41/06/24
الموضوع: باب التعارض، الروايات العلاجية
الرواية السابعة وثلاثون رواية لطيفة: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُفِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: انْظُرُوا أَمْرَنَا وَ مَا جَاءَكُمْ عَنَّا فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُ لِلْقُرْآنِ مُوَافِقاً فَخُذُوا بِهِ وَ إِنْ لَمْ تَجِدُوهُ مُوَافِقاً فَرُدُّوهُ وَ إِنِ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْكُمْ فَقِفُوا عِنْدَهُ وَ رُدُّوهُ إِلَيْنَا حَتَّى نَشْرَحَ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا شُرِحَ لَنَا.[1]
قوله عليه السلام «فردوه»: ليس معناه اطرحوه، مما يدل علی أن مطلق المخالفة ليست مسقطا عن الحجية وأن المخالفة درجات. تلك المخالفة التي هي مناقضة وليس لها محمل التأويل مخلة للحجية أما ما دام احتمال التأويل موجودا يبقی للحجية مرتبة، ردوه يعني الحجية الإقتضائية موجودة لكن لاتفعّل. فردوه غير «اطرحوه فهو زخرف».
صرح الامام عليه السلام «فردوه الینا حتی نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا» ويدل علی مراتب التأويل والتفسير. لذلك اطراح الخبر مهما كان ليس بهذه السهولة نعم تجميده ممكن.
لذلك هذا تفسير جديد للتوقف غير ما أشار اليه الشيخ الانصاري والمتاخرين، معنی التوقف في الاخبار هو جعلها حجة اقتضائية مجمدة لا بمعنی الاحتياط وعدم الاعتناء أصلا بوجود الخبر. التوقف نوع من التجميد يعني لاتبتّ في معناه بل إبقه حتی يشرح لكم. كثيرا ما المسائل والروايات بعد مراس الفقيه في الأبواب تتضح له الدلالة في الروايات أكثر فاكثر. فهذا نوع من التوصية في العمل العلمي للفقيه والمجتهد في الاستنباط أنه يتوقف ويتروی ولايسارع في نفي الأدلة ولافي العمل بها من دون وضوح بل ابقاءها الی ان تتجلی، لطيف هذا «لو عمل الناس بالأصلين لما ضلوا» حديث عن الامام الصادق «بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه» التكذيب والانكار خطر وهو البت، كما في القرآن ﴿لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك عنه مسئولا﴾[2] يعني لاتتبع الی أن تتضح لك حجية الحجة وبينية البينة.
فبالتالي معنی التوقف والرد ملائم لمقتضی القاعدة علی مسلك القدما يعني نوعا من التثبت والتروي وتجميد الحديث بدرجة من الحجية الاقتضائية. هذا تفسير جدا ظريف وجديد لمعنی التوقف والرد لاالمعنی الذي بنی عليه الشيخ الانصاري والمتاخروا الاعصار. شبيه ما في القرآن الكريم الذي يشير اليه الائمة عليهم السلام: «لو ردوه الی الله ورسوله» ردوه ليس بالمعنی الذي ذكره المتأخروا الاعصار والاطراح بل ولا بمعنی أن قالوا علمه لديهم وليس هذا معناه فقط ومعنی ردوه يعني حاول تتدبر تفسيره من أصول التشريع ومحكمات التشريع. «ولو ردوه الی الله ورسوله لعلمه الذي يستنبطونه منهم». فالرد يعني نوعا من العمل المرتبط بأصول القانون أو أصول الدلالة يعني نوعا من التثبت والتدبر في ملاحظة المناسبة والتناسب.
هذا المعنی غير ما ذكرته في التوقف لأن التوقف بمعنی التجميد لكن الرد يعني محاولة التروي واكتشاف التناسب بين الخبر وبين أصول التشريع من المحكمات. أكثر فاكثر. غير التوقف الذي يقوله المتأخروا الاعصار. معنيين ظريفين يستفاد من الروايات.
