41/10/11
الموضوع: ارتباط الاجتهاد والتفقه بعلم الأصول وعلم الفقه
الاجتهاد عند الخاصة والعامة، الاجتهاد في مقابل النص ومعنی مدرسة النصكان الكلام في تعريف عملية الاجتهاد أو عملية التفقه في الدين ومر أن هذا العمل العلمي مرتبط وتيدا بعلم الأصول ومرتبط أيضا وتيدا ووثيقا بعلم الفقه، لذلك ليس من الصدفة أن باب الاجتهاد والتقليد عقد له باب في علم الفقه وعقد له باب في علم الأصول أيضا. هذه جهة ثانية فهرسية في التعريف غير الجهة الاولی التي مرت بنا أمس.
إن الاجتهاد والتفقه كعملية علمية لها ارتباط وتيد بعلم الأصول وعلم الفقه، لذلك عقد له باب في كلا العلمين. طبعا قديم الأيام الفقها يذكرون مبحث الاجتهاد والتقليد نهاية باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمناسبة صلاحيات الفقيه، غاية الامر شيئا فشيء جعل له باب مستقل قبل باب الطهارة. علی أي تقدير ان هذا المبحث مبحث الاجتهاد والتقليد يعقد له مسئلة أو فصل أو باب في الفقه ويعقد له باب أيضا في علم أصول الفقه. هذا ليس من الصدفة، بل للارتباط الوتيد بين العلمين. فإذاً الاجتهاد أو التفقه عمل علمي مرتبط وتيدا وماهويا بالعلمين.
علاوة علی ذلك، الاجتهاد والتفقه من عناوينهما الأخرى الاستنباط والاستنباط عمل علمي يتكفل الحديث عنه علم الأصول وعلم الفقه، فبالتالي أوتد وأوثق العلوم الذي يبحث عن الاجتهاد كعمل علمي هو علم الأصول وعلم الفقه.
زيادة علی التوضيح لهذه الجهة هو أن عملية الاستنباط في كلمات كثير من الأعلام تقريبا يمكن أن يقال هي ثمان مراحل. بعض من الاعلام يجعل لها خمس أو ست أو أقل أو أكثر عملية استنباط الحكم الشرعي في العلوم الدينية. هذه الثمان مراحل بالدقة بعضها أو نصفها فقهية وبعضها أصولية. هذا أيضا يعزز أن الاستنباط أو التفقه أو الاجتهاد كعمل علمي وتيد الصلة بالعلمين. إذاً العلمين الشريفين أصول الفقه والفقه جدا وتيدا الصلة بالاجتهاد والتفقه والاستنباط. هذه جهة ثانية لابأس أن نلتفت بها.
جهة أخری يخاض فيها في مبحث الاجتهاد كعمل علمي قضية الاجتهاد عند العامة والاجتهاد عند الخاصة هل فيهما التباين؟ أو ما يعبر عنه الاجتهاد مقابل النص، الاجتهاد عند العامة والاجتهاد عند الخاصة واحد سنخا أو لا؟ طبعا بلاشك مشتركان في جهات وفيهما جهات مختلفة فالاستنباط والاجتهاد مختلف جوهريا أو غير مختلف.
في هذه الجهة يجب أن نمر علی نقاط عديدة كما هو المعروف أن الأخباريين منا حسبوا أن الاجتهاد المطروح عند علماء أصول الفقه هو الاجتهاد عند العامة والحال أنه ليس كذلك. اجمالا لابد من الخوض في الاجتهاد كعمل علمي عند الخاصة والاجتهاد كعمل علمي عند العامة.
في هذه الجهة النقطة الاولی قررت بشكل خاطئ عند العامة انطباعا عن الخاصة أن المراد من النص هو ما ذهب اليه ربما جملة من علماء الظاهرية. عند العامة أيضا منهج أخباري وماذا المراد من الأخباري والأصولي عندنا وعندهم؟ هذه أيضا نقطة من النقاط التي يجب الخوض فيها في هذه الجهة. عند الشيخ المفيد والسيد المرتضی والشيخ الطوسي وجل القدماء ليس الاصطلاح علی الاخباري الاصولي بل أكثرا يعبرون بالقشريين والقشويين والمحققين. ربما هذا التعبير أدق لأن القضية هي ليست منشأها قصة الأخباري وقصة الاصولي بل المنهج التحقيقي أو المنهج السطحي.
