الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعارض، التعارض من وجه

الكلام في المبحث الأخير من التعارض وهو التعارض من وجه ومرت فيه جملة من النقاط وانتهينا الی هذه النقطة، هل روايات التعارض شاملة الی التعارض من وجه أو لا؟ ومر أن الأكثر بنوا علی شمول روايات التعارض للتعارض من وجه الی درجة أنه حتی الخبر الظني إذا عارض الخبر القطعي الصدور مسلك المشهور عدا المتأخري الاعصار أو حتی المشهور عند الطبقات المعاصرة أنه يلاحظ العلاج المضموني أو العلاج في جهة الصدور أو الدلالة، حتی بين القطعي الصدور والطني الصدور، فكيف بالظنيي الصدور.

هناك قول في التعارض من وجه يخالف المتسالم وقليل قائله. قبل أن ندخل في هذا القول أعيد استذكار أن حقيقة العلاج المحمولي من الترجيح والتخيير عند القدماء وعند المشهور الی صاحب الجواهر مر بنا مرارا أنه لايرجع الی اسقاط الرواية المرجوحة أو الرواية غير المختارة، إنما تجميده اقتضاءا أو عطفه وارجاعه الی الرواية الراجحة أو الرواية التي تم اختياره. هذا حقيقة الترجيح أو التخيير عند المشهور ومر بنا مرارا سابقا.

علی ضوء هذه الحقيقة في التخيير و الترجيح يتم الالتفات الی نكتة مهمة في البين أن المشهور اختاروا أن الترجيح بصفات الراوي في التعارض من وجه أيضا معتمد مع أنها صفات بلحاظ الصدور، لماذا يعتمد وكيف يعمل بها في موارد التعارض من وجه مع أنهم لايبنون علی سقوط احدهما أو كليهما؟ كيف يعمل بمرجحات الصدور؟ لما مر بنا أن المشهور الی زمن صاحب الجواهر عندهم الترجيح حتی بصفات الراوي ليس معناه اسقاط الصدور في المرجوح لأن المشهور لديهم الترجيح بصفات الصدور أو بصفات الراوي في الحقيقة يرجع الی تقوية المضمون أو جهة الصدور أو الدلالة، يعني عندهم مآل كل المرجحات الی هوية المضمون أو الدلالة أو جهة الصدور، ففي الحقيقة الترجيح بصفات الصدور لايؤول الی اسقاط الصدور في المرجوح لأن مقتضي القاعدة عندهم إبقاء الصدور وتجميد المضمون أو الدلالة، لذلك الترجيح بلحاظ صفات الصدور عند المشهور حتی في التعارض من وجه ليس اسقاط المرجوح صدورا بل إنما عطف مضمونه علی الراجح يعني يقول أن الراوي الأفقه الفاظ روايته أضبط والمضمون الذي ينقله أتم، فنعطف الفاظ رواية الراوي غير الأفقه وغير الاضبط علی رواية الراوي الأضبط. اذا خلاصة وحقيقة الترجيح بأنواعه سواء في الصدور أو جهة الصدور أو الدلالة عند المشهور من القدماء الی صاحب الجواهر مآله الی ترجيح المضمون وترجيح الدلالة وليس مآله الی إسقاط الصدور في المرجوح، فعلی ضوء هذه بكل وضوح إن مرجحات الصدور تتأتی في التعارض من وجه لأنه ليس اسقاطا.

بخلاف مدرسة الناييني أو شيئ ما من أحد قولي الشيخ الأنصاري أو صاحب الكفاية، لايقولون بمرجحات الصدور في التعارض من وجه، سيما الميرزا الناييني بشكل جازم، لأن الترجيح في الصدور يعني إسقاط المرجوح صدورا، لذلك قالوا روايات التعارض شاملة في الترجيح للمضمون أو الدلالة أوجهة الصدور وليست شاملة لترجيح الصدور ففصلوا. لابأس هذا المقدار جيد.

النقطة الأخرى: بعض القائلين وهم كما مر جدا نادرون، لكنهم موجودون وقليل، قالوا بأنا في التعارض من وجه نلتزم باسقاط الصدور لا في كلا الطرفين بل نلتزم باسقاط الصدور لأحد العمومين من وجه. فنلتزم باسقاط صدور المرجوح أو الذي لم يتم اختياره. لكن هذا القائل لايذهب الی اسقاط العموم برمته في المرجوح بل يقول بإسقاط صدوره في منطقة الاجتماع والتعارض فقط دون منطقة الافتراق، فيلتزم بالتبعيض في الصدور ويلتزم بصدور العموم المرجوح أو الذي لم يتم اختياره فقط في منطقة الافتراق وفي منطقة الاجتماع والتعارض لايلتزم بالصدور.

