الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة، كيفية نصب القاضيين في خصومة واحدة.

 

كنا في التساؤل الثاني حول صحيحة عمر بن حنظلة أنه كيف يعيّن قاضيان؟ هل في السلطة القضائية يمكن تعيين القاضيين؟ لأنه في الأدلة والروايات الصحيحة المعتبرة بنی الأعلام علی أن العموم استغراقي وليس بدليا أو مجموعيا، يعني شامل لجميع الفقهاء الواجدين للشرائط أما البدلي بمعنی أنه للخصومة الجزئية يمكن أن تراجع الی أي واحد منهم.

فلاحظ هنا في البين نفس العموم له مفادان، مفاد استغراقي بمعنی أن جميع الفقهاء الواجدين للشرائط لهم صلاحية الفتوا أو صلاحية القضاء أو صلاحية الحكم السياسي لكن البدلي بمعنی أن الخصومة الجزئية يمكن أن تفصل بهذا الشخص أو ذلك الشخص أو غيره.

فصل الخصومة من ماهيات ذاتية للقضاء ولايمكن فيه تشابك والتخاصم. المقصود فعموم واحد استغراقي من جهة الفقيه ومن جهة قضية النزاع وفصل النزاع بدلي. كما في الفتوا في موارد التوافق أو موارد عدم العلم بالخلاف المكلف مخير في التقليد من أيهم والتخيير ليس استمراريا بل ابتدائي في موارد حجية الفتوا والتقليد. فهو استغراقي من جهة أهلية القاضي استغراقي لكن من جهة فعلية التقليد وفعلية القضاء بدلي. بعبارة أخری: التقليد أو فصل الخصومة كفعل يصير بدليا، لكن من جهة فعل الفقه قبل التقليد وقبل فصل الخصومة استغراقي، فالعموم نفسه له عدة مفادات والباحث يجب أن يركز مجهريا في قضية واحدة فيها عدة جعول جعل استغراقي وجعل بدلي. هذا صحيح وتسالم علماء الامامية عليه.

أمس ذكرنا أنه لايبعد في سيرة العلماء والموالين لأهل البيت في الأمور العصيبة كما هو سيرة العقلاء في عصيبة قضائي أو فتوائي أو سياسي أن المعول يكون علی المجموع أو علی الأغلب. مثلا محكمة اللاهة هي كسيرة عقلائية وارتكاز عقلائي تفصل الأمور العصيبة وفي هذه الأمور العصيبة تنصب عدة قضاة. هذا داخل الدول البشرية سواء العالم الأول أو العالم الثاني ولايبعد ان يقال في الأمور العصيبة فصل الخصومة بلحاظ المجموع أو بلحاظ الأغلب. هنا في المقام كيف عين قاضيان؟ أصلا في الأمور اليسيرة وإن لم يكن ملزمة، في الأمور العادية أو الأمور المتوسطة سواء قضائيا أو فتوائيا أو سياسيا هل يجور تعيين الاثنين أو الثلاث؟

منشأ الترديد في هذا المطلب ماهو؟ هيئة نظام الحكم الذي تعينه الائمة عليهم السلام يمكن أن تكون مجلسا مجموعيا قضائيا أو مجلسا مجموعيا رئاسيا من الفقهاء. لأنه إذا كان العموم استغراقيا كيف يمكن للمجموع؟ طبعا لانتغول في هذا البحث لان البحث قضائي وفي فقه السياسة لكن نشير إشارة نافعة للمقام.

نكتة ثمينة في الصناعة الأصولية والفقهية وهي أن العموم الاستغراقي نستطيع أن نقول هو أعم وأشمل من العموم المجموعي والعموم البدلي. يعني أن العموم المجموعي يثبت الأثر علی المجموع لا علی أحدهم بنحو السريان. هذا المعنی يمكن حتی في الاستغراقي لان الاستغراقي يترتب الأثر علی كل فرد فرد فبطريق اولي يترتب الأثر علی المجموع بما هو مجموع. نكتة نفيسة.

