41/07/05
الموضوع: باب التعارض، الروايات العلاجية، التخيير استمراري أو ابتدائي؟
كان الكلام في التخيير بعد ما مر جملة من الروايات المعتبرة الدالة علی التخيير وستأتي مزيد من الروايات، فكانت هناك وقفة في حقيقة التخيير والإختلاف في حقيقتها، أن التخيير هل ابتدايي أو استمراري؟ و أن التخيير هل فقهي أو أصولي في المسئلة الأصولية؟ أو هل هو مقتضى القاعدة في كل الامارات أو في خصوص الروايات المتعارضة. هذه جملة من الأبحاث.
في تعارض الأصول العملية المحرزة مثل الاستصحاب وقاعدة التجاوز والفراغ واليد وهلم جرا، نكتة نفيسة عند القدماء، أن تعارض الأصول المحرزة عندهم -مثل تعارض الأصلين المتماثلين أو غير المتماثلين- كتعارض الأمارات اللفظية، ليس مقتضى القاعدة فيه التساقط بل التجميد أو ما شابه ذلك. عملهم في تعارض اليد مع يد أو الاستصحاب مع اليد ليس علی التساقط وإنما مثل تعارض الامارات عندهم أنها لاتتساقط بل تجمد وتكون بنحو الاقتضاء. هذه نكتة جدا نفيسة عند القدماء سيما عند المتقدمين منهم.
الثمرة فيها في باب القضاء في تعارض الأصول المحرزة في الشبهة الموضوعية الی ما شاء االله وقد وردت نصوص كثيرة في باب القضاء علی عدم تساقط الأصول المحرزة المتعارضة فهذا مبنی عام للمشهور ولخصوص مبناهم في الأصول المحرزة. فان مبحث التعارض عندهم علی التساقط ليس يقتصر علی تعارض الاخبار بل يعم حتي الفتاوی في باب الاجتهاد والتقليد، مثل فتوي محتملي الاعلمية المتعارضتين ليس مقتضي القاعدة فيهما التساقط، هذا نوع من التنافي في الفعلية التامة وليس التنافي في أصل الفعلية الاقتضائية، يعني في كل الامارات عندهم ويشمل هذا البحث في الامارات عندهم الأصول العملية المحرزة إذا تعارضت. يمكن يشهد لهذا المبنی عندهم لخصوص الأصول العملية المحرزة ما ورد غفيرا في مسائل باب القضاء المنصوصة.
ومن ثمرات أخری لمبنی القدماء عندهم أن الأصول المحرزة إذا كان مفادها موافقا للامارات تكون مثل الامارات اللفظية، يعني بعبارة أخری، الأصول المحرزة في موارد وفاق الامارات الاقوی لايجعلونها تقديرية بل بالفعل تجري، حتی صاحب الجواهر وصاحب الرياض المبنی عندهما هكذا، مع أنهما من مدرسة الوحيد. فهذا ليس استدلالا تقديريا يعني يمكن تخريج كلامهم. مثلا عندهم أمارات أقوی من بعضها البعض مع ذلك عند الاستدلال، المجموع أيضا يستدل به. الان الفرق بين الموضوع الشرعي والموضوع العقلي ملحوظ بالحسبان. إجمالا مبنی القدماء هكذا، أن الأصول المحرزة في الدرجة الأولی باعتبار أنها امارات وليست أمارات بقوة الأمارات اللفظية بل أمارات بقوة الأمارات الفعلية، أنها عندهم بتعاملون معها معاملة الأمارات اللفظية عند التعارض أو غير التعارض. هذا بحث سيال كلي وليس في خصوص بحث التعارض وإن الامارات الفعلية الناشئة من الفعل يتعاملون معها معاملة الامارات اللفظية في جملة من البحوث الصناعية المهمة وهذه ثمرة ثمينة جدا مهمة عند القدماء و المشهور حتی متأخري الاعصار ومدرسة الناييني المتشددة في الساقط في بعض القضايا لامفر لهم من العمل بالموارد العديدة التي لها النصوص. هذا علی كل نكتة تتصاعد بحث التعارض غفلنا عن ذكرها ونبهنا اليه هنا لمناسبة ذكرها القدماء.
نرجع الی بحث التخيير. فمر أن الأصح في التخيير أنه تخيير أصولي في المسئلة الصولية وليس في المسئلة الفقهية، لأن التعبير «بأيهما أخذت» والأخذ وليس التعبير بأي الحكمين تعمل بل إنما بأي الروايتتين أخذت. ثانيا التعبير بالروايتين حيثية أصولية وليست حيثية فقهية ومن ثم الصحيح أنه تخيير أصولي في المسئلة الأصولية.