مدرسة الاجتهاد مقابل النص ماهي؟ النص كما مر بنا مرارا ليس المراد به ما بنی عليه جملة من الأخباريين أو الحشويين من غير الأخباريين. إن تعريف النص يعني الظهور الذي في سطح الكلام بدرجة قوي الدلالة لايقبل الاحتمال ويعبرون عنه النص. طبعا المراد من النص حتی بهذا التعريف ليس بخصوص ما هو أعلی من الظهور.
عنوان النص له اصطلاحات عديدة. النص مقابل الظهور يعني دلالته لاتقبل الاحتمال بخلاف الظهور فإن دلالته تقبل الاحتمال. المراد من مدرسة النص ليس هذا. الاجتهاد مقابل النص لايعني النص الذي دلالته مأة بالمأة وإن كان يستعمل النص بهذا المعنی. وأيضا قد يطلق النص بمعنی الألفاظ وهو قريب بالمعنی الذي نحن فيه. والظهور أيضا له عدة معان حجية الظواهر ليس المراد به مايقبل احتمال الخلاف يعني حتی يشمل النص الذي دلالته لاتقبل احتمال الخلاف، فهنا اصطلاحات يجب الالتفات اليها.
مثلا معروف في المذاهب الأربعة المذهب الحنبلي والمذهب المالكية من مدرسة النص عند العامة في مقابل المذهب الشافعية والحنفية لاسيما الحنفية. فالمقصود أيا ما كان مدرسة النص ماهي عندنا وعندهم سيما عندنا؟ باعتبار أن الامامية من مدرسة النص بدأت من النص علی الوصي بعد النبي.
المراد من النص ليس هو ما كان في سطح دلالة الكلام سواء احتمل الخلاف أو لم يحتمل مع أن هذا المعنی شاع وانتشر كثيرا والحال انه من أخطاء منهجية في منهج الاستنباط. تعريف النص يؤثر في تعريف الاجتهاد يعني هذه البحوث ليس بحوثا تنظيرية ونظرية مجردة بل لها انعكاسات علی يوميات عملية الاجتهاد والاستنباط. فالمراد من النص ليس هو سطح المعنی في الألفاظ الواردة من الشارع من القرآن وسنن المعصومين وإن كان هذا شاع خطأ، بل المراد من مدرسة النص يعني التشريع الإلهي السماوي سواء كان في سطح الكلام أو كان في بطون وبطون وبطون الكلام أو تأويل الكلام وإن توصل اليه بعمليات اجتهادية كثيرة.
النص إذاً هو معناه التشريع السماوي الإلهي في مقابل الاجتهاد المقابل بالنص وهو الرأي البشري وان كان مزيجا من مقدمات ودلالات شرعية ونوع من صياغة بشرية. لاحظ مدرسة النص والاجتهاد بهذا المعنی ليس مؤثرا فقط علی الاستنباط في علم الفقه بل مؤثر علی علم التفسير وعلم الكلام وعلم الاخلاق وكل العلوم الدينية.
مر بنا هذا الحديث الموجود عندنا في المصادر الحديثية أن أباحنيفة مع أنه كان يدمن المجيء الی مجلس الإمام الصادق وكان يستفيد من محضر الامام الصادق عليه السلام فمن الطعون أو التمردات التي ارتكبها ابوحنيفة علی شأن الامام الصادق صلوات الله عليه وأيضا في مصادرهم أيضا موجودة في العامة أنه كان يطعن علی الامام الصادق بأنه رجل صحفي وهو نفس الاصطلاح القديم يعني رجل عالم متقيد بالنصوص الإلهية أو النصوص الشرعية. طبعا بالنسبة الی رؤية ابي حنيفة تجاه الامام الصادق مثلا مشرب الامام الصادق مشرب أخباري. صحفي يعني رجل متقيد بالأخبار والنصوص ولا رأي له ولا استنتاج له. ذكرت في زمن المحقق المفيد والسيد المرتضی والطوسي وابن ادريس الی زمن المحقق الحلي ليس عندهم تعبير الاخباري والاصولي، موجود لكن قليل بل الأكثر في كتبهم يعبرون بالحشوية والمحققين، القشرية والمحققين فلاحظ من زمن الی زمن يتبدل التعبير.
فتناهی الی السمع الشريف من الامام الصادق صلوات الله عليه هذا الطعن فابتسم وقال نعم صحف السماء وليست صحف الأرض، يعني الوحي وليس نتاج البشر فالمراد به الوحي والوحي غير نتاج البشر.
هناك منهج يتخذ من الوحي ومدرسة النص يعني مدرسة الوحي والوحي طبقات وليس سطح الظاهر لدلالة الكلام. الان الجو الصاعد والمنتشر حتی عندنا أن النص هو سطح ظاهر الكلام. ما أن يكون المعنی فيه نوع من الخفاء والبطون يبني علی أنه ليس بحجة. انظر هذا المبحث في تعريف الاجتهاد يؤثر علی بنية الفقيه أو المجتهد سواء في الفقه أو التفسير أو في أي علم من العلوم الدينية يؤثر علی منهجه في الاستنباط.
