41/07/22
الموضوع: تعريف الاجتهاد
الاجتهاد والتقليد
النقطة الاولی: لم يرد عنوان الاجتهاد في الادلة
جری عند الأعلام الحديث في الاجتهاد والتقليد عن تعريفهما، طبعا بتعبير السيد الخويي وجماعة من الاعلام نفس عنوان الاجتهاد لم يرد في الأدلة، إنما الذي ورد في الأدلة هو عنوان الفقيه وعناوين أخری مثل «من نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا» النظر مرادف الاجتهاد الاصطلاحي عند الأعلام أما نفس لفظ وعنوان الاجتهاد لم يرد في الأدلة. الأعلام بحثوا في هذا العنوان ما هو تعريفه؟ وأيضا بحثوا في تعريف عنوان الفقيه والعناوين التي وردت في الأدلة.
طبعا في القرآن الكريم ورد ﴿لولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا﴾ وورد أيضا ﴿اسئلوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون﴾ وإن كان معناه الحقيقي هو أهل البيت عليهم السلام لكن بلحاظ المعنی التبعي لذلك أو ﴿هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون﴾.
في آية «فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لايعلمون» عنوان العالم وغير العالم. فعنوان العالم ورد وعنوان رواة أحاديثنا أيضا ورد وسنبين هذا من المرادفات المعنوية للاجتهاد. علی أي تقدير هذه النقطة سجلها الأعلام في البداية أن نفس عنوان الاجتهاد والمجتهد لم يرد في الأدلة ولكن وردت عناوين أخری، مع ذلك بحثوا في الاجتهاد الصناعي.
النقطة الثانية تعاريف الاجتهاد.الأكثر والمشهور عرّف الاجتهاد بأنه ملكة علمية يقتدر بها علی استنباط الاحكام الشرعية من القواعد المقررة. هذا هو تعريف المشهور. تعريف آخر للاجتهاد أنه تحصيل الحجة علی الحكم الشرعي وهذا التعريف أصر عليه المرحوم الاصفهاني وعنده تعريف آخر أضافه وهو تحصيل الحجة علی الحكم الشرعي أو الوظيفة الشرعية والعقلية المقررة.
لماذا أبدل المرحوم الكمباني ذاك التعريف بهذا التعريف؟ قال لأن التعريف السابق وتعريف المشهور لايشمل موارد الأصل العملي لأن جملة من الأصول العملية الشرعية أو العقلية ليس فيها الحكم الشرعي بل فيها المعذورية أو التنجز، بخلاف ما إذا قلنا أن الاجتهاد تحصيل الحجة علی الحكم الشرعي أو تعيين الوظيفة العملية المقررة للشاك شرعا أو عقلا.
من ناحية أخری أبدل التعريف وما قال استنباط الحكم الشرعي بل عرفه بتحصيل الحجة لأن الحكم الشرعي في استنباط الحكم الشرعي كأنما المراد منه الحكم الشرعي الواقعي بينما في مباحث الأمارات الكل يسلم بأن المجعول هو الحكم الظاهري الشرعي. جملة من الأعلام بنوا علی أن الحكم الظاهري هو الطريقية، وهذا يعتمد علی المباني في مبحث الظنون من أن الحجية حكم مماثل أو الحكم المؤدی أو الحكم الشرعي الطريقي أو الحكم التكليفي الذي لاربط له بالحكم الفقهي بل حكم فقهي مرتبط بالأمارة ووجوب العمل بها. فالأفضل الاولی أن يقال أن الاجتهاد هو تحصيل الحجة والمعذرية والمنجزية علی الحكم الشرعي وهذا في نظر ومبنی المرحوم الاصفهاني أمتن ووافقه علی ذلك جل تلاميذه منهم السيد الخويي.
