41/07/06
الموضوع: باب التعارض/ الروايات العلاجية، حقيقة التخيير، التخيير الثبوتي
كان الكلام في أنواع التخيير المحتمل في الروايات وبعبارة ثمينة أخری الميرزا مهدي الاصفهاني جعل أحد أدلة التخيير ما ورد من روايات مستفيضة في ان الأئمة مخيرون في بيان الاحكام، وهذه انصافا انتباهة والتفاتة جدا ثمينة ويجب أن نضيفها في هذا المزمار أن احد أدلة التخيير غير الروايات المعتبرة التي مرت بنا وستأتي روايات مستفيضة ورادة في أصول الكافي وبصائر الدرجات وكتب الصدوق، دالة علی ان الائمة مخيرون في بيان الأحكام. طبعا جملة من هذه الروايات فيها سؤال الراوي عن وجه اختلاف أجوبة الأئمة عليهم السلام، يعني جملة من الموارد الكثيرة التي فيها اختلاف الروايات الصادرة عنهم عليهم السلام ليس لسهو الراوي أو اشتباه الرواة أو عدم ضبط الرواة. هذه أقسام من اختلاف الروايات وصحيح لكن قسم آخر من اختلاف الروايات بسبب بيان الائمة عليهم السلام.
ربما راو واحد يسمع من الامام الجواد عليه السلام جوابا وبعد فترة أيضا يجدد هذا السؤال منه أو من غيره ويجاب بجواب آخر ومرة ثالثة أو رابعة ويجاب بجواب غيرهما. طبعا الرواة إن لم يكونوا من ذوي المعرفة القوية تحصل لديهم الحيرة والبلبلة والشك والوسوسة ثم يجيب الائمة عليهم السلام بأنا نحن مخيرون ومفوض إلينا التشريع، ويستدلون بعدة آيات؛ «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر» أو بآية «هذا عطائنا فامنن أو أمسك بغير حساب» أو اختلاف داود وسليمان «وكل آتينا حكما» أو «أن الكلام يتصرف الی سبعين وجها»
إجمالا ان روايات التفويض في التشريع مع غفلة مشهور المتأخرين، مستفيضة ناصة علی التخيير وناصة علی أن اختلاف الروايات مندرج في التخيير. المتاخرون حتی الشيخ الأنصاري والاخوند والميرزا الناييني لم يشيروا اليها لا من قريب ولامن بعيد. بينما أصر اليها الميرزا مهدي ونعم إصراره، أن هذه الروايات دالة علی التخيير، غاية الامر سنبين من أي تخيير. فهذه الروايات المستفيضة دالة علی أن الأصل في التعارض والتنافي فيما صدر عنهم عليهم السلام قسم منه أو تستطيع أن تجعل القاعدة الأولية فيها أنهم مفوضة اليهم التشريع ومخيرون وأنت أيها المكلف يمكنك أن تسلم وتنقاد لهم بأي من قولهم وأحكامهم. «بأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا» أو «بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك.»
فإذاً روايات التخيير ليست فقط ما سبقت جملة منها وستأتي جملة أخری، بل منها الروايات المستفيضة الموجودة في المصادر الحديثية «هذا عطائنا فامنن أو امسك بغير حساب» أو «إن الله فوض الينا دينه ونحن اعرف برعاية الخلق وهدايتهم ارشادهم». لسان هذه الروايات بهذا اللسان، أن الروايات المتنافية محمولة علی التخيير لدی المشرع. هذه روايات ظاهرها والفاظها التي تمسك بها الميرزا مهدي اصفهاني رحمة الله عليه تلميذ الميرزا الناييني والسيد اليزدي.
حقيقة هذا التخيير ليست من قبيل الوجوه التي مرت. هو تخيير بالنسبة الی المكلف ويخير ان يعمل بهذا أو بذاك، لكن حقيقته ماذا؟ هذا التتخيير في الحقيقة تارة ننظر اليه من جهة الائمة كولاة التشريع من الله ورسوله وتارة ننظر اليه من جهة المكلف.
هذا التخيير (كما مر بنا في جلستين السابقتين إشارة اجمالية) تخيير يرجع الی أصول القانون ولايرجع الی التخيير الفقهي المعهود كخصال الكفارة أو التخيير الفقهي الآخر الذي بين أفراد الطبيعة الواحدة أو كالتخيير في التزاحم والامتثال. التخيير الفقهي له أنواع أربعة أو خمسة وهذا التخيير ليس من التخيير الفقهي ولاهو من التخيير الاصولي المعهود لدينا. التخيير الاصولي المعهود لدينا تخيير في الحجج أو في الكواشف أو في الامارات.
