41/07/08
الموضوع: باب التعارض، التعارض من وجه، شواهد علی مسلك القدماء في التعارض وعدم تساقط الصدور
المبحث الأخير في بحث التعارض هو التعارض من وجه، كيف يحل؟ هذا محل الابتلاء أيضا وليس قليلا في الأدلة والابواب. فهل مقتضى القاعدة فيه يختلف عن مقتضى القاعدة في التباين أم لا؟ هذه جهة ونقطة. نقطة أخری أن الأدلة العلاجية شاملة له أم لا؟ والنقطة الأسبق من النقطتين أقوال الأعلام. طبعا في ذيل هذا المبحث هناك صور ذيلية تذكر من قبل الأعلام ويختتم مبحث التعارض وندخل في مبحث الاجتهاد والتقليد إن شاءالله.
تقريبا ربما يقال هناك تسالم من الأعلام أو غلبة غالبة جدا أنهم لايقولون بالتساقط في العموم من وجه، طبعا عند المتقدمين الأمر واضح لأن التعارض بالتباين عندهم ليس فيه التساقط فكيف بالتعارض من وجه. نعم التسالم القطعي موجود في التعارض من وجه ان مورد الافتراق في المتعارضين من وجه لايسقط، يبقی منطقة الاجتماع، هل يسقط علی مقتضى القاعدة أم لايسقط؟ أما مورد الافتراق عند المتاخرين وعند المتقدمين فلايسقط قطعا، أما منطقة الاجتماع عند المتقدمين الامر واضح ليس مقتضى القاعدة التساقط ومر بنا مرارا. أما عند المتاخرين فأكثرهم لايقولون بالتساقط قي منقطة الاجتماع.
المراد بالتساقط يعني سقوط الصدور. لأن اصطلاح التساقط عند متأخري الاعصار يراد به السقوط في الصدور أما مع عدم السقوط في الصدور ولو مع الدلالة المجملة أو المهملة لايعبرون بالسقوط بل يعبرون بالدلالة المجملة أو الحجية الاجمالية. فالسقوط اصطلاح عند متأخري الأعصار يريدون به السقوط في الصدور خاصة أما بالنسبة الی الدلالة أو المضمون أو جهة الصدور حتی لو كانت هناك موانع مجمدة أو معقدة عن الحجية الفعلية لايصفونها بالسقوط يقولون حجة مجملة أو حجة اقتضائية أو ما شابه ذلك من التعابير.
هذا الاختلاف في الاصطلاح لماذا؟ واضح أن متأخري الأعصار ارتكازا وصناعيا يلتفتون أو يبنون علی أن الحجية للامارة يمكن أن تكون اقتضائية أي فعلية ناقصة ليست فعلية تامة، يعني ليست كاشفيتها تامة يأخذ بها تعيينا بل تكون حجة اقتضائية يعني فيها اقتضاء الكاشفية وهي فعلية ناقصة وليست انشائية يعني يمكن أن تستثمر، يعني كأنما كنز مجمد يمكن أن يستثمر، بالتالي إذا بني علی الصدور يعني وجود الامارة يخلاف ما إذا بني علی عدم الصدور يعني أن أصل الأمارة غير موجود ومنتف. هذا اصطلاح المتأخري الاعصار في الفرق بين الصدور والحجية المجملة. هذا الاصطلاح يجب أن يدقق فيه الانسان لأنه يفيد في الأبواب العديدة وهو بنفسه كاشف كما مر بنا قبل كلمات يسيرة كاشف عن أن المتأخري الاعصار كالمتقدمين يقولون بأن الحجية ذات مراتب، إنشائية كلية وفعلية جزئية ناقصة بعد ذلك تصل الی الفعلية التامة، هذه المراحل يقر بها المتأخروا الاعصار وهذه نكتة مهمة. إذا كان بنيان وهيكلة حجية الأمارات يقبل هذا التثليث فإذاً مبنی القدماء متصور و متين في أصل التعارض.
فنرجع الی الأقوال ومقتضی القاعدة عند متأخري الاعصار في منطقة التعارض من وجه، في هذه المنطقة الأكثر يقولون بعدم التساقط يعني أن الصدور علی حاله ويبقی المضمون مجملا يعالج أو الدلالة تعالج أو جهة الصدور تعالج، حيثيات ثلاث أخری غير الصدور وأصل الصدور يمكن أن تعالج.
