41/07/15
الموضوع: باب التعارض، التعارض من وجه، الاستشهاد بروايات تعارض البينات في باب القضاء
مر بنا أن الروايات الواردة في باب تعارض البينات في القضاء في الحقيقة من الروايات العلاجية في كل التعارض وقد استشهد واستدل بها القدماء علی عدم تساقط الروايات، بل مر أن في هذه الروايات مرجحات وعلاجات لم تذكر في الروايات العلاجية الواردة في تعارض الأخبار، فجملة من المرجحات التي قال بها المشهور من القدماء واستشكل عليه المعاصرين مدركها هو ما ورد في تلك الروايات في روايات تعارض البينات في القضاء.
طبعا ذكر توجيه لتعميم المعاصرين باعتبار أن هناك شواهد في الرويات تدل علی تعميم المرجحات، هذا صحيح لكن مع ذلك هناك تنصيص بالخصوص في هذه الروايات الواردة في باب القضاء علی بعض المرجحات التي لم ترد في الروايات العلاجية، مثل الأكثر عددا وماشابه ذلك وهلم جرا. هذا من ناحية من الفوائد الثمان التي مرت بنا في تعارض البينات في باب القضاء.
فائدة أخری من هذه الروايات الشريفة أن في هذه الروايات أيضا قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح مقررة يعني حتی في موارد الترجيح وموارد التخيير ليس بمعنی اطراح واسقاط المرجوح أو الذي لم يتم اختياره بل هو بمعنی جعل الخبر الراجح أو الخبر المختار قرينة علی التصرف في الخبر الآخر لا أن الخبر الآخر ساقط. فبمعنی مثل قاعدة الجمع مهما أمكن اولی من الطرح بمعنی أنه عطف المرجوح أو عطف غير المختار علی الطرف الآخر لا بمعنی عدم العمل به.
فائدة عاشرة من الروايات الواردة في باب تعارض البينات في القضاء أنها يظهر منها أن العمل بالروايات أو الأمارات المتعارضة شبيه العمل بالمتزاحمين. كيف بالمتزاحمين في موارد التزاحم لايفرط في كليهما لا في الأهم ولا في المهم. الأهم هو المقدم وفي المهم أيضا بقدر ما تقتضي الضرورة من تقديم الأهم يراعي يعني نوعا من الجمع بين المقتضيات. لسان الرويات الواردة في باب تعارض البينات من هذا القبيل، من قبيل أنها تزاحم المقتضيين كما في تزاحم المقتضيين وهذا شيء لطيف شبيه التصويب وليس بالتصويب طبعا أو شبيه المصلحة السلوكية التي ليست بالتصويب يعني أنه فيه المقتضي ويجب العمل به ومراعاته مهما أمكن.
ذاك أيضا غير قضية الجمع مهما أمكن أولی من الطرح، العمل بالخبر وبهذا الخبر مهما أمكن أولی من الطرح. ربما الإخوان يتذكرون في بداية مبحث التعارض مر بنا أن قاعدة الجمع تندرج في قاعدة أكبر عند الفقهاء، تندرج في أن الاحكام الشرعية والحجج والاحكام الفقهية وأي اعتبار شرعي سواء من الاحكام الشرعية أو الظاهرية أو الأولويات لايتصرف فيه ولايرفع اليد عنه ويعمل به ويراعی، حتی باب قاعدة التزاحم من هذا الباب يعني هناك جامع بين قاعدة التزاحم وقاعدة الجمع وهو مراعاة كل اعتبار شرعي ظاهري أو واقعي مهما أمكن والعمل به مهما أمكن، رعايته مهما أمكن مثل متزاحمين وجوب الصلوة وفورية تطهير المسجد ومراعاة كلا الطرفين مهما أمكن، هذه المراعاة مهما أمكن هي جامع بين التزاحم وبين قاعدة الجمع وبين قواعد كثيرة حتی الورود والتوارد وماشابه ذلك وهو أن الدليل أو الحجة أو الحكم الشرعي الظاهري أو الواقعي مهما أمكن لايتصرف فيه ولايرفع اليد عنه إلا بقدر الضرورة والضرورات تقدر بقدرها ولذلك المشهور في باب التزاحم لم يوسعوا التنافي بين الأهم و المهم الی درجة التعارض بين دليلي الأهم والمهم كما صنعه الميرزا الناييني ومدرسته. عند المشهور المحذور فقط في مقام العمل ويقتصر عليه وتوسعته بلاموجب وبلادليل فعلي ضوء ذلك، الضرورات ومحذور التنافي يقدر بقدره والزائد عن ذلك يجب مراعاة الدليل سواء علی صعيد أصل الدليل وأصل الانشاء ويراعی حتی في مقام العمل وهلم جرا. فهذه القاعدة جامعة بين مسلك مشهور القدماء في التزاحم أو في التعارض أو في الورود وهو قاعدة العمل والأخذ والالتزام بالدليل والحكم مهما أمكن وعدم التصرف فيه إلا بقدر ما توجبه الضرورة والأكثر منه لايجوز ومن ثم هنا أيضا يتعاملون مع روايات باب القضاء وتعارض البينات تعامل المتزاحمين ولسان الروايات من قبيل المتزاحمين مع أنهما متنافيان في الارائة. هذه نكتة لطيفة أنه زيادة علی قاعدة الجمع من قبيل تزاحم المقتضيين يجب العمل بهما.