هذا التخيير الاصولي المعهود لدينا اسمه الحقيقي التخيير في أصول الدلالة يعني في دليلية الدليل وحجية الدليل وكاشفية الدليل هذا هو التخيير الاصولي المعهود في كلمات الاعلام والمعهود في أذهاننا. هناك تخيير أصولي آخر من سنخ ثالث، لاهو فقهي ولاهو من أصول الدلالة بل تخيير ثبوتي. هو تخيير من أصول القانون ولابد أن نلتفت اليه.
مر بنا أن السنخ وحيثية أصول القانون في علم أصول الفقه يختلف عن أصول دليلية الدليل يعني أن علم الأصول فيه حيثيتان متوازيتان من أوله الی آخره، فتعريف علم أصول الفقه بأنه المعرفة بدليلية الدليل ليس تعريفا كاملا لأنه يشير الی أحد جناحي علم أصول، الجناح الاخر الموازي لعلم الأصول الذي يعبر عنه المشهور من الأصوليين بالمبادئ الأحكامية، هذه أصول القانون أو أصول ثبوتية، لذلك هذا تعريف ناقص. هذه التعريف لجنبة من علم الأصول. نعم التعريف الجامع لعلم الأصول هو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي ويفسر الاستنباط بالمعنيين، الاستنباط بمعنی الكاشف والاستنباط بمعنی الاستخراج الثبوتي الواقعي، فيكون الاستنباط بمعنی جامع.
المهم هناك سنخان، التولد والتوالد والتشعب وإنشعاب الأحكام من بعضها البعض، هذا التوالد ثبوتي وليس اثباتيا، كما مر بنا العلاقة القانونية الماهوية الثبوتية بين القوانين الدستورية والقوانين البرلمانية (الطبقتين اجماليتين) والقوانين الوزارية (الطبقة الثالثة) والقوانين البلدية (الطبقة الرابعة) هذا التوالد الرباعي بين هذه الطبقات الأربعة توالد ثبوتي وليس اثباتيا وليس كاشفا. هذه خارطة اجمالية لبحث أصول القانون.
من أصول القانون أنه يمكن أن تصل الی نقطة معينة عبر الطرق. طبيعة القانون هذا، مثل البيوتات الهندسية تستطيع أن تصل الی هذه النقطة بعدة طرق، هذه الكثرة الخيارية في الطرق يعبر عنه التخيير في أصول القانون. يعني يمكن أن تصل الی نفس الهدف بعدة طرق ثبوتية. مثل هذا البيان من الامام الصادق عليه السلام ولم يأت في ذهن فقهاء العامة ولافقهاء الشيعة أمر زرارة بحج الإفراد فقال له إذا دخلت حج الإفراد أبدله الی عمرة مفردة ثم انشأ الحج من داخل المكة المكرمة، إذاً إذا بدلت الحج الافراد الی العمرة المفردة ثم اتيت بعدها بحج اخر يصير الحج التمتع. هذه صيغة من صياغات أمر بها الامام الصادق عليه اسلام و صيغة قالب ثبوتي. أمر ثانيا جماعة من أصحابه من فقهاء تلاميذه بعمرة مفردة ثم يأتون بالحج الافراد، أيضا هذا حج تمتع. طبعا في البداية ما بين أن مآل صيرورة كل هذه الطرق حج التمتع، هذه صيغة ثانية. هذا أيضا تنقلب الی الحج التمتع وقسم ثالث من أصحابه أمرهم بالحج التمتع من أول الأمر. ثلاث صيغ قانونية أمرهم الامام الصادق عليه السلام وبالبداية كانوا متعجبين كأنه تناقض لكنهم كانوا مأمورين وفعلوه تسليما للامام الصادق عليه السلام. زرارة كان يأتي بهذا الحج عشرين سنة وبنی علی أنه محروم من الحج التمتع ولو بأمر الامام الصادق، بعد ذلك وضح الامام عليه السلام أن ما قلته صيغة من صياغات الحج التمتع. صورة ليس حج التمتع لكن مآلا ينقلب الی الحج التمتع، بالتالي نفس الثواب ونفس العمل.
الصيغة الاولی الحج الافراد تقلبه الی العمرة المفردة، الصيغة الثانية تنشأ العمرة المفردة ثم بعد ذلك يأتي بحج الإفراد، هذا أيضا ينقلب الی الحج التمتع بشرطين، عمرة مفردة في أشهر الحج يعقبها حج الافراد تلقائيا يصير حج التمتع ويجب عليه الهدي وتلزم بأحكام الحج التمتع. فالوصول لحج التمتع من عدة صياغات ثبوتية قانونية، ماكان يفتون به لا العامة ولا الخاصة وهذا دليل إمامة الامام ومن هذا القبيل في الأبواب الفقهية كثير من الائمة عليهم السلام.
