الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، التعارض من وجه

كنا في صدد أن المشهور استدلوا علی عدم التساقط في التعارض من وجه بالروايات الواردة في تعارض البينات في باب القضاء ومر أن هذه الروايات متينة وليست مختصة بالتعارض من وجه بل هي شاملة للتعارض بالتباين. فاستشكل السيد الروحاني رحمة الله عليه في المنتقی بأن الروايات الواردة في تعارض البينات في الشبهات الموضوعية تختلف سنخا عن الشبهة الحكمية التي نحن فيها لأن الشبهة الحكمية والأمارات في الخبر الواحد مجموع مركب من الأمارات، أمارية الصدور وأمارية المضمون والدلالة وأمارية جهة الصدور (هل لبيان الواقع أم تقية) فثلاث جهات أو أربع أو كما يقتضيه الدقة سبع حيثيات في الأمارات والأخبار القائمة في الشبهات الحكمية.

بينما الشبهة الموضوعية تتمحض الأمارية فيها فقط في المضمون لا الصدور عندنا ولاجهة الصدور لأن نفس هذا الشاهد المفروض فيه أنما يشهد مباشرة فقضية الصدور أو عدم الصدور ليست في البين وجهة الصدور أيضا ليست موجودة في البين فيبقی أن مضمون هذا مطابق للواقع أو لا، هذه البينة تشهد علی أن الملكية لزيد وتلك البينة تقول أن الملكية لقاسم وليست لزيد، فمضمون هذا إما مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع أو لا أن الملكية متناصفة بينهما. فالتعارض والتنافي في الامارات في الشبهة الموضوعية ونموذجة القضاء هي أمارة واحدة بخلاف الشبهة الحكمية، لأنها في الحقيقة جملة من الأمارات المختلفة سنخا من قبيل جهة الصدور وأصل الصدور وهلم جرا.

هذا محصل اشكال السيد الروحاني رحمه الله في المنتقی، ويمكن ان يزيد واحد في التقريب باعتبار أن الاحكام التي ترد في بعض الامارات لايمكن أن نسويها مع الأمارات من نوع آخر، أمارية الصدور وأمارية جهة الصدور تختلف عن أمارية المضمون، هذا محصل اشكال السيد.

الجواب: انه في الأخبار أيضا شبهة موضوعية باعتبار أصل إخبار الامام للراوي أو إخبار زرارة لتلميذه مثلا لعلاء بن رزين أو حريز أو بقية تلاميذ زرارة ثم تلاميذ تلاميذ زرارة وأصل الإخبار في الخارج حدث جزئي موضوعي وموضوع من الموضوعات، فأصل الصدور بالدقة شبهة موضوعية. يعني زرارة لما يخبر عن الامام ويقول قال الامام كذا، هل هذا القول صدر أو لم يصدر؟ هو مضمون خبر زرارة وإن كان الصدور من قبل الإمام فبالنسبة الیه شبهة موضوعية جزئية. تلميذ زرارة مثل حريز بن عبدالله لما ينقل عن زرارة، هل هذا الاخبار صدر من زرارة أم لا؟ بغض النظر عن مضمونه والخبر والشبهة الحكمية بل أصل صدور الإخبار شبهة موضوعية، كما نقح الأعلام أن الأخبار في الشبهة الحكمية فيها جهة موضوعية فبلحاظ هذه الجهة الموضوعية ليس بينها وبين البينات في القضاء اختلاف.

إذا تمت هذه الزاوية تتأتی الأمارات الأخرى مثل جهة الصدور ولا حاجة بنفي التقية الی حجية خبر الواحد بل بناء العقلاء كاف لأن الاصل أن يكون الخبر لبيان الواقع لا التقية وهذا أصل عقلائي ومن الأصول اللفظية ولا تحتاج الی معالجة كثيرة، يعني بحسب القرائن أو ما شابه ذلك، لذلك أدلة حجية خبر الواحد في صدد الصدور فقط.

أما حجية الظهور والمضمون والدلالة فمن باب حجية الظهور وجهة صدور من باب الأصل العقلائي وأدلة حجية خبر الواحد التي تحتاج الی العلاج هي أدلة الصدور وبقية الأمارات تتكفلها نظام آخر.

أما تعارض الظهورين فالأصل فيه ليس التساقط بل الأصل فيه المعالجة بأفق واسع فبالدقة البحث في الشبهة الحكمية ليس بلحاظ تعارض المضمون بل بلحاظ صدور هذه الألفاظ وصدور هذه الألفاظ جهة موضوعية ومضمونه بتوسط حجية الظهور أمر كلي.

اتفاقا مع تعارض الظهورات لايصار الی تساقط الصدور لأن التعارض ليس في الصدور بل في المضمون والتعارض في المضمون قابل للعلاج الدلالي. فإذا النكتة الثانية هكذا أن بقية الأمارات ليست ترتبط بأصل حجية خبر الواحد وأصل الصدور وهي تتكفلها قواعد أخری في الحجية وهي حجية الظهور وهذه القواعد الأخرى ليس الأصل فيها التساقط بل الأصل فيها العلاج والتأويل والجمع مثل ما سمع الانسان بأذنه من الامام كلاما وسمع منه كلاما ينافيه مثل الخبرين القطعيين، تتذكرون أن السيد الخويي والناييني رحمهما الله يعترفان أن تعارض الخبرين المتواترين ليس الأصل فيهما التساقط لا في الظهور ولافي الصدور بل يكون تجميد الظهور الی أن يجد الفقيه طريق العلاج. مر بنا مرارا هذا المثال والإستشهاد لدعم كلام المتقدمين ودفع كلام المتأخرين والمرحوم الناييني ومدرسته منهم السيد الخويي وتلاميذه. في الخبرين القطعيين ليس الأصل فيهما التساقط لأن الصدور مفروغ منه ويبقی علاج الظهور. إذاً المرتكز حتی عند مدرسة الناييني أن الظهورات عند التعارض لاتتساقط بل تتجمد والتجميد يعني اقتضاء التفعيل والحجية موجود ويحتاج الی تفعيل العلاج فالصحيح إذًا أن الشبهات الحكمية في تعارض الأخبار الأصل فيها في أصل الصدور وأصل الصدور شبهة موضوعية وبعينها التي وردت في روايات باب القضاء أن الأصل ليس السقوط بل الأصل المحافظة عليها غاية الأمر تعالج.

