41/06/08
الموضوع:باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة، التساؤلات حول الصحيحة والقول المختار.
كان الكلام في تساؤل، لماذا أخذت الشهرة مقدمة علی الترجيح بصفات الراوي؟ فمر بنا أن وجه ذلك وإن نلتزم بالتراتب والرتبة بين المرجحات إلا أن هنا الترتب ليس بمعنی إلغاء المؤخر وتقديم المقدم بقول مطلق وإنما هما يجتمعان، فمن ثم يلاحظ جهات وزوايا أخری وهي قوة المرجحات كما مر.
في هذا الصدد لابأس أن نذكر أنه كان جواب للسيد الخويي رحمه الله من أن هنا الشهرة ليست من باب الترجيح بل من باب تمييز الحجة عن اللاحجة وإن كان الترجيح عند متأخري هذا العصر محمولا يعول الی تمييز الحجة عن اللاحجة لكن موضوعا باب التعارض يختلف عن باب تمييز الحجة عند متأخري هذا العصر.
مر بنا انه لو سلمنا أنه من باب تمييز الحجة في الشهرة إلا أن السيد الخويي عنده المرجحات غير الصدورية التي هي في المضمون أو غير المضمون التي ترجع الی الدلالة يمكن إجراءها بين القطعيين يعني الخبرين المتنافيين القطعيين بترجيح المضمون. هو صرح بأنه لامجال باسقاط أحدهما صدورا ومر بنا أن هذا الاعتراف من السيد الخويي رحمه الله ومدرسة الناييني مؤشر الی أن حقيقة الترجيح ليس كما فسرها الميرزا الناييني ومتأخروا العصر من أنها إسقاط المرجوح بل المرجوحية بمعنی أضعف دلالة وأضعف محورية فيعطف المرجوح علی الراجح في الدلالة لأن الترجيح ينتاظم مع التأويل في الدلالة من دون اسقاط لذلك.
في التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه ( هذا مثال ثاني غير القطعيين) ولو كان ظني الصدور يلتزم الميرزا الناييني ومن تأخر عنه بأن الترجيح ليس بمعنی الاسقاط لأحد العمومين ولو في منطقة التلاقي بل هو بمعنی التأويل، فهلا كان هذا التفسير للترجيح ليس في خصوص العموم والخصوص من وجه والقطعيين بل المفروض يكون في جميع الموارد كما ذهب الی ذلك القدماء والمشهور الی صاحب الجواهر .
نكتة أخری ثمينة: أن ما اشتهر من مخالفة الكتاب والسنة أو موافقة الكتاب والسنة نوعان وقسمان ونمطان. قسم يكون الخبر مباينا للكتاب والسنة القطعية أو من وجه (حكمه حكم التباين) القسم الثاني يكون مخالفته بنحو العموم والخصوص المطلق، فإذاً عندنا نمطان من المخالفة من حيث النسب الأربع. المتاخروا الأعصار أو الكثير يذهبون الی أن النمط الأول ليس من المرجحات بل هو من الشرائط الأولية لأصل حجية الخبر ومن شرائطها أن لايكون مخالفا للكتاب أو السنة القطعية بنحو التباين أو من وجه.
السيد الخويي رحمه الله مرارا يذكر أن خمس روايات أو ست روايات ولو ليست موثقة أو صحيحة تشكل في مسئلة واحدة سنة قطعية، لايعبر التواتر لكن يعبر السنة القطعية من خمس أو ست أو فوق تشكل السنة القطعية والقطع درجات. فالسنة القطعية أعم من التواتر عند السيد الخويي وكلامه صحيح لان الاستفاضة أيضا تفيد القطع. فالمقصود أن مخالفة الكتاب والسنة بنحو التباين أو من وجه المعروف عند متأخري الأعصار من أصل شرائط الحجية أما النمط الثاني تلك من المرجحات.
هذا المعروف فيه تأمل، نعم ليس تاملا في أن هناك فرق بين المخالفة بنحو المأخوذ شرطا في أصل الحجية، والمخالفة بنحو المأخوذ في باب الترجيح، هذا صحيح كبرويا لا كلام فيه إنما الكلام في الضوابط الصغروية. لذلك مر بنا نقل كلام الأعلام أن مخالفة العامة ايضا نمطان تارة نمط من الموافقة للعامة مخل لأصل حجية الخبر بغض النظر عن التعارض وتارة موافقة العامة ليس مخلا بشرائط الحجية لكن عند التعارض يقدم الخبر المخالف فالموافقة للعامة نمطان ومر بنا أن عدة من الاعلام قد يغفلون عن هذا البحث صغرويا. وبيّنّا الضابطة الصغروية بينهما نقلا عن الاعلام. المخالفة للكتاب والسنة القطعية أيضا هكذا نمطان وقسمان. هذا صحيح لكن ضابطته الصغروية ماذا؟
الضابطة التي نقلنا عن الأعلام تحتاج الی ترميم، أن المخالفة للكتاب والسنة حتی بنحو التباين أو من وجه ليس من الضروري ان تسقط أصل حجية الخبر، لأنه تارة دلالة الخبر المخالف لاتتحمل التأويل فيسقط صدورا أو جهة عن الحجية وتارة دلالة الخبر المخالف تتحمل التأويل وان كان ظهورا قويا أو كان صريحا (الصريح ليس كالنص) إذا أمكن تأويله فالمخالفة بنحو التباين أو من وجه لاتسقطه بمفرده عن الحجية، غاية الامر توجب تأويله وهذا هو الذي يصنعه المشهور كثيرا.
