الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض، الروايات العلاجية، التخيير

أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الطَّبْرِسِيُّ فِي الْإِحْتِجَاجِ فِي جَوَابِ مُكَاتَبَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ ع إِلَى أَنْ قَالَ ع فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ حَدِيثَانِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِذَا انْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ إِلَى أُخْرَى فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ وَ أَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَ كَبَّرَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامِ بَعْدَ الْقُعُودِ تَكْبِيرٌ وَ كَذَلِكَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى وَ بِأَيِّهِمَا أَخَذْتَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ كَانَ صَوَاباً.[1]

وصل بنا المقام الی هذه لرواية، رواية الحميري هذه الرواية لم يذكرها السيد الخويي سندها ووصفها بالارسال أو لم يذكر سندها والحال أنها مسندة وسنده صحيح ذكره الشيخ الطوسي في الغيبة إلا أنه اشكل علی دلالته وقال هي في مورد التخيير الفقهي بمعنی السعة الفقهية باعتبار أن هذه أمور مندوبة والامر فيها موسع وهذا غير ما نحن فيه بحث التخيير الاصولي.

تارة بسبب التعارض يجعل التخيير الاصولي وهو التخيير في الحكم الشرعي في المسئلة الأصولية في نفس الحجية، يعني بدل أن تكون الحجية تعيينية تكون تخييرية. الحجية التخييرية تسمی تخييرا آصوليا وتارة بسبب التعارض يجعل التخيير الفقهي في الخبرين مثل التخيير الفقهي في خصال الكفارة لكن موضوعه ليس مثلا «من حنث بيمينه أو نذره» بل موضوعه تعارض الخبرين فبسبب تعارض الخبرين جعل التخيير. هذا تخيير فقهي لكن موضوعه مسئلة أصولية وإن كان محموله حكم فقهي، هذا التخيير يختلف عن التخيير الابتدائي الموجود في خصال الكفارة لأن التخيير الموجود في خصال الكفارة موضوعه «من حنث بنذره أو نكث بيمينه» موضوع فقهي ومحمول فقهي أما التتخيير الفقهي في التعارض موضوعه مسئلة أصولية ومحموله فقهي وهو التخيير بين الحكمين الفقهيين، هذا هو التخيير الفقهي بسبب التعارض.

الان بغض النظر عن المباني المختلفة أن المهم أن التخيير الفقهي بسبب التعارض يغاير التخيير الفقهي الابتدائي، فهذا تخيير فقهي في المسئلة الأصولية يعني أن المحمول تخيير فقهي والموضوع مسئلة أصولية وهو تعارض الخبرين بخلاف التخيير الاصولي في المسئلة الأصولية فإن محموله أصولي وموضوعه أيضا أصولي. فالتخيير الفقهي بسبب التعارض يغاير سنخا التخيير الفقهي المصطلح الابتدائي ويغاير أيضا التخيير الاصولي في المسئلة الاصولية.

هنا الان السيد الخويي يقول: مفاد الرواية ليس تخييرا بسبب التعارض، بل هو تخيير فقهي ابتدائي لأن طبيعة المستحبات مخيرة للإنسان، هذا كلام السيد الخويي رحمة الله عليه.

فإذاً عندنا ثلاثة أنواع في التخيير: أحدها تخيير فقهي في المسئلة الفقهية وأحدها تخيير فقهي في المسئلة الأصولية والآخر تخيير أصولي في المسئلة الأصولية. أيا ما كان إذا كان التخيير بسب التعارض سواء كان محموله فقهيا أو أصوليا هذا يغاير التخيير الفقهي الابتدائي.

فرق التخيير الفقهي في المسئلة الأصولية والتخيير الأصولي في المسئلة الأصولية أيضا واضح. التخيير الأصولي يعني التخيير في الحكم الأصولي يعني الحجية والتخيير الفقهي في المسئلة الأصولية يعني التخيير الفقهي لكن موضوعه مسئلة أصولية وهو التعارض. فالسيد الخويي يقول هذه الرواية أجنبية عما نحن فيه.

لكن الصحيح أن هذا تخيير أصولي وفي المسئلة الأصولية وليس تخييرا فقهيا لافي المسئلة الفقهية ولافي المسئلة الأصولية.

