يقولون أن المعاد ليس من أسس الدين بل من أصول الدين. حتی في الرسالة العملية يذكرون أن المعاد ليس من أسس الدين بل من أصول الدين. فطبقات أسس الدين وأصول الدين وأركان الدين وضروريات الدين وقطعيات الدين غير النظرية ثم القطعيات النظرية ثم تأتي الی الظنيات. فيقول السيد المرتضی أن المنكشف بنيوي بنظام كل الدين. فهو فوق أصول الدين. أسس الدين يعني البوابة التي تدخل منها الی الدين مثل الشهادتين والشهادات الثلاث. الشهادتين للدين الظاهري يشمل حتی المنافقين والشهادات الثلاث باب الايمان. لم يفتي أحد من علماء المسلمين بأن الإقرار بالمعاد لابد منه في الدخول بالدين، نعم، هو من أصول الدين لكن الايمان بيوم الحساب لم يرتقي الی مرتبة الشهادتين أو الشهادات الثلاث. الشهادات الثلاث بوابة للدخول في الدين هذا يسمونها أسس الدين.
طبعا التفرقة بين الإسلام الظاهري والايمان حتی الوهابية والاشعرية والمعتزلة يعترفون بها والحنابلة والحنيفية أيضا. ما في الإسلام مذهب إلا وهم يقرون بأن الدين الواقعي ايمان والدين الظاهري اسلام. الان دع عنك أصحاب الوحدة والتقريب هذا بحث آخر. أصل أن التعدد موجود كل مذاهب الإسلام يتفقون به. غاية الامر فيه اختلاف ما هي أسس الايمان وما هي أسس الإسلام. التفرقة بين الإسلام الظاهري والإسلام الواقعي وأن الدين له مرتبتان هذه ضرورة عند كافة المسلمين. ان أسس الايمان وهو الدين الواقعي تختلف عن الإسلام الظاهري. بالإسلام الظاهري يتناكحون ويتعايشون كما في قول الامام الصادق عليه السلام. أما أن نقول هذه الأسس للاسلام الظاهري هي الأسس للاسلام الواقعي هذا خلاف ضرورة المسلمين كلهم حتی الوهابية. يعني من ينكر هذا الشيء ينكر ضرورة إسلامية عند المسلمين اجمع.
ان شاء الله نكمل.