41/07/19
الموضوع: التعارض بين الاطلاق والعموم.
المسئلتان الباقيتان: عند دوران الأمر بين الاطلاق والعموم المعروف تقديم العموم اللفظي علی الاطلاق أما عند الاطلاقين فيتساقط الاطلاقان أو يكونان مجملين أو ما شابه ذلك، بينما المرحوم الاخوند بنی علی التعارض حتی بين العموم والاطلاق. فالمرحوم الاخوند لم يبن علی تقديم العموم علی الاطلاق لما بنی علیه من حقيقة الاطلاق عكس الميرزا الناييني أنه بنی علی تقديم العموم علی الاطلاق علی وفق مبناه. لكن الصحيح أن تقديم العموم علی الاطلاق غير مبتن علی مبنی الاخوند أو علی عدم مبناه. لكن سنوضح الان مبنی الناييني و مبنی الاخوند في الإطلاق.
عند المرحوم الاخوند من الشرائط ومقدمات الاطلاق عدم المقيد المتصل بالكلام نفسه، فإذا كان الكلام مرسلا أو اللفظة مرسلة ولم يذكر فيها القيد المتصل بالكلام فظهور الاطلاق وبنيانه يكتمل، فإذا أتی دليل منفصل مقيد أو اطلاق آخر يتعامل مع الدليل المنفصل بدليل آخر بأن أيهما أقوی وإن لم يكن قوة في أحدهما فيكونان مجملين أو كذا. فإذا كان الدليل المنفصل مقيدا فيقدم عليه وإذا كان اطلاقا من وجه فيصير الاطلاقان متعارضين.
بعبارة أخری: اذا كان المقيد يقدم علی الاطلاق عند الاخوند يقدم عليه لا لأن الاطلاق يزول وينعدم بل الاطلاق علی التقرير الذي يذكره الاخوند ظهوره ذاتي يعني أنه يتشكل بلحاظ الكلام المتصل به فقط لا بلحاظ الدليل المنفصل فالدليل المنفصل عندما يقدم لا لأنه يعدم الاطلاق موضوعا وإنما يقدم عليه محمولا لأنه أقوی ظهورا، أما إذا لم يكن الدليل المنفصل مقيدا وإنما كان مطلقا من وجه فيصير تعارضا. المهم عند الاخوند أن الاطلاق يتكون مقدماته وظهوره من الكلام نفسه وما يحتف به متصلا من القيود أو القرائن. هذا عند المرحوم الاخوند.
بينما الميرزا الناييني عنده أن الاطلاق نفسه لايتكون ظهوره بلحاظ القرائن المتصلة فقط بل معلق علی الدليل المنفصل أيضا فإذا اتی مقيد ولو منفصلا يعدم موضوع الاطلاق ويرفع موضوع الاطلاق فهذا فارق جوهري.
بعبارة أخری من هذا الفارق بين الاخوند والناييني في مقدمات الاطلاق ذكر كون اللفظة مرسلة وكونها في مقام البيان وكونها لم يقيد. هذا الشرط بأن الاطلاق مشروط بعدم التقييد، هل هو مشروط بعدم التقييد متصلا أو عدم التقييد ولو منفصلا، هنا الخلاف بين الاخوند والميرزا. فبهذا اللحاظ شرائط الإطلاق يعني موضوع الاطلاق وأرضية الاطلاق الميرزا الناييني يتبنی علی كونها معلقة علی المنفصل لا خصوص المتصل، فكأنما كيان وبنيان ظهور الإطلاق مرتبط بالمنفصل يعني علی كلام الميرزا الناييني الظهور بنيان ترابطي مع الأدلة والأدلة كلها بمثابة دليل واحد والظهور طبيعته مجموعي، كيانه وهيكله مجموعي ولو عبر الأدلة المنفصلة.
بينما الاخوند يصرّ علی أن الظهور بينانه بلحاظ ما يتصل به لا ما ينفصل به وما ينفصل به ظهور آخر وعلی هذا هل الظهور الآخر يوالم أو يعالج مع الظهور الأول أمر آخر، لكنه ظهور آخر.