إذا كان الأثر يترتب علی كل فرد فرد فبطريق اولی يترتب علی المجموع. مثلا نفوذ حكم القضاء أو نفوذ حكم الفتوا أو نفوذ الحكم السياسي إذا يترتب علی كل فرد من العموم فيترتب علی المجموع بطريق اولی لأن الحجية تشتد. هذا ليس في باب الاجتهاد والتقليد والقضاء أو الحكم السياسي بل ولو في خبر الواحد ارتكاز كل علماء المسلمين هكذا إذا يستندون الی خبر الواحد المعتبر لايكتبون الواحد أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة، لماذا لايستندون الی واحد ولايكتفون به عن البقية، لأنه مادام استغراقيا الأثر علی المجموع بطريق اولی يترتب وبشكل آكد. وهذا ليس حجية خبر الواحد بل في جميع الحجج. لذلك يقولون تواتر الدلالة وتواتر الدلالة غير تواتر الصدور. يعني هذه الدلالة في القرآن أو في الروايات متواترة وأيضا عندنا استفاضة الدلالة أو استفاضة الصدور. حتی في الأصول العملية يقولون جميع الأصول العملية الجارية في المقام لأن المجموع آكد وأقوی. فالاستغراق لاينافي المجموع سواء المجموع بنحو الأغلبية أو المجموع بنحو الكل. هذه النكتة جدا صناعية وهي أن العموم الاستغراقي يأخذ خاصية المجموعي وزيادة، حتی البدلي وزيادة. العموم الاستغراقي دسم من حيث الجعل، هذه النكات صناعية تفيد في كثير من الأبواب النسبة بين العمومات.

هكذا الدليل الذي يقول كل فقيه له أهلية بلاشك جملة منهم أو مجموعهم يصير آكدا. فتعدد القضاء ليس ممتنعا. نعم يبقی تساؤل وهو انهم كيف يحكمون؟ مع بعضهم البعض أو واحد يتقدم والآخر يتأخر؟ فيه كلام، إذا تقدم واحد أبرم وكيف يحتاج الی الثاني أو قبل أن يبرم أحدهم فيتاوفقون ويبرم علی الجميع بلسان الجميع أو بلسان الأكثر مافيه مانع وممكن تصوره.

هذا ليس جوابا عن هذا التساؤل فقط بل طبيعة الحكم النظام الإسلامي يعتمد عليه لانه يمكن أن يصور أشكالا مختلفة كما هو علی جميع الأقوال المختلفة في تصوير الحكومة الإسلامية أو النظام القضائي أو نظام الفتوا. لذلك بنينا في الاجتهاد والتقليد أن في موارد التوافق لامعنی لتعين الاعلم دون غير الاعلم. لأن غير الأعلم أيضا حجة مثل الخبر الصحيح الأعلايي والخبر الموثق لايقال أن الخبر الصحيح الاعلايي حجة فقط بل يقال أن مجموهما أيضا حجة بالارتكاز، أن الأدلة التي هي معتبرة بنحو مستقل مجموعها اوكد في الاعتبار لذلك تلقائيا التقليد عندنا متعينا أن تكون مجموعيا وجميعا وان العموم الاستغراقي مجموعي وجميعي، لذلك بنينا عليه بجزم في باب الاجتهاد والتقليد، نعم في المسائل الاختلافية يعين الأعلم والأعلم يمكن أن يتعدد وغالبا هكذا في الأبواب أو في المجالات. المهم حتی في عالم السياسة أبواب يمكن أن يتعدد الاعلم وحتی في باب القضاء.

فعلی أي حال هذا التساؤل ليس فقط تساؤلا بل يعين خارطة النظام القضائية عند الامامية منذ عهد رسول الله الی يومنا هذا لان هذا النظام الذي ذكره الإمام الصادق هو نفسه كان في عهد الرسول تجاه الفقهاء. فالبحث ليس بحثا في باب التعارض بل يرتبط بباب الاجتهاد والتقليد والنظام القضائي والفقه السياسي والنظام الحكم عند الإمامية.

الجواب الثاني: اتفق علماء الامامية ووردت فيه نصوص كثيرة أنه يستحب للقاضي والوالي السياسي والمفتي الاستعانة والاستشارة العلمية من الفقهاء أو الفضلاء في الفقه، استحبابا مؤكدا. فمعنی تعدد الرجوع للفقهاء يعني جعل المسئلة متداولة معهم وإن كان يبرم واحد منهم لكن المشورة مؤكدة توصية من الشارع علميا، سواء في نظام القضاء أو نظام الحكم السياسي أو نظام الحكم الفتوايي.