فائدة حادي عشر من هذه الروايات التزم بها القدماء وأنكرها المتأخرون وهي أن التعارض بين الأصول المحرزة والأدلة الاجتهادية هو بمثابة التعارض بين الأدلة الاجتهادية في الامارات.يعني حينئذ الأصل الاولي ليس فيه التساقط لأن الأصل عند المتاخري الاعصار في باب تعارض الأصول العملية مع بعضها البعض التساقط.
طبعا في التعارض في الأصول العملية تارة كلا الأصلين يتواردان علی موضوع واحد ويتصادقان وينطبقان علی موضوع واحد. في هذه الحالة يقدم الأسبق رتبتا علی المتأخر رتبتا يعني الأصل المحرز علی الأصل التنزيلي والتنزيلي علی الوظيفي الشرعي والوظيفي الشرعي أو الوظيفي العقلي. الأصل التنزيلي مثل أصالة الحل وأصالة الطهارة واأاصل المحرز من قبيل اليد وقاعدة التجاوز والفراغ والاستصحاب. المحرزة يعني فيه جنبة أمارية وجنبة وظيفة عملية يعني الأمارات الفعلية الناشئة من الفعل. إذا توارد الأصلان العمليان علی موضوع واحد الكل يقولون بتقديم الأصل الأسبق رتبتا علی المتأخر رتبتا أربع مراتب في الأصول العملية. الأصل الوظيفي مثل البرائة الشرعية والاحتياط الشرعي وهو مقدم علی الأصل العقلي مثل البرائة والاحتياط والتخيير العقلية. هذا مسلك الكل عند توارد الأصلين العمليين علی موضوع واحد.
أما إذا تواردا علی موضوعين مثل أطراف العلم الإجمالي كما اذا كان أحد الانائين نجسا أو أحد الصلوتين فيها خلل، هل هنا يقدم الأصل المحرز علی الأصل العقلي؟ يقولون لا، الأصلان إذا كانا في موضوعين يتساقطان. هذا مبنی المتأخرين، إذا كانا في موضوعين الأصلان المتعارضان يتساقطان، هذا مقرر في مبحث تنجيز العلم الإجمالي، حتی لو كان أحدهما محرزا والأخر تنزيليا أو الاخر وظيفيا شرعيا أو عقليا، مع ذلك يتساقطان. هذا مسلم عندهم.
القدما عندهم حتی في الموضوعين إذا كان أحد الطرفين محرزا أو كلا الطرفين محرزين من الأصول مثل أصالة الصحة التي كلها من الأصول المحرزة ولها أنواع وأقسام مثل قاعدة التجاوز والفراغ التي نوع من أصالة الصحة. ربما البعض يعتبر اليد من أصالة الصحة. اصالة الصحة لها أنواع كثيرة من الأصول العملية وأصالة الصحة برمتها من الأصول المحرزة من الرتبة الاولی. بالتالي الأصول المحرزة لها أنواع عديدة بعبارة أخری وليست فقط أصالة الصحة والأصول المحرزة عبارة عن الأصل العملي الممتزج بأمارة ظنية ناشئة من الفعل أو من الحال يعبر عن تلك الامارة الناشئة ظنا من الفعل أو الحال بأصل المحرز. المحرز يعني الامارة والاصل يعني الوظيفة فالأصل المحرز فيه جنبتان، جنبة الإحراز والكاشفية وجنبة الوظيفة العملية. المشهور من القدماء عندهم أن الأصول المحرزة كالأمارات الاجتهادية عند التعارض لاتتساقط. سواء في موضوع واحد أو في موضوعين. سواء فرضنا الأصل المحرز في طرف والأصل الوظيفي في طرف أو الأصل المحرز في طرفين، هذا الأصل المحرز لايسقط بالتعارض بل يجمد الی أن تجد له علاج.