كيف يمكن التبعيض في الصدور؟ طبعا أصل التبعيض في الصدور مبحث التزم به المشهور في حجية الصدور وحجية الرواية سواء في الصدور أو الدلالة أو جهة الصدور أو المضمون وهذه الحجية التي يقولون بالتبعيض فيها سواء من زاوية جهة الصدور أو من زاوية الدلالة أو من زاوية المضمون أو من زاوية جهة الصدور. هذا القائل التزم بالتبعيض في حجية الصدور في منطقة الافتراق فيبني علی حجية صدوره وفي منطقة الاجتماع يبني علی عدم حجية صدوره.

إذا نريد أن نمحص هذه الدعوی سليمة أو غير سليمة طبعا علی مبنی مشهور القدماء غير صحيح لأن مقتضى القاعدة في التعارض ليس التساقط كي نلتزم بالتساقط والتبعيض وما شابه ذلك. لكن نأخذ الان مدرسة الناييني هذا المبنی في نفسه يمكن الاخذ بها أو لا؟ التبعيض في الصدور. هذا المبحث صناعي ومهم سواء في المسئلة الأصولية أو المسئلة الفقهية أو المسئلة الكلامية. متی يلتزم به ومتی لايلتزم به وليس خاصا بمبحث التعارض ومبحث سيال . التعارض باب من أبواب علم أصول الفقه والان الكلام في مطلق التعيض في أبواب الفقه أو أبواب الأصول أو أبواب المعارف سواء أن يقال التبعيض أو يقال الانحلال.

الفقهاء في أبواب الفقه يقولون: تارة الاحكام الفقهية مترتبة علی القول دون المقول والمعنی المقول وتارة الاحكام مترتبة علی المعنی المقول دون القول.

مثال الثاني: يذكرون في البيع إذا في صفقة واحدة قال البايع بعتك السيارة والمنزل والمتاع الفلان، يقولون هذا بلحاظ القول بيع واحد ولكن بلحاظ المعنی المقول هو ثلاثة بيوع فلو كان في ضمن المبيعات جمل أو بقر هنا يثبت للمشتري خيار الحيوان الی ثلاثة أيام في خصوص الحيوان المبيع لا في السيارة ولا في العقار لأن بيع هذا الحيوان مستقل وأحكامه مستقلة وإن أجری البيع في صفقة واحدة و بيع واحد. بيع السيارة مستقل وبيع العقار مستقل وبيع الحيوان مستقل. بيع الحيوان فيه أحكام خيار الحيوان كذا وكذا. لأن الحكم لايترتب علی القول بل يترتب الحكم علی المعنی المقول.

مثال آخر: لو قذف قاذف عشرة أشخاص بالزنا يقولون هنا يترتب علی القاذف حد مستقل لكل مقذوف وإن قاله بقول واحد لأن حد القذف مترتب علی المعنی المقول وليس مترتبا علی القول. ومن هذا القبيل في الأبواب الفقه كثير من ترتب الاحكام علی المعنی المقول.

مثال آخر: يقول الزوج: زوجاتي الأربع طالق. ربما إحداهن بائن واحداهن خلع واحداهن رجعي وليكن، لفظ واحد لكنه معنی متعدد فهنا الاحكام يترتب علی المعنی لا علی القول. هذا مثال الثاني الی ماشاءالله في أبواب الفقه.

أما مثال الأول لو قال أن في الدار عشرة أشخاص أو في الدار ألف شخص. فإذا ليس في الدار أحد فهل هنا يكذب عشرة مرات أو مرة واحدة؟ يقولون كذب واحد لأن الكذب مترتب علی القول لا علی المقول غالبا وإلا في القذف أيضا كذب لكن يترتب علی المقول فغالبا أحكام الكذب تترتب علی القول لا علی المعنی المقول لذلك قالوا لابد أن نفصل.

هنا مع أن القذف واحد لكن الأحكام تترتب علی المقول، ربما أحد المقذوفين متجاهر بالزنا فما علیه حد القذف مثلا، لكن البقية إذا ليسوا متجاهرين فالحد ثابت. ربما يكون أحد المقذوفين عبدا فليس عليه حد بل يعذر. فإذا لفظة واحدة لكن الاحكام قابلة للتبعيض وقابلة للانحلال. الانحلال شبيه التبعيض ولو التبعيض بلحاظ الأجزاء.