ذكر الأعلام في هذه التعاريف أن تعاريف الاجتهاد تقترب من تعريف علم الفقه و علم أصول الفقه لأن علم الفقه عبارة عن استنباط الأحكام الشرعية من القواعد المقررة. هذا علم الفقه وتقترب أيضا تعريف الاجتهاد من تعريف علم أصول الفقه لأن أصول الفقه عبارة عن القواعد المقررة لاستنباط الحكم الشرعي هذا علم أصول الفقه. فعلم الفقه وعلم أصول الفقه واضح أنهما أقرب العلوم للاجتهاد.
تعريف الاجتهاد مقترب بتعريف علم الأصول
لدينا سابقا استدراك علی تعريف علم الفقه وعلم اصول الفقه وبالتالي هذا يجرنا الی الاستدراك في تعريف الاجتهاد عند الأعلام. طبعا عندما نفرغ في هذه النقطة الثانية سنبدأ في النقطة الثالثة وهي الاجتهاد في مدرسة النص عند الامامية وفرقها عن الاجتهاد في مدرسة الرأي عند العامة لدفع توهم الأخباريين بأن الاجتهاد عن علماء الامامية هو الاجتهاد العامي.
لكن لازلنا نبقی في النقطة الثانية، تعاريف الاجتهاد، لكن ليذكر تعاريف علم أصول الفقه مرة أخری لأنها وتيد الصلة بتعريف الاجتهاد، فلابد أن نستحضر تعاريف علم أصول الفقه مرة أخری.
أصول الفقه هو العلم بالأداة الشرعية علی الأحكام الشرعية أو العلم بدليلية الدليل علی الأحكام الشرعية، هذا أحد التعاريف المعروفة، ربما أخيرا هو الرائج في تعريف علم أصول الفقه، العلم بدليلية الدليل. هذا التعريف لأصول الفقه يناسب دعوی المرحوم الاصفهاني في تعريف الاجتهاد من أنه القدرة علی تحصيل الحجة علی الحكم الشرعي لأن الحجة يعني الدليل فيناسب كلام الاصفهاني.
طبعا هذا التعريف بأن الأصول هو العلم بالدليل علی الحكم الشرعي، صاحب الكفاية يقول أنه تعريف ناقص وتمم نقصه بتتمة وقال هو العلم بدليلية الدليل أو الوظيفة المقررة شرعا أو عقلا للمكلف باعتبار أن الوظيفة العقلية ليست حكما شرعيا ولا دليلا علی الحكم الشرعي، فهذا الاستدراك عند الاصفهاني ناشئ من نفس استدراك استاذه الاخوند صاحب الكفاية في تعريف أصول الفقه ومر بنا أن تعريف علم أصول الفقه يؤثر صميميا في تعريف الاجتهاد. بغض النظر عن النقض والإبرام بين الاقوال نستعرض الاقوال ثم نوازن بينها.
مباحث أصول القانون في علم الاصول
هناك تعريف مشهور آخر قديم لعلم أصول الفقه وهو أمتن التعاريف من أنه العلم بالقواعد المقررة لاستنباط الحكم الشرعي أو الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي، هذا التعريف أمتن في أصول الفقه، بسبب أن علم أصول الفقه خلافا لما اشتهر عند المتأخرين لايقتصر علی البحث في دليلية الأدلة والكشف عن الحكم الشرعي. الدليلية يعني الكشف والكاشفية والحكم الظاهري. هذا أحد جناحي علم الأصول، الجناح الموازي الاخر لعلم أصول الفقه ليس الحكم الظاهري والكاشف ولا دليلية الدليل بل الجناح الاخر في علم أصول الفقه هو أصول القانون. علم أصول القانون، لها ربما سبعة أسماء مرادفة اصطلاحا، يرادفها أصول التشريع أو أصول التشريعات أو أسس التشريع أو أسس التشريعات أو المبادئ الأحكامية ويعبر عنها مشهور الأصوليين بالمبادئ الأحكامية أو مبادئ الحكم.
