الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/06/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض، حقيقة التخيير

كنا في مبحث التخيير بعد ثبوت أدلة التخيير وتماميتها وستأتي روايات أكثر مسندة ومؤيدة والأمر واضح بحمد الله فبهذه المناسبة تم استعراض جملة من الجهات التي أثاروها الأعلام في بحث التخيير منه أنه هل التخيير استمراري أو الابتدائي؟ صاحب الكفاية وجماعة بنووا علی أنه استمراري بخلاف الشيخ الانصاري والناييني وجماعة بنوا علی أنها ابتدائي.

هذا البحث سيما في الامارات بحث مطرد في تعارض الاخبار أو تعارض الفتاوی أو تعارض البينات في القضاء أو أي مورد آخر يعني موارد تعارض الكواشف والامارات، فما هو الميزان في التخيير؟ التخيير إبتدايي أو استمراري؟ هذا غير التخيير في الأبواب الفقه. بالتالي هذا التخيير كيف يمكن البناء فيه علی الاستمرار أو الابتداء؟

هذا المبحث حساس حتی عند المقلد الذي يقلد أحد المتساويين في الأعلمية أو المتقارب أو المردد في الأعلمية بينهما -بناءا علی ان حكمه التخيير كما هو الصحيح- هل التخيير استمراري أو ابتدائي؟ هذه الأمور محل ترديد عند الأعلام فكيف تصويرها؟ فالمبحث لاينحصر في مبحث تعارض الاخبار والتخيير في تعارضها بل البحث شامل الی موارد أخری مما فيه تعارض الأمارات فما هو الضابطة أو المؤول؟

مر بنا أن هذا يبتني علی حقيقة التخيير أو حقيقة التعارض، عند المتقدمين الخبران أو الفتويان أو البينتان في القضاء عند التعارض لاتتساقطان بل تبقيان علی حالهما مجمدتين و اقتضائيتين، فأصل الاقتضاء وأصل الحجية ليس بتوسط التخيير بل هو موجود علی حاله.

لابأس أن نلتفت الی أن الاقتضاء في الأحكام الشرعية الفقهية أو الأصولية يعني الفعلية الناقصة يعني ليس حكما كليا إنشائيا، الاقتضاء يعني حكما جزئيا يعني الانطباق يعني الفعلية الناقصة، فأصل الفعلية موجود لكن ليست فعلية تامة أو فعلية منجزة.

فعلی مبنی مشهور القدما والمشهور عموما التخيير أو الأدلة العلاجية ليست تسبب أو توجب أصل الفعلية أو أصل الحجية. هذه نكتة مهمة وسيأتي تتميمها. قول المشهور في حقيقة التخيير أين وقول المتأخري الاعصار أين؟ بينما علی مبنی المتاخري الاعصار سيما عند الميرزا الناييني، التخيير يوجب أصل الحجية ويوجد أصل الحجية وأصل الفعلية وأصل الاقتضاء والا بدون التخيير وبدون علاج التخيير أصلا ليسن في البين حجية، لذا الميرزا الناييني يعبر عن الأدلة العلاجية أنها أدلة متمم الجعل، هو ومدرسته يريدون أن يقولوا أن أدلة الجعل الأولية للاخبار والامارات لاتشمل مورد التعارض بل بتوسط الأدلة العلاجية جعلت الحجية في الامارات في مورد التعارض سواء في خبري الواحدين أو البينتين أو فتاوی المجتهدين، فجميع الأمارات الشرعية في الأبواب الثلاثة عند التعارض لايشملها دليل الاعتبار ونحتاج الی متمم الجعل يعني نحتاج من رأس دليل الجعل، فعنده الأدلة العلاجية أدلة جعل أصل الحجية.

يعني في مورد التعارض الأدلة العامة للحجية لاتشمل الامارات ونحتاج الی دليل متمم الجعل لا أنه يستعين بالجعل السابق بل يعني عموم أدلة الحجية لاتشمل هذه المنطقة ويجيء هذا الدليل يسد فراغ القصور. بناءا علی هذا التصور التخيير يوجب ويسبب اصل حجية الخبر فحينئذ من قال بأن حجية الخبر إذا تعينت في طرف ترتفع ومن قال بأن الطرف الثاني الذي لايتم اختياره في الابتداء وأريد اختياره في الاستمرار يكتسب الحجية؟ فيه تساؤل. يعني حينئذ كون التخيير ابتدائيا علی مبنی الناييني وجيه.

