الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، التعارض من وجه، الفرق بين الرد والاسقاط

كان الكلام في التعارض من وجه وهناك أقوال لدی الأعلام. طبعا المتقدمون لايبنون علی التساقط في التعارض بالتباين فضلا عن القول بالتساقط في التعارض من وجه بل هم يبنون علی ما بنوا عليه في التباين من أن التعارض غاية ما يوجب كون الحجتين اقتضائيتين يعني التجميد عن الفعلية التامة.

لابأس أن نركز علی هذه الاصطلاح عند الأعلام من الأصوليين. سقوط الرواية أو إسقاط الرواية يريدون به اسقاط صدورها عن الحجية من رأس. فهذا يعبرون عنه اسقاط الرواية أو اسقاط الدليل، بينما إذا كان الصدور لايطرح وإنما تجمد الدلالة أو المضمون أو جهة الصدور لايعبر الاعلام عن التجميد باسقاط الرواية وإنما تجميد الرواية عن الفعلية التامة الی درجة الفعلية الناقصة.

فاصطلاحا الاسقاط يريدون به اسقاط الرواية من ناحية الصدور، أما اذا كان الثبوت ثابتا حتی لو كان المضمون مجمدا أو الدلالة مجمدة أو جهة الصدور لايعبرون عنه اسقاط الرواية هذا اصطلاح الأصوليين لاسيما المتاخرين واصطلاح مهم يعني فيما يعنيه نكات كثيرة إذا واحد يلتفت اليه.

طبعا هذا الاصطلاح لايساوي ردّ الرواية وإن خبت في ذلك جملة من الفضلا أو البعض النادر من الأعلام. لكنه فرق بين اسقاط الرواية وبين رد الرواية. الرد يعني الحكم بالعدم وعدم الحكم وعدم الحجية ليس بمعنی الحكم بالعدم. اسقاط الرواية غاية ما يعني عدم الحجية و عدم الحكم لا الحكم بالعدم و الرد يعني الحكم بالعدم وجملة من الأعلام قد يقعوا في غفلة من هذا.

هذا اصطلاح لكن يحمل في طياته منظومة من المباني، معني اسقاط الرواية ماذا؟ معنی أن الرواية مجمدة ماذا؟ معنی أن الرواية مردودة ماذا؟ رد الرواية أعظم شيء، الحكم بالعدم كأنما عندك حجة علی عدمه. حجة بعدم حجيتها بينما الإسقاط يعني عدم الحجية وعدم الحكم بها لكن هذا يستعصي علی كثير من الباحثين ولايقع التمييز بين منهج عدم الحجية وعدم الحكم وبين الحكم بالعدم وعدم صدوره وبين المرتبة الثالثة الخفيفة في الرواية وهي تجميد الرواية، تجميد دلالة الرواية وتجميد المضمون وتجميد جهة الصدور وهذا أعلی رتبة من الإسقاط. فلدينا ثلاث مراتب. الحكم بالعدم يعني الرد.

نذكر مثالا آخر لنلتفت الی هذه الاصطلاحات لانها يترتب عليها آثار كثيرة وقد يخلط بين هذه الاثار. مثلا «لاتقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا.» لاتقف يعني عدم الحكم وعدم الحجية. مثل الاسقاط. أما «كذبوا بما لم يحيطوا به علما» يعني الحكم بالعدم والنفي. كذبوا يعني حكموا بالعدم. سبحان الله اشكال القرآن علی كثير من المكاتب البشرية هو تكذيبهم وحكمهم بالعدم، الحكم بالعدم والحكم بنفي الغيب ونفي القيامة ونفي النار و الجنة.