قوله عليه السلام اشتبه: يعني لم تجدوا له موافقا.
إذاً ليس معنی «الرد اليهم» مربوط بعصر الظهور والحضور بل تراثهم الحديثي بمثابة حضورهم صلوات الله عليهم. ليس المقصود حضور أبدانهم الشريفة بل حضور علومهم فالأمر سيان. صاحب العصر والزمان في أكثر التوقيعات يسئلونه لايجيبهم بما في الواقع بل يرجعهم الی روايات تراث الحديث الذي عندهم للتعويد وتنبيه علماء الامامية أن تراث الحديث بمنزلة حضور المعصوم.
إذاً «ردوا حتی تلقانا» معناها حتی تلقی علمنا ومنظومة تراث حديثنا. يعني أصول التشريع الموجود عندهم عليهم السلام. يعني حاول أن تفسر هذا المشتبه بأصول التشريع وتوالمه مع أصول التشريع في محكمات الكتاب والسنة وليس المراد الأصول الفوقية العالية جدا بل حتی الأصول المتنزلة الموجودة في فصل هذا الكتاب الفقهي من القواعد والروايات الثابتة فهذا نوع من التوصية العلمية في عملية الاستنباط توصية بلحاظ أصول القانون وتوصية بلحاظ أصول الدلالة.
مر بنا ان علم الأصول علمان، ثبوتي وإثباتي، الثبوتي هو أصول القانون والاثباتي أصول الدلالة. فردوه يعني كرر النظر وتدبر اكثر ولاتبت في المسئلة بالعجلة والسرعة. هذا يسمونه الاحتياط في عمل المجتهد لا الاحتياط الفقهي في عمل العامي والمقلد بل عمل علمي. هذا موجود في وصية أمير المؤمنين لمالك الاشتر. سنقرأها في باب الاجتهاد والتقليد.
قال اميرالمؤمنين عليه السلام في كتابه لمالك الاشتر: وَارْدُدْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ اللهُ سبحانه لِقَوْم أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)، فَالرَّدُّ إِلَى اللهِ: الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ، وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ: الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ.[3]
هذا البحث كتوصية الی ضابطة أن التوقف ضابطة في التعارض، ما معناه؟ الرد ضابطة في التعارض، ما معناه؟ ليس معناه اطراحه، التوقف هنا الاحتياط في العمل العلمي للمجتهد يعني لاتعجل وحاول النظر كرتين، هذا توصية عظيمة أن مقتضى القاعدة في التعارض الاحتياط العلمي في عمل المجتهد والمستنبط لاالاحتياط الفقهي للعوام. هذا أين ومبنی متأخري الأعصار أين؟
الاقوال في التعارض إما التساقط أو التخيير أو الرد أو التوقف، أي رد وأي توقف؟ هذا هو الرد، الرد يعني محاولة تكرار النظر والتدبر والاستنباط مرة بعد أخری. يجب أن تحتاط في الاستنباط عند وجدان التعارض. هذا مقتضى القاعدة في تعارض الاخبار هو الاحتياط العلمي للمجتهد وما هي أدوات الاحتياط وصيغة الاحتياط العلمي عند المجتهد؟ هي أن تكرر النظر مرة بعد أخری ويدقق يطبقه علی الموازين واصول التشريع مرة بعد أخری الی أن يشرح له ويفسر من القرائن لأن تراثهم بمنزلة نطقهم صلوات الله عليه.
هذا المعنی ظريف ومطابق الواقع. وتوصية في محلها. هذا الرد علمي لابمعنی الإطراح الرد بمعنی تكرار النظر وكيفية التوفيق لهذه الرواية ومحكمات التشريع والتوقف يعني عدم الاستعجال في الاستنباط بل التروي في الوحي والتدبر فيه مرة بعد أخری والوحي فيه درجات في ادراك الانسان. فردوه في القرآن بهذا المعنی. الاحتياط في العمل العلمي يعني حرك وفكر مرة بعد أخری. تصفح القرائن لا أن تيتئس ولا أن تبتئس.