بخلاف مبني المشهور يعني كلا الأمارتين فعليتان ناقصتان غاية الامر التخيير يجعل هذه الفعلية الناقصة الذي يعبر عنه الحجية الاقتضائية حجة فعلية تامة.

اصطلاح الاقتضائي اصطلاح صاحب الكفاية والنراقي أو غيرهم حتی قبل الشيخ الأنصاري، الحكم الاقتضائي يعني الحكم الفعلي الناقص سواء كان الحكم الفقهي أو الحكم الاصولي.

فما الذي يصنع التخيير؟ ليس أصل الحجية متولدا من دليل التخيير، بل أصل الحجية من عمومات الحجية ودليل التخيير فقط يتمم فعلية الحجية. أصل الفعلية موجود من الدليل العام والتخيير يتمم الفعلية فحينئذ استمرار التخيير له وجه. لمّا كان هذا الاقتضاء موجودا وذاك الاقتضاء موجودا فأنت مخير بينهما. فعلی مسلك المشهور أصل الحجية موجود وليس مولودا من دليل التخيير ولا من التخيير ففي الابتداء تممت فعلية الأول بعده في المرة الأخرى تتمم فعلية الثاني وتجمد الأول، ما المانع في ذلك؟ يعني له توجيه وله تصوير بناءا علی المشهور ومشهور القدماء في تعارض الأمارات.

عموما مسلك المشهور ومشهور القدماء هذا سواء في الخبرين حتی عند القدماء الإستصحابان لايتساقطان وقاعدتا التجاوز لايتساقطان. عند القدما قاعدتا اليد لاتتعارضان بل تتزاحمان. يد هذه ويد ذلك علی الأرض المتنازع فيه لايتعارضان، قاعدة اليد أصل محرز وليس أمارة لفظية في باب القضاء المشهور شهرة عظيمة حتی المعاصرين الی الشيخ الانصاري (لأن باب القضاء لم توسع بعده حتی قضاء السيد الخويي تعليق موجز جدا وما فيه توسع.) أيا ما كان في القضاء مسلم عندهم تعارض الأصول العملية المحرزة في الشبهة الموضوعية ليس القاعدة الأولية فيها التساقط بل التجميد علی الاقتضاء مثل الخبرين هذه نكتة جدا ثمينة.

موردا قاعدتي التجاوز والفراغ عند المعاصرين إذا تعارضا تساقطا، فإذا تعارض استصحابان تساقطا. وهلم جرا بينما القدما والمشهور يقولون إذا تعارضا تجمدا والاقتضا موجود وهذا حتی يؤثر في بحوث تنبيهات العلم الإجمالي الذي هي محل الابتلاء. إن عندهم حتی الأصول العملية المحرزة كالامارات ليس الأصل فيها التساقط سواء فردي الأصل المحرز الواحد كالاستصحابين أو من نوعين مثل الإستصحاب واليد ليس عندهم التساقط عند التعارض. هذه البحوث مهمة ونفيسة في باب القضاء وفي باب الاجتهاد والتقليد والتعارض والابواب العديدة.

المهم، التخيير العلاجي في التعارض عند المشهور لايوجد ولايحدث أصل الحجية وأصل الفعلية، إنما يتممها.

مراحل الحكم الانشائي ثلاث ثم مرحلتان للحكم الفعلي ثم الفاعلية ثم التنجيز ثم الامتثال ثم الأداء ثم احراز الامتثال، هذه المراحل الثمان أو عشر يجب حفظ معناها ولاتختص هذه المراحل بالحكم التكليفي بل تعم الحكم الوضعي ولاتختص بالحكم التكليفي والوضعي الفقهيين بل تعم الحكم الوضعي والتكليفي في مسائل علم الأصول وحتی في باب الاعتقاد له تصوير. مراحل الحكم الشرعي ضروري أن يتقنها الباحث. جملة من الغفلات الكبيرة في مخالفة الميرزا الناييني للقدماء مع أنه ابن بجدتها في مراحل الحكم لكن فيه غفلات نفس السيد الخويي طابق مع استاذه الميرزا الناييني يعني وافق استاذه وخالف المشهور مع أن هذه المراحل تفتح حلولا في أبواب عديدة.