هذا البحث ليس بهين والاختلاف فيه بحث حساس يجب الالتفاف اليه. إذاً صورة المبنی عند الناييني أن ظهور الأدلة موضوعا (يعني نفس الالفاظ التي لها ظهور والمحمول يعني الحجية) وأصل موضوع الظهور يتوقف علی مجموع الأدلة كأمارة وكاشف مرتبط بمجموع الأدلة، بينما المرحوم الاخوند يقول أن الظهور كبنيان مستقل عن الدليل الاخر، لكن الادلة في المحمول يعني الحجية مجموعية. هذا بحث حساس بغض النظر عن التعارض..
فالميرزا الناييني عنده الظهور موضوعا مجموعي فضلا عن المحمول والاخوند يقول موضوعا ليس مجموعيا ومحمولا مجموعي.
نغوص قليلا في هذين المبنيين لأنه يفيد في مباحث كثيرة أصولية وفقهية وكلامية وتفسيرية.
علی كلام الميزرا الناييني، هذا الظهور لايكفي في سند واحد أو طريق واحد وآية واحدة أو آيتين أو ثلاث، هذا مسلك الميرزا الناييني، مجموع الاسانيد والطرق تشكل هذا الظهور المجموعي لأن المفروض عند الناييني أن الظهور مجموعي موضوعا. إذا بني الميرزا الناييني علی أن الأدلة موضوعا مترابط كظهور مجموعي واحد، فواضح فيه أن مجموع الطرق ستكون دخيلة لا طريق واحد لأن الطريق الواحد كأنه جزء الحجة عند الميرزا الناييني، لأن المفروض عنده أن الظهور لايكفي فيه رواية واحدة أو آية واحدة بل مجموع الأدلة . فلاحظ عند الميرزا الناييني الروايات صدورا ودلالة ومحمولا في الحجية كلها مجموعية، هكذا سيؤول الأمر، فهذه قضية تظافر الطرق مع بعضها البعض وأن الطريق المنفرد ولو صحيح ليس هو تمام الحجية والضعيف لاينظر اليه بمفرده بل ينظر اليه مع مجموع الطرق نظرة الی الروايات الميرزا الناييني مجموعية، طرقا وصدورا ودلالة وجهة ومحمولا. هذا المبنی ليس بسهل وبحث مهم يعني عند الميرزا الناييني تقريبا نستطيع أن نقول مبناه علی هذا الذي يذكره في الظهور يتوافق تماما مع المفيد والسيد المرتضی وابن ادريس وابن براج وابن زهرة أو القدماء كلهم أن عندهم أن خبر الواحد ولو صحيحا ليس عندهم حجة كاملة بل مجموع الأدلة، هكذا مبنی القدماء. مجموع الأدلة ومحكمات الأدلة.
هذا البيان من الميرزا الناييني عبارة أخری عن تخريج مبنی القدماء، الشيخ المفيد والشيخ الصدوق (باعتراف الشيخ الانصاري مبنی الشيخ الصدوق نفس مبنی الشيخ المفيد عنده مجموع الأدلة) المضمون هو المدار ومحكمات الأدلة. يعني الظهور كأمارة موضوعية يعني موضوعها شيء لفيف مجموعي فضلا عن المحمول. هذا شيء متين.
بينما المرحوم الاخوند يقول كأمارة هي مستقلة لكن نفس المرحوم الاخوند يعترف أنها كمحمول مجموعية، إن الأدلة المنفصلة محمولا من حيث الحجية مجموعية وليست استغراقية عند المرحوم الاخوند، الظهور والصدور والدلالة وجهة الصدور موضوعا استغراقي، فهذا العموم موضوعا استغراقي ومحمولا مجموعي. دليل واحد من حيث الموضوع استغراقي ومن حيث المحمول مجموعي.