إن التخيير في المسئلة الأصولية يعني موضوعه مسئلة أصولية، فهل المحمول تخيير فقهي أو تخيير أصولي؟ هذا مبحث آخر والصحيح أنه تخيير أصولي فمحمولا وموضوعا أصولي.
كنا في هذا المبحث أن التخيير هل ابتدايي أو استمراري؟ مر بنا أن تنقيح التخيير الاستمراري أو الابتدايي يعتمد علی المبنی في مقتضى القاعدة في التعارض وحقيقة التخيير وذكرنا أقوال المتقدمين وهو المعتمد ومشهور طبقات الفقهاء، الصحيح أن التخيير ليس بالتصوير الذي صوره المتأخروا هذا العصر. بل هو تخيير بمقتضی القاعدة باعتبار أن كلا الأمارتين لم تتساقطا وفيهما اقتضاء الكاشفية بل مر بنا أنهما فيهما اقتضاء المصلحة السلوكية التي اعتمد عليها الشيخ الأنصاري «بأيهما أخذت من باب التسليم لله وللرسول وللأئمة وسعك» وهذه مصلحة أخری عبر عنها الشيخ الانصاري بأنها مصلحة سلوكية أو مصلحة الولاية ومصلحة اتباع الرسول والائمة، كأخبار «من بلغ» وفيه الثواب وإن لم يكن كما بلغه، يعني الانقياد نفسه فيه ثمرة والانقياد يعني الولاية. علی مقتضى القاعدة في التخيير وتزاحم المقتضيات في الكاشفية أو في الانقياد.
هذا مبنی القدماء أما مبنی المعاصرين مر بنا أن مقتضى القاعدة عندهم التساقط والكاشفية ويصورنها أربعة وجوه؛ وجوب هذا بشرط ترك ذاك أو الأصل وجوب أحدهما أو وجوب الجامع أو الوجوب التكليفي للاختيار.
هذه جملة من الاقوال وفيه قول آخر وقفنا عنده في الجلسة السابقة لكن قبل أن نصل اليه، هنا واضح علی هذه الأقوال تصوير التخيير الاستمراري أو الابتدايي. إذا قلنا بوجوب هذا بشرط ترك ذاك إذا حصل الترك فالوجوب بالعمل بالاول صار تعيينيا بعد أن كان تخييريا باعتبار انه وجوب أحدهما بشرط ترك الاخر وقد اختار وترك الاخر فصار الوجوب تعيينيا.
هنا يتأتي اشكال السيد الخويي والسيد الروحاني رحمة الله عليهما. ان الوجوب التعيني لاتنقلب الی التخييري مرة أخری ولايمكن أن نستصحب التخيير لان المفروض أن موضوع التخيير حيرة والحيرة رفعت والحجية كانت تخييرية قبل أن يترك واختار ولما اختار وترك تنقلب الحجية الی التعيينية فالحجية لايمكن فرضها مرة أخری باستصحاب التخيير هذا الاشكال من العلمين صحيح.
أو علی مبنی الكمباني الذي اختاره السيد الروحاني أن وجوب الأخذ وجوب تكليفي والوجوب التكليفي مفاده الوضعي بأن تختار أحدهما وإذا اختار أحدهما صار الوجوب تعينييا، علی هذا المبنی وهو مبنی الكمباني أن الوجوب التعييني كيف ينقلب الی التخييري والاستصحاب لايقتضي بقاء التخيير بل بالعكس الاستصحاب يقتضي بقاء الوجوب التعييني. علی هذين القولين صحيح. هذا علی مبنی المتاخري الأعصار بناءا علی التساقط عند التعارض.
أما وجوب أحدهما أو وجوب الجامع حتی بعد الاختيار، فهذا ليس بحثا في تعارض الروايات فقط بل حتی في تعارض الفتاوی وحتی في موارد أخری من تعارض الامارات لأن المبحث علی القاعدة هنا البحث في التعارض ذريعة في البحث عن كل الامارات ومر بنا الان حتی الأصول المحرزة عند القدماء، هنا اذا كان الوجوب لأحدهما أو وجوب الجامع هل صياغة الوجوب أو قالب الوجوب يتبدل؟ لايتبدل بناءا علی هذين القولين.
نذكر مثالا لهذا المطلب. وهذه المباحث صناعية مهمة مرتبطة بالالفاظ وتؤثر في تعارض الامارات. مثلا صلوة الظهر عندنا وجوب طبيعي الصلوة من الزوال الی غروب الشمس. أي فرد من الافراد واجب؟ التخيير عقلي فقهي أو يقال تخيير شرعي، هذا الفرد أو هذا الفرد. فهذا الوجوب التخييري الكلي هل يتبدل بالامتثال؟ لايتبدل ويبقی علی حاله.