«من كان في هذه أعمی فهو في الاخرة أعمی وأضل سبيلا». أعمی يعني ينفي بخلاف عدم الحكم وهو يمكن أن يری أو لايری. يقول الإمام الصادق عليه السلام في نظرية المعرفة مثل الضوابط الأصولية ففي الحقيقة أنها تقرر في علم الأصول، هذا البيان من الامام الصادق في بحث الحجية كأصول القانون: «لو أن الناس عملوا بأصلين أو أمرين في القرآن لنجوا من الضلال وكذا، ماهما؟ قال: «لاتقف ما ليس لك به علم» تقف يعني تتبع، يعني الحكم بالاثبات يحتاج الی دليل. قال والأمر الثاني «كذبوا بما لم يحيطوا به علما» يعني يحكمون بالعدم وكيف يحكمون بالعدم في ما لم يحيطوا به علما؟ الحكم بالاثبات والوجود يحتاج الی العلم والحكم بالعدم أيضا يحتاج الی العلم، لأن الحكم يحتاج الی العلم، سواء بالوجود أو بالعدم.

أما عدم العلم وعدم الحكم لاتقف بالاثبات ولاتكذب تنفي. منهج عظيم. هذا المنهج الذي يذكره الامام الصادق في منظومة الحجية المفروض أن تذكر وتأصّل في علم الأصول، هذه من الأصول المهمة أصول جامعة قواعد أصولية جامعة من الأئمة عليهم السلام المفروض علماء الأصول يعني علم الاصول منطق والمنطق عبارة عن التوازن في المنهج.

المهم فالرد تكذيب والنفي بالعدم والحكم بالعدم. أما اسقاط الرواية يعني عدم الحكم وعدم الحكم ليس الحكم بالعدم. للأسف كثير من الباحثين علی مستويات مختلفة يخلط بين رد الرواية وبين اسقاط الرواية. مع أن اسقاط الرواية لايبرر لك الرد للرواية وفرق صناعي بين الاسقاط والرد. هذا من أساسيات مبحث حجية الخبر الواحد. قبل أن تثبت أو لاتثبت حجية الخبر لابد أن تعرف المسارات هناك رد الرواية وهناك إسقاط الرواية وهناك تجميد الرواية ومرحلة رابعة تفعيل الرواية صدورا ودلالة ومضمونا يعني تقفو ما لك به علم.

المفروض في بداية حجية خبر الواحد تذكر هذه المراحل الأربع وللأسف ما مذكورة. لابد أن تذكر في أصل مبحث الحجية. أصل أسّسه القران والائمة.

ما الفرق بين عدم حجية الشيء والظن وبين الحكم بعدم اعتبار الظن؟ ولو ربما في بعض عبارات صاحب الكفاية فيه تسابق لكن هذا تسامح من صاحب الكفاية، عدم الحجية ليس بمعنی حجية العدم. عنده هذه العبارة حتی عند الشيخ في بعض عبائره الشك في الحجية مساوق للعدم. إذا كان بمعنی عدم الحكم بالحجية فنعم لكن ليس بمعنی الحكم بالعدم. مبحث حساس وأساسي والخلط فيه تسبب تداعيات كثيرة. نفس هذا المبحث التعارض من وجه ينبه علی المراحل الأربع وخاض فيه الاعلام. هذا المبحث عمود فقري لأساس مبحث الحجج حتی في القطع. بحث الأصوليون ونعم ما فعلوه والسجال بين الأخباريين والاصوليين نعم السجال من الطرفين. لانه يثير هذا المبحث لأنه أي قطع حجة؟ من أي منشأ؟ قطع القطاع أو القطع الذي يستبد العقل البشري بنفسه ولايستعين بالوحي؟ يعني بحث الأصوليون حتی في القطع عن حجية القطع والبحث جيد مراتب الحجية في القطع. مراحل الحجية إذا أربع بين أن تكون حجة تامة تماما وبين رد الحجية وبينهما بحران متوسطان. فإما حجية تامة أو حجية مجمدة في الدلالة أو المضمون أو جهة الصدور أو بين عدم الحجية يعني الاحتمال ولازال الاحتمال يراعی أو يراود وبين الرد يعني الحكم بالعدم يعني أصلا الإمكان ما موجود.

