41/06/10
الموضوع:باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة، الفرق بين الاقربية للواقع والاقوائية في الكاشفية
كنا في رواية وصحيحة عمر بن حنظلة في هذه الجهة، جهة تعميم المرجحات وتقدم جملة من الشواهد عليه، من تلك الشواهد قضية التعليل بأن الرشد في خلافهم فهذا التعليل يفيد التعميم. كنا في هذه المقدمة أو نقطة في نفسها، هل المدار في التعدي علی أقربية المضمون للواقع أو أقوائية الكاشفية للخبر وما الفرق بين هاتين الضابطتين وإن كان الصحيح أننا نجمع في المرجحات بأي من الضابطتين لكن ما الفرق بينهما؟
الفرق بينهما أن الأقربية للواقع يعني مطابقة مضمون الخبر للأصول التشريعية وكما مر هذه المطابقة بمعنی ليست محل اختيار وقدرة المتكلم بل هي أمر تكويني وذاتي وأزلي وليست المطابقة وعدمها محل التصرف. في بحوث وعلوم كثيرة ذكر أن صدق الخبر له حيثيتان وله جانبان (أو أكثر مختلفة) خلط بين هذين الجانبين.
في علم البلاغة في أحد الأبواب الثمانية الحساسة في بحث المعاني بحث الخبر والانشاء، في باب الإخبار والإنشاء بحث الصدق والكذب وبحث حساس ودقيق، فهناك يعبرون الصدق الخبري ومرادهم المضمون، هذا الصدق للخبر وصدق المتن وصدق المضمون ليس بقدرة المتكلم والراوي وإنما هذا شيء تكويني ذاتي إما هذه الماهية متطابقة مع أصول التشريع في محكمات الكتاب والسنة أو لا، مثل مايقال إن هذا قانون دستوري، نطق به ناطق رسمي أو لم ينطق، نفذه رئيس الوزرا أو لا، علموا به أو جهلوا به، دستورية أي قانون لاترتبط بالنطق الرسمي، إنما النطق الرسمي إجراءات وتنفيذ لكن دسترة الدستورية مطابقة القانون لأصول الدستور هذا أمر ماهوي وتكويني ذاتي ربما يعبر عنه أزليا.
هذا البحث في الصدق والحجية هذا هو الذي تشدد بالشدة الأكيدة عليه الشيخ المفيد والسيد المرتضی وكذلك ابن ادريس وابن حمزة حتی ابن قبة. هو ينسب اليه أنه لايقول بالتعبد وكذا وكذا، المقصود منه نفس مقصود الشيخ المفيد، ابن قبة الرازي من علماء الامامية المتكلمين وتقريبا من علماء بداية الغيبة الكبری بدايته والغيبة الصغری أو ربما يقال أنه معاصر الكليني أدرك شيئا ما من الغيبة الكبری، أصل شبهة ابن قبة الرازي من فحول علماء الامامية هو أن الحجية في الخبر لايمكن أن تعتمد علی الصدق الفاعلي المخبري بل الحجية في الخبر تعتمد علی الصدق الخبري وهذه انما يعرفها الفقيه والراوي لايمكن أن يعرفها.
بعبارة أخری أنه محال عند ابن قبة والمفيد والسلار أن الرواة يحكّمون كميزان في حجية قول المعصوم، ولو كان زرارة رحمه الله أو محمد بن مسلم أو أبان بن تغلب، أين هو بحيث يجعل ميزانا لتلقي حجية المعصوم؟ لايمكن، إذًا من هو الوصي علی كلام المعصوم؟ هو نفسه محكمات الكتاب ومحكمات السنة ومحكمات بديهيات العقل تجعل ميزانا لمطابقة الرواية أو عدم المطابقة، أما أن يجعل غير الوحي هو الوصي وميزانا لكلام المعصوم فلايعقل وغير معقول، حجية الراوي وعدول الرواة ثم ماذا؟ كما يقول: حملوا علما لايحيطون به، رب حامل فقه الی من هو أفقه منه ورب حامل فقه وليس بفقيه، فالقرآن يقول حملوا التوراة و حملوا الكتاب لاأنهم يحيطون به. أصلا جعل حجية كلام المعصوم علی علم الراوي وضبط الراوي وعدالة الراوي غير معقول، هل الرواة ميزان لحجية كلام المعصوم؟ لايمكن، نعم، ان تعرضه علی الكتاب والسنة محكمات الكتاب والسنة، صحيح، طبقات الوحي وسيعة علی بعضها البعض.
