الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة، الرجوع الی الفقهاء المتعدد في الفتوی والقضاء والحكم السياسي

 

كنا في هذا التساؤل في مفاد الرواية صحيحة عمر بن حنظلة أنها واردة في القضاء فكيف يعممها الأعلام الی تعارض الروايات؟

بالتبع كان الكلام في هذه النقطة أنها ما هي العلاقة بين باب القضاء وباب الفتياء وباب الروايات وباب الحكم السياسي؟ فتبين بما مر أن العلاقة هي تقوم باب القضاء بباب الفتيا وتقوم باب الفتياء بباب الروايات، فلما يكون الحال هكذا طبعا كل ما يثبت للخاص لايثبت للعام لكن كل ما يثبت للعام يثبت للخاص والمصاديق.

هنا لابد أن نلاحظ أن الرواية في المقام عند ما يحكم في الترجيح في الروايات هل هي ناظرة الی خصوص القضاء أو لما يتقوم به القضاء من الفتياء والرواية؟ نعم باب القضاء له خصوصيات كما مر بنا أن الآليات التطبيقية للكليات الفتوائية آليات خاصة بباب القضاء وهو تطبيقها علی الحكم الجزئي كما في باب الحكم الولايي والحكم السياسي آليات تطبيقية خاصة بالحكم السياسي لتطبيق الحكم الكلي الفتوائي. فلننظر أن ههنا، أخذت الاحكام كآليات في القضاء أم هي مأخوذة في الفتوا أم هي مأخوذة في الحقيقة في مستند الفتوا لانه كما مر بنا أن الأمر بين باب القضاء والفتوا والروايات مترامي.

نلاحظ أن الراوي نفسه افترض أن اختلاف القاضيين ليس في آليات القضاء بل اختلافهما في المستند، نفس التعبير للراوي هكذا: «فإن كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا في ما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم» إذاً هنا الاختلاف في القضاء ليس في آليات القضاء بل الاختلاف في مستند المستند.

مستند القضاء ثلاثة أمور؛ آليات القضاء ثم الفتوی الكلية ثم قبل الفتوی الكلية مستند الفتوی، هنا الراوي جعل مركز سؤاله في ما إذا صار الاختلاف في مستند الفتوی لا في مستند القضاء فالاختلاف في مستند المستند للقضاء. «كلاهما اختلفا في حديثكم» إذاً واضح هنا أن موضع الاختلاف والتعارض ليس في القضاء ولا حتی في الفتوی، إنما في مستند الفتوی واستنباط الفتوی. فإذاً هذه الوراية ليست أجنبية عن علاج تعارض الروايات. وأيضا شواهد كثيرة موجودة في الرواية دالة علی أنها في بيان وصف الخبرين لا في وصف القضائين. الراوي يسئل والامام يجيب.

مثلا «ينظر الی روايتهم» و أيضا «إن كان الخبران ما وافق العامة» وغيرهما كلها ناظر الی الخبر فالصحيح أن هذا التساؤل مرفوع بهذا الجواب يعني بالالتفات الی ماهية القضاء وماهية الفتوی وماهية الرواية وماهية الحكم السياسي.

قبل أن نغادر هذا السؤال وهذا الجواب نركز علی تلخيص البحث لأنه من البحوث الصناعية من صناعة الفقه ومهمة. سنعاود الی هذا البحث مرة أخری في الروايات. هنا لابد أن نركز بحداقة وبالدقة أن هناك شرائط في الفتياء والفتياء كأمارة تختلف عن الرواية كأمارة. فالفتياء كأمارة لها شرائط مثل أن يكون المفتي شيعيا ومنكم وكذا بخلاف الراوي فإنه قد يكون عاميا موثوق اللهجة. إذاً يجب الباحث أن يميز بين شرائط الفتياء كأمارة وبين شرائط القضاء كحكم جزئي وبين الولاية. هذه المقامات الأربع يجب أن نميز بينهم.

ولانخلط شرائط الفقيه والمقلد والتقليد والمرجع هذا أمر وبحوث الرواية أمر آخر، باب حجية خبر الواحد باب وباب الاجتهاد والتقليد باب وباب القضاء باب آخر وباب الوالي في باب الأمر بالمعروف باب آخر، أربعة أبواب ولكل باب الشارع أخذ شرائطا وموازينا خاصة.

هنا في الرواية صرح ان منشأ الاختلاف في القضاء يرجع الی باب حجية خبر الواحد لاباب القضاء ولاباب الاجتهاد والتقليد ولاباب الوالي بل باب حجية خبر الواحد. وما ربط الخبرين بباب القضاء؟ مر بنا أن ماهية هذه الأبواب منفتحة بعضها علی البعض ومنطوية بعضها في البعض.