أمثلة أخری: لأن هذا المبحث في نفسه ثمين بغض النظر عن التعارض. المشهور التزموا بشكل واضح في الجمل المتعددة مثلا الرواية ذات سطرين، فيها سبع جمل أو ست جمل، التزموا بأن هذه السبع جمل بمثابة سبع روايات. فقالوا إن هذه سبع روايات ويمكن أن نلتزم بان بعضها حجة وبعضها ليس بحجة لخلل ما، للتعارض أو للتقية أو للاجمال أو للابهام . مثلا بعض جمل الرواية واضح الدلالة وبعضها مبهم الدلالة فيمكن أن نبعض في جهة الصدور أو المضمون وهلم جرا. التبعيض بلحاظ الجمل مسلم فكيف بلحاظ فقرات الرواية، هذا أوضح. بل التزم المشهور حتی المتاخري الاعصار في التبعيض في المسئلة الأصولية من باب المثال التزموا بالكلمة الواحدة في الجملة مثلا أصل الجملة لاغبار عليه إلا أن القيد المذكور في الجملة خلاف قواعد المذهب، حينئذ يبعضون هذه الجملة حجة صدورا مثلا لكن هذه الكلمة لايعمل به. لأنه كما قيل في علم النحو علم البلاغة وعلم المنطق أن نفس الجملة بلحاظ كلماتها تنحل الی جمل وقابلة للتبعيض في الحجية.

هذا المقدار كلها ذكره المشهور لكن فرض المقام في المسئلة هي في الكلمة الواحدة أو جملة واحدة تعارضتا جملتان في المنطقة الاجتماع. كيف يمكن فرض تبعيض الصدور؟ ليس ممتنع لكن هذا التصوير بهذا المقدار من القالب لايتأتی بالتبعيض في الصدور بل الصحيح أن الصدور علی حاله. نعم لو أريد من الصدور يعني بلحاظ أثار الصدور المعنی الاستعمالي والتفهيمي والجدي صحيح وهذا يرجع الی الدلالة في الحقيقة أو المضمون أو جهة الصدور وليس الصدور نفسه، لعل مراد القائلين هذا وهذا نوع من التبعيض في الصدور يعني التبعيض بلحاظ آثار الصدور لا الصدور نفسه. هذه نقطة

نقطة أخری في التعارض من وجه: استدل السيد الخويي وكثير من المشهور والسيد اليزدي وعنده كتاب مجلد في التعارض وانصافا قيم جدا ودسم لان السيد اليزدي مبناه مبنی القدما وطبع الان حروفيا. السيد اليزدي يذكر هذا المطلب في مبحث التعارض ومبحث القضاء ومر التنبيه علی أن السيد اليزدي عنده كتاب ملحقات العروة غير المجلدين المعروفين، عنده مجلد آخر يعبر عنه ملحقات العروة وجزء من العروة لكن الأعلام ما علقوا عليه. فيه مبحث القضاء ومباحث أخری وكتاب جدا دسم. فيه مبحث الوقف والوكالة. قديما طبع عدة مرات. في كلا الكتابين كتاب القضا وكتاب التعارض أشار الی هذا أن احد أدلة عدم التساقط في التعارض من وجه هو ما ورد في باب القضاء أنه إذا تعارضت البينات أو تعارضت أمارية اليد يعني أرض معينة لكل من المتنازعين الخصمين يد علی هذه الأرض وهذه له صور كثيرة، تارة يد مشتركة وتارة يد الاول علی كل العين ويد الثاني علی نصف العين يعني نصف مشاع المهم فيه صور كثيرة وصاحبي اليدين بينهما تنازع وخصومة أو قامت البينات.

قبل أن نواصل هذا المطلب الصناعي اللطيف سبق في أول مبحث التعارض وأشرنا الی أن دليلا من أدلة القدما علی عدم التساقط عند التعارض في الامارات ما ورد في باب القضا من بحث تعارض البينات، نصوص مستفيضة معمول بها ومفتی بها علی أن البينات في باب القضاء عند التعارض لاتتساقط بل يعمل الترجيح أو يعمل التوفيق بينهما حتی بنحو الجمع مهما أمكن أولی من الطرح، يعني يعول هذه الشهادة الاولی مع الشهادة الثانية يعول بنحو خلاف الظاهر الأولي. مفتی به ومنصوص. يعني علاوة علی أن لاتتساقط الامارات نصوص عديدة عندنا يجمع بين البينات بأي نحو وبأدنی احتمال ولاتطرح . وسبق الإشارة في أوائل مبحث التعارض. أن باب تعارض البينات في القضاء استفاد منه الاصوليون والفقهاء في أبواب أصولية وفقهية كثيرة لأن الروايات مستفيضة ومنصوصة ومفتی بها.

باب القضاء مبحث تعارض البينات فيه الفوائد الصناعية الكثيرة. منصوص عليه بنصوص مستفيضة وله صور وحالات. في الجلسة اللاحقة سنبين أنه كيف يستفاد من هذا المبحث في التعارض من وجه. لكن هنا اشكال من السيد محمد الروحاني وندقق فيه أنه تام أو غير تام.