41/05/11
الموضوع: باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة، بيان حول أربعة أبواب في الفقه، باب القضاء وباب الفتوی وباب الولایة والسلطة التنفيذية وباب الرواية.
كنا في صحيحة عمر بن حنظلة التي هي رواية مركزية في باب القضاء وأيضا في باب التعارض والمرجحات. وكما مر أن مركزية رواية دون أخري عند طبقات مشهور العلماء لمضمونها، لأن المضمون له أهمية لا يرقی اليه الصدور والسند وإذا طابق أصول المحمكات في الكتاب والسنة يجد رتبتا أكثر.
من البراهين البينات علی أن المضمون يقدم علی الصدور هو أن الخبر الظني الصدور المعتبر الخاص عند المسلمين كافة إلا من شذ من الفريقين يخصص عموم الكتاب، مع أن عموم الكتاب وحياني والخبر صدوره ظني لأنه لايعبأ بالصدور بقدر ما يعبأ بالمضمون، هذا برهان بنفسه علی أن المدار عند كافة مذاهب المسلمين علی الصحة الثبوتية أكثر من الصحة الإثباتية. الصحة الثبوتية يعني المطابقة الثبوتية والحجية. هذا مسلك المشهور من المحقق الحلي والمفيد وغيرهم.
هناك عدة تساؤلات أو اشكالات علی هذه الرواية رغم أنها محط نظر ومحط اعتماد الأعلام كلهم. فنقول عندنا اربعة أبواب في الفقه؛ باب القضاء وباب الفتوا وباب الرواية وباب الولاية والسلطة التنفيذية والحكم التنفيذي.
السؤال الأول: هذه الرواية إذا ورد في باب القضاء أو باب السلطة التنفيذية فما ربطها بالمستند العلمي وباب الرواية؟
السؤال الثاني: كيف يجعل قاضيان في الخصومات والسؤال الثالث، كيف يجعل الميزان المتخاصمين أنفسهما؟ والسؤال الرابع، كيف يقدم الترجيح بصفات الراوي علی الترجيح بالشهرة؟
نبدأ بالتساؤل الأول: باب الفتوا والحكم الفتوايي وباب القضاء وباب الرواية ما الصلة بينهم؟ هذا البحث ماهوي وتحليلي ولا يوقف عليه علی مستوی سطح ألفاظ الروايات يعني يحتاج الی التحليل. ما الصلة بين باب الحكم التنفيذي والحكم القضايي والحكم الفتوايي والروايات؟ ما الصلة بين هذه الأربع؟ هذا التساؤل هنا في هذه الرواية ليس خاصا بهذه الرواية بل جار في كل أبواب الفقه، مثلا في المكاسب المحرمة ذكروا أن تحريم رسول الله صلي الله علیه وآله لأكل الفرس والحمير والبغل في خيبر، العامة فهموا منها أنها تحريم فتوايي يعني حكم تشريعي ثابت، بينما الائمة عليهم السلام بينوا أنه ليس حكما تشريعيا وفتوائيا.
بين القوسين أذكر فائدة: الفتوا لاتعني فتوی الفقيه بل الفتوا مطلق بيان التشريع، مثلا في الآية الشريفة ﴿يستفتونك في النساء قل لايفتيكم﴾ إن لله يفتي يعني البيان التشريعي والسلطة التشريعية وهي في الأصل لله تعالی.
فنرجع: هذا التشريع حكم من الأحكام وخلطوا العامة بين الحكم التشريعي الفتوايي والحكم الولايي. نهي رسول الله عن أكل الفرس والحمير والبغل يعني أن دواب المسلمين والمركبات العسكرية للحرب والقتال إذا نفدت لاتبقی لهم قوة، فليس مثل حرمة أكل الخنزير والميتة.