هذا المعنی من الرد وهذا المعنی للوظيفة الأصولية للمجتهد والتوقف وظيفة أصولية للمجتهد وأوصی بها القرآن ونبه الامام الصادق بما في القرآن وشيء عظيم. احتياط علمي في الاستنباط.
استعراض كثرة الروايات مهم، أما أن تقرأ العشرة والباقي في امان الله تضيع للإنسان القرائن والشواهد لحقيقة حكم الشارع في باب التعارض أو في أي باب آخر. مثلا في باب فقهي أو مسئلة فقهية أن تتعرض بمقدار ما تعرض به الاعلام من الروايات خطأ بل لازم أن تقرأ جميع روايات الباب. هذه نوع من الكسل العلمي الخطير والا المفروض أن تقرأ بابا آخر أو كتابا آخر.
فإذاً الأرمة في التعارض حسب بيانات أهل البيت هو في قدرة ادراك المجتهد وتنامي وتكامل عملية علمية للمجتهد.
التعارض ليس صفة واقعية. في بحث أثرناه نسي قطعا وهو هل التعارض حقيقة وصفة واقعية أو أن التعارض نسبي في ادراك المجتهد. كثيرمن التعارض أو جله ليس صفة واقعية للادلة بل إدراك المجتهد للروايات هذا الادراك فيه القصور يصور له التنافي . لذلك الروايات من علاج التعارض من أهل البيت لاتجعل الأزمة في نفس التعارض بل في نفس الموازين الادراكية لدی المجتهد. في عمليته العلمية في الاستنباط. ضوابط لنفس العملية العلمية الاستنباطية. نكتة مهمة في حقيقة معالجة التعارض.
الرواية التاسعة وثلاثون: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الطَّبْرِسِيُّ فِي الْإِحْتِجَاجِ فِي جَوَابِ مُكَاتَبَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ ع إِلَى أَنْ قَالَ ع فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ حَدِيثَانِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِذَا انْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ إِلَى أُخْرَى (في بحث الصلوة) فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ وَ أَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَ كَبَّرَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامِ بَعْدَ الْقُعُودِ تَكْبِيرٌ وَ كَذَلِكَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى وَ بِأَيِّهِمَا أَخَذْتَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ كَانَ صَوَاباً.[4]
هذه الرواية من التوقيعات وسبق فائدة رجالية أن اكثر التوقيعات المرسلة في الاحتجاج هي مسندة في الغيبة للشيخ الطوسي.
الاعلام رحمة الله عليهم قبل سبعين سنة أو أكثر تمسكوا برواية مرسلة في الاحتجاج. مراسيل الاحتجاج أعظم بها وأعظم. لكن عندنا روايات مسندة ومتون أصرح منها، بعض الأحيان معذرة حتی في المسيرة الاستنباطية من حيث لاشعور أن المستنبط يأخذ الجو العلمي فيصير مشيه مشيا تقليديا من حيث لايشعر.
المفروض دائما عند الانسان لازم أن تكون يقظة. فلذلك التدبر والتأني يوفر لدی المجتهد أدلة ومواد استدلال ضخمة وكثيرة. فتش بابا آخر وتجد نكاتا آخر غفل عنها الاعلام وليس ممتنعا وكم له من نظير. هذه الغفلة في المسير العلمي دائما تحصل، لذلك «ردوا الی الله ورسوله» يعني ارجع الی المواد وتصفح الاحاديث.