شبهة ابن قبة هذه، يقول: ما معقول أن الانسان البشري يقول يجيئك الوحي عن طريقي والقناة الضيقة المسكين، فكما عندنا روايات كثيرة مستفيضة علی أخذ الروايات من الثقات والمحبين أيضا عندنا روايات مستفيضة وإن لم يتعرضها الاعلام دالة علی أنه «إذا جاءك المرجئ أو القدري عنا وينسب إلينا شيئا أعرضه علی الكتاب والسنة» كما يقول الشيخ الاراكي لايمكن أن العلوم المعصومين سلام الله عليهم يحيطون بها العدول الثقات من الامامية فقط أبدا، الشيخ محمد علی اراكي أصبح مرجعا عاما بعد السيد كلبايكاني يقول في كتاب الطهارة هذه العبارة حول الكفار والفرق والملل قال لانستبعد أن الصوفية والباطنية إذا رووا روايات عن اهل البيت إذا طابق الأصول الدستورية صحيح أن نتمسك بها، ربما المعصوم لايدري بها زرارة ومحمد بن مسلم لأن الامام يعطي لكل وعاء ما يناسبه وليس ممتنعا.
بعبارة أخری ليس الميزان وثاقة الراوي وعدالته والإمامي وغير الامامي، أي رواية ينسب الی المعصومين اعرضه علی الكتاب والسنة انظر مطابقة أو لا، لكن هذا المطلب صعب فهمه يعني مغفول عنه سبعة قرون في الحوزات إلا القليل صاحب الجواهر وكاشف اللثام والا الكثير صاروا في غفلة بسبب السيد احمد بن طاووس.
بعبارة أخری أن الحجية في الحقيقة ليست في متن الخبر بل الحجية نفس أصول الكتاب والسنة ومحمات الكتاب والسنة، أنت لما تقول مطابق تلتفت الی أن المحمكات كأصول دستورية هي فيها هذه السعة من الماهية والشمولية المجعولية فيها يعني دور هذا الخبر ينبه لك سواء كان صحيح السند أو ضعيف السند حتی متنه، ليست حجيته في متنه بل الحجية فيه أنك تتنبه الی أن أصول التشريع موجود في هذا المطلب مثل الأصل الوراثي ودي ان أي، الأصل هو الميزان وإنما هذا منبه ودوره منبه، شبيه قول الامام الباقر عليه السلام لزرارة يازرارة إن سألتني عن شيء وأجبتك فاسئلني أين هو من كتاب الله عزوجل» يعني في الحقيقة أصل التشريع ذلك.
حتی دور الائمة مبينين لكن مبينين وحيانيين والهيين لامثل الفقهاء العلماء. هذا المبحث هو الذي يطرحه الشيخ المفيد والسيد المرتضی بأعلی صوته وابن براج وابن زهرة وكل القدماء بشدة يقول هذا يلتفت اليه الفقهي والراوي ليس له علمية في فقه الفروع أو ففقه التفسير حق الراوي أن ينظر أن الرواة ثقات أو لا والمتن لايدري ماذا. أما الفقيه والمتكلم والمفسر عالم الروح لاينظر الی الراوي من هو، بل القيمة والثمن والميزان والمعيار لنفس المضمون.