الشيخ محمد حسن كاشف الغطاء عارضته ذوقية متينة مثل جده الشيخ جعفر، عنده بيان لطيف يقول: الثاني عند ما قال متعتان كانتا علی عهد رسول الله حلالا و أنا أحرمهما، يقول المفروض أن الجمهور ليفتهموا أن هذا التحريم من باب السياسة فلماذا فهموا منها الحرمة التشريعية الثابتة؟ طبعا هم يحاولون بان هذا التحريم في زمن رسول الله كان موجودا ويمكن أن يكون موجودا في زمان رسول الله، أمر بها ثم نهی عنها ثم أمر بها، لكن نهي رسول الله علی فرض وجوده في بعض الموارد ليس تشريعيا، مثل تحريم الإمام الصادق وهو عليه السلام حرم علی أبان بن تغلب و واحدا آخر من زعماء وفقهاء تلاميذ الإمام الصادق والباقر (أبان بن تغلب عنده مراس كبير جدا في هذا المجال في باب المنقطع.) حرم عليهما الامام المتعة في المدينة المنورة وما كان تحريما تشريعيا بل تحريم ولايي بما هو والي.
للأبان قصص عجيبة وغريبة في هذا المجال مع أنه من رؤساء الطائفة في الكوفة لكن في هذا المجال جلي يعني أبدا لايؤخذ في الله لومة لائم. أن النجاشي يذكر في ترجمة أبان كان إذا أتی مسجد النبي صلي الله عليه واله اختلت بقية حلقات التدريس وكلهم جمعوا حول أبان وكان يقول الإمام الصادق أو الباقر عليهما السلام إني أحب أن أجلس مثلك وأفتي، يعني هكذا كان شخصيته المهمة.
فتحريم الإمام الصادق عليه السلام ليس تشريعا بل يسمونه التحريم التنفيذي. ففرق بين الحكم التنفيذي والحكم التشريعي. ومن هذا القبيل في الفقه موارد عديدة طبعا عند علماء الامامية سيما في القرون الأخيرة بعد ما نشط الفقه السياسي أخذوا المعاصرون ربما يثيرون الاعتراضات العلمية أن جملة من الاحكام التي استنبطها المشهور أنها حكم تشريعي ثابت، بعضها لعل من باب الحكم الولايي أو السياسي الولايي أو التنفيذي لأهل البيت لاأنها من باب الحكم الثابت. طبعا في هذا المجال السيد الخميني نستطيع ان نقول يشدد في هذه الضابطة وكثير من الموارد التي يعتبرها المشهور -لابمعنی الأغلب أو الأكثر لكن موارد عديدة- أنها أحكام تشريعية ثابتة، السيد بنی عليه أنه حكم تنفيذي ولايي.
هذا بحث حساس، الفرق بين الحكم التنفيذي والتدبيري والسياسي وبين الحكم التشريعي، السياسي ليس معناها التلعب بالموازين بل من باب أن التنفيذي والولايي سنخه يختلف عن التشريعي. سنخوض في الفارق. لكن بالتالي عندنا أسناخ من الحكم، أربعة أسناخ.
طبعا فيه قاعدة أن الأصل الأولي في الأحكام التي نتلقاها من الأئمة، حتی عند العامة الأصل إذا تردد الفقيه أن يكون الحكم تشريعيا ثابتا. الحكم الولايي له مؤونة.
وأيضا الحكم الولايي للنبي والأئمة لايمكن للفقيه أن يرفعه إلا بالدليل حتی لو فرضنا الولاية للفقيه. بعض الأحكام حتی التنفيذية ليس للحكومة اللاحقة أن يلغی الحكم التنفيذي للحكومة السابقة، ليس الكلام في كل الاحكام التنفيذية بل بعضها. مثلا اذا صوب البرلمان بقانون فإذا يجيء برلمان آخر لاتلغي ذلك، لأنه في بعض الأحكام طبيعته إذا أبرمت سواء كانت تشريعية أو تنفيذية غير قابلة للرفع. ماذا ضابطته؟ لاأريد أن أخوض فيه لكن في علم القانون موجود. إذا يمكن أن يتملس الحكومة اللاحقة كل حكم أبرمته الحكومة السابقة فما بقي حجر علی حجر.
إجمالا نريد أن نقول إن هذا البحث في صحيحة عمر بن حنظلة بحث عميق واقعا هذه الصحيحة رواية كألف رواية وهذا دليل علی أن عمر بن حنظلة ليس واحدا سهلا. يعني حتی الأعلام قالوا: في بعض الأبحاث يظهر أن عمر بن حنظلة ربما أفقه من زرارة أو غيره من الاعلام كمحمد بن مسلم. هكذا سعة وأفق نظره العظيم.