المقصود علی مبنی القدماء العلاج وروايات التخيير لايوجد أصل الحجية بل أصل الحجية موجود بالدليل العام، إنما تتمم فعلية الدليل فيمكن تصوير التخيير الابتدائي والاستمراري لأن اصل الحجية ليس مولودا من الانتخاب في التخيير، أما علی مسلك الميرزا الناييني ومدرسته أن التخيير والانتخاب في التخيير يوجد أصل الحجية فله وجه أن يكون ابتدءا لا استمرارا.

علی أي حال نرجع الی الاقوال التي مرت بنا أمس، مع ذلك حتی علی مسلك الميرزا الناييني والا علی مسلك المشهور استمرار التخيير قابل للتصوير أما علی مسلك الميرزا الناييني ومسلك التساقط في الامارات ومتمم الجعل والدليل فمر بنا تصوير التخيير علی خمسة أقوال. نلاحظ هذه خمسة اقوال في تصوير التخيير الأصولي بعينها ذكرها الاعلام في التخيير الفقهي يعني خصال الكفارة.

الوجوب التخيير في مقابل الوجوب التعينيي له أربعة صور أو خمسة: وجوب هذا بشرط ترك ذاك كوجوب مشروط والقول الثاني وجوب أحدهما عنوانا والقول الثالث وجوب الجامع والقول الرابع قول محمد تقي اصفهاني أن الوجوب متعلق بهم جميعا لكن بنحو ناقص.

هذه الاقوال في التخييري بعينها في الوجوب الكفايي لأن هذا تخيير في الفعل وذاك تخيير في المكلف، بالتالي تخيير فالكفايي نمط من التخيير في المكلف، فبعينها الأقوال التي قيلت في الوجوب التخييري يقال في الوجوب الكفايي سواء كان تخييرا فقهيا أو أصوليا يعني في أصول الفقه والمسئلة الأصولية.

القول الخامس ذهب اليه الاصفهاني والسيد الروحاني وهو أن الوجوب التكليفي بالاختيار فاذا اختار تحصل الحجية الوضعية، فوجوب تكليفي يتولد منه حكم وضعي. مثل الالزام بالفحص من المجتهد، لأنه نوع من التعلم فيتعلم ويستقرأ عن الأدلة والمواد وجوبا تكليفيا فينتهي الی وجوب وحكم وضعي وحجية من الحجج يقف اليها ويصل اليها. فوجوب الفحص تكليفي وليس وضعيا لكنه يؤدي الی الحكم الوضعي وهو الحجية.

وجوب الفحص تكليفي أو وضعي؟ أو هما معا؟ الصحيح أنه تكليفي ووضعي. فيه خلاف مر بنا في تنبيهات الأصول العملية واثير في بحث العام والخاص. تكليفي يعني تكليفا يلزم الفقيه والمجتهد مثل العامي يفحص عمن هو واجد لشرائط الفتوی. كذلك المجتهد يلزم بالفحص. هذا الالزام ربما سبعة اقوال فيه. اثارات صناعية دقية من الاعلام ونعم بها.

بعضهم قال إرشادي لاتكليفي ولاوضعي. الارشادي ليس عبطا، ليس مولويا يعني التنجيز ليس في نفسه لكن التنجيز والمداينة في المرشد اليه. الارشادي ليس فيه منجزية بنفسه ولامولوية. لكن فيه عقوبة في المرشد اليه والمرشد اليه مولوي. مثلا واحد يخبر مجتهدا بأن الرواية موجودة في باب فلان. هنا إذا لم يراجع المجتهد يؤاخذ، هو عامي أو مجتهد لكن قوله ليس حجة لمجتهد آخر لكن إرشاد والمرشد اليه فيه عقوبة. أنت لازم ان تدرس المرشد اليه لا أن تدرس الارشاد. هذا باب ينفتح منه ألف باب، فرق الارشادي مع المولوي.

هل لزوم الفحص ارشادي أو مولوي؟ مولوي تكليفي أو وضعي؟ هذه البحوث قيّمة. طبعا لابد أن ينتهي الی الميزان وليس عبطا. الحكم الوضعي مولوي فهل هذه الحكم الوضعي المولوي له عقوبة؟ التنجيز بمعنی العقوبة خاص بالحكم التكليفي. إذاً ما الفرق بين الحكم الوضعي و الحكم الارشادي؟

تتمة غدا ان شاءالله