طبعا هذه ربما أشرنا اليه في مباحث العام والخاص أن العموم يكون استغراقيا أو مجموعيا أو بدليا قد يكون بلحاظ الموضوع هكذا لكن بلحاظ المحمول قديكون عموما من نمط آخر. دليل واحد موضوعا استغراقي ومحمولا مجموعي أو موضوعا بدلي ومحمولا استغراقي أو مجموعي. هذه من الظواهر البديعة قد لايلتفت اليه الباحث بسهولة.
اذا المرحوم الاخوند وكافة الأصوليين يعترفون بأن الأدلة والآيات والروايات في الحجية كالمحمول مجموعية وليست استغراقية وليست بدلية بل مجموعية. فإذا كانت مجموعية حتی لو التزمنا بمسلك الميرزا الناييني هو عنده حتی الظهور مجموعي. بغض النظر عن مبنی الميرز الناييني لكن مبنی الاخوند وهو مجموعية المحمول والحجية لااختلاف فيه، إذا كانت الحجية مجموعية في الروايات والظهور في جهة الصدور في الحجج كلها مجموعي أي معنی لأن ننكر عندنا الطرق ينضم مع بعضها البعض، الضعيف مع الضعيف والقوي الی أن يشكل مجموعا مجموع الصدور ومجموع الدلالة ومجموع المضمون. هذا ليس من باب العبث بالأدلة.
قد يشكل واحد بأن الموضوع استغراقي لماذا تجعله مجموعيا؟ ولو كان الموضوع استغراقيا، الظهور والصدور وجهة الصدور استغراقيا لكن محموله مجموعي فصار المآل مجموعيا واذا كان المآل مجموعيا فضم الطرق مع بعضه البعض لامفر منه. والنظر الی الطرق بأنها مملكة مستقلة دولة مستقلة أو سيادة مستقلة غلط، هي دولة واحدة في الادلة كلها، دولة واحدة، فيه خصوصيات لكل دليل وكل رواية لاننكرها لكن بالتالي الحجية مجموعية للكل. إذاً مسلك القدما لماّ يقولون تظافر الأدلة وتراكم الأدلة أو مسلك الانسداديين من متأخري الاعصار من الوحيد البهبهاني التي طاولت القرنين من الزمان قرن الثالث عشر والرابع عشر هذه المدرسة بالتالي تبنی علی الأدلة المجموعية ولاتنظر الی الدليل الواحد بمفرده فقط. شبيه القرآن، «أتؤمنون ببعض وتكفرون ببعض؟» «الذين جعلوا القرآن عضين». الكتاب مجموع واحد، وإن لم يكن مجموعيا ظهورا وصدورا لكن لاأقل محمولا مجموعي. إذا كانت هكذا لماذا تفرض الدليل بمفرده؟ هذا الخبر الصحيح بمفرده؟. هذا نظام الحجية أهم من بحث التعارض. نظام الحجية نظام مجموعي ولو محمولا.
سابقا نبهنا علی أحد الأدلة علی هذا النظام وهو أنه أليس الخبر الصحيح يجب أن تفحص عن المعارض أو المقيد أو الوارد أو الظهور الاقوی منه؟ طبعا لابد من الفحص. بدون الفحص العمل بالأخبار لايجزئ، فإذًا ليست عندنا حجة مستقلة. الفحص يعني أن المحمول وحجية الحجج مجموعية. هذا هو معنی الفحص. أنت شئت أو أبيت، أن الخبر الصحيح والله ليس مستقلا عن الضعيف لا عن الموثق ولا عن الحسن بل مجموعهم حجة وماعندنا في الشريعة حجية مستقلة. كل حجية حجية مجموعي.
هذا المبنی للميرزا الناييني والاخوند فيه تفسير أعمق بغض النظر عن أن أيهما صحيح لكن التفسير لهذا الخلاف بين العلمين له تداعيات صناعية مهمة. مبحث الحجج بالصراحة من أوله الی آخر الظن مبحث عبارة أخری عن نظرية المعرفة في الدين. بشرط أن يغوص الانسان في الزوايا والخفايا لهذا المبحث.