فالمهم هنا في المقام أن نلتفت أن عندنا أربعة أبواب وليس بابا واحدا ويحب علی الفقيه أن يلتفت الی الفرق بين الأبواب. فما الفرق بين الحكم التنفيذي والولايي والسياسي والتدبيري والحكم التشريعي والحكم القضايي. أربعة أسماء اصطلاحية عند الفقهاء للحكم التنفيذي، طبعا الحكم التنفيذي والسياسي يسمونه من باب المتغير في الشريعة أحد الأبحاث المهمة في جانب المتغير في الشريعة قضية الحكم التنفيذي أو الإجرايي أو الولايي أو السياسي أو التدبيري.
طبعا هناك مسلك عند الاخباريين يقولون بان كل هذه الأبواب اجمالا شيء واحد سيما الفتوايي والقضايي مع الروايي فيدعي الاخباريون جمهورهم أن العلماء رواة ولاحجية للعلماء وراء أنهم رواة. طبعا هذا مسلك خطير. يعني فيه تداعيات علمية في بحوث كثيرة. أن حجية العلماء فقط لكونهم رواة يعني أن الفقيه ليس له إلا ان يكون ناقلا للرواية. هذا قول وسنعود اليه.
القول الثاني: إن هذه الأبواب شيء واحد وماهية واحدة لكن لا من باب الرواية بل من باب آخر.
القول الثالث: إن هذه الأبواب متباينة، ماهيتها متباينة عن بعضها البعض.
القول الرابع والمعتمد عندنا: إن هذه الأبواب لاهي متباينة ولاهي متحدة ولاهي رواية بل جنس ونوع. طبقات من الأجناس والنوع. كما سيأتي بيانه. هذا بحث تحليلي صناعي ما وراء الألفاظ، يعني يقوم به الفهم لا السمع.
دعونا نناقش هذا الكلام المنسوب الی الاخباريين؛ أن الققهاء والعلماء ليس لهم دور إلا الرواية، هذا البحث جدا صناعي ومهم و بحث هيمني. هذا المبنی عند الاخباريين بالدقة يرجع الی فهم خاطئ لمعنی مدرسة النص الإلهي و فهم خاطئ لمدرسة الرأي.
مرارا كرارا نقح كثير من الأعلام المحققين أن معنی النص الإلهي ليس اللفظ بل النص الالهي يعني الوحي بكل طبقاته. الوحي الإلهي يشمل كل المعاني اللامتناهية. علم التفسير وعلم الكلام يثبتان هذا المطلب من باب تبادل الخدمات العلمية بين العلوم الدينية.
مثلا في التفسير، تأويل القرآن من القرآن. كثير من المفسرين أو من الفقهاء أو المتكلمين يظنون أن القرآن فقط هو التنزيل وهذا اشتباه كبير. تأويل القرآن من القرآن وتنزيل القرآن بعض القرآن. هذا الذي يقال في تحريف الكتاب من روايات كثيرة بين الفريقين موجودة و أن امير المؤمنين فقط يجمع الكتاب، المفيد والشيخ جعفر كاشف الغطاء وجملة من الفحول يقولون يراد به تأويل القرآن وتنزيله، تأويل القرآن من القرآن. أولئك حذفوا التاويل وأبقوا التنزيل فهذا أيضا تحريف وتحريف خطير، لأن القران يقول خطورة التأويل و بعضيته في القرآن أعظم من التنزيل لأن التنزيل طرف الحبل و التأويل متن أبعاض حبل الله.
هذا بحث عجيب وغريب في معارف الدين. إن النص ماهو؟ جدا هذا مبحث حساس. ابوحنيفة مع أنه تلمذ عند الامام الصادق عليه السلام وما ترك الإمام عليه السلام وكان يجي ء ويذهب الی آخر حياة الامام الصادق، كان يقول للامام الصادق عليه السلام هذا رجل إخباري صحفي، بالاصطلاح القديم يعني الإخباري. بناء الإخبار يعني اللفظ والتنزيل.
فوصل هذا الكلام فابتسم الإمام عليه السلام فقال: نعم، صحف السماء لاصحف الأرض. يعني هذا الطبقات من بحور المعاني لايقدر عليه البشر. إن هذا الرأي الذي ذكره الأخباريون خطر، أن أصل معنی النص ماهو؟ والراوي ماذا دوره والفقيه ماذا دوره؟