لطيف الاصوليون بحثوا هذه المراحل النخاعية في مبحث الحجج ومبحث التعارض قالوا إن هناك من الظنون ما نهی عنه الشارع كالقياس والاستحسان وحكم بالعدم. قالوا هذه الظنون التي نهی عنه الشارع كالقياس والاستحسان لايسوغ الاعتماد عليها بأي درجة من الاعتماد حتی التاييد بها. ولو عندهم خلاف في التاييد بالقياس والاستحسان لكن كثير منهم يقولون لايسوغ. لأن الخلاف في ان نهي الشارع عنها في الاعتماد عليها مستقلا أو نهی عنها مطلقا القياس و الاستحسان والتفسير بالرأي. فإذاً هناك من الظنون ما نهی عنها الشارع وهناك من الظنون ما لم يحكم الشارع لابالعدم ولابالاثبات لكن هذه عدم حجيتها لم يحكم بحجيتها ولم ينهی عنها ذاتا. عدم الحجية لايعبر الشيخ الأنصاري أو مدرسة الوحيد البهبهاني رحمة الله عليه أو الاخوند بأن عدم الحجية يساوغ الحكم بالعدم. هذا مسامحة منهم. لابد يفرق بين القياس الذي نهی عنه الشارع وبين الظنون غير المعتبرة. ظنون غير معتبرة وليست ظنونا يعتبر عدمها. فيه فرق ولو ذكرت عندهم مسامحة كثيرة من الأصوليين أن عدم الاعتبار اعتبار العدم. هذه مسامحة لماذا؟ لأن الظنون التي لم يعتبرها الشارع نفس الأصوليين اعترفوا في مباحث القطع إنها إذا تراكمت وولدت الاطمئنان أو القطع فهي حجة. بخلاف الاقيسة والاراء والاهواء والاستحسانات إذا تراكمت حتی اذإ ولدت الاطمئنان أو القطع لاتكون حجة لأن القطع ناشئ من التقصير.

الظنون غير المعتبرة إذا تراكمت لا مانع من أن تولد الاطمئنان والقطع هم يقولون بها. إذًا فيه فرق بين القياس والتفسير بالرأي والهواء التي نهی عنها الشارع وبين التي لم يعتبرها وظنون غير معتبرة. هذا هو الفرق بين الرد والاسقاط اصطلاحان اساسيان بنيويان في مباحث الحجج. بين مرتبة أعلی من الاسقاط لا الرد ولا لاسقاط مرحلة التجميد. الشيخ الانصاري في مبحث التعارض يصر علی أن التجميد كالاسقاط ثم الاسقاط كالحكم بالعدم. هذا عجيب. الثالثة ينزلونها بدرجة ثانية والثانية ينزلونها بدرجة الاولی هذا غير صحيح. أين من أين؟ التجميد حجة اقتضائية قد تتفعل في أي آن من الأوان. جمدت دلالتها ومضمونها لايعني بذلك أنه اسقطت والاسقاط لايعني الرد. لأن الشيخ يقول أن الشك في الحجية وعدم الدليل علی الحجية يساوغ العدم والحكم بالعدم. الاسقاط ليس الرد اذا كان الباحث والفقيه والمجتهد في أي علم من العلوم الدينية لايميز بين الرد والاسقاط لايعرف أبجديات علم الأصول

لذلك هذا مشروع مشرعة البحار ما فيه رائحة من العلم أو الصحيح في أصول الكافي ما فيه رائحة من العلم، لماذا؟ أولا عدم الاعتبار بحسب مبانيك وليس بحسب مباني الآخرين ثم بغض النظر عن هذا المطلب افترض أنه عند الكل لايعتبرها لكن عدم الاعتبار هل يساوغ اعتبار العدم؟ الرد شيء آخر غير الاسقاط هذا من أوليات علم الأصول. الاسقاط ليس كالعدم والحكم بالعدم. التي لم يقم علی اعتباره شيء قد تتراكم ويولد الاعتبار لاحظوا ما قاله الأصوليين قالوا بأن قول اللغوي ليس بحجة لكنهم يكترسون بأقوال اللغويين. ليس فيه تناقض. ليس بحجة يعني لم يقم علی اعتباره دليل لكن ما قام دليل علی عدم اعتباره، فإذا تراكمت أقوال اللغويين ويحصل الاطمئنان فهو حجة. الثمرة هنا والفارق المنهجي هنا. هذا حياة علم الأصول وحياة مبحث الحجج. هذا المبحث من الحيف أن نغادره بسرعة وإن كان فائدة معترضة لكن جدا بنيوية.