إذًا لماذا يحرم إبطال الصلوة؟ لماذا ليس له أن يقطع هذا الفرد ويأخذ ذاك الفرد؟ حرمة إبطال الصلوة ليس لتبدل الوجوب من وجوب طبيعي الكلي الی وجوب الفرد. إنما لدليل خاص عندنا باعتبار أن الصلوة وفود علی الله ومن أداب الوفود علی الله أن الانسان لايصرف عن التوجه الی الله. من آداب السلوك الی الله والرسوم المولوية والعبودية أن الانسان لايقطع هذه الوفادة. الاحكام للفرد بسبب الاختيار ما مرتبطة بالوجوب.
مثال أخر. شبيه وجوب الحج حتی حجة الإسلام وجوب كلي سواء في هذا العام أو العام التالي لكن لما ينشأ الانسان الإحرام يحرم عليه الخروج من الاحرام ويجب أن يتمه. هذا الوجوب وجوب آخر حتی الكفارة له والعقوبة، الاحكام الأخرى المرتبطة بالفرد ليس ناشئا من الوجوب الكلي والوجوب الكلي يبقی علی حاله. ولذلك لو عصی ولم يحج هذا العام يجب أن يحج العام التالي فوجوب كلي ولايتبدل عما هو عليه. «واتموا الحج والعمرة إذا دخلتم» وجوب الإتمام بعد الدخول فيه وهذا الوجوب غير «لله علی الناس حج البيت» حتی لو كانت عمرة مندوبة لو دخل فيها يلزم اتمامها بحيث لو افسده في بعض الصور يجب عليه أن يأتي في العام القادم عقوبة، هذا ليس معناه أن الحج المندوب انقلب الی الواجب بل من قبيل الحج المندوب الذي نذر أن يأتی به فتبقی الطبيعة المستحبة والوجوب عارضة عليه للنذر. الاحرام «لبيك اللهم لبيك» مثل التعهد لله بان آتي بالنسك، هذا التعهد يجب أن یوفی به لكن هذا التعهد لايغير الطبيعة بل يطرء الوجوب عليها من دون أن يغيرها، مثل ما نذر الانسان صلوة جعفر الطيار أو صلوة أحد الائمة عليهم السلام. هذه الصلوة بأتي بها بنية الوجوب أو نية الندب؟ طبيعة مندوبة والوجوب طارئ وليس الوجوب أوليا وذاتيا. يوصف بالوجوب لكن وجوب طازئ.
في موارد كون الوجوب الفقهي للطبيعة، بالامتثال لايتبدل الوجوب بل يبقی علی حاله سواء في الفقه و في علم الأصول يبقی هذا الوجوب الطبيعي ولايتبدل. الان قد يطرأ عليه أحكام أخری بسبب فردية الفرد بحث آخر ولا ينافي ذاك الوجوب.
من باب الفائدة الصناعية؛ الفقها في مباحث خلل الصلوة أو خلل الحج فرقوا بين وجوب الأول الأصلي المتعلق بالطبيعة الكلية وبين بعض الاحكام المترتبة علی الفرد أو الأداء يعبرون عنه. هذه الاحكام النمط الثاني لاتشابك مع الحكم الأول.
مثلا ميت امرأة عليه وجوب الصلوة واستناب رجل يصلي عنها، هل هذا الرجل يجب عليه لباس العبائة التستر من قبيل المرأة؟ لايجب عليه. هل يجوز له الاخفات؟ لا لايجوز. لو أتی بصلوة الصبح قضاءا عن المرأة إخفاتا بطلت الصلوة. لأن الإخفات أو الجهر هذه من احكام الفرد والأداء وليس من أحكام الطبيعة. هذا النائب يريد أن يحج عن المرأة الميتة والمرأة الميتة كان يجوز لها الإفاضة ليلا من المزدلفة الی منی ولايجوز له مع أنه نائب عن امرأة فلايجوز له ولو أفاض عليه الكفارة. بعض الاحكام ترتبط بالفرد والأداء ولا له ربط بالطبيعة ويجب أن لا نخلط بين الطبيعة والأداء. هذا بحث مهم يفيد في باب الصلوة وباب العبادات وابواب أخری يعني يجب ان لانخلط بين أحكام الطبيعة وأحكام الفرد.
