41/06/15
الموضوع:باب التعارض، الروايات العلاجية في المحمول
كان الكلام في بقية روايات الترجيح وملاحظة المرجحات فيهم في الباب التاسع من أبواب صفات القاضي، عنونه صاحب الوسائل باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها.
الرواية الاولی هي الصحيحة عمر بن حنظلة ومر الكلام فيها.
الرواية الثالثة معتبرة سندا الی محمد بن سنان عن نصر الخثعمي -والنصر ما يحضر ببالي الان-: مَنْ عَرَفَ أَنَّا لَا نَقُولُ إِلَّا حَقّاً فَلْيَكْتَفِ بِمَا يَعْلَمُ مِنَّا فَإِنْ سَمِعَ مِنَّا خِلَافَ مَا يَعْلَمُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ دِفَاعٌ مِنَّا عَنْهُ.[1]
هذه الرواية مفادها أن المعلوم دائما يحكّم علی المظنون وشيء طبيعي والمفروض، هكذا النظام في الجمع والنظام في تأويل الروايات علی ضمن الجمع الموضوعي والعلاج الموضوعي.
الرواية الثانية في الباب صحيحة أو مصححة أبي عبيدة الحذاء (كان اسمه زياد) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قَالَ لِي يَا زِيَادُ مَا تَقُولُ لَوْ أَفْتَيْنَا رَجُلًا مِمَّنْ يَتَوَلَّانَا بِشَيْءٍ مِنَ التَّقِيَّةِ قَالَ قُلْتُ: لَهُ أَنْتَ أَعْلَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ إِنْ أَخَذَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَعْظَمُ أَجْراً قَالَ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِنْ أَخَذَ بِهِ أُجِرَ وَ إِنْ تَرَكَهُ وَ اللَّهِ أَثِمَ.[2]
التقية قسمان: احداها التقية في الكلام يعني الامام يتقي وثانيتها التقية في العمل. الظاهر هنا التقية في الكلام مع ذلك هو يلتزم بنفس حرفية ما أمره الامام عليه السلام وبالتالي يكون مطيعا ومنقادا، طبعا إذا ليس عنده وجه صارف له. تارة عنده شاهد علی تقية الامام فيأخذ بالشاهد وتارة ليس عنده شاهد علی أن الامام تكلم بالتقية فيأجر بالعمل به.
لعل المراد التقية في العمل فيصير لازمة لتقية في العمل يعني مثل ما يقول القرآن ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[3] ﴿أو إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة﴾[4] كلام الله ليس تقية انما هو يأمر بالتقية، نفس تكلم الله ليس تقية، إنما الكلام حول تشريع التقية، ففرق بين التقية في الكلام وبين تشريع التقية، بعبارة أخری التقية في التشريع غير تشريع التقية. التقية في الكلام ليس هي التقية التي يشرعه الله وإنما الامام يتقي ويخفي، هذه غير التقية المعروفة من العناوين الثانوية يعني نفس الحكم التشريعي من باب التقية يعني موضوعه التقية فيحتمل أن تكون هذه التقية في العمل فليزم الانسان العمل بها وإذا تركها اثم.
الرواية الرابعة صحيحة محمد بن مسلم عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْوُونَ عَنْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص لَا يُتَّهَمُونَ بِالْكَذِبِ فَيَجِيءُ مِنْكُمْ خِلَافُهُ قَالَ إِنَّ الْحَدِيثَ يُنْسَخُ كَمَا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ [5]
يحتمل معنی النسخ الاصطلاحي فيكون بيان الائمة عليهم السلام كاشفا عن ورود الناسخ إما من النبي ولم يحفظه الرواة والصحابة والتابعين لكن الائمة عليهم السلام مطلعين عليه أو أن النبي صلي الله عليه وآله أودعه للائمة وهم بينوا الناسخ ولم يُعلمه الناس فيحتمل النسخ الاصطلاحي بهذا الاصطلاح بصورة أو صورتين ويحتمل أيضا المراد من النسخ أن يكون تبدل الموضوع ويستعمل في الروايات النسخ بمعنی تبدل الموضوع.
النسخ في الايات والروايات يأتي بمعان عديدة وليس منحصرا بالنسخ الاصطلاحي مثل نسخ الليل والنهار يعني تبدل الموضوع. هذا نوع من الجمع بين الروايات بالجمع الموضوعي والتركيز علی العلاج الموضوعي. النسخ لها معان عديدة في القرآن والروايات.
الرواية الخامسة موثقة سماعة هذه أولی الروايات الواردة في التخيير التي أوردها صاحب الوسائل في الباب وسندها تام ومعتبر نقرأها الان ودالة علی التخيير.
عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فِي أَمْرٍ كِلَاهُمَا يَرْوِيهِ أَحَدُهُمَا يَأْمُرُ بِأَخْذِهِ وَ الْآخَرُ يَنْهَاهُ عَنْهُ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يُرْجِئُهُ حَتَّى يَلْقَى مَنْ يُخْبِرُهُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَلْقَاهُ.[6]
قَالَ الْكُلَيْنِيُّ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِأَيِّهِمَا أَخَذْتَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَسِعَكَ.[7]
السيد الخويي لايخدش في السند لكن يخدش في دلالته ويقول هذه الرواية مفادها علی مقتضى القاعدة ولاصلة لها بالتخيير في الروايات المتعارضة لانه التعبير «أَحَدُهُمَا يَأْمُرُ بِأَخْذِهِ وَ الْآخَرُ يَنْهَاهُ» يعني أن المورد من موارد دوران بين الوجوب والحرمة والدوران بين المحذورين وبينهما تلقائيا علی متقضی القاعدة عقلا هو التخيير فإذاً هو التخيير علی مقتضی القاعدة لا لاجل التعارض بين الأخبار.
لكن فيه تأمل علي خدشة السيد الخويي والتامل وارد وقوي. هذا النمط من الاشكال سياتي في عدة روايات التخيير، يستشكل في دلالتها السيد الخويي بهذا النمط أن المفاد بغض النظر عن تعارض الاخبار يقتضي التخيير، أن المورد الفقهي هو بحسب القاعدة يقتضي التخيير ولاربط له بالتخيير في الأخبار. لكن هذا الاشكال ليس في محله.
الوجه في ذلك ان الامام تارة يبدي للسائل علاجا فقهيا في المسئلة الفقهية، يعني لو كان مفاد الرواية في التخيير أنه عليه السلام في صدد العلاج في المسئلة الفقهية مباشرة بدون المرور بالمسئلة الأصولية لكان الاشكال وجيها ومتينا، لكنه عليه السلام يبين العلاج من ناحية المسئلة الأصولية يعني التخيير في المسئلة الأصولية.
لتوضيح هذا المطلب لأنه مهم في نفسه نقول إن هنا فرقا بين التخيير في المسئلة الفقهية والتخيير في المسئلة الأصولية، التخيير في المسئلة الأصولية يعني أن الحجتين من الحجج التي تم اعتبارها وتقديرها يبدی فيها حكم معين أو علاج معين أو ضابطة معينة، هذا بحث في المسئلة الأصولية مثل أن الدليل الاجتهادي مقدم علی الأصل العملي، هذا علاج اصولي وليس علاجا فقهيا، أن الترتيب موجود في نفس المسئلة الأصولية وحجية الدليل الاجتهادي مقدمة وحاكمة علی الأصل العملي. هذه ليست حكومة في المسئلة الفقهية مثل الطواف حول البيت صلوة، فتقديم الامارات علی الأصول العملية في المسئلة الأصولية وأيضا تقديم العام علی الخاص بالدقة مسئلة أصولية، نعم نتيجته يؤثر في المسئلة الفقهية وهكذا أن العام مقدم علی الاطلاق مسئلة أصولية لأن العلاج فذلكة ومعالجة في المسئلة الأصولية وتذوب وتؤثر في المسئلة الفقهية وليس علاجا ابتدائا في المسئلة الفقهية.
هذا شيء في بعض الموارد يكون خفيا مثل العام والخاص. العام والخاص ابتدائا يمكن أن يقال أنه بحث فقهي والحال أنه بحث أصولي ينعكس علی نتيجة فقهية، العموم والخصوص ليسا حكمين فقهيين بل حكمان أصوليان وهكذا التلازم بين وجوب الشي ووجوب مقدمته بحث أصولي، نعم نفس وجوب الشيء بحث فقهي، أما نفس التلازم بحث أصولي.
التمييز بين الاحكام في علم الأصول مع الاحكام في المسائل الفقهية في بعض الموارد يكون خفيا، يعني الذوبان والاندماج بين المسئلة الأصولية والمسئلة الفقهية جدا قوي بحيث يخفی علی الباحث.
المقصود هنا الصحيح أن سؤال الراوي «أحدهما يأمر...» مثال وليس كلامه في خصوص الأمر بالاخذ بل سوال عن الخبرين المتعارضين. مصب سوال السائل ليس في مسئلة فقهية حتی يجيب الامام عليه السلام عن مسئلة فقهية ويبين العلاج الفقهي بل أصل سوال السائل عن مسئلة أصولية لأن يقول كلاهما ثقتان وكذا والخبران عنكما. وذكر مثالا لتطبيق هذه المسئلة الأصولية بأن أحدهما يامر والأخر ينهی لا أن السوال عن خصوص المورد الفقهي.
كيف نفكّك بين المسائل الأصولية والمسائل الفقهية؟ أحد البحوث الصناعية المعقدة أنه ما الفرق بين حيثية المسئلة الأصولية وحيثية المسئلة الفقهية؟ أو ما هي الفارق بين ضابطة القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية؟ عبارات متعددة عن نفس المطلب. ماهو الفارق بين الحكم الاصولي والحكم الفقهي؟ أو ما هو الفارق بين الموضوع الاصولي والموضوع الفقهي؟ خمس تسميات لمطلب واحد،
نكتة نفيسة نلتفت اليه وهي في نفسها أهم من نفس البحث لانه في مباحث عديدة تستثمر، أشار اليه الكبار والشيخ الانصاري في الاستصحاب عن الآخرين وهي نكتة متبعة عند الاعلام.