المخالفة انما توجب سقوط الخبر عن الحجية إذا كان غير قابلة للتأويل أما إذا كان قابلا للتأويل لايسقطه عن الحجية فيكون التباين أو المخالفة من وجه أيضا من المرجحات. هذه إضافة جوهرية مهمة ضابطية هيكلية تضاف علی ما اشتهر عند متأخري الاعصار. وعندنا نصوص بان يقول الراوي كذا وكذا ويقول الإمام عليه السلام: يقول لك أن الليل نهار والنهار ليل؟ فيقول الراوي: لا ليس بهذه الدرجة. قال ما هو مضمونه: هذا المقدار من المخالفة يمكن تأويله. قد يكون كناية أو تعريضا فلا يمكن تكذيبه، هذا مما يدل علی ان باب التأويل مفتوح في موارد التباين. موارد عديدة من هذا القبيل في الروايات. فإذاً مجرد التبيان أو المخالفة من وجه ليس مخلا بأصل الشرائط الأولية لحجية الخبر إلا إذا كان غير قابلا للتأويل مثلا يصادم الكتاب أو السنة بنحو النصوصية.
فاذا ضابطة أن تكون من النمط الأول ليست المخالفة بنحو التباين أو من وجه بل هي أن تكون غير قابلا للتأويل فحينئذ يسقط. هذه نكتة لطيفة لابد أن نلتفت اليها.
جوهرة ثانية مأخوذة من المطالب الصناعية: معروف عند متأخري الاعصار أنه إذا يعارض الخبر القطعي الخبر الظني فالخبر الظني يسقط عن الحجية فبلاشك هذا يوجب الخلل أو إسقاط الخبر الظني صدورا أو أنه يرجح القطعي علی الظني. هذا الذي عرف بين المتاخري الاعصار قابل للتامل لأنه إنما يوجب إسقاط الظني صدورا إذا كان الظني غير قابل للتأويل أما إذا كان قابلا للتاويل كيف نسقطه ومقابل الكتاب ما أسقط كما مر بنا فكيف مقابل الخبر المتواتر. بل الدلالة تحور وتكيف. هذه نكتة.
شيء آخر: ربما هذا الظني يتصرف في القطعي لذلك ذكروا أن المتسالم عند الفريقين علماء الامامية وغيرهم أن الخبر الواحد الأخص مطلقا من عموم الكتاب يقدم علی عموم الكتاب مع أن عموم الكتاب قطعي الصدور. فليس من الضروري أن يكون الظني هو المرجوح والمتصرف فيه. قد يكون الظني قرينة أقوی دلالة من دلالة الخبر القطعي حيث يصير مفسرا وحاكما وما أكثر ما عندنا مثلا عندنا روايات متواترة ويأتي خبر ظني واحد ينبه المجتهد أو الفقيه بنكتة في الدلالة بل حتی ربما الخبر الضعيف. هذه فائدة أخری.
حتي سابقا ذكرنا بعض الفوائد ذيل كلام السيد الخويي أربع أو سبع فوائد مؤاخذة علی متأخري الاعصار سببها أنهم حصروا بنية حجية الخبر وركنيته في الصدور بخلاف المتقدمين وعندهم مدار الحجية هو المضمون، هذا يسبب فوارق صناعية في موارد عجيبة وعديدة. الصدور عند المتقدمين مثل قرينة من القرائن في اللفظ لكن بالمتن هو المضمون، كما ذكر ذلك الشيخ الأنصاري في حجية خبر الواحد عن المفيد الی الصدوق وابن ادريس والمحقق الحلي، بينما المتأخرون تبعوا مدرسة السيد احمد بن طاوس أن الصدور هو الكل في الكل وهذا يسبب غفلات كثيرة.
إذًا تحصل هذه الشهرة المذكورة ليست من التمييز بين الحجة واللاحجة بل هي من المرجحات ولو افترضنا أنها من تمييز الحجة مع ذلك يمكن استفادة أمور كثيرة منها.
بعد ذلك نواصل ما في صحيحة عمر بن حنظلة أن فيها ذيلا والتعبير فيها هكذا:
قلت: فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة يأخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة. [1]
هنا السيد الخويي قبل أنه يمكن الترجيح بين القطعيي الصدور لأن المشهورين عنده بمعنی قطعيي الصدور ولاينصب الترجيح الی إسقاط الترجيح صدورا.
قلت جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أن أحدهما موافق العامة والأخر موافق لهم، بأيهما يأخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيها الرشاد.[2]
هذا التعبير ففيها الرشاد استفاد منه الكثيرون منهم الشيخ الانصاري التعميم في المرجحات لأنه واضح يعني أن الرشاد نسبي وكاشفيته أكثر فهذا التعليل يعمم المرجحات. هنا الكلام في جعل الكتاب والسنة مضمونا كمرجحين مقدمين علی مخالفة العامة وموافقة العامة لأن موافقة العامة ومخالفة العامة يرجع إلی مرجحات جهة الصدور وجهة الصدور إثباتا آخر المرجحات.
قلت جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا قال ينظر الی ما اليه أميل حكامهم وقضاتهم. [3]
هذا يستفيد منه الأعلام أيضا التعميم في المرجحات لأن المخالفة والموافقة للعامة درجات مما يدل علی ان فيه تعميما في المرجحات حتی الدرجات البسيطة يأخذ بها.
قال فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان ذلك فارجه حتی تلقی إمامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات. [4]
هنا فارجه يعني التوقف فلم يبين التخيير.
هذا تمام الكلام في صحيحة عمر بن حنظلة وإن شاءالله نتابع بقية الروايات.