الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة، التساؤل حول الرواية وجه تقديم الترجيح بالصفات علی الترجيح بالشهرة، القول المختار

كان الكلام في أحد التساؤلات علی صحيحة عمر بن حنظلة من أنها قدم فيها الترجيح بالصفات علی الشهرة مع أن المتبع عند المشهور تقديم الشهرة علی الصفات ومر بنا جملة من الأجوبة علی هذا التساؤل وكنا في الجواب الأخير ومر بنا أن الصحيح كما سياتي الترتيب بين المرجحات إثباتا عكس ما هي عليه ثبوتا.

ثبوتا الانسان عنده إرادة جدية بلحاظ الكلام وتحرّك الإرادة الجدية الإرادةَ التفهيمية بأن يفهم الآخرين. (فيه إرادات أخری مبادئ للحكم لكن ليس الكلام فيها، الكلام ثبوتا بلحاظ مراحل الكلام وتكلم المتكلم وسماع الكلام، إصدار الكلام وسماع الكلام في الكلام الانشائي والكلام التشريعي، أما مبادئ الكلام ومبادئ التشريع -وهو ما يعرّف بمبادئ الحكم- أمر آخر وفيه مراحل أخری ليس الكلام فيها) الكلام منصب في نفس الكلام التشريعي إصدارا وسماعا.

الكلام التشريعي الذي يصدر من أولياء الله هو أولا إرادة جدية بعد ذلك يصير الإرادة أن يفهم الآخرين ثم الإرادة الاستعمالية يعني يستعمله ثم الإرادة وإصدار الكلام فثبوتا الجد متقدم علی التفهيم والتفهيم متقدم علی الاستعمال والاستعمال متقدم علی الصدور الصوتي للكلام، أما إثباتا بالنسبة للسامعين أولا مرحلة الصدور ثم يستكشفون منه الإرادة الاستعمالية ثم التفهيمية ثم الإرادة الجدية والمراد الجدي، فإثباتا عكس ذلك. غالبا يكون الاثبات عكس الثبوت حسب المشي الطبعي في ذلك.

إذاً تركيب المرجحات لامحالة أولا يكون في الصدور إثباتا ثم في الاستعمالي والتفهيمي وهما مرجحات المضمون ثم في الإرادة الجدية وهي مرجحة في جهة الصدور. هذه النقطة تفيد في بحوث التعارض أو غير التعارض كثيرا.

نقطة أخری: عندما يقال هذ الترتيب يراعی، هذا صحيح لكن جانب الكم والكيف أيضا ملحوظ في المرجحات. صحيح ومعروف في البحوث الصناعية أن المتقدم رتبتا ولو كان الأضعف مقدم علی المؤخر رتبتا ولو كان أقوی، هذا معروف وصحيح.

مثلا في الضوابط الصناعية إذا يجري الاصل العملي يجري في الموضوع فمقدم علی الدليل الاجتهادي الذي يجري في المحمول، لو كان الدليل الاجتهادي مجراه المحمول فقط، فالأصل العملي الجاري في الموضوع مقدم علی الدليل الاجتهادي مع أن الأصل العملي رتبتا مؤخر علی الدليل الاجتهادي.

كيف يقدم؟ بسبب أن مورد جريان الأصل العملي هو الموضوع والموضوع مقدم علی المحمول رتبتا. هذه ضابطة صناعية متبعة ومطردة وصحيح، لكن في مقام باب المرجحات والترجيحات مر بنا أن الترجيح عند القدماء والمشهور عدا متأخري هذا العصر أنه لايعني سقوط المرجوح عن الحجية بل الترجيح يعني قوة الراجح في الدلالة في تكييف الدلالة علی المرجوح. نعم، لو كان الترجيح إسقاطا للمرجوح عن الحجية وإبقاء الراجح لتمّت هذه الصناعية أن يقدم المقدم رتبتا بقول مطلق علی المؤخر رتبتا بقول مطلق ولو كان لمؤخر رتبتا أقوی. مثل ما مر بنا الان من آية أصولية وناموس في علم الأصول وضابطة صناعية أن الأصل العملي إذا جری في الموضوع فمقدم علی الدليل الاجتهادي الذي يجري في المحمول، لو لم يكن الدليل الاجتهادي يجري في كل من الموضوع والمحمول. فيقدم الأصل العملي الذي هو دليل فقاهتي علی الدليل الاجتهادي لأن مورد جريان الأصل العملي مقدم.