هنا أيضا كذلك إذا كانت الحجية تخييرية وهي للطبيعة أو لعنوان أحدهما حتی بعد الإختيار لايتبدل بل يبقی علی حاله. نعم، علی القول الأول والثاني وجوب أحدهما بشرط ترك ذاك ينقلب الی التعيينية لأن شرط تحقق الوجوب ترك الثاني فيصير وجوب الأول تعيينيا. أو وجوب الاختيار كما مر بنا هذا الوجوب يتبدل من التخييري الی التعييني. أما علی القول الثالث والرابع وهو وجوب أحدهما أو وجوب الجامع لايتبدل فمن ثم تبقي التخيير علی حاله. فمقتضی القاعدة أن التخيير استمراري سواء في باب تعارض الروايات أو تعارض الفتاوی أو الأبواب الأخرى.
طبعا الصحيح التخيير علی هذه الأقوال لما يكون استمراريا في واقعة واحدة لاتتحمل حجيتين هذا بحث آخر. لكن فيه إذا كرر الابتلاء بالموضوع أو كذا له أن يختار بالإختيارين من الحجية التخييرية والسبب فيها كما مر أن الحجية باق علی حاله. هذا بحث آخر.
اذً علی القولين وجوب أحدهما أو وجوب الجامع تبقی الوجوب التخييري واستصحاب الحجية التعينينة لامحل له لأنه لما يعين فمن باب أداء الفرد لا من باب أن الحكم تبدل بل الحكم يبقی علی حاله. فالاستصحاب لايقتضي إلا وجوب الجامع أو وجوب أحدهما. ثبت العرش ثم انقش، أنت تريد أن تستصحب وماذا كان المستصحب؟ هل أنه كان تعيينيا؟ بناءا علی وجوب أحدهما ليس تعيينيا وبناءا علی وجوب الجامع ليس تعيينيا نعم بناءا علی الاقوال الأخرى يتبدل الوجوب الی التعييني. إذاً المبنی الصناعي في الحجية التخييري أمر جدا مهم. المستصحب علی الأقوال في الحجية التخييرية يختلف كذلك الحال في مبنی القدماء الذي نعتمده وهو ان الأصل عدم التساقط و وجود الاقتضاء.
في التخيير في تعارض الامارات قول آخر سواء في الاخبار أو الفتاوی أو القضاء أو الأبواب الأخرى هذا القول تبناه الميرزا مهدي اصفهاني صاحب مدرسة التفكيك ومن تلاميذ الناييني و السيد اليزدي لكن بعد ذلك هاجر الی مشهد. أو كثير من الاعلام من تلاميذه. يتبنی التخيير الفقهي من علم أصول القانون. تخيير فقهي من باب أصول القانون. ماذا فرقه عن التخيير الاصولي المعروف؟ ذاك التخيير في الكاشفية، في أن أيهما كاشف، فتخيير أصولي لكن من سنخ الكاشفية، بخلاف خصال الكفارة وليس في الكاشفية وهوتخيير فقهي محض. فعندنا تخيير أصولي في الكاشفية وهذا هو المعروف والمعهود وتخيير فقهي من باب خصال الكفارة وطبعا التخيير له أنماط عديدة مثل ما مر بنا التخيير بين أفراد الطبيعة الواحدة. هذا أيضا تخيير فقهي وليس هو من قبيل خصال الكفارة فقط. هذا التخيير لاهو فقهي محض ولاهو أصولي محض بل من أصول القانون. يختلف عن التخيير الفقهي والأصولي في الكاشفية.
هذا المبحث جدا مهم بغض النظر عن باب التعارض والقضاء الاجتهاد والتقليد نفس هذا التخيير في هذه الأبواب الثلاثة مبحث انصافا جدا دسم فهو يأخذ بعض الملامح والاثار من التخيير الاصولي ويأخذ بضع الملامح والاثار من التخيير الفقهي لكن لا هو هذا ولاذاك. وهذا علی كل شيء مفيد وسبق في الجلسة السابقة مثال حكم سليمان وداود فلما يمدح الله عزوجل الحكمين تأتي شرعية الحكمين. في واقعة واحدة تخيير لكن ليس من قبيل التخيير في خصال الكفارة كذلك في موارد عديدة الامام الصادق أمر أصحابه وتلاميذه الكبار من المراجع لأنه في زمن الامام الصادق خلافا لمن يتوهم أن المراجع وفقهاء الفتيا موجودون كما أن القضاة موجودون. كثير من فقهاء الشيعة في زمن الامام الصادق قالوا له القاضي بين الشيعة لابالتنصيب الخاص من الامام الصادق بل بالتنصيب العام. فبالتالي الامام الصادق في الأبواب العديدة في الحج وغير الحج يأمر كل فقيه أن يتبنی بفتوی معينة ويختلفون في الفتاوی وسنأتي إن شاءالله نوضح أنه كيف هذا التخيير من أصول القانون؟