الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض، مرفوعة زرارة

كنا في مرفوعة زرارة وجعل في متنها الترجيح بالاحتياط ومر بنا أن الاحتياط في عمل الفقيه والاستنباط، الفقيه عنده عدة أعمال وكلامنا في أصل الجانب التشريعي عند الفقيه يعني الفتيا وهو عمل علمي وليس عملا عمليا وجوارحيا، هذا العمل العلمي فيه ضوابط من الاحتياط وموازن منه عديدة. الاحتياط المعروف في الأذهان في العمل بالأحكام الفقهية، عمل المكلف إما أن يجتهد أو يقلد أو يحتاط.

الاحتياط أنواع وليس نوعا ونمطا واحدا. حتی في الاعتقاد صيغة من صيغ الاحتياط، مع أنه صعب مستصعب إلا أن القرآن وسيد الأنبياء صلی الله علیه وآله بيّنوا أن العقائد أيضا فيه احتياط. كيف صيغة الاحتياط فيه مع أنه عمل القلب؟ العامل بالاحتياط في العقائد ناج قطعا وأيضا في الاخلاق احتياط فالاحتياط بسبب أفعال الانسان لها صيغ مختلفة. في العقائد والاخلاق والعمل العلمي الذي يمارسه الفقيه والمستنبط أيضا موازين الاحتياط.

هناك احتياط من المكلف العامي في التقليد فيحتاط في التقليد وهذا غير الاحتياط الذي هو مقابل الاجتهاد والتقليد. الاحتياط المقابل للاجتهاد والتقليد يعني يجمع مثلا بين القصر والتمام أو إذا دار الأمر بين الحرمة والكراهة يمتنع، هذا احتياط في العمل والحكم الفقهي. أما الاحتياط في التقليد يعني ماذا؟ التقليد ليس عملا عملاني بل التقليد عمل من علم أصول الفقه لأن التقليد يعني تبني الحجية.

هنا المكلف العامي إذا أراد أن يحتاط في التقليد يمكن أن يأخذ بأحوط الأقوال، هذا سنخ آخر من الاحتياط، احتياط في المسئلة الأصولية لا المسئلة الفقهية. يعمل بأحوط الاقوال في تقليد الموجودين، هذا وإن كان مجزئا لكنه بالدقة ليس احتياطا في قبال الاجتهاد والتقليد بل هو تقليد بشاكلة الاحتياط. هو تقليد لكن في تقليده (وهوعمل أصولي وإن يمارسه العامي في تقليد) يحتاط ويأخذ بأحوط الاقوال، فهذا احتياط في المسئلة الأصولية ولم يقل أحد ببطلانه بل مجزئ وإن يأخذ بقول غير الأعلم. هنا الاحتياط في التقليد حجة و ان كان من غير الاعلم لأن الاحتياط طبيعته يوصلك الی الواقع. أنت تأخذ بقول غير الأعلم مع ذلك يقينا حجة ومجزئ لأنه أحوط. فلاحظ إذاً التقليد بالدقة ليس عملا فقهيا بل عمل في المسئلة الأصولية يقوم به المكلف العامي فهذا غير الاحتياط في العمل. فالاحتياط في التقليد هو من نفس باب التقليد.

إذا تصورنا أن الاحتياط في التقليد يغاير الاحتياط الذي يغاير التقليد فنعرف أن هناك احتياطا في الاجتهاد، في عمل المجتهد، كيف يستنبط. هناك صياغات من الاحتياط في عمل المجتهد كما ان في التقليد أيضا صياغات من الاحتياط، فإذًا الاحتياط كما يتصور في المسئلة الفقهية يتصور في المسئلة الاصولية والتقليد والاجتهاد مسئلتان اصوليتان. فكذلك هناك في باب الاجتهاد وعمل الاستنباط صياغات من الاحتياط بحيث يخرج بنتيجة مبرئ ومجزئ ويركب بين الأدلة وبين المعتبر وغير المعتبر. هو أجزئ في إصابة الواقع من العمل بالمعتبر منفردا. لكن كيف صياغته؟ من باب الی باب قد تختلف، من حالة الی حالة في مجموع الأدلة قد يختلف لكن هناك صياغات.

أيضا فيه احتياط في العقائد، كيف تصويره؟ بحثناه مرات وكرات وفي الجزء الأول من الامامية الإلهية ذكرناه وذكرناه مبسوطا في بحث الأصول في تنبيهات القطع. والاحتياط في العقائد والأخلاق والمسئلة الأصولية والمسئلة الفقهية له أنواع ومراتب. المراتب غير الأنواع يعني الاحتياط الكامل والشامل والاحتياط النصفي والاحتياط الثلثي مثل الاحتياط في التقليد يحتاط بين جميع الاقوال الموجودين وتارة بين بعضهم. الاحتياط بين بعضهم احتياط لكن احتياط ناقص فالاحتياط حتی من نمط واحد أو قالب واحد ذو مراتب.

مهما كان الاحتياط وبأي درجة فيفوق الدليل المعتبر المنفرد، لذلك هذا المطلب الذي ذكرته المرفوعة زرارة مضمونا مطابق للأصول العقلية في الاستدلال والأصول الوحيانية، أن الاحتياط مرجح لأنه مبرئ للذمة باعتبار أن درجة إصابته أكثر من غيره. مثل تعبير فالرشد في خلافهم و أيهم كذا وكذا أقرب التعليلين الموجودين في صحيحة عمر بن حنظلة.

