الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، التعارض من وجه، التمسك بالروايات العلاجية في تعارض البينات

كان الكلام في أن ظاهرة التعارض في العموم والخصوص من وجه بين الأدلة تبين أيضا لنا التمييز بين تساقط الأدلة وبين رد الدليل والخبر وبين تجميد الروايات أو الدلالة أو المضمون وبين العمل بها يعني ربما يصح أن يقال: هناك أربع مراحل، مرحلة رد الاخبار وهو الحكم بالعدم ومرحلة اسقاط الخبرين أو اسقاط الخبر وهو عدم الحكم بصدوره ومرحلة أخری تجميد الخبرين أو تجميد الخبر بالتالي هو نوع من الإقتضاء للحجية فيه لكن لم يصل الی مرحلة الفعلية ومرحلة أخری هي مرحلة فعلية حجية الخبر، هذه المراحل سيما هذه المراحل الثلاثة الاولی أو المرحلتين الأوليين، للتمييز بينها ثمرات كثيرة جدا صناعية، فما التزم به جملة من الاقوال في التعارض من وجه موضح الی جهات المراحل بين حجية الخبر.

سبق ومرت الإشارة الی أن أصل مبنی المشهور هو أن التعارض لايقتضي التساقط بل غاية الامر يقتضي التجميد يعني المرحلة الثالثة يعني لايتساقط الخبران فضلا عن الرد، هذا مبنی مشهور القدما لكن علاوة علی ذلك استدل المشهور بما ورد في باب القضاء أن تعارض البينات للمتخصامين لاتتساقط، يعني لاتصل الی مرحلة التساقط غاية الامر تصل الی مرحلة التجميد أو العلاج (المرحلة الرابعة).

روايات مستفيضة وردت في باب القضاء وعمل بها وأفتي بها، التي تعالج التعارض في البينات في باب القضاء، فالمشهور لا فقط في التعارض من وجه بل في التعارض بنحو التباين أيضا يستشهدون بالروايات الواردة في باب القضاء من تعارض البينات لأن تعارض البينات في باب القضاء غير منحصر في التعارض من وجه وان كان كثير من صوره التعارض وجه لكن ليس كل صوره هكذا بل يشمل التعارض بالتباين وصور كثيرة ذكروها في بحث القضاء سيما في التنازع في الملك أو الحقوق. فهذه الروايات الواردة في التعارض بين البينات ومؤداها التي تعالج التعارض في البينات في باب القضاء هذه الروايات استدل بها لا فقط لصورة التعارض في الشبهة الحكمية لأن باب القضاء من قبيل الشبهة الموضوعية غالبا، بينما التعارض المبحوث عنه في الاخبار هو عمدتا في الشبهة الحكمية لكن مع ذلك المشهور لم يفرقوا في الاستشهاد لعلاج التعارض لم يفرقوا بين الروايات الواردة في باب القضاء مع الروايات الواردة في باب التعارض في الشبهة الحكمية استشهدوا ولم يخصصوها بالشبهة الموضوعية أو باب القضاء بل عمموها. ومن ثم عند القدما أو عند المشهور مؤاخذة تسجل علی المعاصرين أنهم لم يدرجوا في الروايات العلاجية الروايات باب القضاء والحال أنها تصلح أن تكون دليلا. علاوة علی المؤاخذات الأخرى، منها التي مرت أن الروايات المستفيضة في الولاية التشريعية للائمة عليهم السلام «فامنن أو امسك بغير حساب» تلك الروايات أيضا مستفيضة ومر بنا في التخيير وتم الاستدلال بها من الميرزا مهدي اصفهاني، هذه أيضا من الروايات العلاجية لم يدرجوها مشهور المعاصرين والحال أنها من الروايات.

فهناك طوائف من علاج الروايات المتعارضة لم يوردها المعاصرون، منها أيضا روايات باب القضاء.

تقريب الاستدلال بالروايات العلاجية لباب التعارض في القضاء، أشرنا اليه إجمالا في بداية التعارض لبيان صحة مسلك القدماء من أن التعارض في الأمارات لا يوجب التساقط بل يوجب التجميد.