هذا بحسب الأقوال علی مقتضى القاعدة، لكن هنا نوعا من الاعتراض علی مبنی المتاخري الاعصار في التعارض، لماذا هنا قبلتم التفكيك بين الصدور والدلالة وبين الصدور وجهة الصدور وبين الصدور والمضمون، يعني أن المضمون والدلالة والجهة قد تكون اقتضائية؟ هذا هو الذي يريده المتقدمون في أصل التعارض بالتباين، لاأقول كل المتأخري الاعصار لأن الشيخ الأنصاري والاخوند اجمالا مبناهما قريب للمتقدمين كما مر بنا في أول مبحث التعارض بالتباين، إنما الكلام في مدرسة الناييني الی يومنا هذا، هذا المقام شاهد علی مبنی المتقدمين في التعارض بالتباين.
شاهد آخر قبل أن نواصل بقية النقاط في هذا المبحث الأخير في التعارض شاهد آخر أن متأخر الأعصار في قطعيي الصدور إذا كان التعارض بينهما من وجه، أيضا يقولون أن الصدور لاخدشة فيه، باعتبار أنهما قطعيا الصدور ولايمكن الخدشة في صدورهما ويبقی الكلام في جهة الصدور أو المضمون أو الدلالة. هذا مثال أتوا به لهذا المبحث. هذا مثال والقسم الثاني. المثال الأول الظنيي الصدور والان قسم آخر في هذا المبحث، قطعيي الصدور. هذا أيضا شاهد علی كلام المتقدمين أن التعارض لايسري الی الصدور بل التعارض يحد ويقدر بقدرها لأن الضرورات تقدر بقدرها. محذور التعارض لايرتقي الی الصدور بل يقف عند المضمون أو الدلالة أو جهة الصدور في هذه الحيثيات الثلاث، لا أنه يتصاعد الی الحيثية الرابع أو الاولی وأصل الصدور. فاعتراف المتأخري الاعصار بما فيهم الميرزا الناييني والسيد الخويي بأن التعارض يعالج بكذا وكذا بدون أن يسري التعارض الی أصل الصدور في قطعيي الصدور شاهد علی ان الأمارات لاتتكاذب بمجرد التعارض. تتكاذب بمعنی التساقط، تتنافی لكن صوريا وظاهريا ويحتاج الی علاج. هذا شاهد ثاني علی مبنی القدماء في أصل التعارض.
شاهد ثالث أن المتأخري الاعصار لايلتزمون بالتساقط أيضا في باب الفتاوی والاجتهاد والتقليد. المتقدمون وتيرتهم واحدة في كل الأبواب، ما فيها التساقط، لكن متاخروا الاعصار في هذا الشاهد الثالث لايقولون بالتساقط ففتوی الأعلم إذا يتعارض مع فتوی غير الاعلم لايقولون بتساقط فتوی غير الأعلم أو الفتاوی، بل إما يحتاط بينهم أو بحسب مقتضى القاعدة أو بحسب الأدلة العلاجية في الفتاوی الحكم ما حكم به أعلمهما وأفقههمما وأصدقهما وأورعهما. بالتالي هناك في باب الفتاوی لايقولون أن مقتضى القاعدة هو التساقط. لماذا؟ هذه امارات وتلك أمارات أيضا، ما الذي افترق بينهما؟ إذا كان في أخبار الاحاد يوجب التساقط هنا أيضا يوجب التساقط ولايقولون به وهذا شاهد آخر قوي لمبنی القدماء أن التعارض لايوجب التساقط بل يعالج في الدلالة أو المضمون أو جهة الصدور
مطلب آخر من هذه الشواهد الثلاثة أو الأقسام الثلاثة أن المتأخري الأعصار بناءا علی عدم السقوط في التعارض من وجه في الظنيين والقطعيين أو الفتاوی بناءا علی عدم التساقط في الصدور بنوا علی أن التعارض لايتصاعد الی الصدور ويعالج في الدلالة أو المضمون أو جهة الصدور. إن المتأخري الاعصار فسروا العلاج في الروايات العلاجية في التعارض من وجه بالعلاج في الدلالة والمضمون وجهة الصدور ولم يجعلوا العلاج الوارد من الشارع يعالج أصل الصدور. يعني لايتصرف في الصدور.