الوجه في ذلك: صحيح أنه بحسب القاعدة أن الجمع العرفي في مورد الرواية موجود، كما بنی عليه السيد الخويي لكن لما كان في ذهن الراوي التعارض فالامام عليه السلام ما عالج له الصغری. في موارد كثيرة عند الائمة عليهم السلام الصغری ما متحققة ولكن يعطيه كبری لمعالجة هذه الصغری علی فرض تحقق الصغری وهذا لايخدش في الكبری ومن هذا القبيل في روايات أهل البيت كثيرة وبنی عليه المشهور في موارد عديدة أن الكبری متينة والصغری السائل غلط فيها لكن الامام ليس الان في صدد أن ينبه السائل خطأه بل عنده المهم الكبری يعني لو افترض أن الصغری هكذا وليس هكذا فكبری علاجه هكذا.

مثلا «لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا» هنا الباري تعالی لايريد أن يقول هناك آلهة متعددة بل يريد أن يبين ملازمة لكبری أخری وهو أن تعدد الآلهة يلزمه الفساد في عالم الخلقة وهذا صحيح في نفسه بغض النظر عن الصغری أنها ليست متحققة. من هذا القيبل موجود كثيرا في بيانات الوحي.

هنا يسأل الراوي عن عدد التكبيرات داخل الصلوة، دليل يقول كبر ودليل يقول لاتكبر ومختلفان فما نصنع؟ قال بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك. الأخذ هو العمل الاصولي. هذه نكتة لازم أن نلتفت اليه صناعية ومهمة وتفيد في باب الاجتهاد والتقليد وباب القضا.

ما هو العمل الاصولي وما هو العمل الفقهي؟ مثلا الصلوة عمل فقهي، أما الاستناد والاعتماد علی الخبر المعتبر عمل أصولي. التزام العامي بتقليد الفقيه ليس عملا فقهيا بل عمل أصولي. ماذا هو الفرق بين العمل الأصولي والعمل الفقهي. هذا البحث نظير بحث أنه ما هو الحكم الفقهي وما هو الحكم الاصولي ونظير بحث ما هو فرق المسئلة الفقهية عن المسئلة الأصولية؟ نظير بحث ما هو الفرق بين موضوع المسئلة الفقهية وبين موضوع المسئلة الأصولية؟ هذه العناوين الاربعة تقريبا متقارب البحث.

المسئلة الأصولية تشتمل علی الموضوع وهو قيود الحكم وتشتمل أيضا علی المحمول والحكم. سنخ الحكم الأصولي يختلف عن سنخ الحكم الفقهي محمولا و أيضا موضوعا فيه اختلاف. وأيضا الحكم مثل وجوب الصلوة لدلوك الشمس، دلوك الشمس قيد الحكم والمحمول هو وجوب في المسئلة الفقهية والفعل بما هو فعل متعلق الحكم. هذه ثلاثة أعمدة رئيسية في كل مسئلة شرعية سواء فقهية أو أصولية أو كلامية أو أخلاقية في الفقه السياسي أو المعاملي. أعمدة ثلاثي إن لم يكن أربعة في المسئلة ضرورية، قيود الحكم وهي الموضوع والمحمول ومتعلق الحكم . الفعل الفقهي يختلف عن الفقه الاصولي. الفعل الفقهي مثل الصلوة والصوم والغسل يعتبر عملا فقهيا أما التبني علی خبر معتبر للإعتماد عليه والاستناد عليه والالترام بالفتوی ليس عملا فقهيا بل بالدقة عمل أصولي يعني حتی العامي يمارس العمل الأصولي لأن حجية الفقيه الواجد الشرائط حجة ومحمول أصولي وموضوعها الفتوی وعمله الالتزام بهذا الفتوی فالتقليد ليس عملا فقهيا بل عمل أصولي يقوم به العامي.

الان ليس الاستنباط فقط عمل اصولي بل الاعتماد والاخذ بالرواية عمل اصولي، في التقليد أيضا هكذا يقال أخذ واعتمد بالفتوی، فأصل عنوان الأخذ اصطلاحا هو العمل الاصولي.

فهنا في هذه الرواية يقول الامام عليه السلام: بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك وواضح في العمل الاصولي. لايقول بأيهما عملت أو إن كبرت أو لم تكبر، فليس ناظرا ابتداءا بالعمل الفقهي بل يركز بالعمل الاصولي. فإذا فرض عليه السلام اختلاف الخبر والاخذ باعتبار الخبر موضوعا ومحمولا وفعلا فبعد المحمول وبعد الموضوع وبعد الفعل كله أصولي فالصحيح أن هذا التخيير تخيير أصولي في المسئلة الصولية.