النكتة الكبروية أن الأئمة عليهم السلام في موارد عديدة يذكرون علاجا كبرويا أو كبری كبروية ما أن مورد السوال ليس صغری لهذه الكبری والراوي اشتباها أو قصورا أو غفلة أو جهلا بنی علی أن هذا المورد مصداق للكبری. مع هذا، الامام عليه السلام لأهمية الكبری وبيان الكبری وأنها فرصة لبيان لكبری يؤدي الأولوية في ارشاد العباد وتبليغ المكلفين بتلك الكبری، لاينبه الی أن المورد ليس مصداقا للكبری لأن الكبری في نفسها ذات أهمية كبيرة وهذه الصغری مصداق أو لا ليس ذا أهمية تطبيقا. ما أكثر المكلفون الذين يلتبسون لهم التطبيق. البيان النظري للشريعة أهم عند الائمة عليهم السلام يعني الكبری نفسه. يعني صحيح أن ما سأله السائل مورد ابتلاءه وليس المورد للابتلاء بخطر عظيم في الشريعة بقدر الكبری و السائل يسأل عن الكبری ويطبقها عن المورد.
هذا النمط من بيانات الائمة عليهم السلام كثير. في الاستصحاب مثلا الراوي يطبق الاستصحاب أو الإمام عليه السلام يطبق الاستصحاب له في مورد الخلل في الصلاة مع أن الاستصحاب إما لايجري في الخلل في الصلوة أو يجري بتعبد خاص في المصداق فلايجري باسترسال محض كبقية موارد الاستصحاب مع ذلك يجري الامام عليه السلام الاستصحاب في مورد الخلل، هنا الاعلام قالوا تطبيق الاستصحاب تقية مثلا لكن الامام في صدد أهمية الاسصحاب أو أن الامام ليس في صدد الاعتناء في بيان بقية خصوصيات التطبيق. نفس الاستصحاب شيء مهم أهم من خلل الصلوة وأهم من كيفية تطبيق الاستصحاب في خلل الصلوة والشك في الركعات. هذا المطلب ذكره الشيخ الانصاري في الاستصحاب.
ليس من الضروري أن الكبريات التي يبينها الامام عليه السلام يكون مورد سوال السائل مصداقا لها وليس من الضروري أن الامام يبينه وليس إغراءا بالجهل بل أنه أهم لديه. كيف النبي صلي الله علیه وآله ما بين كل التفاصيل لأن التفاصيل جزئيات، كيف يُبقي المكلفين في الجهل؟ إن العلم بالاسس أعظم من التفاصيل. أسس الحكم وأسس الدين أهم من التفاصيل. أسس الدستور أهم من قانون الوزاري.
دور الخمس من أصحاب الكساء دور الدستور ودور الامام الصادق ودور الامام الباقر والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام دور التفاصيل أما الخمس من أصحاب الكساء أصل الاعتقاد وأصل منهاج اهل البيت، مثل الكربلا و غير كربلا وصفين و غير صفين و جمل و غير جمل أصل المسار. نعم بعد ما يصير المنهاج واضحا الشعب لبقية المعصومين فالفرق للدور.
لذلك رواياتنا عن خمس من أصحاب الكساء في التفاصيل أقل من الامام الباقر والامام الصادق عليه السلام وشيء طبيعي ومنطقي لأن الدستور بيد أصحاب الكساء والتسعة صلوات الله عليهم تابعون للخمسة. وليس صدفة بل هذا بنيان تكويني واقعي.
المقصود هكذا في بيان الائمة عليهم السلام بيان الكبری مثل الاستصحاب أهم من التطبيق في خلل الصلوة أو الامام في صدد بيان العلاج في الخبرين المتعارضين وهو أهم من أن هذا المورد تعارض أو ليس تعارضا. سيأتي الروايات في التخيير متعددة مثلا بين العام والخاص هل يمكن التعارض بين العام والخاص؟ لكن الراوي غفلة أو قصورا ظن أن التعارض بين العام والخاص. مع أنها ليس مورد التعارض والامام ليس في صدد بيان علاج المورد بل هو في صدد بيان الكبری وعلاج التعارض أهم من أن هذا المورد مورد التعارض أو لا. ان الائمة كثيرا ما في صدد بيان الكبری وليسوا في صدد بيان الصغری والكبری عندهم أهم من الصغری وليس من الضروري ان يرفع الالتباس في الصغری عند الراوي لأنه يضيع المطلب والكبری.
فهنا نكتتان في الجواب عن اشكال السيد اخويي.
النكتة الاولی أن جوابه عليه السلام في المسئلة الأصولية وليس في المسئلة الفقهية والنكتة الثانية أن المسئلة الفقهية صغری والمصداق وليس بأهمية الكبری.
للكلام تتمة.