الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة، الجواب عن التساؤلات حول الصحيحة. الاشكال الثالث والرابع. تعميم التعارض الی وجوه أخری غير الروايات الظنية.

 

كان الكلام: في التساؤل حول صحيحة عمر بن حنظلة من تعدد الحاكم ومرت وجوه خمسة وكنا في توضيح الوجه الرابع الذي ذكره السيد اليزدي من كونه فصلا بالفتوی، هذا البحث طويل الذيل في القضاء ونكتفي بما مر في البحث السابق.

فالوجه الرابع مخالف الوجه الخامس وهو عبارة عن تعدد الفتوی من دون الفصل القضائي، لأن الفصل القضائي حكم جزيي بينما الوجه الخامس عبارة عن تعدد الفتوی وفي الاستفتاء يمكن تعدد الفتوی وترجيح واحد منها فهذا الاشكال أيضا ينحل.

الاشكال الثالث: في دلالة الرواية هو أنه كيف يرجع الامام الترجيح الی المتنازعين؟ هذا الاشكال طبعا قابل للجواب بعدة أجوبة بنائا علی أنهما قاضيان أو مفتيان. أما بنائا علی أنهما مفتيان فتصوير الارجاع اليهما باعتبار أنهما مقلدان فبلاشك لابد أنهما يفرضان شرائط أو ترجيح الاوصاف بين هذا الفقيه وذلك الفقيه ولو باستعانة اهل الخبرة. أما بنائا علی أنهما قاضيان الكلام الكلام تصويره باستعانة أهل الخبرة أو ربما يكون المتنازعان مجتهدين. فهذا ليس باشكال كثير.

الاشكال الرابع: علی دلالة الرواية أن الرواية قدم الترجيح بصفات الراوي علی الشهرة، لأن الامام عليه السلام: الحكم ما حكم بها أعدلهما وأفقههما و أصدقهما وأورعهما ولايلتفت الی ما يحكم به الاخر. قال ابن حنظلة: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر فقال ينظر الی ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع علیه من اصحابك فيأخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه.

فهنا ذكرت الشهرة بعد صفات الراويوإنما الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

هذه كله بحث الشهرة بعد صفات الراوي.

قلت: فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة

المهم، هذا ترجيح مضموني أو صفتي وسياتي.

فإذا فيه اشكال علی خلاف المشهور، لأنهم يقدمون الشهرة في الترجيح علی صفات الراوي بينما هذه الرواية الصحيحة قدم صفات الراوي علی الشهرة.

أجوبة عديدة ذكرها الأعلام في هذا المطلب، منها هذا الجواب بأن الشهرة هنا ليس المراد بها الشهرة بل المراد المجمع عليه والمتفق عليه يعني القطعي الصدور، إذا هنا التمييز بالشهرة والتعيين بالشهرة والقطعي الصدور ليس من باب الترجيح بل من باب تمييز الحجة عن اللاحجة. السيد الخويي أصر علی هذا التفسير وجملة من الاعلام، فأخرت الشهرة من باب أنها مقام آخر وليس من باب الترجيح كي يقال كيف يقدم صفات الراوي علی الشهرة خلاف مبنی المشهور؟ وفيه أجوبة أخری سنأتي اليه.

تقييم هذا الجواب: علی هذا التفسير من الشهرة فبقية فقرات الرواية كيف يفسرها السيد الخويي؟ قال الراوي فإن كان كلاهما مشهورين؟ تعبير الراوي هكذا وبعده قال الامام عليه السلام ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به.