تساؤل ثاني في الرواية: كيف يعينان قاضيين؟ قال عليه السلام: «ينظران الی رجل منكم -عموم استغراقي لابدلي- قد روی أحاديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا» نص في نصب فقيه قاضيا من قبل الائمة اهل البيت عليهم السلام ومفتيا. «قلت إن كان كل رجل اختار رجلا من اصحابنا...» حتی في زمن الأئمة عليهم السلام مرجعية الفقهاء في كوفة بنص الكشي حتی الطبري ثمان مرجعيات في عرض واحد، زرارة ويعبر مقلديه زرارية وهناك مسلمية أتباع محمد بن مسلم وهناك بصيرية أتباع أبي بصير وهناك بريدية وعمارية أتباع عمار بن موسی الساباطي، هذا التعدد والتنوع في مرجعية العليا مألوف حتی في زمن الامام الصادق ولايختص بالان. هذا من باب السيرة المتشرعة في زمان الامام عليه السلام.

«فإن كان كل رجل اختار رجلا من اصحابنا» جماعة شخصوا زرارة وجماعة شخصوا محمد بن مسلم وجماعة شخصوا بريد بن معاوية أو هشام بن حكم أو هشام بن سالم، في الفتيا التعدد سيرة المتشرعة ولم يتوهم أن العموم بدلي في الفتياء بل العموم استغراقي طبعا نفوذ كل فقيه بحسب مساحة المكلفين المتشرعة الذين يرجعون اليه، قضية العليا والوسطی بهذا اللحاظ «انظروا الی ... فاجعلوه...» يعني هم المؤمنون يمكنونه بحسب ما يشخصونه من واجدية الشرائط، فالاستغراق والتعدد في الفتياء والمفتي أمر مألوف نصا وسيرة ولاكلام في ذلك لكن ماذا عن القاضي؟ في القضاء أيضا العموم استغراقي وليس بدليا وهذه الجهة ليس اشكالا في تعدد صلاحيات القضاء وليس حصرا بفقيه واحد لا في القضاء ولافي الفتياء، -لكن عند التعارض بحث آخر-. ليس العموم مجموعيا ولا بدليا بل العموم استغراقي هذا متصور وواضح، لكن في الفقه السياسي محل بحث وله بحث آخر.

لكن في نزاع شخصي واحد كيف يمكن ان يتعدد القضاة؟ نعم الفقهاء وكلوا من قبل الائمة عليهم السلام مثل الوزراء، كل فقيه وزير من باب المثال، لكن الكلام في جزئية واحدة مثلا في وقف واحد كلا الفقيهين يعملون الفتوا، لايمكن، لابد فيه الترجيح إما الأسبقية زمنا أو شيئ آخر لذلك سيرة فقهاء الإمامية الواجدين للشرائط إذا تصرف منهم أحد في موضع لايجوز للاخر ان يدخل عليه في الخط لانه مثل الرد مع أن صلاحيته من قبل الائمة وتصرفاته علی الموازين الظاهرية وليس للاخر أن يدخل لأنه مثل الرد فنقض الفقيه للفقيه الاخر لايجوز. هذه البحوث ذكروها الاعلام في باب القضاء وباب الاجتهاد والتقليد.

انما الكلام هنا في واقعة خاصة كيف يمكن تعدد القضاء؟ يمكن أو لا؟ ثورة العشرين قرارة مسيرية في أرض العراق، هذا القرار الأرضي كان السيد يزدي موجودا والميرزا محممد التقي موجود و أعلام أخری ومراجع كثيرون موجودون في هذا القرار المسيري فأفتوا بالجهاد ولم يتفرد ميرزا محمد تقي بالفتوی، هذا حكم سياسي في هذه الواقعة الخاصة لم يستبد الميرزا محمد تقي في الفتوا لأنه قرار مسيري، اجمالا اغلبهم اجمعوا في هذه الفتوی. هذا تصوير لحكم ولايي لكن تصوير بالتعدد والاخذ بالمجموع وفي موارد أخری أيضا هكذا فتوی الجهاد مقابل الروس في ايران أفتی بها ابن صاحب الرياض، نفس الثورة الدستورية في ايران الناييني وصاحب الكفاية اشتركا فيه، نفس الكلام مع أنه اجماع ولايي وسياسي وفتوايي، اشتركوا فيه مجموع الفقهاء، الكلام في هذه النقطة أنه في المسير الخطير للطائفة والأمة والبلد يتهاشی الفقهاء بالتفرد. فتصور التعدد في الحكم الولايي أمر معهود وتدبيره موجود ومكرر في تاريخ الامامية. فقهاء الحلة عزموا بالمفاوضات بدل المواجهات مقابل المغول. في تاريخ علماء الامامية التعدد التوافقي المجموعي أمر معهود وقابل للتصور عقلائيا ونص الشرع الوارد وسيرة الفقهاء أيضا كذلك، لكن الكلام في القضاء هل قابلة للتصور أو لا في واقعة شخصية واحدة؟ هذه الرواية احد اشكالياتها هذا.