فتبين إذاً أن ما استدل به المشهور صحيح وتام وكما ذكرنا أن هذه الطائفة من الروايات طائفة رابعة في باب التعارض إن لم تكن خامسة يعني بحسب ما استعرضناه أن المعاصرين تمسكوا بعشرين رواية وهي طائفتان للاستدلال علی الترجيح والتخيير بينما هناك طوائف أخری أغفلها المشهور، منها الطائفة التي أشار اليها الميرزا مهدي الاصفهاني تلميذ الناييني وهي روايات تشريع الائمة المستفيضة جدا يعني الولاية التشريعية ومنها روايات باب القضاء ومنها روايات أخری واردة في موارد أخری من أبواب المعاملات بالمعنی الاعم أيضا بالتالي تشير ولو في الشبهات الموضوعية لكن تشير بعدم التساقط وليس فقط مختصا بباب القضا. كان من المناسبة ان نتعرض تفصيلا بالروايات المرتبطة في باب القضاء لكن لأن البحث جار في أواخره فلانطيل البحث.

بقيت مسئلتان في التعارض. وندخل إن شاء الله باب الاجتهاد والتقليد الأصولي في علم الأصول.

المسئلتان: البحث السابق كان التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه أما لو تعارض العموم مع الاطلاق من وجه أو تعارض الاطلاق مع الاطلاق من وجه. ماهو العلاج؟

هنا لم يحتمل أحد التساقط في الصورتين. في العمومات من وجه لم يقل أحد بالتساقط إلا نادرا، لكن هنا كأنما اتفاق الكلمة علی أنه ليس في البين التساقط. ماهو العلاج؟ العلاج يعتمد علی المباني عند الأعلام وأهمها قولان. هذان القولان قول تبنی وأصر عليه الميرزا الناييني ولعله يظهر من بعض كلمات الشيخ الأنصاري من أن ظهور الاطلاق لايعتمد القرائن المتصلة فقط يعني لايتكون ظهور الاطلاق من القرائن المتصلة حصرا بل يعتمد أيضا علی القرائن المنفصلة. هذا مبحث طبعا حساس جدا ذكر في بحث العام والخاص والمطلق والمقيد. بخلاف الاخوند وهو يقول بأن الاطلاق لايعتمد علی القرائن المنفصلة بنيويا بل يعتمد علی القرائن المتصلة بنفس الكلام سواء الحالية أو اللفظية. إذًا هناك اختلاف جوهري بين القولين.

بعبارة أخری: هل الاطلاق ظهوره ذاتي يعني يقتصر علی القرائن المتصلة حصرا أو هو ليس ذاتيا بل تعليقي و تقديري يعني لابد أن ينضم اليه كلام منفصل آخر. هذا الخلاف يؤثر في المقام.

ما معنی هذا الخلاف؟ لسنا بصدد دلائل القولين لكن أصل الخلاف ما معناه؟ محصل كلام الناييني كشرح مبناه لا الدليل علی مبناه أن الظهور والاطلاق ليس ذاتيا يعني بنيته ليس في الكلام فقط، محصل كلامه أنه إذا جاء دليل منفصل مقيد أو حاكم أو مفسر هذا الدليل المنفصل يهدم بنيان الاطلاق. لأن المفروض أن بنيان ظهور الاطلاق لايقتصر علی القرائن المتصلة بل يعتمد علی مجموع القرائن المتصلة والمنفصلة ولو بعشرين فاصلا. إذاً مع مجيء مقيد منفصل أو حاكم أو مفسر منفصل يتزلزل أصل بنيان ظهور الاطلاق لأن ظهور الاطلاق يعتمد علی المجموع. هذا المبنی له ثمرات عجيبة بغض النظر عن صحته وسقمه وعكسه أيضا له ثمرات.

أما صاحب الكفاية يقول مجيء المقيد المنفصل لايعدم ولايزيل ظهور الاطلاق، بل يقدم المقيد علی المطلق، ظهور أقوی من ظهور لا أن المقيد يعدم ويزيل أصل ظهور الاطلاق. هذا فحوی كلام المحقق خراساني.

من الثمرات لهذين القولين أن المخصص المنفصل المجمل يجمل الاطلاق عند الناييني وفق مبناه. لأن بنيان ظهور الاطلاق لايقتصر علی المتصل بل يعتمد علی مجموع المتصل والمنفصل فإذا كان مجملا يسري إجماله الی الاطلاق أما عند الاخوند إذا كان القيد المنفصل مجملا لايسري إجماله الی الاطلاق لأن بنيانه مستقل غاية الامر فلايقدم علی الاطلاق لأن المجمل لاظهور فيه. واقعا هذه ثمرة كبيرة علی المبنيين.

بالصراحة الثمرات كثيرة بغض النظر عن مبحث التعارض ولسنا في صدد استعراض أدلة القولين وفهم القولين يترتب عليه الأثر في بحث التعارض من وجه