لابأس الان نستعرض البحث في التخيير ما دام هذا الاشكال الذي أثاره السيد لاخويي في التخيير دعونا نذكر منظومة التخيير. ولو روايات التخيير ستأتي. هذه جهة مستقلة لازم أن يبوب الاخوان في التقرير هذه الجهات بحث الترجيح وبحث التخيير لازم أن يبوب.

هذه جهة من جهات التخيير وهو أنه ماهي حقيقة التخيير في المسئلة الأصولية عن التخيير في المسئلة الفقهية. ثلاث اصطلاحات مر بنا تخيير فقهي في المسئلة الأصولية وتخيير أصولي في المسئلة الأصولية، تخييران عند التعارض هل جعل الشارع تخييرا اصوليا أو تخييرا فقهيا و فيه تخيير فقهي في المسئلة الفقهية.

نعيد التكرار من زاوية أخری. التخيير الفقهي في المسئلة الأصولية يعني موضوعه التعارض لكن محموله ما جعل الشارع الحجية بل جعل حكما فقهيا وتخييرا فقهيا. يعني تعمل أو لاتعمل. تعمل بالتكبير أو لاتعمل في مورد التعارض. فالتخيير الفقهي في المسئلة الأصولية يعني موضوعه مسئلة أصولية مثل التعارض وليس موضوعه مثل الحنث مثلا. هناك من ذهب من الاعلام في مورد التعارض ان المجعول تخيير فقهي لكن في المسئلة الأصولية. الأشهر أن التخيير الذي جعله الشارع في مورد التعارض هو تخيير أصولي محمولا في المسئلة الأصولية.

الحكم الفقهي يختلف عن الحكم الأصولي لكن قد يجعل الشارع حكما فقهيا في مورد مسئلة أصولية يعني ليس ممتنعا إذا يقول الشارع في مورد المتعارضان أنت لاتتخير في الحجية بل تخير في العمل الفقهي يعني تقرأ السورة أو لاتقرأ هذا هو التخيير الفقهي في المسئلة الأصولية.

من ذهب من الاعلام أن مؤدي التخيير في التعارض تخيير فقهي مراده ليس تخييرا فقهيا ابتداءيا مثل الخصال الكفارة لأن خصال الكفارة موضوعها فقهي ومحمولها أيضا فقهي وفعلها أيضا عمل فقهي. هنا لما يقول تخيير فقهي يعني موضوعه أصولي يعني التعارض إلا أن الشارع ما جعل الحكم الاصولي بل جعل الحكم الفقهي وهو أن تعمل بالتكبيرين أو ثلاث تكبيرات.

حتی في الفتيا أيضا هكذا، إذا كان الاختلاف في الأعلمين أنت تتخير، هل تتخير أصوليا أو فقهيا؟ إذا كان التخيير الاصولي يعني يقلد هذا أو ذلك. لأن التخيير الاصولي يعني التخيير في الحجية، حجية هذا الفقيه أو ذاك الفقيه. أما إذا قلت عند تساوي الاعلمية وتعارض الفتاوی تتخير فقهيا يعني تعارض الفتاوی فالموضوع أصولي لأنه أمارة والامارة موضوع أصولي عند تعارض الفتاوی تتخير فقهيا. يعني واحد يقول تمام أو واحد يقول قصر. عند تعارض الفتاوی أنت عملا مخير، لك أن تقصر ولك أن تتم.

هذا الأخذ واضح فيه أنه تخيير أصولي في المسئلة الأصولية وليس تخييرا فقهيا في المسئلة الأصولية. الموضوع واضح أنه أصولي لأنه تعارض الخبرين هل المحمول تخيير فقهي أو تخيير أصولي؟ فواضح أنه تخيير أصولي لأن الاخذ عمل اصولي وما قال كبر أو لاتكبر. فالصحيح بحسب لسان الرواية أن التخيير أصولي في المسئلة الأصولية.