نحن نفرض أن نظام الشرع ليس مقابلا للعقلاء مأة وثمانين درجة، إنما نظام الوحي يرشد المسيرة العقلائية ويهذبها الی الكمالات العليا ولايباينها تماما. لنری في باب القضاء الامر كيف هو، هل يمكن تعدد القضاء عقلائيا أم لا؟ في العقلاء لما يصير الأمر خطيرا تفرد شخص به خطأ عندهم، الان دول العظمی هكذا يعني القرار لايكون فرديا بل يكون مجموعيا يعني العقل الجمعي النخبوي المتخصص عندهم أمر مقبول، حتی النصوص الواردة من أهل البيت مع أنها استغراقية لكن يمكن أن يقال بقرينة حالية إذا كان الأمر خطيرا ليس بعيدا أن يكون الصلاحية مجموعية وليست فردية وهذا الحال في الحكم السياسي نری في العقلاء في الحكم القضائي إذا كان النزاع خطيرا بين الدولتين وبين مجموعتين من الدول مثل الحرب العالمية الاولی مثل محكمة اللاهاة في النزاعات الدولية وشعوبية وتحالفات يعينون مجموع القضاة، السيرة العقلائية في القضاء والسيرة العقلائية في الحكم السياسي بعد أن تعقل البشر وتنامی عقل البشر أصبحت أنظمة البشر كما يحدث القران الكريم عن بلقيس ما كنت قاطعة أمرا حتی تشهدون، العقل الجمعي والعلم الجمعي مقدم علی الفردي في الأمور العصيبة الحساسة.

أن الأدلة صحيحة أنها استغراقية وبدلية من جهة، يعني في النزاع الفردي تقدر أن تراجع الی أي من الفقهاء حتی في الاستفتائات إذا لم يكن هناك خلاف تستطيع أن تراجع الی فقيه أما عند اخلاف بحث آخر لكن لايبعد وهذا متعين أن في الأمور العصيبة يكون العموم مجموعيا في القضاء وفي الولاية وحتي في الفتياء، إذا كان الأمر خاصا مرتبطا بهوية المذهب وأصل المذهب لايبعد أن يقال هنا يحكم المشهور.

طبعا مذاق المشهور أيضا هكذا أن في مسار الطائفة يأخذ بالمشهور ثم بعد ذلك إذا لم يحصل المشهور يرجع الی الاعلمية. عند مشهور الفقهاء الشهرة مقدمة حتی علی الاعلمية، مشهور عبارة عن جموع الأعلم وجموع الأعلم مرجح علی الأعلم الواحد. ان الاطلاع علی أقوال العلماء الامامية عبر القرون ضروري. تغييب الوعي والثقافة عن أقوال الاعلام من الامامية في الكلام أو الفقه أو المدارس الرجالية عبارة عن موت العلم وموت هوية المذهب. هذا أمر خطير والإطلاع علی كلمات علماء الامامية ضروري جدا. حتی عوام الناس وعوام المومنين يجب أن يعلمون لا للعمل بل لاطلاعهم علی هوية المذهب. هذه الأمور مفروض أن يبنی المذهب عليه. تری الفقهاء والفحول يخافون أن يفتوا خلاف المشهور، لأن المشهور له دور والمشهور يعني مجموع الأعاظم ومجموع القرون ولايتلخص المذهب في قرن واحد بل المذهب عبارة عن مجموع القرون فضلا أن يتلخص في فرد واحد وفي قرن واحد. سيأتي ان شاء الله بحثه بعد فقرتين في هذه الرواية. وهذه الرواية من كنوز الروايات وتدل علی فقاهة عمر بن حنظلة. وعي الفضلاء بالمشهور ضروري وبطبقات كلمات الفقهاء ضروري في القرون المتمادية.

إنه ليس بعيدا أن في الأمور العصيبة في القضاء وفي الحكم السياسي والولايي المجموع أو الكثير هم يحكمون.