هل يمكن الترجيح في قطعيي الصدور؟ السيد الخويي يقول نعم، يمكن في قطعيين في الصدور ويعمل بالترجيح فيهما، هذا يعني أن السيد الخويي رحمه الله لايخصص ولايقتصر في المرجحات وعلاج التعارض علی الخبرين الظنيين وهذه النكتة جدا نفيسة بغض النظر عن تفسير السيد الخويي. ان علاج التعارض بالتخيير والترجيح لايقتصر علی الخبرين الظنيين بل يشمل المتواترين أو القطعيين. والسر الصناعي في ذلك ماذا؟ السر في ذلك أن الخبر القطعي الصدور ليست قطعية الحجية من كل جهة وزاوية، صدورا قطعي الصدور لكن دلالة وجهة ظنية، أمور رويت عن أميرالمؤمنين ومتواترة لكنها تقية ويمكن، كونها قطعي الصدور لايعني أنه قطعي الحجية من كل زاوية. لازم أن نری جهة الصدور والدلالة. أمور تروی عن فعل المعصوم أو قوله أو تقريره بنحو قطعي لكن الداعي لصدور هذ القول أو الفعل أو التقرير أنه تقية. فإذاً بقية الزوايا ليست بضرورية أن تكون قطعية بل أمارات ظنية فحينئذ من باب الترجيح أو التخيير يقدم أحدهما. أما التفسير من السيد الخويي تام أو لا، فيه تأمل، لانه ليس المراد به قطعي الصدور أو تمييز الحجة بللاحجة. قبل أن ندخل في هذا النقاش نذكر نكتة نفيسة أخری وإن كان مكانها سياتي في مابعد لكن بمناسبة تعميم الترجيح نذكرها. المعروف عند الأعلام أن مخالفة الكتاب والسنة من المرجحات. المخالفة إما بنحو العموم والخصوص المطلق أو بنحو العموم والخصوص من وجه أو المخالفة بنحو المباينة. ثلاثة أنواع من المخالفة للخبر الظني مع قطعي الكتاب وقطعي السنة النبوية. أيها من باب المرجحات؟ العموم والخصوص المطلق للكتاب أو للسنة القطعية. هذه مرجح يعني لولا التعارض لخصص هذا الخبر الظني المخصص للكتاب، أو يخصص العموم للسنة القطعية لكن بسبب التعارض هذا المخالف بالعموم والخصوص يكون مرجوحا والموافق لعموم الكتاب والسنة القطعية يصير راجحا. فالضابطة المتعارفة عند الاعلام في الطبقات المختلفة أن المخالفة إن كانت بنحو العموم والخصوص المطلق فهي من المرجحات. أما إن كانت المخالفة بنحو التباين أو العموم من وجه فتكون من أصل شرائط الحجية بغض النظر عن التعارض. فثلاث صور، صورة منها مرجح وصورتين من شرائط الحجية في تمييز الحجة عن اللاحجة. لان الذي يباين الكتاب أو يباين السنة ليس حجة في نفسه. وكذلك العموم والخصوص من وجه لأنه يباين الكتاب في قطعة المخالفة. فصورتين من باب الحجة واللاحجة وصورة واحدة من باب المرجحات. هنا يمكن أن يقول حتی المباين أو العموم والخصوص من وجه من باب الترجيح، كيف؟ عندنا روايات، بعض الروايات يقول زخرف ولم نقله وبعض الروايات يقول: إذا قلنا ان النهار ليل واليل نهار له تأويل. أيضا يمكن تصوير صورة المباين أو العموم والخصوص من وجه من باب الترجيح، كيف يمكن؟ لأن هذا الخبر الظني إذا كانت جهة الصدور أو الدلالة فيه ظنية فقابلة للتأويل، من يقول بأن هذا معارض بتعارض مستقر؟ ربما فيه تأويل، نفس التعارض قرينة علی التأويل سواء التعارض بنحو التباين أو العموم والخصوص من وجه للكتاب أو السنة القطعية. لذا هذه النكتة صناعية. إذاً لا تكون من باب الحجية وفقد شرائط الحجية وكثير من المشهور لم يبنوا علی أن مطلق التباين مخل في حجية الخبر أو العموم والخصوص من وجه. كثير بنوا علی أن هذا ليس مخلا بأصل الحجية بل يمكن أن يكون من باب التأويل. إذا كانت دلالة الخبر الظنية أو جهة صدوره غير قابلة للتاويل فواضح هذا يوجب الخلل في الحجية واضربه عرض الجدار أما ما دام مكان لتأويل الخبر فحينئذ هذا اول الكلام أنه مباين حقيقي كي تختل فيه شرائط الحجية بغض النظر عن التعارض. إذاً الخلل بسبب التعارض التباين أو من وجه مع الكتاب متي يخل باصل شرائط الحجية؟ اذا لم يكن الخبر قابلا للتاويل دلالة وجهة، أما إذا كان الخبر قابلا لتأويل يصير من باب المرجحات. هذه نكتة صناعية نفيسة فصارت توسعا في دائرة التعارض. هذا المبحث أهم من خصوص هذه الصحيحة الشريفة. فهنا نكتتان صناعيتان، الأول أن قطعيي الصدور أيضا يمكن لحاظهما من باب العلاج للتعارض وكلام السيد الخويي فيها صحيح والنقطة الثانية أن الخبر حتی لو يعارض الكتاب أو السنة القطعية بنحو التباين أو من وجه يمكن لحاظه من باب التعارض لا من باب الخلل في اصل الحجية وتمييز الحجة عن اللاحجة بشرط أن يكون هذا المباين مطلقا أو جزئيا قابلا للتاويل. نكتة أخری نفيسة وتعميم ثالث أنه بهذا البيان يمكن تعميم التعارض حتی في الآيات، آية مع آية أخری، فيها ليست جهة الصدور لكن فيها الدلالة وقابل للتصوير الترجيح.

التعميم الرابع: يعمم التعارض أيضا الی كل الأمارات الظنية ولو لم تكن أخبارا. يعني نكنة العلاج وهو الترجيح قابل للتصوير في الأمارات الأخرى لافقط في الاخبار

فاليوم أربع تعميمات للتعارض مر بنا وهي صناعية نفيسة جدا. ويبقی الكلام في أن تفسير السيد الخويي في المقام ليس بتام بقرائن سنذكرها ونذكر أجوبة أخری للاشكال الرابع علی دلالة الصحيحة.