41/05/17
الموضوع: باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة، العلاقة بين باب الرواية والفتوی والقضاء والحكم السياسي
كنا في الاشكال في دلالة صحيحة عمر بن حنظلة من أن الرواية واردة في القضاء فكيف الفقهاء يعممونها الی بحث الرواية وشئون الرواية؟ هذا أحد الإشكالات التي تسجل علی الاستدلال بالرواية في مقام العلاج للروايات المتعارضة من أنها ليست من الاحكام القضائية المتعارضة.
هذا التساؤل أحد التساؤلات الأربعة أو الخمسة الأساسية في دلالة الرواية يعالج بالالتفات الی العلاقة بين مقام حجية الرواية ورواية الراوي ومقام حجية الفتوی وحجية القضاء والحكم القضائي وحجية الحكم الولائي والسياسي، خلافا لما ذهب اليه الأخباريون من أن هذه المقامات شيء واحد. مر بنا أنها ليست مقاما واحدا بل حيثيات مختلفة.
من الواضح أن بين هذه المقامات الأربعة نوعا من الترابط كالموضوع والمحمول، -طبعا لما يقال الموضوع والمحمول يراد به موضوع الموضوع وموضوع موضوع الموضوع وهلم جرا يعني بنحو الترامي- فمن ثم مجموع القضية والموضوع والمحمول في الحكم القضائي مأخوذ فيها الجانب الفتوايي ومجموع القضية يعني الموضوع والمحمول في الحكم الفتوايي مأخوذ فيها الرواية كما أن الحكم الولايي السياسي كمجموع القضية أيضا مأخوذ فيه الحكم الفتوايي، فعلی هذا التفسير يتبين أن العلاقة بين المقامات الأربعة جنس وجنس الجنس، فالرواية جنس والفتوی جنس أقرب والقضاء والحكم الولايي نوعان، هذا التصوير أيضا لابأس به وإن كان بالدقة يرجع الی الجانب السابق.
فعلی أي تقدير هذا البحث بهيكلته -وله هيكلة مهمة وحساسة- فيه شرح لنظام الحكم السياسي الذي قرره أئمة اهل البيت عليهم السلام لنوابهم ومواليهم. يعني أنه يلزم أن يدقق الی زواياه و الحلقات المرتبطة فيه، لذلك رواية عمر بن حنظلة من أمهات الروايات وجملة من النكات المهمة فيها وجدا زوايا عجيبة وكثيرة فيها.
مثلا أطروحات فقهاء الشيعة في الحكم السياسي مثل ولاية الفقيه أو غيرها في زمن المشروطة فقهاء النجف ذكروا صيغة من صياغات الحكم السياسي غير ما ذكره السيد الخميني، المقصود كانت صيغ مختلفة طرحت من الفقهاء من السيد شريعتمدار أو من السيد الخميني أو من الشهيد الصدر هل هذه الصيغ مختلفة أو متباينة أو بينها الدرجات أو غيرها ؟ هذه كلها أبحاث ترجع الی هذه المنظومة التي موجودة عندنا في هذه الرواية. صاحب الجواهر ماذا يذكر في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنراقي ماذا ذكر؟ ربما قريب ثلاثين كتابا كتب في هذا الشيء ممن يعتنی بهم.
إذاً هذا البحث -وهو ماهي العلاقة بين هذه الأربعة- بحث بنيوي، باب الاجتهاد والتقليد وفروعات الاجتهاد والتقليد كلها من هذا البحث وأيضا كيفية نظام القضاء الإسلامية، هذا بحث مهم. فهذا البحث لانفكر أنه في رواية واحدة والقضية مرتبطة بعلاج التعارض في الروايات بل هذا البحث بحث هيمني في العلاقة بين الأبواب الأربعة، فلما يقال القانون طبقات لازم أن نلتفت اليه.
فإذا يراد أن يعرف أن منظومة موازين القضاء ماهي، فمن هذا البحث يلتفت اليه أن في التنظير الكلي الحكم الفتوايي له دخل والموازين القضائية دورها آلية وتطبيقية للحكم الفتوايي، أصل الحكم التشريعي في القضاء مأخوذ من الحكم الفتوايي، -هذا البحث من القوانين الوضعية- فأصل الحكم القضايي ليس مباينا عن الحكم التشريعي والأولي بالاصطلاح الديني، فدور القضاء آليات تطبيقي للتنظير الكلي الفتوايي علی الموارد الجزئية. لذا الذي لايلم بالحكم الفتوايي في جميع الأبواب طبعا يترجل في القضاء لكن هذا بمفرده غير كاف ويجب أن يضم اليه موازين القضاء. فمن ههنا كل منظومة بحث القضاء خارطته الاجمالية صارت واضحة.
ما هو دور الحكم السياسي سواء بالمنطق الوضعي أو بالمنطق الشرعي والسماوي؟ ان الدور السياسي هو مراعاة القوانين الكلية والفتوايي أو التشريعية مع المهارة والممارسة والمران في آليات الحكم السياسي وتطبيق الحكم الكلي علی الموارد الجزئية، غير البينة والايمان بل دورها دور حجية أهل الخبرة والنخب.