وجه التقريب والاستشهاد بذلك أن باب القضاء ولو شبهة موضوعية التعارض وتدافع الامارات فيه إن كانت الأمارية لاتتحمل التنافي والتدافع فهو سيان في الشبهة الموضوعية والشبهةالحكمية، ما الفارق؟ باعتبار أنه مرتبط بطبيعة نفس الكاشفية والأمارية، إن الكاشفية إذا تتحمل التنافي و التدافع من دون التساقط يصير من قبيل تزاحم المقتضيات، غاية الامر في الامارات مقتضياتها ليست كالأحكام الفقهية مثل تزاحم الصلوة مع تطهير المسجد باعتبار أنها أحكام فقهية وأفعال لحكم فقهي أما في الأمارات ما يناسبها في الكاشفية أيهما أقوی كشفا وأيهما أكثر إرائة للطريق وللواقع، إذا في أصل الكاشفية والتعارض، الأمارات سنخا علی وتيرة واحدة سواء في الشبهة الموضوعية كما في تعارض باب القضاء أو الشبهة الحكمية التي في مقام الفتيا، هما سيان، إن الامارة هل تتقبل التدافع والتجاذب والتعاكس والتنافي أم لا؟ إذا تتقبل فهما سيان علی تقريب الاستدلال بالروايات العلاجية لتعارض البينات للمتخاصمين في باب القضاء شمولها لباب الشبهة الحكمية. هذا تقريب تام لابأس به.

تقريب آخر للاستدلال بالروايات العلاجية للتعارض في البينات في القضاء في شمولها لباب الفتيا ذكروها في خبر الواحد وأيضا في اجتهاد والتقليد لكن الأكثر ذكروها في خبر الواحد والتقريب أن الخبر الواحد صحيح أنه الشبهة الحكمية لكن هذا الخبر في حين أنه خبر وأمارة علی الشبهة الحكمية علی الحكم الكلي لكنه بالدقة فيه حيثية الشبهة الموضوعية. زرارة لما ينقل عن الامام الصادق أو تلميذ زرارة ابن رزين أو غيره أو عبدالله بن زرارة عن أبيه أو عبدالله ابن بكير عن ابن عمه زرارة عن الامام الصادق.

أين حيثية الشبهة الموضوعية فيها؟ قالوا صدور الكلام من الامام المعصوم هو موضوع من الموضوعات الخارجية، صدر الكلام أو لم يصدر؟ مضمون الكلام حكم كلي في الشبهة الحكمية أما نفس صدور الكلام حكم جزئي، في اليوم الفلاني والسنة الفلانية تكلم الامام سلام الله عليه بذلك الكلام أو لا؟ أو الراوي عن الامام تكلم بذلك الكلام أم لا؟ وهلم جرا سلسلة الإخبارات.

صحيح أن مضمون الكلام حكم كلي لكن أصل صدور الكلام شبهة موضوعية، فخبر الواحد في الشبهات الحكمية للفتيا وإن كان يقرب بأنه حكم كلي في الشبهة الحكمية لكنه بلحاظ مضمونه لا بلحاظ صدور ألفاظه. أما بلحاظ صدور ألفاظه هو شبهة موضوعية وفيه حيثية الشبهة المضوعية. إذا كان الحال كذلك فإذاً تعميم ما ورد في تعارض البينات في الشبهة لموضوعية في باب القضاء تعميمه للشبهة الحكمية في الفتيا من زاوية أنه شبهة موضوعية صحيح لأنهما قريب المأخذ. أمارة علی صدور هذا الكلام الجزئي من الامام أو من الراوي من الامام . صحيح أن الكلام مضمونه كلي في الشبهة الحكمية والحكم الكلي لكن نفس الكلام شبهة موضوعية وحكم جزئي وحدوث جزئي.