هم يقولون أي معنی ليس في سطح ظاهر اللفظ ليس بحجة يعني يقزم حجية الظهور في سطح ظاهر اللفظ أما إذا كان في خفايا معاني خفية ومطوية في اللفظ ليس بحجة. هذا تلاعب بالنص والوحي الإلهي. هذا منهج في الاستدلال وكما ذكرت كثير من المحققين الاخباريين هم أصوليون وكثير من الأصوليين هم من القشريين في المنهج.
مثلا المجلسيان في شرحهما علی الكتب الأربع ملاذ الاخيار ومرآة العقول حتی الصدوق رحمه الله يأخذون حتی بخفايا المعاني إذا كانت موزونة ولايقتصرون علی ظاهر سطح المعنی. هذا نوع صناعة التحليل والتركيب. النص بمعنی الوحي. معنی مدرسة النص يعني مدرسة الوحي، نعم، شريطة أن يكون وصولك الی هذا المصدر الوحياني موزونا وطبق الموازين، أما أن نظن أن مدرسة النص بمعنی أنه في متناول سطح المعنی فقط وفقط فهذا مسلك الحشويين والقشريين بل فيهم من أشد يريدون أن لايتبدل اللفظ حتی ويريدون نفس اللفظ. مثلا يقولون: زيارة الأربعين موجودة في النصوص أو لا؟ هذا منهج خطير. لاحظ كل علماء الإمامية علی اختلاف مشاربهم طيلة عشرة قرون أو إثنا عشرة قرن عندهم استنباطات نظرية يعني متوغلة في النظرية يعني الخفية وليس في السطح استنباطات واستنتاجات نظرية الی ماشاء الله. مثلا الاستصحاب، هذه المباحث في الاستصحاب أبدا ما موجودة في سطح اللفظ. الشك في المقتضي والشك في الرافع والشك في المانع والشك في المانعية والشبهة الموضوعية والحكمية ومعنی الشك تساوي الطرفين أو مطلق الظن غير المعتبر الی ماشاءالله من مباحث الاستصحاب كلها مباحث نظرية واستنتاجات نظرية متوغلة في الخفاء.
أصلا نفس كتب الفقه بربمتها من علماء الامامية حتی علماء العامة يقال من صاحب الجواهر مأة وستين الف فرعا والشرايع من المحقق الحلي اثنا عشر الف فرعا هكذا معروف هذه الفروع في العروة الوثقی مع أنه ليس دوره كاملة هذه الفروع ليست موجودة في سطح الفاظ القرآن والروايات. لانريد أن نخوض في هذا البحث بناءنا علی الايجاز حتی الشيخ الطوسي في اول كتاب المبسوط يشير الی هذين المشربين.
فبالتالي المراد من النص ليس هو سطح المعنی للألفاظ. هذا معنی كارسة خلاف الدين وخلاف ضرورة الدين لأن هناك تأويل للنصوص الدينية وحق ويوصل إليه بميزان حق (هو الذي انزل اليك الكتاب ومايعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم) يعني كما نؤمن بتنزيل القرآن نؤمن بتأويله وقد ورد متواترا عن النبي صلی الله عليه واله (رب حامل فقه الی من هو أفقه منه). ماذا يعني بذلك سيد الأنبياء يعني نفس الكلام النبوي له طبقات من المعاني ولاتقف عند حد. كيف نحصر المعاني المأخوذة من اللفظ في سطح ظاهر اللفظ؟ هذا إبطال للدين. مبحث الملازمات العقلية الخمس متوغلة في النظرية. هذه الكتب في التفسير عند الفريقين من الأولين والآخرين، المعاني التي فيها ليس مقتنصة من سطح اللفظ. إذاً كون النص معناه أن تأخذ المعنی من سطح ظاهر اللفظ لايمكن..
ورد في زيارة الغدير للامام الهادي عليه السلام لجده اميرالمؤمنين صلوات الله عليه بهذا المضمون، أن إمامة أميرالمؤمنين نص عليها في التنزيل وموجودة حقيقتها في التأويل. ليس فقط في زيارة الغدير بل في الزيارات المتعددة. إن إمامة أهل البيت نص عليها في التنزيل وأيضا نص عليها في التأويل. هذا مبحث مهم في العلوم الدينية أن وجود الشيء في التنزيل ووجوده في التأويل كيف.