أحد الشواهد والدلائل هي الروايات الواردة في باب تعارض البينات. البينة أمارة لفظية، ماصلتها بالأصل المحرز؟ ذكر في ضمن روايات تعارض البينات تعارض اليد أنه إذا كان التعارض بين اليد واليد كذلك الحال لاتتساقطان. مثلا هذا المنكز له اليد علی الأرض والمدعي له اليد أيضا وفرض المنكر والمدعي لأن مقدار ما تحكي يده نصف العقار ونصف العين ويدعي كل العين وذاك الطرف الاخر يدعي كل العين أو أحدهما يدعي نصف العين والآخر يدعي كل العين. صور عديدة لها في تنازع الملكية في بحث تعارض البينات في القضاء. علی أي تقدير في ما يدعيه ذو اليد زائدا علی يده مدع والأخر يصير منكرا، قد يصير متداعيين يعني كل منها مدع ومنكر. يعبرون عنه التداعي. التداعي له صور عديدة في القضاء سواء كان المدعي والمنكر أو كل منهما مدعيا ومنكرا. هذه الروايات الواردة في تعارض البينات استعرضت أيضا غير تعارض البينات، تعارض اليدين المتخاصمين، هذا اليد مع تلك اليد، أيضا في الروايات أن اليدين لاتتساقطان كالبينتين بل يعمل بهما معا من باب قاعدة العدل والانصاف.
مثلا يد أحد المتخاصمين علی كل العين مشاعة ويد الاخر علی نصف العين المشاعة أو المعينة. يعني مثلا هذا يسكن في العقار أو يستخدمها لامر زراعية لنصف السنة فقط أما الاخر يستخدمها طيلة السنة، فأحدهما له متسلط اليد علی كلها مشاعا والأخر له تسلط علی النصف إما معينا أو مشاعا، هنا كيف فرض التعارض؟ صاحب اليد علی كل العين مشاعا في أحد النصفين ليس له معارض لأن يد الاخر ليست علی كل العين فصاحب اليد الذي علی كل العين له اليد علی نصف العين بلامعارض وتتعارض اليدان في النصف الآخر المعين أو المشاع. عندما تتعارض اليدان في النصف الآخر المشاع أو المعين هنا هذا القسم الاخر يقسم قسمين، فربع الی هذا وربع الی هذا بمقتضی وجود أصلين محرزين اليد واليد. فبالتالي نهائيا هذه العين يقسم بنحو ثلاثة أرباع لمدعي الكل و ربعها لصاحب اليد علی النصف. فعملوا بكلا الأصلين المحرزين ومنصوص عليه وصور عديدة في تعارض اليد. إجمالا هذه الروايات الواردة في باب تعارض البينات طردا للباب تعرضوا لتعارض الید. وصحاح أخری من النصوص فهذه الروايات الواردة في معالجة الامارات في القضاء تتعرض أيضا الی الأصول المحرزة أنها لاتتساقط بالتعارض بل يعمل بهما مهما أمكن.
مر بنا في النقطة السابقة هذا اليوم العمل بالأمارات مهما أمكن أعم من قاعدة الجمع بين دلالة الأمارات مهما أمكن مثل المتزاحمين هو نوع من العمل والجمع في العمل مهما أمكن وليس علی صعيد الدلالة الانشائية. قاعدة الجمع ورعابة الأدلة والاحكام اعم من قاعدة الجمع الدلالي وأعم من التزاحم وأعم من الورود عند القدماء من رعاية الدليل والحكم الظاهري والواقعي. التصرف عند القدما من قبل الفقيه في الاعتبار الشرعي خلاف مقتضى القاعدة إلا بقدر الضرورة والضرورات تقدر بقدرها.