مرات وكرات مرت بنا أن آية النفر «لولا نفر» يعني رووا «ليتفقهوا» يعني يصلون للامور بالفهم لا أن يصلوا بالأمور بالسماع فقط والرواية مرحلة ابتدائية واللب والمركز هو أن يتفهموا في الدين لافقه الفروع فقط بل فهم الفروع وفهم الاخلاق وفهم منظومة الدين كله. حتی النجاشي والغضائري تابعنا كتابه كله كلمة وكلمة وسطر سطر كلمة الصحة لايستعملانها في الصدور أصلا، القدماء كلهم هكذا يستعملون الصحة في المتن، المتن صحيح حتی لو كان الراوي كذابا، في راو كذاب يقول كتابه كله سديد وصحيح.
ماذا مقصودهم من الصحيح؟ يعني متنه مطابق لكل الأصول التشريعية، راوي طعن عليه بكذا نفس النجاشي والغضائري يقول لكن كتابه سديد صحيح أو سديد. الصحة فتشوها في كتاب النجاشي والغضائري وفهرس الشيخ الطوسي يصفونها وصفا للمتن هذا يعبر عنها أقرب للواقع ولا ربط له بالراوي، الصدور من الرواة رحمهم الله وعافاهم مجرد قرينة وضميمة.
أمس مر بنا الرواية في هشام بن حكم، أصلا هشام بن حكم ما سمع الرواية بل سمع الأصول التشريعية وبذهنه الوقاد شعّب الأصول وقال الامام عليه السلام: هذا التشعب نفس الوحي الذي نزل علی النبي إبراهيم عليه السلام في كتاب صحف إبراهيم، إذاً ليس عبطا إذا يقول النبي صلي الله عليه وآله: علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل لأن عندهم قدرة هكذا من بركات علم النبي واهل البيت عليهم السلام.
المقصود أيا ما كان هذا المطلب وهو أن المضمون نمط من الحجية وهو عند القدماء حتی المحقق الحلي باصرار مبناه هذا ويعتبر أن من يعول علی السند حشوي وقشري مسلكه مسلك الرواة والمحدثين ولس مسلك الفقهاء هذا يعبر عنه الأقرب للواقع.
إذا أبعد ميزان الفهم والاجتهاد عن حجية الاخبار وجعل ميزان الرواة فصرنا محدثين واخباريين بامتياز ويسمی هذا تدقيقا اصوليا وأبدا ليس تدقيقا أصوليا بل أخباري محض وغلب علی جملة من الأصوليين وغلب علی كثير من الأخباريين وإلا المحققين من الاخباريين أصوليون يعني يذهبون الی أصول التشريع. علی كل هذا يعبر عنه الأقرب للواقع.
أما الاقوی كاشفية مربوط بالصدور، يجعل الصدور كاشفا عن مطابقة المتن وهذا يعبر عنه الصدق الفاعلي أو الكذب الفاعلي أو يعبر عنه الصدق المخبري هذا لاربط له بالصدق الخبري قد يكون عادل ورع لكنه صدق مخبريا وما تعمد الكذب لكنه سهی ونسي واشتبه فكلامه كذب خبري وليس كذبا مخبريا، هذا متصور. ارتكب الكذب الخبري هذا الكذب له أنواع لذلك في الرجال الجزء الثالث ذكرنا عشرة أنواع في بيانات أهل البيت عليهم السلام المخبري والخبري نوعان منه وقد يكون كاذبا وجعل الخبر فكذب مخبريا فاعليا وما سمع وكذب أن يقول سمعه من الامام لكنه ما يقوله مطابق للحقيقة فصدق خبري ولو من باب الصدفة والاتفاق لأنه مطابقة الماهية أو عدم مطابقتها فليست بيد الراوي .ولا بيد الانسان، هذا تطابق ذاتي وتكويني وأزلي إما مطابق أو لا.