اعيد: متأخروا الاعصار في التعارض من وجه بناءا علی عدم التساقط في الصدور جعلوا مفاد الروايات العلاجية تعالج الدلالة أو المضمون أو جهة الصدور ولاتتصرف في أصل الصدور. هذه الحقيقة ممتازة في الروايات العلاجية سواء كان الترجيح أو التخيير. هذا هو مبنی القدماء أن مبناهم مفاد الروايات العلاجية حتی الترجيح بصفات الصدور ليس إسقاط المرجوح صدورا أبدا. حتی في التخيير ليس اسقاط الطرف الاخر الذي لم يتم اختياره، ليس مفاد الأدلة العلاجية طرح المرجوح أو طرح الطرف الاخر، إنما هو نوع من الملائمة وتحكيم تصرف الأقوي دلالة في الأضعف، تصرف الراجح في الدلالة علی المرجوح أو تصرف الراجح في المضمون علی المرجوح أو تصرف الراجح في جهة الصدور علی المرجوح يعني حجية الدلالة. سواء في باب الترجيح أو باب التخيير هذه هي حقيقة العلاج عند المتقدمين، أن العلاج بالترجيح أو بالتخيير وكلا العلاجين علاج محمولي هذا العلاج ليس طرحا فضلا عن العلاج الموضوعي للتعارض، ذاك أبعد عن اسقاط الصدور. هذه الحقيقة جدا مهمة وهذه الارتكازات التي ترتكز عند المتأخري الاعصار ولو عند التعارض من وجه شاهد علی سلامة مسلك القدماء محمولا ومنهجا علی مقتضى القاعدة .
النقطة الأخرى في التعارض من وجه، البعض القليل جدا ذهب في التعارض من وجه في قبال اتفاق المتقدمين ومشهور المتاخري الاعصار الی أن الروايات العلاجية غير شاملة للتعارض من وجه بل خاصة بالمتباينين. أدلة الترجيح وأدلة التخيير خاصة بالمتباينين ولاتشمل المتعارض من وجه. طبعا هذا القليل القائل من الأعلام في متأخري الأعصار لايقول بتساقط الدليلين في منطقة الاجتماع بل نتيجة تكون الدلالة مبهمة أو مجملة وليس في البين تخيير وترجيح بل شيء آخر مثل الاحتياط والجمع بين الدليلين مثلا.
المهم أن هذا البعض القليل منع عموم الأدلة العلاجية للتعارض من وجه وقليل جدا أشبه بالشاذ. وسنبين أن هذا ليس بصحيح إن الأدلة العلاجية لاتختص بالتباين بل تشمل والسيد الخويي قبل هذا، بل تشمل حتی القطعيي الصدور مع أنها ليس الترجيح في الصدور بل الترجيح في جهة الصدور أو المضمون أو الدلالة. أن الأدلة العلاجية ليست مختصة بالتباين مفروغ منه وتشمل التعارض من وجه في الظنيين أو التعارض بين الدليلين القطعيي الصدور في التعارض من وجه. هذه النكتة جدا ثمينة و بل شاملة لقسم ثالث وهو تعارض الفتاوی لاأقول الكل قالوا بذلك لكن الأكثر قالوا بذلك. هذه النكات جدا مهمة محموليا وموضوعيا في هذا المبحث.
هنا ثمرة ثمينة وكلها معادلات متكثرة نختمها ونواصل إن شاءالله، هذا المبحث ابتلائي في يوميات الفقه واتقانه صناعيا مهم وتختلف عن التباين. السيد الخويي بنی علی أن القطعيي الصدور أيضا تشمله الأدلة العلاجية هذا شيء متين. والحال أن السيد الخويي التزم مبنی آخر كانما مناقض لهذا المبنی أن الخبر الظني المعتبر إذا عارض الخبر القطعي الصدور هذا الخبر الصحيح ساقط عن الحجية. بينما المشهور من القدماء لايلتزمون بأنه ساقط عن الحجية. هذا البحث إشارة مر سابقا لكن سنعاود بسطه غدا.