هذا يراعی في الضوابط الصناعية حيث أن الدليل الذي يجري في الموضوع ينسف مورد الدليل الاجتهادي نسفا، مثلا في موارد الاستصحاب العدم الازلي الذي يجري في الموضوع. هذه الضابطة يسمونها الورود فإذا كان الوارد يلغي المورود فيقدم عليه ولو كان أضعف. فالمقدم رتبتا من حيث المورد في الموضوع مقدم علی الاقوی لأن مورده مقدم والوارد يلغي المورود.

هنا هذه النكتة نفيسة وتستثمر في باب التعارض وفي باب الترجيح علی المشهور لا علی مبنی المتأخري الاعصار. علی مبنی المشهور أن الترجيح ليس إلغاء للمرجوح وإبقاء الراجح بل الترجيح عبارة عن تغليب دلالة الراجح علی دلالة المرجوح مع بقاء المرجوح، فليس كالورود الذي يلغي بالمرة، مثل باب التزاحم في عالم الإمتثال أن الراجح لايلغي وجود المرجوح بل هو موجود لكن مجمّد أو مكيّف مع الراجح فإذا كان لايلغي فإذا الإطار المجموعي ملحوظ.

إذا كان الإطار المجموعي موجودا قد يكون يلاحظ أن المؤخر رتبتا إذا كان أقوی كيفا وكمّا قد يرجح علی المقدم رتبتا إذا كان أضعف، فليست الرتبة كل شيء هنا. هنا ليس ورودا بأن الوارد يلغي المورود بل هنا المقدم رتبتا يجتمع مع المؤخر رتبتا ولو زمانا ولمّا يجمع معا زمانا فالمحصل المجموعي أيضا ملحوظة فإذا كان المؤخر أقوی كيفا وكمّا وإن كان هو المؤخر رتبتا يراعی.

إذا هذه النكتة في نفسها صناعية نفيسة أن التقدم والتأخر الرتبي يراعی بقول مطلق إذا كان ورودا، يعني يلغي الوارد المورود، أما إذا لم يكن مقدما رتبتا لايلغي المؤخرَ رتبتا بل يجتمع معا فهنا المجموع يلاحظ والرتبة ليست كل شيء. طبعا هذه النكتة الصناعية العقلية تفيد في علم الأصول وعلم الكلام ونستفيد ونستثمرها في المقام وهي أن التقدم والتأخر الرتبي قسمان قسم هو الورود ويلغي الوارد المورود وقسم ليس ورودا بل ترتب موجود من دون الغاء.

من باب المثال العلة والمعلول في الفلسفة والكلام، العلة مقدمة علی المعلول لكن من الضروري اجتماعهما في الزمان إذا كانا زمانيين، فالاجتماع في الزمان شيء والتقدم والتأخر في الرتبة شيء آخر مثل ما يقال: أدرت المفتاح وانفتح الباب، انفتاح الباب أو القفل مع استدارة المفتاح علة ومعلول لكنهما مجتمعان في الزمان فليس كل ما هو متقدم أو متأخر رتبتا من قبيل ورود يلغي المورود.

في القسم الثاني حالة الاجتماع المجموعي وفي هذه الحالة يلاحظ درجة القوة كما وكيفا ولو كان مؤخرا، إذا اتضح هذه النكتة الصناعية المستثمرة في أبحاث كثيرة فيتبين سر أن الروايات العلاجية في الترتيب متضاربة مع اعتراف الاعلام به، بعضها يقدم الترجيح بالصدور بعضها يقدم الترجيح بمضمون. وليس تضاربا وصحيح أن بينها رتبا لكن الرتب لاتلغي المرجحات من رأس بل يبقی دور هناك لجانب الكم والكيف.

من باب المثال المرجح المضموني بدرجة سبعين بالمأة والمرجح الصدوري بدرجة عشرين بالمأة، إذاً المرجح المضموني وإن كان مؤخرا رتبتا لكن سبعين بالمأة وأقوی أو مثلا جهة الصدور تسعين بالمأة والصدور عشرين بالمأة صحيح أن الصدور مقدم علی جهة الصدور لكن هذه المرجح أقوی ولو مؤخر إثباتا.

فتحصل خلاصة هذه النقطة أن المرجحات صح أن بينها ترتيب لكنا لم نلتزم كما لم يلتزم المشهور انفسهم الترتيب في المرجحات بل راعوا شيئا آخر في المرجحات، راعوا جهات الكم والكيف. النكتة هي هذه.

والكلام لم ينته وفيه نقاط أخری مفيدة.