رحمة الله علی السيد الخويي الی آخر عمره كانت جلسة الاستفتاء من الوزن الثقيل من السيد المرتضی الخلخالي كان بمعنی زميل السيد الخويي في درس الناييني وكان في جلسة الاستفتاء والسيد علی بهشتي والأوتاد الأخرى. السيد الخويي معروف هذه من امتيازات السيد الخويي جلسة استفتاءه كان كل اصحابها ثقال وكبار وهذا مؤثر جدا. معروف عن السيد محسن الحكيم في الجانب الإداري للمرجعية أو السياسية منفتح علی أوزان ثقيلة جدا. النجفيون الكبار أدركناهم كانوا ينقلون هكذا.

هذه الاستشارة للحاكم السياسي أو الحاكم القضائي أو الحاكم الفتوائي توصية اكيدة موجودة، بعد ذلك يفتي صاحب الفتيا أو المتصدي أويحكم القاضي أو يبرم الحاكم السياسي لكن المشورة ضرورية جدا. في وصية اميرالمؤمنين لمالك اشتر كحاكم سياسي أوصاه اميرالمونين بلجان استشاري من العيار الثقيل وتوصيته كوالي سواء في الحكم السياسي أو في القضاء أو في جانب آخر حتی في الفتوا وهذه سيرة العلماء الامامية، الشيخ المفيد والسيد المرتضی وغيرهم من الكبار عندهم جلسة استفتاء وسيرة علماء الامامية كلهم هكذا يعني في تدبير الشؤون سواء في الجانب الفتوايي أو جانب إدارة أمور الطائفة أو في جانب القضاء سيرتهم هكذا و هذه السيرة نتيجة روايات كثيرة.

هذا النظام متبع الان في الأنظمة القضائية الغربية وغير الغربية لأن فيهم لجنة المحكمين حتی النخب لها دور لتحرير الموضوعات. هذه المشورة نوع من الفحص، اليس ملزم بالفحص في الفتوا أو القضاء؟ أعظم أنواع الفحص هو الاستشارة.

فيمكن أن يحمل تفسير الرواية أن النظام الذي يجعله اهل البيت لنوابهم في عشرات رواية موجودة يعني صلاحية الفقيه في الفتيا والقضاء ولحكم السياسي لانظن أنها تقتصر علی الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت بل أصلها قرآني شرع منذ زمن الرسول صلي الله عليه واله أن الأعوان والوزرا لنظام الرسول نظام الائمة هم الفقهاء والنخب لها دور والامة لها دور. ايات كثيرة في ذلك وفي زمن الامام الصادق كان ثمان مرجعية عليا غير المرجعية في الطبقة الثانية والثالثة في الكوفة. بنص الكشي ونص الطبري للعامة. هذه سيرة بعبارة أخري.

اذًا المشورة صياغة لهيكلة نظام القضاء، المشورة بالمعنی الامامي لابمعنی العامة يعني انفتاح بانك المعلومات ولو كانت الإرادة والابرام من واحد. هذا أيضا قابل للتصوير. هذا توجيه ثاني للرواية.

توجيه ثالث: للرواية ذكره السيد اليزدي وعنده ملحقات العروة غير الجزء الأول والثاني فيه عدة كتب فقهية دسمة جدا، من تلك الكتب كتاب القضاء للسيد اليزدي صاحب العروة. فيه كتاب الضمان والهبة وغيرها. قليل من الأعلام علقوا عليه. السيد اليزدي عنده كتاب خاص للتعارض ومطبوعة حروفيا وحافل بالمواد والنكات المهمة يذكر وجها ثالثا وهذا ليس فقط لتفسير الرواية وباب التعارض بل يؤثر علی ممشی بنية القضاء عند الامامية ويؤثر علی ممشی وبنية النظام السياسي. هيكلة النظام السياسي عند علماءالامامية مختلفة وعندي كلها صحيحة وذات مراتب فهذا البحث ليس بحث التعارض فقط بل يرتبط بأربعة أبواب أو خمسة أبواب وبحث حساس دسم جدا.