في كلمات الاعلام موجود أن عقد المنقطع مع عقد الدائم ماهيتان متباينتان بينما أئمة أهل البيت عليهم السلام يقولون أن النكاح ماهية جامعة. أنا ما وجدت من علماءنا من يبين أن عقد المنقطع علی مقتضى القاعدة صحيح وعدم صحته يحتاج الی دليل. بحسب بيانات الائمة وضحنا أن عقد المنقطع ليس لتعبد خاص بل علی مقتضى القاعدة صحيح. والفقهاء في الفريقين ذكروا الأدلة الخاصة لصحته لكن الائمة بينوا أن العقد الدائم ماهية جامعة إذا أضفت اليه شرطا زمانيا ستتغير قالب صياغة العقد وسبك العقد. فالعقد هو هو، أنت لما أضفت اليه شرط الزمان وشرط كذا، تسبكه الی سبك معين. فالاية الكريمة «أنكحوا ما طاب ...» عام ويضاف اليه «المؤمنون عند شروطهم» لذلك خلافا لما هو المشهور حتی عندنا، الائمة لم يشيروا الی العقد المنقطع فقط بل أشاروا الی العقد النهارية وستة أنواع من العقد ذكرناها في دورة النكاح المطبوعة لعل في الجزء الثالث. العامة تلقائيا آمنوا بهذا الشيء، عندهم زواج المسيار وزواج نهاية الأسبوع وغيرهما مع أنهما نفسه. فلاحظ الائمة بينوا بينما في ذهن الفريقين الی يومنا هذا أن عقد المنقطع دليل تشريعه مستقل ودليل امضاء العقد الدائم مستقل آخر بينما هو ليس مستقلا بل خيارات في التشريع وتخيير في التشريع.
هذا التخيير في التشريع يندرج في بحر أصول القانون وعلم معقد ضوابطه وموازينه. ضوابط وموازين أصول القانون صعب وأنا في تخيلي نحن هذا الجيل نعيش نهضة خطيرة في علم أصول الفقه والفقه والعلوم الدينية ببركات أصول القانون إذا قمنا بمسئوليته، نهضة لاشهده الناييني ولا كمباني ولاآغاضياء ولا المجدد ولا البهبهاني ولا صاحب المعالم. لا لأجل أنا أكثر نبوغا، بل ببركات جهودهم الان وصلت تراكم الجهود الی نهضة طفرة، لكن يحتاج الی جهد جهيد وهذا البحث التخيير في التشريع الذي التفت اليه الميرزا مهدي باقة من باقات علم أصول القانون وأن الفقيه إذا أمكنه ان يلتفت الی بعض الضوابط يمكنه أن يمارس هذا التخيير تبعا للائمة. هذا النحو من التخيير معروف في طبقات الفقهاء باسم الحيل الشرعية. الحيل الشرعية يعني أنت بامكانك أن تصل الی الهدف بطرق مختلفة. طرق مختلفة يعبرون عنه بنوع من السعة في التشريع. مطلب واحد يقدر أن يصاغ له صياغات عديدة لاصياغات دلالية بل صياغات قوالب ثبوتية. تارة إمام يحور في البيان والفقيه تبعا للامام يحور في البيان وعنده تحويرات وكلها صحيح هذا موجود وتارة صياغات ثبوتية في نفس الواقع يصيغه الامام باشكال وأنواع مختلفة أو الفقيه اذا اتقن هذه الموازين يمكنه ان يمارس شيئآ ما بخلاف الامام المعصوم بلاحد ولاحدود لكن بالضوابط هذا اجمال من التخيير في التشريع والخوض اكثر يحتاج الی بحث مستقل علی حده برزخ بين علم الأصول والامثلة التطبيقية من الفقه.
اجمالا هذا الذي ذكره الميرزا مهدي متين، عندنا أدلة التخيير في أصول القانون وبعبارةاخري جملة من حلال المشكلات في الروايات المتعارضة أنها ليست متعارضة بل صياغات مختلفة الی مآل واحدة فما فيه إشكال. هذا أحد أجوبة شبهات الحداثويين أو الوهابية أنه كيف الروايات أو فتاوی فقهائكم مختلفة؟ كثيرا ما هكذا ليس فيه اختلاف. هذا تمام الكلام في التخيير
إن شاءالله نواصل بقية الروايات.