هذا لماذا ذكروها الأصوليون في باب خبر الواحد؟ هذا وجه ثالث. ذكرنا وجهين لتعميم الروايات العلاجية في باب القضاء عند تعارض البينات تعميمها لتعارض الروايات في الشبهة الحكمية في باب الفتيا والتقريب الثالث: هو أن احد الأدلة علی حجية الخبر الواحد في الشبهات الحكمية هو السيرة. أحد الأدلة علی حجية خبر الواحد في الشبهات الحكمية هو السيرة العقلائية و المتشرعية من عمدة الأدلة. أشكل ثمة في بحث حجية خبر الواحد علی الاستدلال بالسيرة العقلائية أن السيرة العقلائية في الشبهات الموضوعية. إخبار فلان بأن البيع حصل أو هلم جرا. السيرة العقلائية في الشبهات الموضوعية حدث فلان أو لا؟ قال فلان أو لا؟ من أين أنتم تعممون السيرة العقلائية في الشبهات الموضوعية للأخبار عن المعصوم في الشريعة الذي يحكم بالحكم الكلي. أشكل علی الاستدلال بالسيرة العقلائية لحجية خبر الواحد في الشبهات الحكمية بأن السيرة العقلائية في العقلاء هي في الشبهات الموضوعية بين بعضهم البعض. يعني حصول الموضوع أو عدم حصولها. نحن في شمول خبر الواحد لكلام المعصوم وكلام المعصوم مضمونه حكم كلي في الشبهة الحكمية في الشريعة وفي اللوح المحفوظ وهلم جرا. أي صلة بين مورد السيرة العقلائية مع حجية خبر الواحد في الشبهة الحكمية في الفتياء؟

أجيب عنه بنفس هذا التقريب الثاني الذي مر بنا أن خبر الواحد عن المعصوم عن كلام المعصوم فيه جنبة موضوعية. هذا الجواب يصلح أن يكون وجها ثالثا.

هنا جواب آخر عن هذا التساؤل، قالوا إن وجود السيرة العقلائية في الشبهات الموضوعية عندما يصبح العقلاء متشرعة تلقائيا هذه السيرة تتمدد وتتسع، يعني هذه مثل الارتكار والبرنامج والروية والعادة تلقائيا تتوسع الی ما يكون مشابها لها في الموارد الأخرى، يعني في صدور الكلام والقول عن المعصوم. فاتساع السيرة أمر بنفسه كاف للحجية لاسيما المتشرعة الموسعة. فأصل التقنين العقلائي في السيرة العقلائية في الشبهات الموضوعية لكن مع ذلك أسري الی الشبهات الحكمية عقلائيا ومتشرعيا لنفس النكتة لوحدة السنخ والنمط.

هذا بعينه في التقريب الثالث بعينه يمكن أن يقرب في الروايات العلاجية في باب البينات في باب القضاء سواء لأصل التعارض بالتباين أو للتعارض من وجه وهذا التقريب تام.

هذه الروايات العلاجية من الفوائد الجيدة فيها أن هذه الروايات العلاجية الواردة في تعارض القضاء تعالجها تارة بالترجيح وتارة بالتخيير وتارة بجمع آخر. الترجيح والتخيير وقاعدة الجمع. لا قاعدة الجمع مهما أمكن بل غيرها سأبين. تعالج هذه الروايات العلاجية في باب تعارض البينات بثلاثة علاجات إن لم يكن أكثر. لنلتفت الی فائدة ثمينة جدا من التفات المشهور وغفلة الكثير، طبعا السيد اليزدي أشار لهذا أن المشهور استدلوا في العلاج بالروايات العلاجية الواردة في تعارض البينات في باب القضا وذكرنا أن للسيد اليزدي كتابا مستقلا في تعارض الروايات كتابا قيما جدا من حيث المواد والنكات.

أولا كما مر أن الروايات العلاجية في باب القضاء غفل عن ذكرها كثير من المتأخرين وتصلح لأدلة التخيير التي يستشكل السيد الخويي فيها مع أنها طائفة أخری في التخيير.

فائدة ثالثة مر بنا أن مقتضى القاعدة ليس التساقط بل البقاء.

فائدة رابعة من هذه الروايات أنها تعم التباين ومن وجه.

فائدة خامسة من هذه الروايات أنها مستفيضة ومفتی بها.