نفس هذا البحث في صحيحة عمر بن حنظلة فيه الترجيح أو داود بن حصين وفيه تخيير. معتبر الترجيح في صحيحة عمر بن حنظلة ترجيح أصولي في المسئلة الأصولية وترجيح أصولي والتخيير الوارد في رواية داود بن حصين وغيرها التخيير ليس فقط للمجتهد بل التخيير للعامي في تقليد الفقها. في هذا التخيير، الصحيح أنه تخيير اصولي في المسئلة الأصولية وليس تخييرا فقهيا في المسئلة الأصولية. المسئلة الأصولية يعني تعارض فتوی المجتهدين. فالموضوع تعارض الفتويين وموضوع أصولي وليس موضوعا فقهيا ومحموله أيضا أصولي يعني تخير بين الفتويين وليس تخييرا في العمل. فالصحيح في تعارض الفتاوی وتعارض الاخبار أنه تخيير أصولي في المسئلة الأصولية. هذه جهة أخری مستقلة. وتعتمد علی كلمة الاخذ لأن الأخذ بالأمارة والفتوی عمل أصولي وليس عملا فقهيا كالقصر والتمام والغسل وهلم جرا.

فإذا هذه جهة أخری مستقلة وهنا جهة أخری في التخير لابأس أن نذكرها.

هذا التخيير الأصولي في المسئلة الأصولية اختلف في حقيقته. ربما قريب أربعة أقوال.

لشرح رباعية الاقوال نظير الاختلاف الذي وقع في التخيير الفقهي مثل خصال الكفارة أقوال، ما هو حقيقة الحكم التخييري؟ إما وجوب أحدهما أو قول أخر وجوب هذا بشرط ترك ذاك أو وجوب ثاني بشرط ترك الأول والقول الثالث أن الوجوب يتعلق بجامع ماهوي واقعي مثل الطبيعي الساري في الأفراد. القول الرابع للمحقق التقي الاصفهاني صاحب كتاب هداية المسترشدين وهو الأخ الأكبر لصاحب الفصول وهو صهر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ونسله ما شاء الله موجودون وهم متزاوجون لبيت كاشف الغطا الی الان. المهم الشيخ محمد تقي ذهب الی قول تبناه العراقي والاصفهاني يعني قول قوي في التخيير. هذه الأقوال أيضا موجودة في بحث الكفايي. في مباحث الالفاظ الشيخ الانصاري يمدح كتاب هداية المسترشدين بكثير وواقعا أيضا هكذا كتاب قوي جزل في الالفاظ والان طبع ثلاث مجلدات. المهم أنه ذهب الی أن الوجوب واحد لا هو متعلق بعنوان أحدهما ولا متعلق بالجامع الماهوي بل الوجوب متعلق بالعتق ومتعلق بالصيام ومتعلق بالإطعام، متعلق بالثلاثة. ليس وجوبات وليس أحدهما أو الجامع. مثل الوجوب التعييني لكن هذا التعلق مثل التعلق في التعييني أو العيني لكن تعلقه ناقص وليس بتيا وبت البت. طبعا لانريد أن ندخل فيه وعنده شرح لطيف والمحقق العراقي شرح كلامه. المرحوم الاصفهاني عنده قول خامس في خصوص التخيير الاصولي في المسئلة الأصولية وأصر عليه في تعارض الخبرين وأصر عليه في تعارض فتوی الفقيهين الواجدين للشرائط. وتبنی استاذنا وتلميذه السيد الروحاني رحمه الله.

يقول: معني التخيير أنه وجوب تكليفي مقدمة للحكم الوضعي. يجب عليك أن تلتزم بأحدهما لكن ليس هو الحكم الأصولي. يجب عليك أن تختار أحدهما إما هذا أو ذاك وإذا اخترت أحدهما يأتي الحكم الاصولي وهو الحجية. فلدينا وجوب تخييري وقبل الوجوب التخييري الحجية ما موجودة لكن تلزم تكليفا.

مثل الفحص عن الأدلة والزامه تكليفي لكن يؤدي الی الوقوف الی الحكم الوضعي والحجية. تقريبا تسالم المشهور علی أن وجوب الفحص وجوب تكليفي، في الأصل وجوب تكليفي بعضهم قال تكليفي ووضعي وبعضهم قال تكليفي محض. بالتالي هو تكليفي يؤدي غايته الی حكم آخر اصولي. حقيقة تباين هذه الأقوال الخمسة تؤثر سواء في التعارض أو الاجتهاد والتقليد أو القضاء أو الأبواب الأخرى. دقة مجهرية تجتاج الی معرفة موضوع المسئلة الأصولية ومحمول الفقهي والمحمول الفقهي في المسئلة الأصولية والمحمول الاصولي في المسئلة الأصولية. هذه النكات صناعية ثمينة يجب التثبت والتركيز فيها.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص121، أبواب كتاب القضاء، باب9، ح36، ط آل البيت.