دائما ذكرت أن العلامة طباطبايي تباحث كتاب الوسائل مع السيد هادي ميلاني من الجلد الی الجلد. السيد هادي ميلاني يعتبرونه أنبغ تلميذ الناييني في الأصول وكان من أنبغ تلاميذه. كانوا عفاريت الأصول عند الناييني. هذا أصولي دقي وعقلي و ذاك عقلي ودقي لكن مع ذلك تباحثا مع بعضهم البعض كتاب الوسائل من الجلد الی الجلد في النجف، ليسا أخباريين، بل هذا مواد الاستدلال. الفحض ضروري في الاستنباط . هنا في الروايات توصية أن سبب التعارض هو قدرتك العلمية وفحصك العلمي. ليس التعارض صفة واقعية في الخبرين. ترائی لك التعارض. توصية مهمة في الحقيقة نقول أن الرد والتوقف عبارة عن تلك التوصية التي اعترف بها المشهور من الأصوليين أن العمل بأي دليل عام أو أي دليل خاص لايجوز مع توفره علی كل الشرائط الابعد الفحص. لأن الأدلة منظومية. بل بالتدبر.
حالات المعصومين أيضا هكذا. كيف سيرة ذلك المعصوم كذا و سيرة ذاك المعصوم كذا؟ أنت تتوهم التناقض في ادراكك، تدبر تجد قرائن في تفسير تلك الحالات. فالأزمة في التعارض هي إدراكية ليس ثبوتية واقعية.
نكتة أخری نذكرها في هذه التوقيعات ذكرناها مرارا أن أكثر التوقيعات التي ذكرها الطبرسي في الاحتجاج هي مسندة في غيبة الشيخ الطوسي.
كانوا يعتبرون رواية «أما الحوادث الواقعة ...» هذه هي الرواية التي جعلت صلاحية الفتيا مرسلة بل في غيبة الشيخ الطوسي مسندة. أخيرا أحاديث جزم بها السيد الخويي بانها مرسلة وراجعنا غيبة الطوسي وجدناها مسندة. فمن هذا القبيل كثير فلازم ان يراجع المصادر اكثر فاكثر.
صاحب العصر والزمان في هذا التوقيع يعلم الفقهاء مراتب الاستنباط. يقول فيه عموم هكذا وفيه خصوص هكذا ومقتضی دلالة الاولی هكذا ومقتضی دلالة الثانية هكذا بعد ذلك يقول عليه السلام بأيهما أخذت من باب التسليم كان ثوابا.
هذه أيضا من روايات التخيير. هذه الرواية حكم عليها السيد الخويي وما ناقش في سنده بل ناقش في دلالته، نسب اليها الارسال وقال مرسلة الاحتجاج ، لكنها مسندة في غيبة الطوسي. يقول الشيخ الطوسي أما ذكر النائب الثالث حسين بن روح النوبختي فيذكر التوقيعات. أكثر التوقيعات التي رویها الشيخ في النائب الثالث فهنا ذكر التوقيع مسندا صحيحا.
المفروض للاخوة في التبويب يبوبون الروايات في التخيير أو الترجيح ولايكتبونها بشكل ركام.
ابوأحمد من زعماء قم وهو يروي توقيع من يدعي المشاهدة المعروف. يروي عن محمد بن علی السمري.
فائدة أذكرها: معرفة علماء الغيبة الصغری ضروري جدا و أيضا معرفة فقهاء الطبقة الاولی في الغيبة الكبری ضروري جدا عقائديا وحديثيا. هذه فائدة ثمينه في التراث وفي العقيدة. أكد عليه النجاشي والشيخ المفيد. بشكل أكمل علماء الشيعة بين عهد العسكريين الذين أدركوا الغيبة الصغری أو تمام عمره في الغيبة الصغری أو بين الغيبة الصغری والغيبة الكبری. معرفتهم جدا مهمة في تراث الحديث وبحث العقيدة وإدارة الإمام الزمان عليه السلام. ركز عليه النجاشي وركز عليه الشيخ المفيد وبقية الاعلام والطوسي والنعماني في الغيبتين. هذه حلقة مهمة في الرجال والعقيدة والحديث والفقه. هذه نكتة من اسرار من فوائد علم الرجال وفوائد علم الكلام وكل ما يخبر الباحث أكثر في هذه المنطقة جدا مهمة. هذه الحلقة يتابع الخفاء والسرية.