تقريبا نظام المقاصد ونظام فقه المقاصد ( غير مدرسة فقه المقاصد) أصول القانون يعني النظم ونظام فقه المقاصد أو نظام المقاصد في الفقه، المهم هو أن نعرف أن أصول القانون بحوث ثبوتية وليس فيها رائحة للكشف والدليل والدليلية بل بحوث ثبوتية محضة يعني ليس حكما ظاهريا بل بحوث في الاحكام الواقعية في نظام ومنظومة الحكم الواقعي، لذلك ذكرنا مرارا في أول الحجج وفي أول البرائة وأول الاستصحاب وأول التعارض وأول الاجتهاد و التقليد وأول علم الأصول يعني بملاحظة تعريف علم الأصول، في هذه المحطات دائما يتم التذكير والتنبيه علی أن علم أصول الفقه حقيقتا سنخان من العلم يعني علمان في علم واحد. علم كاشفي ودليلي والحجية وهلم جرا وهذا بحث الحكم الظاهري وعلم آخر في أصول الفقه عبارة عن بحوث لا في الحكم الظاهري بل في الواقع والثبوت وأصول القانون، هذا بحث واقعي في نظام ومنظومة الأحكام الواقعية وليس البحث في الحجية، يعبر عنه المشهور قديما وحديثا بالمبادئ الأحكامية، المبدأ يعني الأساس والاصل والحكم يعني القانون والتشريع.
جملة من مباحث علم الأصول مثل الملازمات العقلية غير المستقلة الخمس مثل مقدمة الواجب والنهي يقتضي الفساد والامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده خمس مسائل عقلية ليس فيها البحث عن الحكم الظاهري ولا عن دليلية الدليل بل بحث محض في الثبوت في الأحكام الواقعية وهي تشمل نصف مباحث الألفاظ مثل مقدمة الواجب وأخواتها والتزاحم واجتماع الامر والنهي وتقريبا نصف مباحث الالفاظ إن لم يكن أكثر. هذه البحوث ثبوتية. المشتق حقيقته البحث فيه بالدقة ثبوتي والحقيقة الشرعية وبحث الوضع ولو هو مرتبط بعالم الدلالة وبحث القطع نفسه ليس بحثا في الحكم الظاهري ولا في الظنون وغير ذلك من المباحث الكثيرة في علم الأصول بل كل بحث إثباتي قائم علی بحث ثبوتي علی قدم وساق ويندر ندرة كثيرة جدا أن تجد مبحثا اثباتيا ولايتضمن في طياته مبحثا ثبوتيا من أصول القانون أو المبادئ الأحكامية أو أسس التشريع. كل هذا نجعلها خارج علم الأصول؟ الحكم الشرعي ومراتبها مبحث ثبوتي والحكم التكليفي والحكم الوضعي فعندنا مباحث ثبوتية محضة ولايمكن أن نخرجها عن علم أصول الفقه لذلك المرحوم الاخوند في تبويبها الجديد في علم أصول الفقه خرج هذه كلها عن علم أصول الفقه وجعلها مقدمة، يعني نصف مباحث علم الأصول مقدمة كيف يمكن؟
إذاً هذا مما يدل علی أن علم أصول الفقه سنخان وليس سنخا واحدا، حينئذ الاستنباط الذي ذكر في تعريف المشهور أنه العلم بالقواعد المقررة أو الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي أن الاستنباط سنخان، الاستنباط بمعنی الكاشفية والكشف والطريقية والإحراز وسنخ آخر عبارة عن التولد الثبوتي والاستخراج والانشعاب والتفرع. في اللغة هذا هو معنی الاستنباط، استنبطت البئر يعني أخرجت النبط منها يعني الاستخراج التكويني يعني التوليد فالاستنباط هو بمعنيين بمعنی الاستخراج والتولد وتوالد الاحكام عن بعضها البعض وأسس التشريع أو الانشعاب أو التشجير كل هذه معاني صحيحة ومر بنا أن هذا التعريف أسدّ في علم أصول الفقه هو العلم بالقواعد المقررة أو الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي.
الكلام له تتمة نكملها في الجلسة القادمة ان شاءالله.