أما التخيير الذي ذكر في المرفوعة مر بنا مرارا علی مقتضى القاعدة عند المشهور أن الأصل في الخبرين عدم التساقط بل التجميد اقتضاءا ثم إذا جمد اقتضاءا يخير الانسان أن يفعل بينهما، إذا لم يستطيع أن يلفق و يركب و يوالم بينهما، فإذاً ما ذكر في هذه الرواية مضمونه مطابق للأصول والضوابط.

الان يجب جدولة الجهات في المسئلة، هذه المباحث الان لازلنا كلها في الترجيح ومرت بنا روايتان وفيهما جهات تزداد هذه الجهات ضمائم ويضم الی هذه الجهات ما سيأتي من روايات لاحقة في الترجيح لكن قبل أن نستمر في قرائة الروايات والروايات عمدتا علاجية بشكل خاص ترجيحية أو تخييرية موجودة بشكل مركز في الباب التاسع من أبواب صفات القاضي في الوسائل في كتاب القضاء.

طبعا هذه علاجية المحمول وهو الترجيح والتخيير أما العلاج الموضوعي لاينحصر بالباب التاسع كما مر التركيز بذلك مرارا يعني الباب التاسع والثامن والعاشر والاحدی عشر كلها موجودة فيها روايات كثيرة في الجمع الموضوعي والعلاج الموضوعي وليس مقتصرا علی الباب التاسع. الباب التاسع حشد فيه قريب خمسين رواية في العلاج المحمولي أما العالج الموضوعي يزيد علی مأتين رواية موجودة في أبواب صفات القاضي من الباب الخامس الی آخره. الجمع مهما أمكن اولی من الطرح. هذه فهرسة للاحاديث لاينساها الاخوان.

الان في العلاج المحمولي ولابد أن نجري في الباب التاسع وقبل أن نواصل بقية الروايات في الباب التاسع وان شاء الله نقرأها ولو سريعا لكن لاجل جدولة هذه الروايات لكي لايكون البحث مبعثرا لابد أن نجدول الجهات في الترجيح ومرت بنا في صحيحة عمر بن حنظلة وهذه الجهات نبقيها ونزيد علی كل جهة نكاتا من الروايات الآتية.

نكتة أخری: السيد الخويي رحمه الله في بداية حياته العلمية ما كان ينكر التخيير بعد ذلك أنكر التخيير لأن مبنی السيد الخويي مثل مبنی استاذه الناييني رحمه الله أن مقتضى القاعدة في تعارض الامارات هو التساقط. هذا غير سديد ونظر المشهور قويم وسديد ثم بعد مقتضى القاعدة أن الروايات العلاجية في الباب التاسع استفاد منها السيد الخويي الترجيح فبنی علی الترجيح لكن السيد الخويي لايتعدی في المرجحات والمرجوح يسقط عن الحجية. ميزة أخری أن عنده المرجحات محصورة ولايتعدی فيها ربما ثلاث أو أربع معتبرة عند السيد الخويي والباقي سندا غير تام. بعد ذلك إذا فقدت هذه المرجحات يتساقط الروايتان والتخيير ليس تاما عنده. في الدورة الثانية أو الثالثة في الأصول بدل رأيه ولعل في الثالثة بدل رأيه. الشيخ التبريزي ذكر في بحثه أنه هو أشار للسيد الخويي حتی بدل رأيه مع أن الإشارة غير سديدة رحمة الله عليه. سنأتي عدة روايات السيد الخويي يقول أنها مرسلة لكنها مسندة وسنده تام. الوقوف علی المستندات والسندات صعب ويحتاج الی الصبر والحوصلة. ثم المسندة منها لايقبله دلالة. المهم إجمالا التخيير عند السيد الخويي حسب قناعة السيد خلويي غير تام إما دلالة وإما سندا. فعنده بعد ذلك التساقط فهذا المبنی عند المشهور مشهور طبقات الفقها مخدوش، إن مقتضى القاعدة ليس التساقط كما أصر عليه الميرزا الناييني وتلاميذه بل مقتضى القاعدة البقاء وبعده العلاج الموضوعي، وإن لم يتم العلاج الموضوعي فالعلاج المحمولي وفي العلاج المحمولي ليس انحصارا والترتيب كما ذكرنا هل هو ترتيب مطلق أو بحسب الاقوی والاقرب؟ بحثنا هذه الجهات وسنعزز هذا التقريب الذي مر بنا ثم لو وصلت النوبة الی التخيير كما يقول صاحب الوسائل ما تصل النوبة الی التخيير يعني ما من روايتين الا وفيه المرجحات وإن عجز الفقيه عن استكشاف المرجحات تصل النوبة الی التخيير وروايات التخيير سندا ودلالة تام خلافا لزعم السيد الخويي مع أنه مقتضى القاعدة. هذا رسم هيكلة البحث في الدخول في الروايات .

وسنعقد بحثا في روايات التخيير بشكل خاص بعد ما نستوفي روايات الترجيح.

البحث سيقع في الباب التاسع و خصوصيات الروايات المرجحة. التتبع صعب ومر مرار.