فائدة سادسة من هذه الروايات في باب التعارض في القضاء أنها ذكرت مرجحات لم تذكر في الروايات العلاجية الواردة في الشبهة الحكمية. إما لم تذكر بصراحة أو لم تذكر ومشهور القدماء عمموا المرجحات للمرجحات المذكورة حتی في الروايات العلاجية لتعارض البينات في باب القضاء بينة المدعی وبينة المنكر إذا تتعارضت. مثلا المدعي أتی بالبينات والمنكر بدل أن يحلف أتی بالبينات .طبعا المبحث هذا والروايات العلاجية في بينات القضاء مبحث طويل الذيل ومعركة الآراء لاأريد أن أخوض في تفاصيله مع أنه حقيقتا تفاصيلها مفيدة في التعارض، تفاصيل اختلاف الاعلام في الروايات العلاجية لتعارض البينات بين الخصمين. الاقوال والفذلكات التي ذكرت هناك مفيدة جدا صناعيا في التعارض في الشبهة الحكمية، لكن لاأريد أن استعرضها. لأنا في أواخر بحث التعارض.

الان نشير اليها اجمالا. إن الأقوال والنقض والابرام في باب القضاء في مسئلة تعارض البينات للمدعي والمنكر في الحقيقة تعتمد علی بحث صناعي كلي وهو أنه كيف الامارات تتعارض؟ ذكروها في باب القضاء بزوايا لم تذكر هنا في الشبهة الحكمية ومفيد جدا هذه الاقوال والنقض والابرام في تصوير القالب الصناعي ومقتضی الصناعة وانصافا بحوث دسمة كلية غير خاصة بباب القضاء في تفسير مفاد هذه الروايات كنر ثمين لمبحث التعارض في الفتياء وهي الروايات الوارد في القضاء لم يستثمرها المعاصرون في التعارض. حتی السيد اليزدي وهو معتبر من المعاصرين لكنه اقتفی أثر القدما في التمسك والاستدلال والاستشهاد بهذه الروايات في باب القضاء أتذكر أن السيد اليزدي في كتاب التعارض حتی تعرض الی مفاد هذه الروايات الواردة في علاج بينات القضاء الی واحدة واحدة وكيف تثمر البحث في التعارض في الشبهة لاحكمية عند المفتي وبحث مفيد ومهم.

لابأس أن اذكر إثارة لدعم أن هذه الروايات بتقريبات متعددة عامة بما نحن فيه وليس خاصا بباب القضاء لكن قبل أن أذكر هذه الاثارة دعونا أذكر ثمرات لهذه الاثارة للتمسك بالروايات الواردة في تعارض البينات في باب القضاء

الثمرة أن الروايات الورادة في باب القضاء ذكرت مرجحات لم تذكر في الروايات العلاجية في الشبهات الحكمية وتمسك بهذه المرجحات المشهور. مثلا كثرة البينات، الكثرة تقدم علی القلة. هذا بحث لطيف. صرف أن أحد الطرفين اكثر رواة واكثر إخبارا يرجح علی الاقل عددا. وظاهرة عجيبة وثمرة عجيبة.

أيضا مر بنا أن هذه الروايات العلاجية في باب القضاء تبين التخيير والثمرة السابعة لهذه الروايات أن هذه الروايات الواردة في تعارض البينات في القضاء ليس مفادها أن المرجوح يسقط بالمرة، في بعض الموارد هكذا لكن في جملة من الموارد مؤداها أن المرجوح لايسقط بل المرجوح يعمل به في الجملة بنحو أن يكون وفقيا ووفاقيا مع الراجح. وهذا مبنی القدماء في الترجيح خلافا للترجيح عند المعاصرين فليس الترجيح بمعنی اسقاط المرجوح بل عطف المرجوح علی الراجح والعمل بالمرمجوح بنحو يوافق الراجح . هذه الروايات تشهد لهذا الشيء .

أيضا هذه الروايات الفائدة السابعة أو يمكن أن تجعلها فائدة ثامنة؛ هذه الروايات تدل علی أن التخيير في تعارض البينات أيضا ليس معناه اسقاط الطرف الذي لم يتم اختياره من البينات والامارات بل يعمل به وهذه فائدة مهمة موافقة لمسلك القدماء. إن التخيير ليس بمعنی الإسقاط بل بمعنی التوليف.

ثمرة أخری تاسعة لهذه الروايات الواردة في باب القضاء أنا عمدا ذكرت هذه الروايات باعجاج في مقابل اشكال بعض الاعلام بأن التمسك بهذه الروايات غير صحيح صناعيا بتاتا من استاذنا السيد محمد الروحاني وسنبين أن الفائدة جدا ثمينة والتمسك في محله.