هنا أيضا هكذا اليد واليد هذه النصوص الواردة في باب تعارض البينات تدل علی أن الأصول المحرزة لاتتساقط عند التعارض بل يعمل بها حتی في مقام العمل. فلذا هذه فائدة أخری من هذه الروايات، أن الأصول المحرزة خلافا للمعاصرين حتی خلافا للشيخ الانصاري وخلافا لمدرسة الوحيد البهبهاني خلافا الی الاخوند وغيرهم من الأعلام أن الأصول المحرزة تتعامل معها كالتعامل مع الأدلة الاجتهادية ومدركها الروايات الواردة في باب القضاء في اليد. هذه فائدة مهمة أخری.
إجمالا هذه الروايات تدرج في ضمن الروايات العلاجية للتعارض والتخيير والترجيح يعني مفاد كامل متكامل من علاج باب التعارض ولايختص بالشبهة الموضوعية بل يعم الشبهة الحكمية وإن كان مورده الشبهة الموضوعية.
بقي أن نتعرض باشكال السيد الروحاني اشكال فيه دقة صناعية تفيد في موارد أخری بغض النظر عن تماميته أو عدم تماميته.
أشكل علی الاستدلال بالروايات الواردة في باب القضاء، طبعا هو أشكل علی أن المشهور من المتأخري الاعصار باعتبار أنهم استشهدوا لباب التعارض من وجه بهذه الروايات وهذا استشهاد جيد من المتأخري الاعصار لكن هلا عمموه للتباين. إذا قبل المتأخروا الأعصار أن الروايات الواردة في تعارض البينات تعالج التعارض من وجه إذًا تعالج التباين وما فيه الفرق لأن فيه صورة التعارض بالتباين. هذه ذكرناه أمس.
السيد الروحاني لايقبل الاستشهاد بالروايات في تعارض البينات لاللتعارض من وجه فضلا عن التباين يقول لأن التعارض في الأمارات والشبهات الحكمية سنخها يختلف عن سنخ الأمارات في الشبهات الموضوعية والبينات. بأي بيان؟ البيان فيه دقة صناعية ويفيد في موارد عديدة. فيبين اختلاف السنخ وعلي أثر ذلك يقول: العلاج الذي ورد في القضاء لايمكن تعميمه الی الشبهات الحكمية.
من باب تتميم المطلب أريد أن أرجع الی ما قبل اعتراض السيد: الروايات الواردة في تعارض البينات ليست خاصة بالبينات كما مر حتی اليد و في الحقيقة هذه الروايات المعالجة لتعارض الامارات في القضاء هي مصدرها النزاع القضايي بين المتخاصمين في أبواب فقهية عديدة في الملك والنكاح والارث طبعا كلها مرتبط بالقضا والنزاع بين المتعاقدين في النكاح أو البيع أو العقد الاخر أو في الإرث في الحقيقة الروايات الواردة في باب القضاء نصحح التعبير أنها ليست خاصة بالروايات الواردة بتعارض البينات في القضاء بل هي واردة في الأمارات الأخرى عديدة يد أو غير يد لأن كل باب من أبواب الفقه والمعاملات بالمعني الاعم يفرض فيه التنازع يعني شعبة قضائية في ذلك الباب كأنما القضاء وزارة وهذه الوزارة لها شعبة في كل الأبواب. فهذه الورايات التي تعالج التعارض ليست خاصة بالبينات ولاباليد بل بالامارات الأخرى أيضا هذا استدراك لما ذكرت أمس واليوم. روايات عامة في القضاء.
نزجع الی اشكال السيد: ماهو الفرق السنخي في تعارض الامارات في الشبهة الحكمية والنزاع في الشبهة الموضوعية؟ يقول: الامارات في الشبهة الحكمية فيها ثلاث حيثيات، حيثية الصدور وحيثية المضمون وحيثية جهة الصدور. هل تقية أو لبيان الواقع؟ هذا لجهة الصدور. المضمون حكم إلزامي أو غير إلزامي، هذه حيثية ثانية والحيثية الثالثة الصدور هل صدر هذا الكلام من الامام أو لايصدر؟ فالتعارض في الامارات من ثلاث حيثيات معا. هذا واضح. لكن مر بنا أنها ليس ثلاث حيثيات فقط، تعرضنا اليه في بداية خبر الواحد في أخبار الآحار ليس ثلاث حيثيات بل سبع أو إحدی عشر حيثية.