أحد الموازين العظيمة في الحكم السياسي هو حجية أهل الخبرة، الخبرة العسكرية أو الإقتصادية أو الزراعية أو الأمنية وهلم جرا. هذا من بديهيات الفقه كما يشير اليه الميرزا الناييني. فلاحظ من هذا المبحث تتجلی بحوث هيمنية في أبواب كثيرة في الفقه. فاذا العلاقة صارت واضحة بهذا المقدار. ان الحكم الفتوايي يتدخل في الحكم القضايي والسياسي لكن أين حدود تدخّله صارت واضحة وأين مختصات حدود القضاء أيضا صارت واضحة، وماهي موازين وأليات الحكم السياسي وتطبيق الحكم الفتوايي المفروض صارت واضحة أن حجية أهل الخبرة من موازينه والفحص منها أيضا لأن الحكم السياسي ليس قائما علی قطع العذر.
في باب حجية خبر الواحد وحجية الظنون علماء الأصول قالوا هناك نوعان من سير العقلاء، هذان النوعان جدا مهمان. حتی الحجية نوعان. طبعا الحجية لها أنواع وأسناخ كثيرة، لكن هذان النوعان جدا مهمان وفي العقائد والعلم السياسي وباب القضاء والأخلاق مؤثر ومن بحوث أصول القانون. طبعا نفس هذه الأبحاث الأربعة من أصول القانون.
هناك بعض سير العقلاء قائم علی الحجية بمعنی التعذير والتنجيز. تجري في مالايعلمون ومااضطروا اليه و غيرهما. هذا باب معروف من أبواب الحجية وهو مبحوث عنه في حجية خبر الواحد وحجية الظنون وحجية الفتوی ومعروفة ومعهودة.
هناك معنی اخر للحجية أشار اليه الأصوليون. هذان المعنيان مقامان خطيران للحجية. ماهو المعنی الثاني؟ المعنی الثاني للحجية هو استقصاء الجهد بقدر الوسع لتحصيل أكبر قدر من مصلحة الواقع مثل هذه السيرة في التجار، التجار حتی في عقد المضاربة، هنا تبنی عقد المضاربة علی الحجية بالمعنی الثاني وليس قائما علی التنجيز والتعذير بل علی تنجيز أقصی قدر من الاحتمالات للواقع. في باب الاجارة بعض أنواع الاجارات كما بيّنه أهل البيت قائمة علی الحجية بالمعنی الثاني، مثلا إن تستؤجر الطبيب ليعالج، فباب الطبابة ليس باب التنجيز والتعذير بل باب النفوس ويجب علی الطبيب الحاذق -فضلا عن غير الحاذق وهو حرام عليه أن يتصدی- الطبيب الحاذق يجب أن يستقصي الاحتمالات ولو قصر وبنی علی التنجيز والتعذير يضمن. هنا باب الطب والطبابة مبنية علی الحجية بالمعنی الثاني وإذا قصر الطبيب في الحجية بالمعنی الثاني يضمن. وإذا أردنا أن نستقصي في الأبواب كثير وكثير وكثير.
بعض الفضلاء دائما يبنون علی الحجية بالمعنی الأول وهذا خطأ، هناك أبواب كثيرة في الفقه مبنية علی الحجية بالمعنی الثاني ومنها اجتهاد المجتهد والاستنباط لأن الفحص في الاستنباط والتتبع واجب. أي احتمال عقلايي في الدليل عندك لابد أن تفحص ولايعذر المجتهد في عملية الفحص للاستنباط أن يتعامل مع مجموع الحجج بالحجية بالمعنی الأول بل يلزم بالحجية بالمعنی الثاني. لذلك في هذه الرواية الشريفة «نظر في حلالنا وحرامننا» مجموعي «وعرف احكامنا» أيضا مجموعي وإذا نزلنا بدل كل يصير جلها لا البعض.
إذاً الحجية في باب الفحص حجية من النمط الثاني كذلك الحجية في الحكم السياسي سواء تصدی عليه الفقيه أو غير الفقيه، عالم السياسة عالم متقلب، فيه زوايا كثيرة ألف فعلل وتفعلل. الحجية في المسائل العامة غالبا حجية بالمعنی الثاني التي تذكر في باب الفحص للفقيه والمجتهد. هذه النكتة جدا مهمة في خارطة الحجج التي بحثها الاصوليون وللأسف ليست مبلورة في كلمات الأصوليين لكنها مذكورة في ثنايا وزوايا كلامهم، أن الحجية علی نوعين ونمطين. في باب الحكم القضايي بعض مراحل القضاء مبني علی الحجية الثانية وبعض مراحل القضاء مبني علی الحجية الأولی. في قصة داود تأني النبي داود علی مراعات الحجية بمعنی الثاني فاستغفر وأناب. بعض مراحل القضاء مرتبطة بالحجية بالمعنی الثاني وبعض مراتب القضا مرتبطة بالحجية بالمعنی الأول. أما الحكم السياسي جله مبني علی الحجية بالمعنی الثاني. أحد موازين الحكم السياسي استقصاء الفحص وهذا ليس مختصا برئيس الجمهور أو رئيس الوزرا بل غالب المناصب السياسية مرتبط بهذا الوجه.