لذلك في الروايات في القضاء، الرجال في القضاء أربعة، ثلاثة في النار وواحد في الجنة قضی بالحق وهو لايعلم، مما يدل علی أن الحجية بمعنی الصدق الذي يفهمه الفقيه في الفروع و العقائد والتفسير والمجتهد في أي علم من العلوم الدينية.
المقصود هنا المدار في المرجحات علی أي مبنيين؟ الصحيح علی كلا المبنيين يعني بعض القرائن والمرجحات التي فيها أقربية الواقع.
لماذا قالوا أقرب للواقع وما قالوا هو مطابق للواقع؟ عبروا الأقرب لأن تطابق المتن للأصول عملية صعبة اكتشافه فالفقهاء يترجلون. ذكرت مرارا تراجعون في بحث الشروط في الخيارات أحد مقررات الشروط لكي يكون الشرط نافذا أن لايكون مخالفا للكتاب والسنة، الشرط في أي عقد من العقود. هناك أسود الفقه كلهم يقولون نحن عاجزين لكن ما لايدرك كله لايترك كله. الشيخ جعفر كاشف الغطاء يعترف والشهيد الأول يعترف والنراقي والشيخ والميرزا القمي والميرزا حبيب الله رشتي يقولون ما عندنا ضابطة كاملة بل عندنا ضويبطة يسيرة. لذا تطابق المتن مع الأصول لايقدر أن يصل اليه الفقيه كالمعصوم هذا دور المعصوم، المعصوم هو الذي يستطيع ان يعرف التطابق بشكل لايقبل الغلط.
خذ بما قاله ورواه أفقههما، ما الدور للافقهية غير الاورع وغير الأحفظ؟ دور الأفقه من حيث جهة الاقربية، ذكرت الأفقهية والاورعية للاقربية فإذاً الاقربية للواقع لها دور والاقوائية للكاشفية لها دور أيضا وذكرت في صدر صحيحة عمر بن حنظلة وروايات أخری. وسيأتي بعد روايات أخری دالة علی أن التعميم في المرجحات هو صحيح بكل من الضابطتين.
ذيل الرواية أشرنا اليه أن المذكور فيه طبقات التقية قال إذا كان الخبران كلاهما يوافقان العامة أو كلاهما يخالفان العامة ماذا نصنع؟ قسم المطابقة للعامة الی روايات العامة وفتاوی المفتين والطبقة الاولی هي الأخطر قضاتهم وحكامهم لأن الخوف من الحكام والقضاة لا من الرواة بعده تصل النوبة الی المفتين وبعده تصل النوبة والمعيار الی الرواة يعني تراث العامة الروايي أبعد عن التحريف من تراث العامة السياسي من سير مسيرتهم السياسي. أكثر انحرافا عند العامة مسيرتهم السياسية بعده أوسط في الانحراف مسيرتهم الفتوائية سواء فتاوی الكلام وفتاوی التفسير و فتاوی الفقه، آراء علماءهم وسط في التحريف وأشد الانحراف الحكام. هذه النكتة مهمة والابعد من الانحراف رواياتهم وواقعا أيضا هكذا. أنت إذا تراجع شروح الحديث عند العامة تنظر أكثر المطالب في شروح الحديث مطابقة لاهل البيت وأقرب لأهل البيت بينما فتاوی علماءهم أبعد عن أهل البيت والقرآن، أما حكامهم السياسيين نجاسة فوق نجاسة.
هذه الرواية معجزة تقول أول شيء الحكام والقضاة ثم العلماء ثم رواياتهم يعني رواياتهم فيها الانحراف لكن بالقياس الی فتاوی علماءهم أقل وبالقياس الی حكامهم أقل في الأقل. هذه معجزة في ذيل رواية عمر بن حنظلة. مثلا الاعتقاد بأن في هذه الأمة محدثين وحيانيين موجودة في كتب الحديث عندهم بينما المتكلمين عندهم لم يأتوا عن المحدثين منهم. فضلا عن حكامهم السياسيين نجاسة فوق نجاسة.